خوفا واحتجاجا على الترحيل إلى سوريا، حاول أربعة رجال إنهاء حياتهم شنقا في سجن رومية المركزي شرق لبنان، فيما تمضي الحكومة اللبنانية قدما في تنفيذ خطتها الرامية إلى طرد أكبر عدد ممكن من السوريين، مع إعلان مدير الأمن العام “انطلاق قافلة سورية قريبا”. كل ذلك يأتي وسط ضغوطات يومية يتعرض لها السوريون، مع إطلاق تطبيق إلكتروني يتيح للمواطنين اللبنانيين “التبليغ” عن السوريين والتقاط صور وإرسالها إلى الجهات المختصة.

قبل بضعة أيام، تداولت أنباء محاولة أربعة سجناء سوريين في أحد أكبر سجون لبنان شنق أنفسهم باستخدام أغطية، وذلك وسط مخاوفهم من أن يتعرضوا للترحيل واحتجاجا على ترحيل أحد أقربائهم إلى سوريا، والمعرّض للاعتقال على يد أجهزة الأمن بسبب نشاطه المعارض للنظام السوري.

لم تنجح محاولة الرجال بإنهاء حياتهم، إذ تدخلت السلطات في اللحظات الأخيرة ونقلت ثلاثة منهم إلى المستشفى لتلقي العلاج.

ونقلت وسائل إعلام، بيانا أصدره “المعتقلون السياسيون والمعارضون لنظام الأسد المحتجزون في سجون لبنان”، مشيرين إلى أنهم “حوالي الـ 400 معتقل” ممن دخلوا لبنان كلاجئين هاربين من انتهاكات النظام السوري، لكنهم واجهوا “تهما مختلفة وباطله تحت مسميات عديدة وحجج ضعيفة”. ويرون أن تسليمهم بنظام الأسد يعني الحكم عليهم “بالموت”.

تعيد هذه الحادثة إلى الأذهان، حالة الشاب السوري أنس الذي أقدم على الانتحار في 28 نسيان/أبريل الماضي، خوفا من أن ترحله السلطات اللبنانية قسرا “بعد تلقيه تهديدات بالترحيل من جهة مجهولة أفادته بأنها ستبلغ مخابرات الجيش اللبناني بمكان سكنه وبوضعه غير القانوني”.

؟

الموقوفون السوريون في لبنان مهددون بالترحيل

؟

وأوضح مصدر أمني لموقع “العربي الجديد” أن “عدد السجناء السوريين في مختلف سجون لبنان يبلغ نحو 1800، إلى جانب موقوفين في مراكز الاحتجاز والنظارات”، يقبعون في سجون سيئة دون قدرتهم على الوصول إلى خدماتهم الأساسية، حسبما وثقت منظمة “هيومن رايتس ووتش” في تقرير نشرته العام الماضي.

كما وثقت منظمة “العفو الدولية” عام 2021، 14 حالة اعتقال للاجئين سوريين على أساس تهم تتعلق بالإرهاب “على أسس تمييزية بما في ذلك الانتماءات السياسية. وفي تسع حالات، اعتُبر مجرد التعبير عن المعارضة السياسية للحكومة السورية دليلا لتبرير الإدانات بتهم الإرهاب”.

 

 

جهات حقوقية محلية أخرى أعربت عن مخاوفها في هذا السياق، وأمس الاثنين نشر مركز “سيدار” اللبناني للدراسات القانونية تقريرا عن حالة شاب محتجز فلسطيني سوري مهدد بالترحيل إلى سوريا، إلا أن أقاربه “يخشون أن تسليمه إلى سوريا قد يعرضه للاعتقال التعسفي والتعذيب”.

ويقول المركز “يتناقض هذا الوضع المثير للقلق مع المادة 3 من اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب والتزامات لبنان بموجب مبدأ عدم الإعادة القسرية في القانون الدولي العام (…) يجب على لبنان ضمان عدم ترحيل أي شخص إلى بلد قد يتعرض فيه لخطر الاضطهاد أو التعذيب أو الأذى”.

؟

قافلة من النازحين ستنطلق قريبا الى سوريا

؟

كما يرزح السوريون تحت ضغوط مستمرة وتهديدات بالترحيل كان آخرها أمس الثلاثاء 5 آذار/مارس خلال مؤتمر في المقر العام للمديرية العامة للأمن العام. حيث أطلقت وزارة الداخلية اللبنانية، “خارطة طريق لتنظيم الوضع القانوني للنازحين السوريين وآلية عودتهم”.

وقال مدير الأمن العام بالإنابة إلياس البيسري، “نعلن أن قافلة من النازحين سَتنطلق قريبا الى سوريا، بالإضافة إلى استمرار المديرية بتقديم التسهيلات والإعفاءات اللازمة للنازحين الراغبين في العودة التلقائية إلى بلادهم، وذلك مباشرة عند المعابر الحدودية”.

تلك الخطط الحكومية تثير مخاوف الجهات الحقوقية، فخلال العام 2023، وثق مركز “وصول” لحقوق الإنسان “1080 حالة اعتقال تعسفي، و763 حالة تم ترحيلهم بشكل قسري إلى سوريا”، حيث مارست السلطات السورية انتهاكات تضمنت الاعتقال والاحتجاز التعسفي، “وفي بعض الحالات تعرض اللاجئون للإخفاء القسري والتعذيب وإساءة المعاملة، وتم تحويل من هم في سن الخدمة العسكرية الإلزامية أو الاحتياطية للالتحاق بالجيش السوري”.

 

 

وأضاف أنه “في بعض الحالات تم إعادة تسليم اللاجئين قسرا من قبل الفرقة الرابعة التابعة للجيش السوري إلى عصابات التهريب على الحدود، التي بدورها احتجزت اللاجئين في بيوت ومزارع حدودية تابعة لها وتلاعبت بمصيرهم واستغلت وضعهم الهش لابتزازهم ماليا والاستفادة من محنتهم”.

وفي تقرير نشره مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، روى أحد السوريين العائدين إلى سوريا، “أن قوات الأمن التابعة للسلطات المحلية اعتقلته بعنف بمجرد عودته إلى سوريا واقتادته إلى مكان مجهول، حيث ظل معصوب العينين لمدة يومين، كما تعرض للضرب المبرح مراراً وتكراراً”.

؟

تطبيق إلكتروني للـ”تبليغ” عن السوريين

؟

إلى جانب الإعلان عن هذه الخطط الحكومية و”الإجراءات التمييزية” الممارسة ضد اللاجئين السوريين على نطاق واسع، يواجه السوريون ضغوطات من قبل المجتمع اللبناني.

والشهر الماضي، أعلن نواب من البرلمان اللبناني ونائب رئيس مجلس الوزراء السابق غسان حاصباني خلال مؤتمر صحفي عن إطلاق مبادرة تحت اسم “كل مواطن خفير” وتطبيق “تبليغ” الذي يتيح لأي مواطن “التبليغ عن مخالفات للقانون تحديدا من قبل الموجودين غير الشرعيين في المنطقة”. وبالتالي سيتمكن كل مستخدم لهاتف ذكي التقاط صورة واختيار نوع المخالفة من لائحة التطبيق وإيصالها إلى الجهات المختصة.

 

 

حذّر “المركز اللبناني لحقوق الإنسان CLDH” من أن هذه الخطوة “لها تبعات خطيرة إذ أنّها تشجع على العنصرية والتحريض”.

وقال المركز في بيان إن المبادرة التي أطلقها حاصباني ضد ما سمّاه “الوجود غير الشرعي في بيروت، وتحديدا الأشرفية”، لا أساس “قانونيا لها لا بل تُشجع على كسر مفهوم الدولة”. واستنكر “هذه الوسائل التحريضية من خطابات واستخدام للتكنولوجيا الرقمية في بث خطاب عدائي وتهميشي وبعيد عن سياسات الحماية والخصوصية تجاه الآخرين، عوضاً عن العمل لتفعيل آليات العمل المؤسساتي وبناء دولة عادلة للمواطنين/ات والمقيمين/ات في لبنان”.

 

 

اعتراضاً على تسليمهم للنظام.. سجناء سوريون يحاولون شنق أنفسهم في لبنان