التصنيفات
ثقافة

الشهادة والشهداء.. الموت من المقدس إلى العادي … رائد وحش

 

 

 

 

 

البحث عن تعريف

تُطلق تسمية شهيدة أو شهيد على كلّ من يموتون خلال أعمال قتالية، سواء انتموا للمتحاربين أو للمدنيين. لكنّ هذا الاسم الذي يأتي في البداية بوصفه نوعًا من العدالة الساعية لإنصاف من قدّموا حياتهم، أو من خسروها، في سبيل الحرية من الاستعمار أو الاستبداد؛ يتحوّل إلى ظلم مرتين، في الأولى حين يأتي ويلتصق بالمحاربين فقط، وفي الثانية، وبعد مرور قليل من الوقت، حين يختص بالقادة ممن التصق بهم أول مرة، متجاهلًا أمر أولئك الجنود القادمين من مناطق الفقر والإهمال النائية، ليذهبوا إلى الموت والنسيان السريعين، في مقابل تكريم القادة الذين يبدون مع الزمن، ومع نسج الأساطير حولهم، وكأنهم خاضوا الحرب منفردين، وانتصر كلٌّ منهم بمفرده على جيوش الأعداء.

هذا التمييز الذي يسير متدرّجًا، بادئًا بالفصل بين المحاربين والمدنيين، أي بين الأبطال والعاديين، يمنح الموت تراتبية هي أشدّ ما يحاربه، فما نعرفه أنه إن كان هناك شيء مفهوم من لغز الموت فليس سوى قبوره العادلة في مساواتها بين الفقير والغني، والعظيم والحقير.

بالتأكيد لا شأن للبطل بصورته، لا يفكر بها وهو يسعى إلى النصر، أو إيمانًا بالمبادئ التي يحملها، أو تسجيل موقف تاريخي، مثل يوسف العظمة، وزير الحربية السوري في الحكومة العربية الأولى، الذي واجه الجيش الفرنسي القادم من الحدود اللبنانية لاحتلال بلاده مواجهةً غير متكافئة، ولطالما قيل وكُتب إنه فعل ذلك لمجرد ألا يقال إن الغزاة دخلوا بلاده من دون مقاومة تُذكر.

يمكن النظر بالمثل أيضًا إلى تجربة عبد القادر الحسيني، قائد جيش الجهاد المقدس في فلسطين، الذي استُشهد في قرية القسطل، قرب القدس، في معارك عام 1948، وبات استشهاده يُقرن بسقوط فلسطين نفسها وتغيّر تاريخ شعبها.

العظمة والحسيني بطلان من منطقة يكاد حديث البطولة والأبطال فيها لا ينتهي لكثرة حروبها ومآسيها. وعلى الرغم من أن خلود الشهداء الذي يطنبون في الحديث عنه شأنٌ جيليٌّ، أي أن استذكارهم وتقديرهم وذكر مآثرهم مرتبط بالجيل الذي عايشهم وعايش القضايا التي ضحّوا لأجلها، إلا أن العظمة والحسيني، في مثالنا، اخترقا جدار الأجيال وذهبا إلى ما وراءه، وظلّا حاضرِيَن رغم قرن كامل على استشهاد الأول، وقرابة ثلاثة أرباع القرن على استشهاد الثاني، وذلك ليس لأنهما استثناء إنساني، فقبلهما وبعدهما جاء الكثير من الأبطال، لكن لأنّ ما فعلاه جاء في لحظة تاريخية عصية على النسيان، وهي لحظة سقوط بلد في حالة سوريا، ونهاية الحياة التي عاشها البلد الآخر في حالة فلسطين.

من جانب شخصي، نشأتُ في مخيم فلسطيني نافست فيه صور الشهداء على الجدار سكّانَ المكان من حيث الحضور فيه. ملصقات قديمة لعمليات بطولية توضع فوقها ملصقات جديدة لعمليات بطولية أخرى. وعلى الرغم من أن ذلك الموت ظلّ يعرض بكثير من التباهي، لكنّ ذلك التبجح الحزبيّ المُوجّه كان يتبخر بمجرد مطالعة وجوه الشهداء الذي يحملون أسلحتهم الفردية، رافعين أيديهم بإشارات النصر الواثقة.

كانوا يشبهوننا كثيرًا. عيوننا التي تراهم تسرع في استحضار من يشبههم من أبناء حاراتنا، وتقيم مقارناتٍ ما بين الصور وشخوص الواقع.

إلى جوار ذلك، امتلأت الكتب المدرسية بالحديث عن الشهداء في دروس الدين والتاريخ، كما كانت بين نصوص دورس اللغة العربية قصائد كثيرة عن الشهداء. إضافة إلى أن الشهداء لهم حصة في كل المناسبات الوطنية، (وهذه أكبر من أن يتخيلها من لم يعش في سوريا)، دون أن ننسى أن هناك يومًا سنويًّا لهم. ولهذا اليوم قصة في كل بلد من البلدان.

؟

شهداء في غزة

؟

بسبب ذلك راح الكثيرون منا، في المدرسة وخارجها، يجيبون “شهيد” عن السؤال الكلاسيكي “ماذا ستصبح في المستقبل؟”. لا نعرف شيئًا عن الموت، ما نعرفه هو أن صورنا يمكن أن توضع على الجدران وحولها هالات من الإجلال.

يُحاط الشهداء بألوان مختلفة من التبجيل، فهم الشجعان الذين لا يعرفون الخوف، وهم من صنعوا الحرية، أو مهّدوا لصنعها، وهم المتفانون إلى حدود ملائكية، الذين منحوا حياتهم لسعادة أبناء بلدهم. هكذا دومًا أول ما يفقده الشهيد هو كيانه الإنساني، إذ ما إن يموت حتى يموت معه فيتحول إلى كائن نوراني، جاء إلى العالم حاملًا رسالة سامية ومضى بعد أن بلّغها. ألا يقول القرآن: “ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتًا بل أحياء عند ربهم يرزقون”؟

نلاحظ أن الحقبة الكبرى لتقدير الشهداء هي حقبة التحرر الوطني، وغالبية من يموتون في هذه الفترة تعمل بلدانهم على الاحتفاء بهم كنوع من الاحتفاء بالاستقلال. وفي الثورة الفلسطينية المعاصرة التي طالت وامتدت إلى فترات طويلة، عرفت خلالها أشكالًا متعددة من النضال: الكفاح المسلح، والتظاهر وضرب الحجارة، والعمليات الاستشهادية.. خلال الاحتفاء بأحد الشهداء، خصوصًا في مرحلة الانتفاضة الثانية، تحولت المسألة الوطنية إلى مسألة حزبية، فبعد أن كان الشهداء يقضون نحبهم من أجل الوطن، صاروا يضحون بأنفسهم من أجل الحزب، والأصح طبعًا أن نرى إلى ذلك أن الحزب يُدخلهم هم ونضالهم في بورصة سياسية أو مزاد نضالي، إلى درجة أن هناك تعليقًا كثيرًا ما يردده النابهون الذين التقطوا تلاعب تلك الأحزاب بالتضحيات فيقولون: “لو عرف أن هذا ما سيحدث لما استشهد!”.

تحمل هذه الفكرة غضبًا كبيرًا على الواقع القائم الذي لم تستطع تضحيات الأبطال أن تحسنه، إلا أن الموضوع يتصل بقراءات أخرى، منها أنّ الشهيد مهما قال، ومهما قالوا عنه، من حيث إنه يموت من أجل المستقبل، وفي سبيل الأجيال القادمة، إنما هي أشياء بعيدة جدًا عما يريده.

الشهيد دومًا ابن “الآن”، ابن “آنه”، وهذه “الآن” هي الزمن الذي يضحي من أجله، ومن أجل هذا لو عاد ورأى أن ما فعله ذهب هباء لما ندم، ولن يشعر بالمرارة التي يشعر بها من يطلقون هذه العبارة. فعل ما فعله لأجل لحظته التي عاشها وحسب.

الشهادة رتبة

جرت العادة أن من يموتون في الحرب، من المحاربين أو المدنيين، ينالون لقب الشهداء، وبذلك يتوزعون بين قسمين: أبطال وضحايا. وفي حين يحظى الأبطال بمساحة من الاهتمام والتقدير يُنسى الضحايا كليًّا.

هذا طبعًا غير التركيز على قيمة الشهادة وإعطائها لمن لا يستحقونها، لمجرد أنهم أبناء رؤساء، وفي هذا كانت الفكرة بحد ذاتها، كما حدث لباسل الأسد مثلًا، تقول إن السلطة من تحدد أي موت هو المقدس، وأي موت هو العادي. فالسلطة نفسها جعلت مما حدث في حماة من ترويع عقابًا لكل سوريا، ولم تسمح بأي عملية إنصاف للضحايا مهما كانت. وهي من منحت في فترة الحرب التي تلت الثورة السورية اللقبَ لجنودها ومرتزقتها، ووصمت موتى شعبها بالإرهاب والخيانة.

حينما يموت الشهداء في الحروب ويحصلون على اللقب يفقدون الصفات الإنسانية، ويتحولون إلى كائنات متسامية. يحب الناس أن يضعوا الشهداء في رتبة القديسين، هذا إلى جانب أن كثيرًا من القديسين كانوا من الشهداء.

لا يبقى الشهداء ذواتًا بل رموزًا. لا يهمنا ماذا كانوا يحبون، ولا ماذا كانوا يكرهون. بالنسبة لنا هم قيمة بحد ذاتهم. تمتزج فيها القيم الدينية حول التضحية بالمعاني القومية التي تتصل بالحرية. ومع الوقت يكون الشهيد قابلًا للاستعمال في بعض الأحيان، كأنْ تدعي عدة فصائل انتسابه إليها.

لا يحصل العاديون على شرف الشهادة حتى لو أنهم ماتوا كذلك، لأن الشهيد الذي نعرفه لا يكون عاديًّا بموت تحت القصف، أو أقبية التعذيب، أو غرقًا في البحار. ولأنه يجب ألا يكون عاديًّا يمكن لمن يجيد صناعة قصة جيدة لمثل هذا النوع أن ينقله إلى النوع الآخر من الشهداء.

كأن اللقب مرتبة، جائزة يمنحها الأحياء للموتى، ويحجبونها عنهم لو أرادوا. تنتهي معركة الشهداء بالنصر حين يمنحون الاعتراف، والهزيمة، بالقياس على ذلك، هي ألا يحصلوا عليه، إذ يعدون أشخاصًا عاديين، سوف يطويهم النسيان.

صور الشهداء الأدبية

ألقاب كثيرة وصفات عديدة تسبغ عليهم، لكنّ القصيدة الأكثر دقةً في التعبير عنهم هي قصيدة إبراهيم طوقان، حين يصف الشهيد بأنه الصامت الحازم لأن الحزم لا يحتاج إلى كلام، وهو واقف قرب كل باب، وعلى الموت أن يخاف منه:

لا تسل عن سلامته

روحه فوق راحته

 

بدَّلَتْهُ همومُهُ كفنًا

من وسادِتهْ (الأعمال الشعرية، ص 197).

شهيد طوقان هو الصورة السائدة في وعينا العام، وهو ثابت لا يتغير أبدًا في غايته أو صفاته، وهذا عائد إلى انتمائه إلى لحظة التحرر الوطني ومقاومة المستعمرين، ولأنّ هذه الصورة شديدة الارتباط بتاريخ بلداننا لا بد للشهيد من أن يكون في صلبها، لأنها هو، ولأنها أساس حضوره.

استمرت فكرة الشهيد المقاوم والبطل المضحّي، واستمرت معها صورته كملثّم حامل للبندقية القديمة لمواجهة الغزاة وانتزاع الاستقلال.

هذه هي الصورة الموجزة لعموم شهداء البلدان العربية في حقب التحرر الوطني، وكما يمكن أن توجد في بلاد الشام أو العراق يمكن أن توجد في الديار المغربية، فشهيد طوقان في آخر الأمر هو من صار اختصارًا لأبطال هذه البلاد.

هذا عن الصورة. أما عن المضمون، فأفضل من يعبّر عن ذلك هو مونولوج لعلي صالح الشيخ يونس حول أخيه الشهيد حسن في مسلسل “التغريبة الفلسطينية”، حيث يقول: “حسن.. ذلك الشاب النبيل الذي قاسَمَني وقاسَمْتُهُ عُمرَ الطفولة وشراعَ السنديان. ذلك الطفل عرف كيف يحلّ لغز الأرض وطلاسم الماء. كنتُ أتعلم لغة الكتابة وقواعد النحو، حينما كان يتعلم لغة النهر والصخر والسنبلة. كنت أمتطي المعجم حين كان يمتطي الريح والعواصف. كنت أكتشف الأسئلة حين كان يعيش الأجوبة. كان يظن أني الجزء الذي لم يكنه، والآن أعرف أنه الجزء الذي لم أكنه. هناك.. في مكانٍ ما أجهله وتعرفه النجوم، يرقد أخي حسن، يلبس جلد الأرض التي أَحبها، ويستعير منها نبضه الجديد. أنا هنا أبحث عن الوطن الضائع في موّالِ شعريّ، وهو هناك يكتشف الأرض فيه. على عينيه ينمو عشبها وزعترها.. ومن جرحه تتفتّح شقائق النُعمان وعروق الشومر البري. هناك هو تكتبه الأرض، وتعيد كتابته في كل فصلٍ من فصولها. وأنا، أنا الذي سرقت منه الكتاب والمدرسة والمحبرة، أنا هنا أبحث عن الكلمة التي تصفه، أستعير جلده لأكتب عليه شعري فيه، ولأشعر ببعض الرضى، لعلّي أتابع حياتي من جديد. حسن.. أيها الشاب النبيل الذي ظلمناه، وأنصفته الأرض” .

الشهيد والأرض يمتزجان كيانيًّا، كأنه التجلي الآدمي لها. وحين يموت كل ما يحدث هو العودة إلى الأصل.

يقدّم غسان كنفاني تصوّرًا عميقًا للشهيد في قصة “قرار موجز”، حيث يترك كل ما يقال عنه جانبًا ليرى ما هي وجهة نظره هو نفسه؟ هل تتطور أفكاره؟ هل لديه وعي بما اختار؟ كيف ينظر إلى العالم؟

تحكي القصة عن الشاب عبد الجبار المولع بالفلسفة للتأكيد على أن الشهيد حامل وعي، ولديه موقف واضح من العالم، واختياره هذا الطريق الذي يؤدي إلى إنهاء حياته هو اختيار حرّ ليس فيه أي عبث، فعبد الجبّار يصل إلى حكمته النهائية قبل موته: “ليس المهم أن يموت أحدنا.. المهم أن تستمروا” (القميص المسروق، ص 58).

من الطبيعي أن نجد الشعر ممتلئًا بهذا الموضوع، لأن الشعر المشغول بالحياة سيظل يقف مندهشًّا أمام أولئك الذين “يصعدون إلى حتفهم باسمين”، بتعبير محمود درويش.

إضافةً إلى أن الشعر، خلال انخراطه في معمعان السياسة، يكاد لا يجد ما ينافس هذا الموضوع طهرانيةً وصفاءً، حيث المناضلون غارقون في صراعات رفاقية دموية، تصل أحيانًا إلى حدود الاغتيال، وفيهم من يعقد اتفاقيات سرية مع الأعداء. وحيث إن الحرب هي الحرب، أي نسخة متكررة عن نسخة متكررة سابقة، لا جديد فيها سوى ارتفاع منسوب التوحش، وتطور أدوات القتل. أما الدم والأشلاء والحطام وأفواج الهاربين فهي ذاتها دومًا متجددة، ومهما حدث القتل بأدوات مختلفة، بالرصاص رشًّا أو السكاكين طعنًا، فإنه يظل متشابهًا، بينما المختلف هو البشر الذين لا يموتون بالطريقة نفسها، لأنّ هناك قصة مختلفة ومنطقًا خاصًّا لكل إنسان.

؟

نصب الشهداء

؟

لهذا نجد أن أجمل ما كتبه الشعراء عن الثورات والحروب كان عن الشهداء، لأنّ ما يجسّدونه هو ما تجسده الثورة في تصورها النبيل قبل أن تتلاعب بها الأهواء، أو تنحرف بمساراتها الضرورات، وذلك لأن الشهداء قادرون على تمثيل ذلك التسامي، بغض النظر عن ما في الشخصيات التي كانوها في حياتهم، لأنّ الموت يرفعهم فوق مستوى البشر المحكومين بالنقائص.

تخبرنا أشعار محمود درويش الكثير عن هذا الموضوع، كونه انشغل بالشهداء منذ بداياته، حيث كتب غاضبًا وساخطًا مرةً، ومتأملًا مرة أخرى. وقارب تجارب شهداء محددين مثل عز الدين القلق وماجد أبو شرار وسمير درويش، كما انشغل بالمجازر كتل الزعتر وصبر وشاتيلا، وعبّر عنها وعن سواها في قصائد عديدة.

منذ كتب:

“يحكون في بلادنا

يحكون في شجن

عن صاحبي الذي مضى

وعاد في كفن” (الأعمال الأولى 1، ص 26)

وحتى “محاولة رقم 7”:

” هذا هو العُرس الذي لا ينتهي

في ساحةٍ لا ينتهي

في ليلةٍ لا ينتهي

هذا هو العُرْس الفلسطينيُّ

لا يصل الحبيبُ إلى الحبيبْ

إلاّ شهيدًا أو شريدًا” (الأعمال الأولى 2، ص 157).

مرورًا بقصيدته “عندما يذهب الشهداء إلى النوم” في كتابه “ورد أقل”، التي يغدو فيها الشهداء هم الناجون، والواصلون إلى وطن مشتهى من سحابٍ وشجرٍ وسرابٍ وماء، ولهذا لا بد من حراستهم ممن يدعون حبهم لهم . إلى أن كتب في “حالة حصار” أشياء كثيرة عن الشهداء خلال الانتفاضة الثانية، أبرزها:

“الشهيد يحاصرني كلما عشت يومًا جديدًا

ويسألني: أين كنت؟

وأعد للقواميس كلّ الكلام الذي

كنت أهديتنيه،

وخفف عن النائمين طنين الصدى!

الشهيد يوضّح لي: لم أفتش وراء المدى

عن عذارى الخلود، فإني أحب الحياة

على الأرض، وبين الصنوبر والتين، لكنني

ما استطعت إليها سبيلا،

ففتشت عنها بآخر ما أملك:

الدم في جسد اللازورد

الشهيد يُعلّمني: لا جماليَّ خارج حريتي

الشهيد يُحذرني: لا تُصدّق زغاريدهنَّ

وصدّق أبي حين ينظر في صورتي باكيًا:

كيف بدَّلت أدوارنا، يا بنيّ،

وسرت أمامي؟

أنا أولًا

أنا أولًا!” (الأعمال الأولى 2، ص 157).

يؤكد درويش، في هذا المقطع، أن الشهيد يحب الحياة، وليس مشغولًا بالهذيان الديني كما يشاع عنه، وأنه لا يبتغي حياة غير الحياة التي عرفها على الأرض بين الناس، ولهذا ما من جمالية لغير حرية الإنسان في أن يعيش، وأفضل من يمكن أن يُعبّر عنه ليس الخطب، ولا زغاريد النساء وراء جنازته، بل والده الذي يبكي بسبب تغير منطق الحياة، فالذي يجب أن يموت هو الأب لا الابن.

ثمة تجليات أوسع مما اخترنا هنا للشهادة والشهداء في شعر درويش، لكنّ المسار العام لهذه الشخصية التراجيدية أخذ مداه في ديوان “حالة حصار”، لأنه يحتفي بموت العاديين، ويكتب يومياتهم.

من الشّرف الرفيع إلى الموت المجانيّ

تُحطم الحروب أفكارنا عن الموت والبطولة، فالحروب النظامية تؤكد أن السفالات التي ترتكبها جيوش الأعداء في بلادنا لها مواز منطقي هو سفالات جيوشنا في بلاد الأعداء.

وفي الحروب الأهلية، نرى كيف يتحوّل أبطالنا إلى مجرمين، فالضابط الذي سبق وخاض حروبًا مشرفةً ها هو يوجّه المدفعية نحو من كان يحميهم، ويرتكب المجازر، ولا يبالي بأنه لا يترك وراءه سوى العار.

يُجمل إسماعيل ناشف الشهداء، خلال بحثه في صور الموت الفلسطيني، في ثلاثة أشكال: الضحية والشهيد والاستشهادي (صور موت الفلسطيني، ص 53).

ويرى أن هذه الشخصيات تمثّل مراحل تاريخية من القضية الفلسطينية، فالضحية نتاج مرحلة النكبة، والشهيد نتاج مرحلة الكفاح المسلح، والاستشهادي نتاج مرحلة ما بعد اتفاقية أوسلو.

وبالنسبة لناشف فالشهيد يمثل انتزاع الضحية لسيادتها على موتها ، بينما الاستشهادي هو الرجوع إلى الجسد الفردي ضد الغياب الذي حدث له تحت نظام السلطة الفلسطينية .

تنطبق ثلاثية ناشف “ضحية، شهيد، استشهادي” على الواقع العربي أيضًا، مع تمايز في الترتيب، فالسرديات الوطنية الحديثة بدأت في الدول العربية مع الشهداء الأبطال الذين يتطابقون مع الشهيد الذي صوّره إبراهيم طوقان، سالفة الذكر. ومع توالي الحروب العربية، التي وصلت ذروتها في مرحلة ما بعد الربيع العربي، تحول المواطنون إلى ضحايا مميزون بالانتهاك وحسب. وبين المرحلتين، أو بعدهما أحيانًا، ظهرت شخصية الاستشهادي، لا سيما في مرحلة ما بعد سقوط العراق، خصوصًا في الحرب الأهلية الطاحنة عام 2005 – 2006.

يخبرنا كتاب “العراق في زمن الحرب” أنّ مجلس قيادة الثورة في عراق صدام حسين سنّ سلسلة من القوانين عام 1980، في إطار الحرب مع إيران، من أجل إعادة تشكيل حقوق الجنود والشهداء، عبر ترقيتهم ومنحهم امتيازات كانت تقتصر سابقًا على أعضاء حزب البعث (ص 261).

تعاملت مع الأمر في ذلك الوقت مؤسستان: وزارة الدفاع وحزب البعث. الوزارة عرّفت الشهداء بأنهم الجنود النظاميون الذين لقوا حتفهم في القتال، ولهذا عوّضت عائلاتهم، وفقًا لرتبهم العسكرية، مع تقديم بعض المكتسبات الأخرى كالخدمات الصحية. في حين اعتبر الحزب أن كل من يموتون في الحرب من البعثيين، عسكريين كانوا أم مدنيين، هم شهداء. ويتعهد البعث بحماية أسرهم، وضمان صعودهم في مراتب الحزب ومؤسسات الدولة .

اتُخذت تلك الإجراءات من أجل التأكيد على البطولة في الحرب مع إيران، أو “قادسية صدام” بحسب الخطاب الرسمي آنذاك. لكنّ اجتياح الكويت لاحقًا، والانتفاضة في الجنوب ضد النظام، ومن ثم الحرب الدولية على العراق؛ حطّمت المعنى الكلاسيكي للبطولة فالبلد مهزوم حرفيًّا، والانتفاضة تقول إن السلطة البعثية باتت مرفوضة. هكذا وجد النظام العراقي ضالته في قصف ملجأ العامرية، فتحوّل من حديثه عن “الشهداء الأبطال” و”حرّاس البوابات الشرقية”، إلى الحديث عن الضحايا بلغة حقوقية من أجل كسب تعاطف دولي.

ومع كل المجهولية التي تخيّم على الضحايا، فإنه يحدث أحيانًا أن تحدث مصادفة تنقل الضحية إلى مستوى الشهيد، مثلما حدث للطفل الفلسطيني محمد الدرة الذي قُتل أمام الكاميرا، وصار اسمه علامة على مرحلة تاريخية، ولولا تلك المصادفة لظل ضحية مجهولة كالآلاف غيرها. والأمر نفسه ينطبق على ضحايا آخرين ترفعهم الكاميرات إلى مستوى الشهداء مثل الطفل السوري حمزة الخطيب.

الموت مرتين أو أكثر

تقوم إسرائيل باعتقال جثامين الشهداء الفلسطينيين الذين يقاومونها في عمليات عسكرية أو في اشتباكات، كي تحرمهم من أن يحظوا بأي تكريم.

تشير سهاد ظاهر ناشف إلى اشتراط إسرائيل على عائلات الشهداء الفلسطينيين التي ترغب باستعادة جثامين أبنائها أن تتعهد بعدم تشريح الجثة، وأن يكون وقت الاستلام ليلًا، مع ضمان عدد محدود من المشيعين، وهذا ما يدفع العائلات إلى رفض هذه الشروط، كون إسرائيل تسعى إلى فرض طقوس جديدة للموت، وكأنها تريد استعمار العاطفة الفلسطينية، عبر نقل الشهداء من مركز الحياة إلى هامشها، على نقيض ما اعتاده المجتمع الفلسطيني.

ضمن هذا المسار، حدثت قصة الشهيد مجدي خنفر الذي قتل جنديًّا إسرائيليًّا عام 2002، وظل جثمانه في حفرة عليها رقم مدة 12 عامًا، ضمن مدافن رملية لا يزيد عمق القبر الواحد منها عن 50 سم، وتكون القبور فيها متراصة على خط واحد، وتحفظ الجثث بأكياس بلاستيكية يُكتب عليها بأقلام الفلوماستر رقم الشهيد واسمه، ما يجعل الأسماء عرضة للزوال بفعل العوامل الطبيعية.

وهنا تعلق ظاهر ناشف بالقول: “أُعيد إحياء استشهاده وموته مرة أخرى ليُدفن كشهيد في مقبرة مع شاهد عليه اسمه. انتقل خنفر من رقم إلى اسم، من شيء إلى ذات، من نكرة إلى بطل، من فلسطيني لا يستحق الحزن على موته، إلى فلسطيني شهيد يحزن عليه شعب؛ تغيرت مواقعه السياسية والاجتماعية بتغيّر الأرض التي تحتضن جثمانه وبتغير دافنيه، وكلاءِ موته”.

تعلّمنا هذه القصة الفارقة أنه حين تُسرق الأسماء من أصحابها، وحين تُلغى الأجساد ككلٍّ يترابط به الكيان الإنساني؛ تسهل عملية إنهاء القصة التي يحملها هذا الاسم الذي يعنون هذا الجسد. بالتالي حين تُستعاد الجثامين مع أسمائها فإن إصحابها يستعيدون موتهم المستحق. كأن الإنسان يموت حقًّا كما يجب، بعد أن عُلّق في محاولة الإماتة، في منطقة رمادية بين الحياة والموت، دون الانتماء إلى أي منهما.

باستعادة الجثمان والاسم والجسد (أو ما تبقى منه) والقبر والجنازة يستعيد الفلسطيني المستَعمَر كرامته وكرامة موته. ويبقى المؤلم أن تلك الاستعادة لا تحدث مباشرة، بل تحتاج إلى دورة طويلة من الإماتة حتى يصل الجسد إلى موته الذي يصله البشر عادةً بلمح البصر.

؟

صور قيصر

؟

يقودنا هذا إلى صور قيصر إلى تحولّت إلى مرافعة حاسمة في الظلم الذي رزح تحته السوريون، وفي الوقت نفسه كانت المادة الأكثر قوة من حيث قدرتها على تثبيت صور ضحايا كانوا سيظلون أسرى للغياب والإنكار وضياع الحقائق.

مع هذه الصور الكابوسية لم يعد ممكنًا أن نتحدث عن شهداء، فهذه أجساد مهانة ومستباحة، وقدرها أن تؤرشف لغرض الجريمة الروتيني الذي تقوم به أجهزة النظام، هذا طبعًا إلى جانب أن الأجهزة الأمنية السورية امتلكت شعورًا بالحصانة المطلقة، جعلها غير قادرة على تخيّل أنها يمكن أن تحاسب في يوم من الأيام (عملية قيصر في قلب آلة الموت السورية، ص 108).

يسأل قيصر نفسه: “لماذا تُصوّر تلك الأجساد المعذبة حتى الموت كلها؟”. ولا يجد إجابة، ويظن أن النظام وحده من يعرف السبب، لكن بالنسبة له هناك هاجس واحد: “عندما كنت أشاهد الصور، كانت تحدثني. كان كثير من الضحايا في الصور يعلمون أنهم سيموتون، كانت سباباتهم مرفوعة كما لو كانوا سيموتون ناطقين الشهادة. كانت أفواههم مفتوحة من الألم، وبإمكاننا أن نشعر بالذل الذي تحملوه. كانت وجوههم تحفر في ذاكرتي في كل مرة كنت أشاهدها. كانوا يصرخون ألمهم كي ننقذهم ولكن أحدًا لم يفعل، ولم يصغ إليهم أحد، كانوا يطلبون أشياء ولكن لم يسمعهم أحد” .

لكن نشر الصور، وأثره الصاعق، أخبرنا بما رغب أولئك المتألمون بقوله، وسمعناه على نطاق واسع: تروي أجسادنا المتراصة، بهزالها وشحوبها، وبأثر المرض والجوع والقيود، قصة الهمجية في سجن عملاق اسمه سوريا؛ نحن تعبير عن بلد يموت، وسيظل يموت، ما لم تأت العدالة. كل جسد خسر حياته بطريقة مروّعة، طويلة ومديدة، في إعدام جماعي، فلا تجعلونا نخسر فوق ما خسرناه، الحق بالعدالة!

هل تلاشى الشهداء؟

منذ صار عالمنا العربي مفتوحًا على صراعات حادة بين جماعات مختلفة الولاء، لم يعد ممكنًا الاتفاق على ما هو الشهيد، لأنّ بطل هذه الجهة خائن عند الأخرى. وفي الوقت نفسه كثر الضحايا المدنيون، وكثر الاختلاف عليهم، وعلى السلاح الذي يقتلهم؛ منذ ذلك الحين والحديث عن الشهداء يبدو انفصالًا عن الواقع.

في المتاحف والنصب التذكارية، كما في كتب التاريخ، عادة ما نجد مقاتلين معروفين في بلدهم. وهناك أيضًا نصب الجندي المجهول الذي يهدف إلى تكريم الجنود الذين ماتوا في الحرب ولم يجرِ التعرف عليهم بالاسم.

الجندي المجهول رمز للوحدة الوطنية والفخر، يُحيي ذكرى التضحيات ويُشجع على الوحدة والتضامن. يستخدم الجيش هذا المفهوم للتعبير عن “الروح العسكرية”، لأنّ الجنود غالبًا ما يكونون أبطالًا مجهولين ضحوا من أجل أمن وحرية أمتهم، وأن موتهم لم يذهب عبثًا أو يُنسى. تُستخدم فكرة الجندي المجهول أيضًا أبعد من ذلك بأن تكون رمزًا للرغبة في السلام، إذ يأمل الكثير من الناس أن تساعد مثل هذه الآثار في منع تكرار الأحداث الفظيعة التي وقعت في الماضي.

لكن ماذا عن الضحايا المدنيين؟ من يتذكرهم؟ هناك بعض النصب التذكارية للمدنيين، لكن هذه تطورات حديثة، جاءت بمثابة استجابة لما كان مفقودًا في السابق.

إعطاء أسماء للقتلى أمر بالغ الأهمية، فذلك يقول إنهم أشخاص، لهم علاقات تربطهم بالآخرين. تذكّر أسماء من ماتوا يساعد في الحفاظ على ذاكرتهم والتعرف على وجودهم، وحفظ ذكرهم بما يتجاوز غيابهم الجسدي.

باتت عبارة “الخسائر في صفوف المدنيين” مهينة. لأنها تقلّل من أهمية الحياة المدنية وتزيد من أهمية القتلى المنتمين إلى الجيش. ويمكن أيضًا فهم حركة إعطاء المدنيين المتوفين اسمًا ومكانًا للذكرى على أنها حركة مضادة لذلك.

إن الفكرة التقليدية القائلة بأن الحرب تنطوي على قتال عسكري فقط أصبحت الآن موضع تحدٍّ. وهذا يوسع التعريف ليشمل الآثار الأوسع للحرب، بما في ذلك المجاعة والمرض والنزوح والانهيار الاجتماعي. ويساعد هذا المنظور الموسع الناس على رؤية العواقب الكاملة للنزاعات المسلحة.

؟؟

؟

؟

؟

megazine.ultrasawt.com

التصنيفات
ثقافة من العالم منوع

جمال سليمان يستعد لمسلسل جديد عن أحداث سجن صيدنايا 2008

 

 

 

 

 

يستعد الفنان السوري جمال سليمان، للعودة إلى الشاشة الصغيرة من خلال مسلسل جديد يروي أحداث الاستعصاء الشهير في سجن صيدنايا العسكري في سوريا عام 2008.

وكشفت مصادر مطلعة ، أن سليمان موجود حالياً في العاصمة القطرية الدوحة، حيث يشارك في الإشراف على العمل بالتعاون مع الشركة المنتجة.

وبحسب المصادر ستتولى شركة “ميتا فورا” إنتاج هذا العمل الدرامي، وهي الشركة التي سبق لها وأن أنتجت مسلسل “ابتسم أيها الجنرال”، الذي عرض في رمضان 2023 على تطبيق اليوتيوب.

 

ومن المتوقع أن يلقى المسلسل اهتماماً واسعاً نظراً لحساسية الموضوع المتعلق بأحداث سجن صيدنايا العسكري.

وفي 5 يوليو 2008، اندلعت أعمال شغب داخل سجن صيدنايا ( 30 كم شمال العاصمة السورية دمشق)، بعد مواجهات بين السجناء وحراس السجن. وتختلف الروايات حول أسباب اندلاع هذه المواجهات، ولكن يُعتقد أن التوترات كانت متصاعدة بسبب الأوضاع السيئة والفظيعة داخل السجن، وخاصة معاملة السجناء، الذين كان بينهم عدد كبير من المعتقلين السياسيين والإسلاميين.

 

يشار إلى أن الفنان جمال سليمان قد نفى مؤخرا  الأنباء التي ترددت حول تعرضه للنصب من شركة تكييفات شهيرة في مصر.

 

 

 

 

 

 

التصنيفات
ثقافة

“حياة الماعز”: مأساة هندية في صحراء العرب.. عمل سينمائي أم إساءة مغلّفة؟

 

 

 

 

 

 

سعيد اليوسف

 

أثار الفيلم الهندي “حياة الماعز” الذي عُرض على منصّة “نتفليكس” ضجة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، بسبب قصته التي أغضبت الخليجيين، خاصّة السعوديين، لما يتناوله من أحداث وُصفت بـ”المسيئة” لهم، والمضلّلة عن نظام الكفيل المُتبع في السعودية.

و(نظام الكفيل أو الكفالة) في السعودية، هو نظام قانوني كان -قبل إلغائه أواخر عام 2020- يربط بين العمّال الوافدين وكفلائهم، ويعني أن يجلب مواطن سعودي الذي هو صاحب العمل، عاملاً من أيّ بلد -العمالة الأكبر غالباً من الهند وبنغلاديش- على أن يكون كفيلاً له ومسؤولاً عنه وعن إقامته وكل تفاصيله، وغالباً هذا النظام يجعل العمّال عرضة للاستغلال وسوء المعاملة.

 

وتعتبر قصة فيلم “حياة الماعز” -بحسب مخرجه ومنتجه الهندي بلايسي- تجسيداً لقصة حقيقية بطلها المهاجر الهندي (نجيب) -جسّد دوره (بريثفيراج سوكوماران)- الذي اختُطِف واستُعبِد ليعمل راعياً في صحراء السعودية، على يد مواطنٍ سعودي اختطفه مدّعياً أنّه “كفيله”، جسّد دوره الفنان العُماني طالب البلوشي.

§

قصة الفيلم؟

§

يَعرض الفيلم في 173 دقيقة، قصة الشاب الهندي (نجيب)، الذي قدِم إلى السعودية للعمل بناءً على “نظام الكفيل”، لكنّه لم يلتقِ بكفيله في المطار، ووجد نفسه حائراً أمام مواطنٍ سعودي ادّعى أنه كفيله وكفيل صديقه الهندي (حكيم) -القادم برفقته للعمل أيضاً- وأخذهما في سيارته ونقلهما إلى وسط الصحراء، قبل أن يفرّق بينهما هناك، حيث عاشا لسنوات حياةً أقرب إلى العبودية وهما يرعيانِ الإبل والأغنام، في مكانين مختلفين بالصحراء.

بعد وصول (نجيب) إلى الصحراء، يجد نفسه معزولاً تماماً عن العالم، وحيداً مع خاطفهِ الذي لا يتحدّث سوى العربية التي يزجره بها كلّما أراد استفساراً أو استفهاماً بالقول “كافي كر.كر.كر” (إشارة إلى توسّلات نجيب المتكرّرة وغير المفهومة)، إلى جانبِ راعٍ هنديٍ آخر، كان لا يتقن اللغة المالايالامية التي يتحدّث بها نجيب، لذا لا مجيب لتوسّلاته المتكرّرة بأنّه باع كل شيءٍ في بلاده وغادر عائلته، سعياً وراء وظيفة موعودة في مكتب لا صحراء.

تتصاعد الأحداث ليظهر (نجيب) بعد أسابيع وقد تكيّف مع ظروفه القاسية والمهينة، واستسلامهِ أمام فشل محاولات الوصول إلى طريقٍ أو هاتف أو ورقة أو حتّى قلم، حيث يبقى وحيداً -طوال الوقت- مع الإبل والأغنام والماعز، يشاركها شرب الماء من الحوض ذاته في صحراء يكتوي بحرارتها الشديدة وشمسها الحارقة، التي أخفت معالم وجهه تماماً، وفشلت مرآة السيّارة في تذكيرهِ بها، قبل أن يكسرها خاطف.

الفيلم يصوّر سلسلة من المشاهد المأساوية، حيث المعاملة الوحشية التي يتلقّاها (نجيب) من قبل خاطفهِ السعودي، عبر تعنيفه وتجويعه وإذلاله بشكل لا يُطاق، فضلاً عن مصير الراعي الهندي السابق، الذي شاخ وفقد عقله حتى مات في الصحراء وتُركت جثّته كـ”جيفةٍ” تأكلها النسور.

ستنتهي مأساة (نجيب) برحلةِ هروبٍ شاقّة، حرّضه عليها صديقه (حكيم)، الذي التقى به مصادفةً خلال رعيهما في الصحراء، قبل أن يترك له رسالةً بين الرمال يخبره بها عن موعد الرحلة وعن عرّابها، الرجل الإفريقي المسلم (إبراهيم قادري).. سيموت حكيم، سيختفي قادري وينجو نجيب.

§

نجيب الهندي

§

وبعد وصولهِ إلى طريقٍ معبّد في الصحراء، وعدم استجابة بعض السيّارات المارّة لاستغاثته، تتوقّف سيارة لرجل سعودي ثري يساعده وينقله إلى أقرب مسجدٍ وسط المدينة، وهناك يعثر عليه عمّال هنود يُسعفونه ويعتنون به، قبل أن يبّلغوا عن حالته لدى السلطات، بسبب فقدان أوراقه الثبوتية، التي سبق أن مزّقها خاطفه.

في مديرية الهجرة، يُسلط الفيلم الضوء على القسوة في تعامل السلطات السعودية مع العمّال المجهولين من الأجانب، كما يصوّر ظروف السجن المزرية التي يعيش فيها العمّال، وكيف يُعرضون كأنّهم “دواب” ويُسمح لـ”الكفلاء” بتفقّدهم وأخذ مَن يخصهم منهم بطريقة تبدو “همجية”، ثم بعد شهرين يُرحّل (نجيب) إلى الهند، و يُشير الفيلم في ختامهِ، إلى أنّ ما حدث له ليس حالة فردية، بل تجربة شبيهة يمر بها الآلاف من العمّال.

§

“جدل وانتقادات”

§

رغم أنّ مخرج “حياة الماعز” أدرج في مقدمة فيلمه ملاحظة تقول: إنّ “الفيلم لا يقصد الإساءة لأيّ بلد أو شعب أو مجتمع أو عرق”، خشيةَ أن يثير جدلاً مع السلطات السعودية، التي تضم مئات آلاف العمّال من الجنسية الهندية، إلّا أنّ الفيلم أثار الجدل فعلاً على مواقع التواصل الاجتماعي.

تباينت وجهات النظر حول الفيلم، بين مَن يرى فيه تضليلاً متعمّداً باعتبار أنّ الفيلم لا يتناسق مع الحقيقة وفيه الكثير من المبالغة، وأنّه يندرج تحت المحاولات المستمرة في “تشويه” صورة السعودية، خاصّةً أنّ القصّة الحقيقية قديمة جدّاً ومختلفة عمّا رواه الفيلم، وبين مَن يرى فيه عملاً إبداعياً استطاع تسليط الضوء نوعاً ما على نظام الكفالة المجحف بحق العمّال الأجانب في السعودية.

§

§

 

§

وبينما يرى البعض أنّ الفيلم بالغ في التركيز بشكل كبير على معاناة فرد واحد وما تعرّض له من عنفٍ جسدي ونفسي قد يخلق صورة نمطية عن العمّال المهاجرين كضحايا دائمين في دول الخليج، يرى آخرون أنّ الفيلم مجرّد قصّة عن تجربة شخصية وواقعية لإنسان تعرّض للظلم والاضطهاد، وكما أشار إلى ظلم أحد المواطنين السعوديين، أشار إلى إنسانية آخر ساعده.

ومن الانتقادات التي وُجّهت إلى الفيلم، تصويره المشهد المتعلّق بالنظافة والرائحة الكريهة، الذي كان في بدايته، معتبرين أنّه لم يكن منطقياً كثيراً وهو أقرب إلى التمييز والسخرية المتعمّدة، وهو امتعاض (نجيب) وصديقه (حكيم) من رائحة الكفيل/ الخاطف، وإشارتهما -المضلّلة- إلى أنّ العرب يستحمون بـ”بول الإبل”!

§

“جنة الهند ونار السعودية”

§

صحيح أنّ فيلم “حياة الماعز” قدّم تسليطًا لاذعاً على معاناة العمالة الوافدة إلى السعودية، رغم أنّه يحكي قصة شخصية لشخص واحد تعرّض للظلم على يد مواطنٍ واحد أيضاً، لكن الأحداث تثير بعض التساؤلات حول سياق أوسع للمأساة غابت في الفيلم، مسؤولية البلد الأم للمُضطهد (نجيب)، الهند، ومسؤولية نجيب نفسه.

ورغم أنّ الفيلم أشار إلى تأثير نظام الكفيل من خلال تصوير القسوة التي عانى منها (نجيب)، وركّز على الأبعاد الإنسانية لمأساة العمالة الوافدة، لكنّه في ذات الوقت أغفل الجوانب الأعمق لمأساة (نجيب)، التي دفعته إلى الهجرة من بلده الأم، حيث الفقر والجوع والاضطهاد أيضاً.

وعمَد الفيلم إلى مقارنة -يبدو أنّ فيها الكثير من التحيّز- بين حياة الجنّة والسعادة التي كان يعيشها (نجيب) في مومباي الهندية وبين حياة الجحيم في السعودية التي هاجر إليها، بحثاً عن عمل، لا وفق مبدأ أنّ الوطن يبقى غاليا، لا بل عبر مشاهد الطبيعة الخلّابة والأنهار والعلاقة الطيبة بين الهنود، حيث تعامل المخرج بواقعية مع البيئة القاسية التي عاشها نجيب في السعودية، بينما تعامل بسطحية مع المشاهد في الهند.

 

لم يُشر الفيلم أبداً إلى وجود المسؤولية المشتركة للجميع في مأساة (نجيب)، خاصّة بلده الهند، التي ينتمي إليها، تواجه مشكلات اجتماعية واقتصادية تشمل الفقر المدقع، البطالة، واضطهاد المسلمي حتّى، وهذه العوامل تدفع ملايين الهنود إلى الهجرة بحثاً عن فرص عمل، ما يجعلهم عرضة للاستغلال في البلدان الأُخرى، كان من الممكن أن يلّمح الفيلم -حوارياً على الأقل- إلى هذه النقطة، لتقديم سياق أوسع لمأساة نجيب.

§

“توفّر الوسائل وغياب المقاومة”

§

ليست بلاد (نجيب) فقط، بل حتّى بلادته تتحمّل قسماً كبيراً من مسؤولية اضطهاده والاستمرار فيه، فرغم كل الأدوات التي كانت تُحيط به من بندقية، وعصي، وحجارة، وخراطيم.. كان يمكنه استخدامها لصالحه في التغلّب على الكفيل/ الخاطف أو تهديده، أو تعطيل سيارته على الأقل.. لكنّه لم يفعل، بل اكتفى بالتوسّل ثم الاستسلام، ما يثير جدلاً حول مدى واقعية هذه التصرفات فعلاً!؟

وقد يكون استخدام (نجيب) لتلك الأدوات مجرّد محاولات يائسة بائسة، لكنّها ستبقى أفضل من حلوله التي ركن إليها: أوّلها: الإلحاد ونكران الذات الإلهية: “لماذا أناجي الله؟ لماذا أصلي لله؟ لو كان هناك إله لما كان هذا مصيري!”، بالتزامن مع إظهار الفيلم -بشكل متكرّر- أنّ الدين بالنسبة للسعوديين ليس أكثر من طقوس وعادات في حياتهم اليومية، إذ لا بأس لديهم في ممارسة الظلم وهم يذكرون الله!

§

ثم الحل الثاني الذي لجأ إليه (نجيب) وهو “الانتحار”، قبل أن يتراجع عنه بعد أن دّب في قلبهِ الرعب عندما رأى جثّة الهندي السابق، الذي نقل إليه اليأس وفقدان الأمل، وانتهى مصيره جثّةً تأكلها النسور.

وإن كانت هذه “السلبية” التي أبداها (نجيب)، نتيجة للصدمة النفسية التي تعرّض لها وتضاعفت مع الوقت، إلّا أنّ اليأس عصف به فوراً، وظهر طوال الوقت شخصاً مستكيناً راكناً ومتقبِّلاً للظلم، فضلاً عن “هندية” مشهد الهروب -الحل الأخير (المتأخّر)- والذي حرّضه عليه صديقه “حكيم” الذي مات تعباً وجوعاً وعطشاً خلال الرحلة.

والتساؤل المثير هنا: لماذا بعد توفّر ظروف الهروب وغياب الكفلاء، لم يُحضّروا للرحلة الشاقّة بشكل كافٍ ولم يستفيدوا من بعض الموارد المُتاحة، لماذا لم يتزوّدوا ببعض التمر والماء!؟ لماذا لم يفكّروا بسرقةِ جملٍ واحد -على الأقل- يكون عوناً لهما في رحلة الهروب القاسية عبر الصحراء، التي نظّمها وقادها الرجل الإفريقي المسلم (إبراهيم قادري)، شخصية حضرت واختفت في مشهد سريالي/ هندي، وكأنّه الخضر، علماً أنّ نجيب وصفه بالنبي موسى.

§

“إبراهيم قادري”.. القدر والتضحية

§

لو لم يجد الهندي (نجيب) صورة الإفريقي المسلم (إبراهيم قادري) على لائحة المطلوبين في مركز الشرطة، لكان بالإمكان اعتبار هذه الشخصية مجرّد تجسيدٍ للقدر -ربّما اسمه الثاني دلالة على ذلك- الذي كان نقطة تحوّلٍ في مصير نجيب، فقد كانت مصدر الدعم النفسي والأمل الذي حفّزه على الصبر والتحدّي والمقاومة وتجاوز الصعاب، كما أنّه كان مثلاً للتضحية، إذ اختفى في رمال الصحراء تاركاً وراءه عبوة ماء كآخر طوق نجاة لـ نجيب، يحثّه على الاستمرار في رحلته والوصول إلى هدفه.

§

إبراهيم قادري

§

ولو لم يُسلّط الفيلم الضوء على شخصية سعودية توقّفت لاستغاثة (نجيب) على الطريق وهدّأت من روعه ونقلته إلى وسط المدينة، لربما كان المشهد الذي أظهر “قادري” -عبر صورة- على أنّه مُطلوب، متعمّدة أيضاً، وتشير إلى أنّ “الاضطهاد والواقع المرير والملاحقة في هذه البلاد، لا تقتصر على العمّال الأجانب فقط، بل يمتد أيضاً إلى أولئك الذين يقدمون لهم المساعدة”.

§

فيلم وراوية “حياة الماعز”

§

“حياة الماعز” (The GOAT Life) أو “Aadujeevitham/ أدوجيفيثام” بحسب لغة الفيلم المالايالامية-الهندية، بات أحد أكثر الأعمال السينمائية التي جذبت الانتباه مؤخراً على منصة “نتفليكس”، وتصدّر قائمة الأعلى مشاهدة منذ طرحه لأوّل مرة يوم 19 تموز الفائت، بعد عرضه في دور السينما في 28 آذار 2024، كما حقّق أرباحاً كبيرة في الأسبوع الأوّل من عرضه تجاوزت الـ10 مليون دولار.

§

نجيب الهندي

§

الفيلم مقتبس عن رواية تحمل نفس الاسم (حياة الماعز/ Aadujeevitham) صدرت عام 2008 للمؤلف الهندي بنيامين، وهي تصوّر محنة فقراء الهند الذين يسعون إلى طلب الرزق في الشرق الأوسط، وتسلّط الضوء على قسوة حياة المهاجرين في دول الخليج، خاصّةً السعودية.

والرواية -بحسب كاتبها- مستوحاة من محنة حقيقية لرجل يحمل نفس الاسم (نجيب)، اختُطف في التسعينيات بالسعودية، وتمكّن من الفرار بعد خمس سنوات، وتعدّ من أكثر الروايات قراءة في ولاية كيرالا جنوبي الهند، والتي تتحدث اللغة الماليالامية، وقد صدرت منها الطبعة الـ250 هذا العام.

§

“ولاية كيرالا” والعمل في الخليج

§

نحو مليوني هندي و100 ألف -من ولاية كيرالا (مسقط رأس نجيب) جنوبي الهند- يعيشيون ويعملون في الخارج، قرابة 90% منهم هاجر إلى دول الخليج، حيث يعيش معظم هؤلاء العمّال الذي ينحدرون من عائلات فقيرة كادحة، في ظل نظام الكفالة.

وتشير العديد من التقارير الإخبارية إلى أنّه “مما لا شك فيه، أنّ الأجور التي أرسلها العمّال إلى ذويهم في ولاية كيرالا، ساهمت في دعم اقتصاد الولاية، حيث أظهر مؤشر مؤسسة بحثية حكومية، أنّ كيرالا لديها أدنى معدل للفقر في الهند”.

 

وبحسب إحصائيات خليجية، فإنّ أكثر من 9 ملايين هندي تقريباً يعيشون في عموم دول الخليج، ويعدّون كأكبر جالية في العالم من أصل 58 مليون نسمة (عدد سكّان الخليج)، وهم يشكّلون فعلياً: (33% من نسبة سكّان الإمارات، 28% من سكان الكويت، 25% من سكان قطر، 20% من سكان البحرين، 15% من سكان سلطنة عُمان، 7% من سكان السعودية).

§

قد تكون صورة ‏‏شخص واحد‏ و‏نص‏‏

§

الجدير بالذكر أنّ ملايين الأفراد في الهند يعيشون فقراً مدقعاً وظروفاً اقتصادية صعبة، ويعانون من نقص في الموارد الأساسية مثل الغذاء والرعاية الصحية، كما أنّ البطالة تمثل مشكلة كبيرة، خاصة بين الشباب الذين يواجهون صعوبة في العثور على فرص عمل ملائمة، وذلك رغم وجود مئات المليارديرات من رجال الأعمال الهنود، الذين يعكسون نجاحات هائلة في ظل ازدهار اقتصادي وتقدّم تكنولوجي تشهده الهند، الذي تجاوز عدد مواطنيها المليار ونصف المليار.

 

 

التصنيفات
ثقافة

السينما الفرنسية تفقد أحد عمالقتها آلان ديلون عن 88 عاما

 

 

 

 

 

توفي الممثل الفرنسي آلان ديلون عن عمر ناهز 88 عاما، حسبما أعلن أبناؤه الثلاثة صباح الأحد في بيان صحفي مشترك لوكالة الأنباء الفرنسية.

وجاء في البيان: “يشعر آلان فابيان وأنوشكا وأنتوني، وكذلك (كلبه) لوبو، بحزن شديد وهم يعلنون رحيل والدهم. لقد توفي بسلام في منزله في دوشي، محاطا بأطفاله الثلاثة وعائلته (…) التي تطلب منكم احترام خصوصيته، في لحظة الحداد المؤلمة هذه”. وأوضحوا أن الممثل توفي “في الساعات الأولى من الليل”.

؟

مراهقة صعبة

؟

عاش “أيقونة السينما الفرنسية” على حد وصف مجلة “فواسي” مراهقة صعبة إثر انفصال والديه عن بعضهما البعض بعد طفولة عادية بجانب أبيه مدير قاعة سينما وأمه مساعدة صيدلية. لكن فراقهما أثر عليه كثيرا. كما أنه انقطع مبكرا عن الدراسة، واختار الانخراط في الجندية الفرنسية في سنوات الخمسينيات، حيث شارك إلى جانب قوات بلاده في حرب الصين والهند.

يتذكر هذه المرحلة بانتشاء لأنه يعتبر أنه تعلم الكثير من الجيش. “تعلمت الالتزام والاحترام… والعديد من الأشياء”، قال ديلون في إحدى تصريحاته، وهو انتشاء ممزوج بالحزن أيضا، لأنه فقد الكثير من أصدقائه في هذه الحرب.

ويعترف ديلون أنه أتى للسينما عن طريق الصدفة، إذ لم يدرس يوما في أي معهد من معاهد الفن. وكان النساء بالنسبة له المحفز الأساسي للنجاح في الأدوار السينمائية التي كان يؤديها. ويشير ديلون بهذا الشأن إلى أن “النساء هن من نادين علي للسينما، وكنت أريد أن أرى في عيونهن أنني الأكثر وسامة والأكبر قامة والأقوى سينمائيا”.

؟

مسيرة سينمائية حافلة

؟

وبزغ نجم ديلون في فيلمين للمخرج الإيطالي لوكينو فيسكونتي، وهما فيلم (روكو اند هيز براذرز) “روكو وإخوته” إنتاج 1960 وفيلم (ذا ليبارد) “النمر” إنتاج 1963. ولعب دور البطولة إلى جانب الممثل الفرنسي المخضرم جان جابين في فيلم (ميلودي أون سو-سول) “أي رقم يمكنه الفوز” إنتاج 1963 ومن إخراج هنري فيرنوي.

وحقق نجاحا باهرا في فيلم (لو ساموراي) “الابن الروحي” إنتاج 1967 من إخراج جان بيير ميلفيل. ولم يتضمن دور القاتل المأجور الفيلسوف إلا النزر اليسير من الحوار وكثيرا من المشاهد الفردية التي أبدع فيها ديلون.

وأصبح ديلون نجما في فرنسا وحظي بالإعجاب الشديد من الرجال والنساء في اليابان، إلا أنه لم ينجح بالقدر نفسه في هوليوود على الرغم من تمثيله مع عمالقة السينما الأمريكية مثل بيرت لانكاستر.

؟

؟

اسم ديلون في ردهات المحاكم

؟

تدهورت صحة ديلون منذ إصابته بسكتة دماغية في 2019، وكان نادرا ما يغادر منزله في منطقة فال دو لوار. وتصدر عناوين الأخبار في صيف 2023 عندما رفع أبناؤه الثلاثة دعوى ضد المعاونة المنزلية للنجم هيرومي رولان، التي يُقال أحيانا إنها شريكته، متهمين إياها بـ”استغلال ضعف” والدهم.

ثم اندلع نزاع عائلي بين أبناء ديلون وصل إلى أروقة القضاء وتناولته وسائل الإعلام، على خلفية الحالة الصحية للنجم الذي كان يعاني من سرطان الغدد الليمفاوية.

؟

سعفة ذهبية فخرية في مهرجان كان

؟

وفي أيار/مايو 2019، عاد إلى السجادة الحمراء ضمن مهرجان كان السينمائي ليتسلم سعفة ذهبية فخرية. وقال حينها نجم “بيربل مون” (1960) الذي حقق بفضله نجومية عالمية و”روكو أند هيز براذرز” (1960) و”ذي ليبورد” (1963) و”ذي سويمينغ بول” (1969)، “إنه يشبه لتكريم بعد الوفاة، لكنه تم وأنا على قيد الحياة”.

وأشاد العديد من النقاد السينمائيين ووسائل الإعلام بهذا التكريم، حيث اعتبرونه مستحق بالنظر لما قدمه بطل فيلم “الشمس المتوهجة” للسينما الفرنسية والعالمية على السواء، لا سيما وأنه لم يسبق له أن توج بالسعفة الذهبية بهذا المهرجان ذات الصيت العالمي.

لكن هذا التكريم أثار جملة من الانتقادات من قبل الجمعيات الحقوقية، التي كانت تعتبره غير أهل لنيل هذه الجائزة، بسبب مجموعة من المواقف له عبر عنها علنيا عبر وسائل الإعلام سواء حول المرأة أو بخصوص المهاجرين، كما أنه أعلن دعمه في حملة انتخابية سابقة لحزب “التجمع الوطني” (الجبهة الوطنية سابقا)، المحسوب على اليمين المتطرف. وبعيدا عن هذه المواقف، يبقى ديلون أحد عمالقة السينما الفرنسية.

 

 

فرانس24/ أ ف ب/ رويترز

التصنيفات
ثقافة

“الإِبن السيء” فيلم وثائقي للمخرج السوري غطفان غنوم: سرديّة الذات المغيّبة وفصول القمع السلطوي

 

 

 

 

 

مروان ياسين الدليمي

 

يمضي المخرج السوري غطفان غنوم في فيلمه الوثائقي»الابن السيء» إلى ناحية تفكيك إشكالية الثورة السورية ضد نظام الأسد، التي بدأت شرارتها في منتصف آذار (مارس) 2011. وبدا واضحا أن غنوم في شريطه الذي يستغرق عرضه ثلاث ساعات من الزمن، ساعيا إلى إعادة قراءة هذا الحدث المفصلي في تاريخ سوريا الحديث والذي ما يزال قائما، رغم أنَّ سخونته قد خفت كثيرا في نشرات الأخبار، مثلما هي الوقائع أيضا على الأرض، إذ لم تعد تشهد تطورات ميدانية فاعلة، سواء على المستوى العسكري أو السياسي، إضافة إلى أن أحداثا أخرى دفعتها إلى خلفية المشهد الإعلامي الدولي مثل الحرب في أوكرانيا والسودان وغزة، بذلك تحولت الثورة السورية بكل صفحاتها المؤلمة إلى قضية منسية ولم تعد تشغل بال المجتمع الدولي.

يأتي هذا الفيلم في إطار الجهود الفاعلة لكسر حاجز الصمت لسرد حكاية الثورة في شقيها الذاتي والموضوعي، من بعد أن لعب الزمن دوره في تشويه حقيقتها وهي تواجه نظاما قمعيا مضى عليه أكثر من خمسين عاما وهو يقبض على عصا السلطة، وباتت صورتها مشوهة من خلال ما تبثه وسائل الإعلام من رسائل ضدها، رغم التضحيات المدنية الجسيمة التي قدمها الشعب السوري منذ انطلاقتها، وإزاء ذلك ليس هناك من وسيلة أكثر فعالية من الفيلم الوثائقي في التعامل مع هذا الواقع لكشف الحقائق المغيبة، وملامسة ما يمر على البشر من مشاعر موجعة كرستها تجارب بغاية المرارة مع أجهزة النظام في دمشق والميليشيات الأجنبية الداعمة له، وربما هذا النوع من الإنتاج السينمائي أكثر تأثيرا من أي نشاط آخر، لأنه يتخذ منحى البحث عن الحقيقة من دون أن يلجأ إلى تغيير أو تزييف أو تعديل للواقع.

عمد المخرج في حبكة الفيلم إلى أن تتداخل سيرته الذاتية مع سيرة الثورة، على اعتبار وجود علاقة متلازمة تجمع الاثنين معا، إذ لم تكن حياة المخرج بعيدة عن الثورة، فقد كان لها الحضور الأبرز في تشكيل وعيه ومواقفه ورسم مستقبله، حتى بات الحديث عن سيرته الذاتية لا يكتمل إلاَّ من خلال الحديث عن الثورة، والعكس صحيح.

ولكي يعيد ترتيب الوقائع المرتبطة بالثورة السورية، كان لابد له من أن يكسر الترتيب السردي الاطرادي، ويفك العقدة التقليدية حتى يتوغل بعيدا في تشابكات الزمن والأحداث التي مهدت للثورة، لأن العلاقة هنا وثيقة جدا بين الماضي والحاضر، وبين الذات والموضوع، والقضية التي انشغل بها المخرج لا تخرج عن مواجهة الذات بمستوياتها حضورها؛ ذات المخرج السارد للأحداث، وذات الثورة موضوعة الفيلم وبؤرته المركزية، فليس ثمة انفصال ما بين الإثنين

من هنا جاء الشكل الفني للفيلم من الناحية التقنية ليؤكد على هذا التلازم وصعوبة الفصل بينهما، ابتدأ من عناوين فصول الفيلم التي تم اقتباسها وبلمحة ذكية من عناوين أبرز الأفلام في تاريخ السينما، مثل «الديكتاتور العظيم، أوغاد مجهولون، العراب، صائد الغزلان، قصة موت معلن، النافذة الخلفية، حياة الآخرين، الجدار، مضطرب العقل سايكو، صراع العروش، مدينة الله، الرجل بدون اسم، المنبوذ، من أجل حفنة من الدولارات، الأزمنة الحديثة، سبارتاكوس، الرقص مع الذئاب، القيامة الآن، الجريمة والعقاب، الجيد السيء والقبيح، الحياة حلوة، ذهب مع الريح».

هذا التوظيف لعناوين الأفلام جاء بمثابة إشارة قوية على تبادلية العلاقة بين الفن السينمائي والواقع، وأن السينما تلعب دورًا كبيرًا في تشكيل وعي المتلقين حول قضايا يضج بها واقعهم، ويمكن أن تؤدي إلى تغييرات في مواقفهم، وإذا ما تم توظيف هذه العلاقة برؤية فنية ناضجة وفي سياق مؤثر يعزز من تماسك حبكته كما في هذا الفيلم، فإن ذلك سيدعم آلية سرد الحقائق بصياغة جمالية مؤثرة وتقديمها بشكل لا يخلو من المصداقية والموضوعية.

وعندما لجأ المخرج إلى استثمار عناوين أفلام روائية شهيرة في تاريخ السينما فإنه بذلك يكون قد دعم فكرة أن الأفلام الروائية تستمد مادتها من الواقع، في مقابل الواقع الذي يقيم علاقة متفاعلة مع السينما في الأفلام الوثائقية التي تقدم رؤى جديدة وتساهم في تشكيل الوعي الجماعي، هذا التفاعل يعزز من دور السينما كوسيلة ثقافية مؤثرة في الواقع، ويضعها في مكانة أسمى من أن تكون مجرد وسيلة للترفيه، بل أداة قوية للتغيير والتأثير الاجتماعي.

كان هذا الاقتباس تعبيرا عن شغف المخرج بالفن السينمائي، حيث سبق له أن دَرَس الإخراج السينمائي في جمهورية مولدافيا الشعبية، وانطلاقا من هذه الزاوية المهنية والجمالية أخذ ينظر إلى الحياة والأحداث لينتهي إلى توصيفها بجملٍ لها صلة وثيقة بعالم السينما، حتى بدا من غير الوارد بالنسبة له أن يسمي الأشياء في الواقع الذي تناوله بعيدا عن دلالات العناوين السينمائية، ومنها فصول الثورة السورية كما جاءت في تقسيمات البناء السردي للفيلم، وليس مهما أن العناوين التي اختارها تشير إلى أفلام روائية وليست وثائقية، كما لو أنه يستبعد إية أفكار تحاول أن تفرض حواجز ما بين الوثائقي والروائي ساعة تلقي العمل، ليؤكد بذلك على الصلة العميقة بين الواقع والفن السينمائي بنوعيه الوثائقي والروائي.

?

سرد بضمير المتكلم

?

يعود المخرج في النصف الأول من الفيلم إلى عدد من الوقائع والأحداث التي شهدها العالم قبل أن تنطلق شرارة الثورة، ليدحض سيل التصورات والأجندات التي نالت من حقيقتها، سواء كانت عن قصد أو عن قصور في الفهم، وكان لابد من اختيار هذا المسار لأجل أن تكون القراءة الذاتية لسارد الأحداث تتحرك في سياقها التاريخي، وإلاَّ فإن الفهم سيبقى عاجزا عن استيعاب حقيقة ما جرى من تشابكات مرت على الثورة بكل تعقيدات فصولها وخنادقها، وما أصبحت عليه اليوم من صورة يشوب الغموض مستقبلها، وقد أفضت هذه الاستعادة بصوت السارد وبصيغة ضمير المتكلم (المخرج) إلى صياغة حبكة متماسكة تداخل فيها الذاتي مع الموضوعي، ونجح سيناريو الفيلم بهذا الأسلوب في أن يعيد تركيب الأحداث وربطها مع بعضها، ولابد من التنويه إلى مسؤولية وفاء عاملي في كتابة العمل بهذه الصياغة الرصينة.

هناك كم كبير من الوثائق الفلمية في هذا الشريط تعود إلى فترات زمنية مختلفة من عمر الثورة، خصوصا في السنين الأولى منها قبل أن يغادر المخرج بلده سوريا هاربا من ملاحقة النظام، ومعظم تلك الوثائق تم تصويرها على أشرطة vhs وبسبب تقادم الزمن عليها تحللت ألوانها كما ضعفت دقتها، لكنها احتفظت بقيمتها الوثائقية المرتبطة بالثورة بقدر ارتباط بعضها بحياة المخرج في مدينة حمص والأحداث التي شهدتها وشارك فيها في الأيام الأولى من عمر الثورة، ما يعزز من القيمة التاريخية لأية وثيقة – حتى وإن كانت شخصية – إذا ما وضعت في سياق موضوعي، ويمكن من خلالها الكشف عن فصول مغيبة بغاية الأهمية، مثلما هي اللقطات العائلية التي قدمها الفيلم من الحفل البسيط الذي أقيم في شقة بسيطة في العاصمة بيروت، بمناسبة ارتباط المخرج وزواجه من إبنة أحد ثوار الأحواز الفارين من إيران.

ولأجل أن لا تسقط رؤية الفيلم في زاوية ذاتية ضيقة، لجأ المخرج إلى أن يكون السرد متناوبا ومتقاطعا في آن بين صوته المحوري السارد للأحداث، وأصوات أخرى لشخصيات حقيقية تظهر في الفيلم لتدلي بشهادتها باعتبارها مشاركة في صنع الحدث، أو أنها تستعيد سرده بعد أن مرت عليها الأعوام وهي تقيم في المنفى، ولاشك في أن تنوع تقنيات السرد وتوزعها على مجموعة أصوات/ شهود، إلى جانب السارد الأساس/ المخرج، يمنح مساحة كافية لتأمل ما جرى وبتفاصيل وتنويعات كثيرة، وليعيد بالتالي قضية الثورة إلى طاولة النقاش من بعد أن تعرض ملفها إلى التشويه والتزوير وأوشك أن يطويه النسيان.

?

بؤر متعددة للسرد

?

إن قيمة هذا الفيلم إضافة إلى نضج أدواته الفنية في سرد الحكاية وتكثيفها وما أفصح عنه من حساسية جمالية عالية في كيفية التعامل مع الوثائق الفيلمية المختلفة، تكمن في أنه أعاد قراءة التاريخ المعاصر من خلال الثورة السورية، لأن في تفاصيل حكايتها ما يلقي الضوء ساطعا على دهاليز السياسة الدولية وتداعياتها الدموية على تطلعات شعوب العالم الثالث نحو الحرية والعدالة. والفيلم من الناحية الفنية يعد نموذجا ناضجا في إعادة صياغة القضايا المجتمعية الشائكة ذات البعد السياسي بقالب فني سلس، وعبر حبكة تحتوي على بؤر متعددة، بالشكل الذي منح الفيلم فرصة أن يسبر أغوار النفس الإنسانية لشخصية السارد وتقصّي مشاعرها في أوجه مختلفة بقدر علاقتها بالثورة، إلى جانب ذلك فإن قيمته ليست في أنه يؤرخ لفترة زمنية عاصفة رغم أهمية ذلك، إنما قيمته تتجلى في أنه أعاد اكتشافها من جديد، بما يؤكد أهمية الفيلم الوثائقي بتقنياته وأدواته وجمالياته في تحريك الوعي وخلع أردية التشويه عن الوقائع والأحداث.

سيرة المخرج تشير إلى أنه من مواليد مدينة حمص عام 1976. خريج الأكاديمية الفنية الحكومية في جمهورية مولدافيا الشعبية عن قسم الإخراج السينمائي، وعضو نقابة الصحافيين في فنلندا، ومشارك في مهرجانات مسرحية محلية وسينمائية دولية عن أعمال مسرحية وسينمائية، وكاتب مقالات قصيرة في دوريات محلية وعربية.

 

?
?
التصنيفات
ثقافة حر الكلام

من الصليبيين إلى زكريا تامر: سوريا في إصدارات 2023 .. صبحي حديدي

 

 

 

 

الكوارث الطبيعية اكتنفت العام 2023، من زلازل تركيا ومناطق في شمال وغرب سوريا، إلى زلازل وفيضانات المغرب وليبيا؛ وكوارث أخرى صنعها اقتتال جنرالات السودان، شركاء الأمس واليوم في الثورة المضادة؛ ثمّ العام إذ يجرجر أذياله مع بلوغ حرب الإبادة الإسرائيلية ضدّ الشعب الفلسطيني مستويات قصوى من الهمجية والوحشية والعنصرية، يندى لها جبين عتاة وحوش البشر من التتار وحتى الرايخ الثالث… ربما بسبب هذه الملفات المأساوية الكبرى، وسواها بدرجات متفاوتة، تراجع الاهتمام البحثي بالموضوع السوري، حيث المجازر المفتوحة والشقاء المعمم والتهجير المفتوح والإبادة المنظمة وعربدة الاحتلالات الأجنبية وصنوف التوحش من جانب النظام وشركائه؛ وقد يصحّ القول إنّ المؤلفات الخاصة بسوريا والسوريين صدرت في العام الذي ينصرم بمعدلات أقلّ عدداً عن أعوام ثلاثة أو أربعة سلفت.

وفي تقدير هذه السطور، قد تكون مفيدة الإشارة، بإيجاز يقتضيه المقام غنيّ عن القول، إلى 4 مؤلفات في ميادين تاريخية وسياسية واجتماعية وأدبية؛ على غرار كتاب أوّل بعنوان “سوريا العصور الوسطى وابتداء الحروب الصليبية: عالم بلاد الشام السياسي 1050-1128″، وفيه يسعى المؤرخ البريطاني جيمس ولسون إلى رسم سلسلة من الـ”سكيتشات” الجغرافية والبشرية والسياسية التي كانت تشكل عالم بلاد الشام قبيل انطلاق، وخلال وبعد، الحملات الصليبية المتعاقبة. أطروحة الكتاب المركزية تقول إنّ الغزو الصليبي (كما يسمّيه) عقّد ديناميات القوّة المشتغلة أصلاً وفق صراعات كانت قائمة على مستويات عديدة ثقافية/ إثنية ودينية.

كتاب ثانٍ، مرتبط بالقضية الفلسطينية، هو “الوكالة اليهودية وسوريا خلال الثورة العربية في فلسطين: اللقاءات والمفاوضات السرّية”، الصادر عن منشورات  I.B.Tauris، ضمن سلسلة دراسات جامعة SOAS حول فلسطين. وعلى امتداد خمسة فصول، طافحة بالمعلومات والوقائع والتفاصيل، يكشف المؤرخ الفلسطيني محمود محارب صفحات خافية، قد تكون مخفية عن سابق قصد، حول عمق التغلغل الصهيوني في سوريا، عن طريق الوكالة اليهودية خلال سنوات 1936 وحتى 1930، التي جهدت لإيجاد مصالح مشتركة مع زعماء وساسة سوريين، على نقيض المصالح الوطنية السورية والعربية، وحقوق الشعب الفلسطيني. وإذا كانت دراسات شتى قد سلطت الأضواء على علاقات الوكالة مع ساسة ونُخب في الأردن ولبنان ومصر، خلال الفترة ذاتها؛ فإنّ العلاقات، في شطرها السوري مع “الكتلة الوطنية” و”المعارضة الشهبندرية” وزعماء جبل الدروز، تظلّ قليلة أو حتى نادرة. وقد تكون الخلاصة الأهمّ في كتاب محارب أنه يدحض سردية الوكالة القائلة بأنّ غرض تلك الاتصالات السرية كان تحقيق السلام في فلسطين، إذْ كان الهدف الفعلي هو الالتفاف على الشعب الفلسطيني عن طريق عقد الصفقات مع النُخب العربية عموماً، وفي عدادها ساسة سوريا.

كتاب ثالث بعنوان “إبادة السكن: العمارة، الحرب، وتدمير البيت في سوريا”، الذي صدر ضمن سلسلة الفنون البصرية في Bloomsbury، وفي فصوله الخمس يفعّل عمار عزوز، المعماري السوري والأستاذ في جامعة أكسفورد، مصطلح الـDomicide  بوصفه النهج التدميري الشامل الذي ينتهي إلى الإبادة الجماعية للمسكن والبيت والمأوى، وتقويض العمارة والعمران في نهاية المطاف؛ ولأنه، استطراداً، خيار النظام منذ انطلاق الانتفاضة الشعبية في آذار (مارس) 2011؛ وكما شهدها عزوز بنفسه، في مدينته مسقط راسه حمص. وإذا كانت انحيازات المؤلف السياسية والأخلاقية والسياسية غير خافية، ولا تخفى معها نبرة إدانة أنساق العنف المختلفة التي لجأ إليها النظام ضدّ البشر والحجر؛ فإنّ تركيزه على الجوانب القانونية ومسائل الملكية وتضييع السجلات والصكوك، يطمس بعض جوانب همجية النظام في ملفات الإبادة الجماعية للبشر، والتطهير المناطقي، والتدمير العشوائي عن طريق أسلحة هوجاء مثل البراميل المتفجرة، والتخريب عن طريق “التعفيش”، وما إلى ذلك.

كتاب رابع يتوجه نحو الأدب، بعنوان “زكريا تامر وسياسة القصة القصيرة السورية: الحداثة، السلطة، والجندر”، الصادر أيضاً عن منشورات  I.B.Tauris؛ للأكاديمي الإيطالي أليساندرو كولومبو، المحاضر في جامعة وستمنستر، لندن. عناوين فصول الكتاب تشهد، سريعاً، على المحاور الكبرى التي اعتمدها المؤلف لإنجاز أبحاث معمقة في أدب القاص السوري الكبير الرائد زكريا تامر؛ فهو يبدأ من علاقات الجدل بين الالتزام والمنفى، وينتقل إلى متغيرات يعتبرها “ذكورية” شملت الحداثة والنزعة القومية ومظاهر التسلط في ستينيات وسبعينيات القرن المنصرم. وأمّا الأنثى الحديثة، حسب تعبير كولومبو، فإنها تغطي الطابع الجنسي لمحتوى القصص خلال الفترة الواصلة حتى السبعينيات؛ ومن الموضوع إلى الذات، يستعرض المؤلف المضاعفات والتجاوزات في الأعمال القصصية التي تغطي أيضاً روابط الأنثى والجنس؛ والفصل الخامس، الأخير، يتوجه نحو تشريح “سقوط الرجل القوي”، حيث الفحولة والمثلية والسلوك “القبضاي”. “في سوريا”، يكتب كولومبو، “ارتبط الأدب والاتجاهات السياسية والتطورات التاريخية على نحو وثيق وغير قابل للانفصام”، إلى درجة أنّ البعض يعتبر ذلك بمثابة “السمة الكبرى التي تميّز الأدب السوري”؛ وهذا ما لم يحظَ باهتمام غربي كافٍ، على غرار علاقات الأدب والسياسة في مصر وفلسطين مثلاً؛ وأبحاث كولومبو في هذا الكتاب تستهدف سدّ بعض تلك الثغرات.

هي، كذلك، حال الكتب الأربعة هنا، وسواها، خلال عام ينصرم؛ من دون أن يُشبع، بما يكفي، شأناً سورياً شاسعاً واسعاً معقداَ.

التصنيفات
ثقافة

“نابوليون” الجديد يقدم القائد الفرنسي بقلب عاشق

 

 

 

 

 

النصف الثاني من الشهر الحالي وما يليه من أسابيع هو ملك “نابوليون”، الفيلم الجديد للمخرج ريدلي سكوت. لم يُكشف بعد عن ميزانيته، لكنها تقترب أو تتجاوز بقليل 150 مليون دولار، والطموح هو أن يتجاوز ضِعف هذا المبلغ في غضون أسبوعين وفوقهما نحو 300 مليون دولار أخرى.

 

ينضم الفيلم هذا بجدارة إلى أفلام سكوت التاريخية، وهو الذي بدأ باكراً في مشواره مخرجاً عندما حقّق “المتبارزان” سنة 1977، وأنجز بعده “1492: غزو الجنة” (1992)، و”غلاديايتر” (2000)، و”مملكة الجنّة” (2005)، و”روبين هود” (2010).

 

هذا هو اللقاء الثاني بين ريدلي سكوت والممثل يواكيم فينكس، الذي كان أدّى الدور الثاني أمام راسل كرو في “غلاديايتر” وكان الفيلم الأخير للممثل الراحل أوليفر ريد.

 

قال سكوت لهذا الناقد في عام 2018 عندما سألته سبب اهتمامه بالتاريخ: “اهتمامي بالأفلام التاريخية طبيعي، لأني لا أتصور أن هناك من يستطيع تجاهل التاريخ أو ينفيه”.

 

ورداً على سؤال آخر: “أشعر طوال فترة تصوير أي فيلم تاريخي بأنني مسؤول أمام عملية إعادة ما حدث على أكثر من نحو. هناك مسؤولية نقل الحقائق بصياغة سينمائية، وهناك مسؤولية طرح بعد يربط العالمين الحالي والماضي معاً”.

 

 

رورد ستايغر في “ووترلو” (باراماوننت)

 

 

تأكيداً على ولعه بالأفلام التاريخية وحبّه لسينما “سيسيل ب”. دَميل وأفلام هوليوود التاريخية في الخمسينات والستينات، يبدأ سكوت قريباً إنجاز جزءٍ ثان من فيلمه السابق “غلاديايتر” مع دنزل واشنطن، هذه المرة في البطولة عوضاً عن رَسل كرو، الذي أسندت إليه بطولة الجزء الأول.

 

كان ديفيد سكوربا (كاتب سيناريو “نابوليون” الحالي) بدأ كتابة “غلاديايتر 2” في عام 2018 وسيتوجه به سكوت إلى المغرب ومالطا وبريطانيا لإنجازه، على أن يكون حاضراً للعرض بعد سنة من الآن في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024. بذلك يكون المخرج المغرم بالتاريخ قد حقق فيلمين ضخمين الواحد تلو الآخر. مرّر أصعبهما أولاً وأبقى الفيلم الأضمن نجاحاً لكي يكون إنتاجه التالي. بذلك، يكون “نابوليون” في إحدى وظائفه نوعاً من الاختبار، علماً بأن النقاد الذين شاهدوا الفيلم الجديد أثنوا، في غالبيّتهم، على فيلم سكوت من نواحٍ متعددة.

 

 

 

واكين فينكس: نابوليون (كولمبيا بيكتشرز)

 

 

 

خلفيات سينمائية

 

نابوليون بونابرت (1769-1821) كان قائداً عسكرياً فذّاً وعاشقاً كبيراً لزوجته جوزفين (فانيسا كيربي في الفيلم الجديد) بعدما تزوّج سابقاً كما اتخذ لنفسه عدداً من العشيقات. بعض ارتباطاته العاطفية أنجبت له أولاداً، لكن زواجه من المرأة التي أحب، جوزفين، لم ينجب له أي وريث.

 

لكن الرجل مشهور بغزاوته وحروبه التي امتدت من إسبانيا إلى مصر، ومن الجنوب الإيطالي إلى روسيا مروراً بهولندا وألمانيا وجمهورية التشيك والنمسا لجانب دول أخرى.

 

بعض المؤرخين يعدّونه مسؤولاً عن نحو 4 ملايين إلى 6 ملايين قتيل سقطوا صرعى طموحاته العسكرية. وواحدة من غايات المخرج سكوت المصرّح عنها هي الربط ما بين تلك الحروب وما يقع اليوم وفي خلفية أذهان مشاهديه. وهو كان قصد الغاية نفسها عندما أخرج “مملكة الجنة” سنة 2005، الذي دار حول الحرب الصليبية، وأشار خلالها إلى الصراع الفلسطيني في الواقع الحاضر.

 

على الشاشة، صُوّرت قصة حياة وحروب نابوليون مرّات عدّة، إما عنه مباشرة أو في ثنايا الحديث عن الثورة الفرنسية التي استمرت وقائعها عشر سنوات (من 1789 إلى 1799).

 

نابليون كان شاغل السينما منذ سنة 1927 عندما أقدم الفرنسي آبل غانس على تحقيق ملحمة عن القائد مدتها أكثر من خمس ساعات متناولاً حياته من بداياتها في مكان ولادته (جزيرة كورسيكا) إلى نهايته مروراً بحبه لجوزفين التي يذكر الفيلم بوضوح أنها كانت ملهمته طوال الوقت “كما لو كانت حربه تأكيداً لها على بطولته وفروسيته”، كما يرد في الفيلم.

 

في عام 1954 مثّل مارلون براندو شخصية بونابرت في “Désirée” لهنري كوستر. الفيلم كان عذراً أكثر منه عملاً فنياً جيداً، وهو وُلد في العام نفسه الذي أطلق فيه براندو أحد أفضل أدواره على الشاشة في فيلم “على جبهة الماء” (On the Waterfront) لإيليا كازان.

 

هزيمة ووترلو

 

بعد أن خمدت نيران الهجمة الهوليوودية الأولى في الخمسينات، اقتبس المخرج الروسي سيرغي بوندارتشوك، سنة 1965، “حرب وسلام” لليو تولستوي، التي امتدت ست ساعات و55 دقيقة، ولو أن هناك نسخاً أقصر (في حدود ساعتين ونصف) تؤمّن رغبة من لا يريد مشاهدة كل رواية تولستوي.

 

الفيلم الملحمي له طريقته الخاصة في عرض الأحداث التاريخية التي سبقت، بالطبع، انهيار حكم القياصرة الروس. ظهور شخصية نابوليون (أداها الروسي فلاديسلاف سترزهيلكيك) ليس طاغياً عن الفيلم لأن الحكاية في الأصل ليست عنه، بل هو جزء من فصولها. فيلم بوندارتشوك ممارسة في أسلوب التصوير حيث تتحرك الكاميرا في المشاهد الداخلية كما لو كانت ترقص على بلاط القصور التي يتم التصوير فيها، وفي المشاهد الخارجية كما لو كانت جزءاً من الحرب.

 

لكن بوندارتشوك عاد إلى شخصية نابوليون بعد خمس سنوات على “حرب وسلام” ليقدم نسخته عن نابوليون بونابرت في فيلم “ووترلو”. المنتج كان عاشق الإنتاجات الكبيرة دينو ديلارونتيس والتمويل من شركة باراماونت واللغة المحكية إنجليزية.

 

لعب رود ستايغر بطولة هذا الفيلم. بوضوح، حاول جاهداً تقديم صورة شخصية مناسبة للإمبراطور الشهير خلال واحد من أشهر مواقع القتال التي خاضها. لكن سعيه لم يكن انغماساً في الشخصية بقدر ما كان تمثيلاً لها لا يخلو من الاستعراض.

 

لسبب أو لآخر لم يتقدّم للأوسكار بل رُشح لجوائز البافتا البريطانية، حيث خرج بجائزتين واحدة عن تصميم الملابس والأخرى عن تصميم المستلزمات الفنية (ما يُسمّى اليوم بتصميم الإنتاج). تجارياً سقط الفيلم في حفرة العروض السينمائية وتحوّل إلى أحد معالم الإنتاجات الكبيرة التي لم تلقَ اهتماماً لدى الجمهور.

 

نابوليون – شاهين

 

في مقابل هذه المجموعة الأساسية من تاريخ ظهور نابوليون على الشاشة، لا بدّ من إضافة فيلم يوسف شاهين، الذي أثار الجدل منذ إنتاجه سنة 1985 ومن ثَمّ كلّما ذُكر في سياق مراجعة أعمال المخرج.

 

الواقع أن الفيلم يحمل عنواناً يمكن اعتباره استفزازياً. كلمتا “وداعاً وبونابرت” تميلان إلى نوع من النوستالجيا والعاطفة، كما لو أن المرء يودع شخصاً عزيزاً عليه. طبعاً يمكن اعتبارهما مجرد عنوان رآه المخرج مناسباً، لكن ماذا تفعل في المعالجة الودّية لشخصية كافاريللي (أداها ميشال بيكولي) التي بدت كما لو جاءت إلى مصر ليس لأجل هندسة الاحتلال (وكان ضابطاً مسؤولاً عن إرساء قواعد الاحتلال والاشتباك في حملات نابوليون في نهايات القرن الثامن عشر).

 

لم يتّفق لا نقاد مصر ولا نقاد فرنسا (الفيلم موّل عبر مخصصات الحكومة الفرنسية) على رأي مشترك فيما يتعلق بهذا الفيلم. النقاد المصريون انقسموا بين الإعجاب لبراعة المخرج في سرد التاريخ وأبرز دوراً مصرياً في لقاء أراده شاهين حضارياً بين شخصياته المصرية والفرنسية (بمن فيها بونابرت الذي أداه باتريس شيرو) وبين الذين انتقدوا الفيلم على أساس أن المخرج هادن الفرنسيين على حساب مقاومة الشعب المصري لذلك الاحتلال.

 

بدورهم انقسم نقاد فرنسا حسب مواقعهم، لكن معظمهم كان متفقاً على مهاجمة الفيلم. اليمين الذي وجد أن المال الفرنسي لا يجب إهداره بإنتاج أفلام لا تبرز الوجه الحضاري لفرنسا، واليسار رأى أن الفيلم ميّع أهم ما في حملة نابوليون العسكرية على مصر، وهي أنها كانت حملة احتلال عسكرية بالدرجة الأولى.

 

في حين أن صورة نابوليون الشخصية لا تشهد اختلافات كبيرة في أوساط المؤرخين كمواصفات سلوكية أو كملامح بدنية، إلا أن المرء يشعر إثر مشاهدته كل ما تقدّم من أفلام كما لو أن السينما ما زالت تأخذ جانبي بونابرت على نحو لا يخلو من التكرار.

 

طبعاً كان من فرسان فرنسا، ومن ثَمّ أبرز قادتها في التاريخ، وكان الزعيم الذي استُعيد من منفاه ليتبوأ قيادة فرنسا، كما أن حبه لجوزفين مؤرخ بالتفاصيل الضرورية، لكن المرء يتساءل عما إذا كان هناك وجه ثالث لهذه الشخصية لم تكتشفها السينما بعد، ربما لأنها ليست مثيرة لما تريده من شخصيّته وهو نابوليون الأسطورة.

 

نابوليون حسب كوبريك وسبيلبرغ

 

خلال حضور المخرج الأميركي ستيفن سبيلبرغ مهرجان برلين في مطلع السنة الحالية، صرّح بأنه يُنتج نسخة جديدة عن حياة نابوليون بونابرت وحروبه، وذلك عن خطّة إنتاج وسيناريو أول كان المخرج الراحل ستانلي كوبريك قد وضعهما مشروعاً مقبلاً. المشروع الذي يتحدّث سبيلبرغ عنه كان بحوزة كوبريك منذ سنوات بعيدة، تحديداً بعد إخراج سيرغي بوندارتشوك “ووترلو”.

 

كانت خطّة كوبريك حينها إسناد شخصية القائد الفرنسي إلى جاك نيكلسون وجلب أودري هيبورن لتكون جوزيفين. عندما فشل “ووترلو” تجارياً، تراجع كوبريك عن المشروع برمّته. مشروع سبيلبرغ سيتألف من 7 حلقات تلفزيونية بوشر بكتابته وينتظر الانطلاق بتنفيذه تحت إدارة سبيلبرغ الإنتاجية. لا بدّ من ذكر أن نسخة كوبوريك التي لم تتحقق نصّت على الاستعانة بـ40 ألف ممثل. هذه الأيام يمكن تأليف هذا الرقم بمجرد استخدام التقنيات الحديثة.

 

 

 

 

 

 

 

التصنيفات
ثقافة

بعد تحقيقه الجائزة الكبرى للمسلسلات الوثائقية في مهرجان كان ،الوثائقي السوري “أماني خلف الخطوط” يحصد جائزة مهرجان Grand Bivouac الفرنسي

 

 

حاز الفيلم الوثائقي السوري “أماني خلف الخطوط” على جائزة بمهرجان Grand Bivouac الفرنسي وذلك بعد نيله جائزة أفضل سلسلة وثائقية في مهرجان كان الدولي.

 

وعبر صفحتها على فيسبوك، كشفت المخرجة آلاء عامر أن فيلم (أماني/ خلف الخطوط) حققت جائزة the Horizons  خلال مهرجان Grand Bivouac الفرنسي.

 

كما نشرت رسامة الكاريكتير أماني العلي عبر صفحتها تسجيلاً يرصد حفاوة الجمهور باختيار لجنة التحكيم الفيلم الذي يتمحور حول قصتها.

 

 

 

 

من جانبه كتب المصور عبدو فياض أن فيلم (أماني/ خلف الخطوط) يحقق جائزته الثانية في مهرجان  Grand Bivouac بعد تحقيقه الجائزة الكبرى للمسلسلات الوثائقية في مهرجان كان الفرنسي.

 

ويمثّل الفيلم الفائز جزءاً من ستة أفلام وثائقية تحمل عنوان (أرسم من أجل التغيير)،  تحكي عن رسامات كاريكاتير حول العالم.

 

ممممممممممممم

 

ويتناول الفيلم الذي صوّر في إدلب حياة رسامة الكاريكاتير أماني العلي وجهودها في تحسين أوضاع النساء في محيطها وسعيها من أجل تمكينهن في ظل الحرب التي تشهدها سوريا واستمرار اعتداء ميليشيا أسد على المدنيين.

 

 

وتتطرق قصة الفيلم إلى قضايا النساء في ظروف الحرب ومعاناتهن حول الحقوق المجتمعية، ويتحدث الفيلم في الوقت ذاته عن قدرة النساء على إحداث التغيير.

 

وتشاطرت كل من آلاء عامر وإليسار حسن عمليات إخراج الفيلم، فيما أشرف عبدو فياض على عمليات التصوير والإضاءة والصوت، كما شارك في صناعته فريق إنتاج ومتابعة من عدة دول.

 

وكان الفيلم حصد في نيسان الماضي جائزة أفضل سلسلة وثائقية في مهرجان كان الدولي خلال المسابقة السنوية التي شاركت بها أفلام وثائقية من عدة دول.

 

 

                                           

 

 

 

التصنيفات
ثقافة

الجمهور يحب لصوص البنوك انتقاماً

 

 

 

عندما سأل القاضي لصاً اعتاد سرقة المصارف “لماذا تسرق البنوك؟”، أجاب اللص ساخراً “لأن المال هناك”. وحسب رأي لص آخر قبض عليه في مدينة أوستن (تكساس) قال: “المصارف هي التي تسرقنا، ونحن نحاول استعادة ما تسرقه منا”.

مهما كان الوضع فإن الأفلام التي تدور حول سرقة المصارف تتمتع، ضمناً، بتحقيق الحلم المستحيل لدى المشاهد. حين يجلس إلى مقعده لمتابعة خطّة لسرقة مصرف، صغيراً كان أو كبيراً، فإن جزءاً منه يريد السارق (خصوصاً إذا ما كان الدور مسنداً إلى نجم ساطع) أن ينجح. أنت وأنا لن ننجح في هذا العمل، على الأقل، إذن، دَع غيرنا ينجح. بالتالي ما يبدو جريمة يصبح أمراً مبرراً إذا ما توفرت الأسباب لذلك.

 

تقليد قديم

 

حالياً هناك فيلمان جديدان عن سرقة البنوك تُضاف إلى العشرات من الأفلام السابقة التي دارت حول الموضوع هذا. الفيلم الأول هو “سرقة 88” (Heist 88) لمنهاج هودا (بنغلاديشي الأصل، بريطاني الهوية، يعيش في لوس أنجليس). هذا الفيلم الذي تعرضه شبكة “شوتايم” مبنيّ على حادثة حقيقية وقعت في مدينة شيكاغو سنة 1988 وبطلها، على الشاشة، كورتني ب فانس، أفرو- أميركي يعيش في دعة، لكنه يريد زيادة نصيبه من الثروة. يجمع أربعة أفرو- أميركيين من الذين يعملون في المصارف ويبث في بعضهم روح الرغبة في إتمام سرقة إلكترونية، يرى أنها سهلة التحقيق. يدمج الفيلم هذا، الخط مع عنصرية يتلقاها الموظفان الأسودان من إدارة المصرف ما يزيد من قناعتهما بأن يرتكبا الجريمة.

 

 

“الجانحون” (وانكا سيني)

 

 

الفيلم الثاني هو “الجانحون” (The Delinquents) عن موظفين آخرين في بلد آخر (الفيلم هو إنتاج أرجنتيني). أحدهما ينفذ خطة لسرقة المال يخبر بها زميلاً له. الشرطة تلقي القبض على الفاعل، أما الآخر (الذي احتفظ بالغنيمة) فلا تعرف عنه شيئاً كون الفاعل لم يعترف بمكان الغنيمة.

 

الأول منفّذ باحتراف من يريد تنفيذ فيلم مشوّق (وهو يحقق نصف هذه الغاية فقط)، الثاني، كما أخرجه رودريغو مورينو، يرتاح في أحضان توليفة من المشاهد التي تحاذي الكوميديا من دون أن تعمد إليها فعلياً.

 

ينتمي كلا الفيلمين إلى تقليد قديم من السينما، التي تسرد الخطط وتتابع النتائج وتحقق رغبات المُشاهدين الدفينة. ففي نهاية الأمر نحن “نتفرّج” على سرقة يسطو فيها اللصوص المحترفون على مال ليس مالنا لكي نشعر بالفداحة. أكثر من ذلك، نتمنّى للصوص النجاح في المهمّة شرط ألا يكون هناك جريمة قتل مقصودة، وأن تكون هناك تبريرات تدفع بالسارق لارتكاب السرقة مثل أن تكون والدته بحاجة لرعاية لا يستطيع تأمينها، أو أن المال المودع هو مال خزّنته المافيا في المصرف، أو للسبب الأكثر شيوعاً: الفقر نال ما ناله من قيم الإنسان في مجتمعه بحيث أن السبيل الوحيد للتغلب عليه هو سرقة المصرف.

 

حتى في الحالات التي تسرق فيها عصابة كاملة متخصصة المصارف من دون أي من الدوافع المذكورة أعلاه، فإن النتيجة المرتسمة على الشاشة، إذا ما أحسن المخرج التنفيذ، هي تشويق وترفيه.

 

واحد من تلك الأفلام المبنية على خطط عصابة ستسرق أحد بنوك مدينة بوسطن هو “البلدة” (The Town)، الذي أخرجه بن أفلك ببراعة، وأدّى فيه دور عضو العصابة الذي بدأ يتحوّل من القيام بالمهمّة إلى الرغبة في ممارسة حياة طبيعية مع من يحب. هذا ما يخلق التقدير لبطل لم يتخلَ بعد عن أخلاقياته. في الوقت نفسه هو فيلم تشويقي على النحو الذي جعله بداية رائعة لممثل يستطيع ممارسة الدورين، أمام الكاميرا ووراءها، بإتقان.

 

المهمّة المستحيلة في هذا الصدد هي تبرير جريمة السرقة، التي تتم بالعنف والقتل أيضاً، لكن المخرج آرثر بن، حقق هذا المستحيل في “بوني وكلايد” سنة 1967 عندما سرد القصّة الحقيقية للثناني كلايد (وورن بيتي) وبوني (فاي داناواي) اللذين انطلقا في ثلاثينات القرن المنصرم يسرقان من المصارف (وحيدان أولاً ومن ثَمّ بانضمام شلة صغيرة لاحقاً) في ولايات الوسط الأميركي. ضع الحق هنا على سنوات اليأس الاقتصادية التي أدت إلى انتشار الفقر بين مواطني الولايات الوسطى، وإلى قيام المصارف بالاستيلاء على العقارات التي لم يستطع أصحابها الإيفاء بدفع ديونها. ولزيادة الجرعة في عملية تقريب بوني وكلايد إلى الجمهور، عُمّقت العلاقة العاطفية والشخصية: كلايد قد يكون عاجزاً جنسياً، لكنه شاعر وبوني لن تتخلى عنه.

 

سيارات الهروب

 

الشرطة في خدمة القانون… غالباً كون بعض الأفلام تداولت أن حاميها قد يكون حراميها أيضاً أو مشتركاً في الصفقة على الأقل، كما ورد في فيلم سام بكنباه “الفرار” (The Getaway) سنة 1972. هنا سجين اسمه دوك ماكوي (ستيف ماكوين) بارع في سرقة المصارف سيُخلي مدير السجن (بن جونسون) سبيله بشرط القيام بسرقة مصرف وتقاسم الغنيمة معه.

يكتشف دوك أن مدير السجن قبض بعض الثمن مقدّماً عندما أجبر زوجته (آلي مكغرو) على ممارسة الحب معه شرطاً للإفراج عنه. العلاقة بينهما تسوء، ودوك حائر في أمره حيالها، ثم ها هم رجال مدير السجن يتدافعون لقتله وسرقة الغنيمة بأسرها. في نهاية الفيلم، وبعد القضاء على الأشرار، يتجه الزوجان بالغنيمة كاملة إلى المكسيك. إزاء ذلك كلّه كيف لا يمكن الاصطفاف وراء مجرمي هذا الفيلم؟

 

 

رايان أونيل في “السائق” (إي أم آي)

 

 

وورن بيتي لعب في سنة 1971 فيلماً آخر مبنياً على سرقة مصارف هو “$” (يكتفي العنوان بالعلامة الشهيرة). كتبه وأخرجه ريتشارد بروكس عن لص محترف يخطط لسرقة ثلاثة حسابات بنكية لثلاثة مجرمين (المبرر موجود من البداية)، لكن تبعات ذلك خطيرة، ولو أن محترف السرقة هو من سينتصر على محترفي القتل.

 

أحياناً ما يكون المجرم فرداً واحداً كما الحال في فيلم دون سيغل “تشارلي فارِك” سنة 1973. في ذلك الفيلم ينفّذ وولتر ماثاو شيئين: يترك الكوميديا خلفه لكي يؤم بطولة هذا الفيلم الجاد، ويسرق مصرفاً يودع فيه المافيا ماله. شريكه الوحيد هو شاب ساذج (أندرو روبنسن الذي كان أدّى دور السفّاح في فيلم كلينت إيستوود “ديرتي هاري” قبل عامين من هذا الفيلم) يلقى حتفه سريعاً بعدما وصل مندوب العصابة القاتل المحترف مولي (جو دون بايكر) بحثاً عن تشارلي والمال معاً.

 

“ذَ درايفر” لوالتر هيل، هو فيلم آخر عن السرقة لكن من زاوية أخرى. التحري (بلا اسم لشخصيّته)، بروس ديرن يلاحق السائق (رايان أونيل)، الذي يشترك في السرقات كسائق لما يُسمى بـ”سيارة الهروب”. يدرك التحري أنّ هناك خطة عمل لسرقة جديدة، ويحاول إجبار السائق على الاعتراف بها. لجانب أن القصّة جيدة وشخصياتها وممثليها على مستوى واحد من التعبير، هناك ذلك الإخراج المتين الذي يؤمّنه والتر هِيل بلا هفوات.

 

أول أفلام كونتِن تارنتينو التي وضعته على سدّة الشهرة كان “كلاب المخزن” (Reservoir Dogs) (1992) حيث تنفّذ العصابة بأسماء مستعارة مثل وايت (هارفي كايتل)، ومستر أورانج (تيم روث)، وبلوند (مايكل مادسن)، سرقة ضخمة وتنتقل مع رهينة إلى ذلك المخبأ، حيث تتدرّج المواقف سريعة صوب عنف زائد عن الحاجة. هذا فيلم من تلك التي تستبعد احتمال اصطفاف الجمهور مع العصابة بسبب العنف التي تمارسه. ليس من بينها (وكلهم ممثلون جيدون) ما يستدعي التعاطف معه ولو أن الدافع هنا ليس أخلاقياً على الإطلاق.

 

من الأفلام الأخرى التي راجت، لكنها لم تُثر التعاطف، “بعد ظهر يوم وضيع” (Dog Day Afternoon) لسيدني لومِت الذي ركب موجة التعاطف النقدي وليس الجماهيري. الفيلم عبارة عن سرقة مصرف ينفّذها آل باتشينو والدافع؟ استخدام المال لدفع فاتورة المستشفى لصديقه لإجراء عملية تغيير الجنس.

 

دينيرو/ باتشينو

 

كل هؤلاء المخرجين الذين وردت أسماؤهم أعلاه من صفوة سينمائيي هوليوود، كذلك الحال بالنسبة لسبايك لي، الذي أنجز سنة 2006 فيلماً من هذا النوع عنوانه “الداخل” (Inside Man)، وفيه لص محترف (كلايف أووَن) تزداد مهمّته صعوبة بوجود التحري، دينزل واشنطن الذي يكتشف أن المسألة برمّتها ليست بشخص لص واحد، بل تكشف عن فساد في بعض السلطات أيضاً.

 

هذا الفساد لا يرد ذكره في فيلم “حرارة” (Heat)، الذي أنجزه مايكل مان سنة 1995 وجمع له ممثلان من وزن ثقيل واحد هما، آل باتشينو وروبرت دينيرو. الأول يرأس جهاز البوليس الذي يرقب كل حركة من حركات العصابة التي يديرها دينيرو. المعركة العنيفة التي تدور بين الفريقين أمام المصرف المنهوب من جودة التنفيذ، مما يجعل المُشاهد في حالة توثّب دائم. كونالمعركة في منتصف الفيلم وقبل حلّ الإشكالات العالقة فإن قيامه باتخاذ موقف لتأييد أحد الفريقين ليس متاحاً.

 

بالطبع هناك تلك الأفلام التي يسودها الضحك من الفشل، كذلك الذي تحتوي على الجهد الكبير لحفر نفق من موقع ما إلى ما تحت المصرف لدخوله ليكتشف اللصوص أن الفتحة التي أحدثوها تنتمي إلى دكان خضراوات مثلاً. إنما معظم الأفلام المنتمية إلى هذا النوع إما تثير الإعجاب كما حال فيلم “الحجر الساخن” لبراعة تنفيذها كما تقدم، أو الحزن لفشلها.

 

في فيلم ستانلي كوبريك “القتل” (The Killing) سنة 1956، المؤسسة المنوى سرقتها ليست المصرف، بل ميدان سباق الخيل. سترلينغ هايدن يريدها السرقة الأخيرة في حياته تؤازره في هذا القرار صديقته فاي (كولين غراي)، ويجلب كوكبة من المحتاجين للمال بينهم رجل بوليس (تد د كورسيا الشاكي من عمل لا يعفيه من الحاجة) وموظّف الميدان (إليشا كوك الذي يحاول إسعاد زوجته، ماري وندسور) والموظّف الآخر (جو سوير الذي لا يستطيع دفع فاتورة الطبابة لإنقاذ والدته). هنا المبررات موجودة وتعاطف المُشاهد مؤكد، وهو يتابع نجاح الخطّة كما رُسمت ومن ثمّ ثغرات ما بعد نجاحها، التي تنقلب في النهاية إلى خسارة فاجعة.

 

خذ المال واهرب… أفلام جيدة أخرى عن الموضوع

The Friends of Eddie Coyle

إخراج: بيتر ياتس (1973): روبرت ميتشوم واقع في الفخ بين طرفين: مجرمون يهددونه بالقتل إذا لم يشترك، ورجل قانون يهدده بإعادته إلى السجن إن لم يبلّغ عنهم

Take the Money and Run

إخراج: وودي ألين (1969) أحد أفلام الكوميدي الشهير الأولى، لص فاشل حتى عندما تتم السرقة حسبما يريد.

The Ladykillers

إخراج: ألكسندر ماكندريك (1955): أليك غينس وعصابته (بينهم بيتر سيلرز وهربرت لوم) يستأجرون شقة للتمويه بينما يخططون سرقة مصرف قريب في هذه الكوميديا ذات المفاجآت.

The Italian Job

إخراج: بيتر كولنسن (1969): في إيطاليا فريق ينوي سرقة شحنة ذهب قبل إيداعها المصرف. ينجح الفيلم كفيلم سرقة وكفيلم مطاردات بسيارات ميني كوبر.

The Old Man and the Gun

إخراج: روبرت ردفورد (2018): روبرت ردفورد عاد لصاً مسالماً وظريفاً ومتقدماً في العمر تساعده خبرته على السرقة والهرب من السجن أيضاً.

Dellinger

إخراج: جون ميليوس (1973): رجل الـ”إف بي آي” (بن جونسون) يُطارد لص المصارف المحترف (وورن أوتَس) في هذا الفيلم المتعاطف مع القانون بجدارة.

؟

؟

؟

؟

التصنيفات
ثقافة

الفيلم الفلسطيني «بيت في القدس» يشارك في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي

 

 

 

 

أعلنت إدارة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، عن اختيار فيلم «بيت في القدس» للمشاركة في النسخة الـ45 من المهرجان، ضمن فعاليات قسم «منتصف الليل». سيشهد هذا المهرجان العربي العرض الأول للفيلم، وهو من إخراج مؤيد عليان وإنتاج شركة «ميتافورا» للإنتاج الفني. ويشارك في طاقم العمل جوني هاريس، مكرم خوري، سعاد فارس، ما يلي لوك، وشهرزاد مخول فارل.

 

قصة الفيلم تدور حول والد يهودي – بريطاني ينتقل إلى القدس بعد وفاة ابنته ريبيكا، على أمل أن يجد هناك بداية جديدة لحياته وشفاءً من مأساة ابنته. ولكن عندما ينتقلون إلى منزل قديم في القدس الغربية، يصادفون شبح فتاة فلسطينية في نفس سن ريبيكا، والتي انفصلت عن عائلتها في عام 1948.

 

كان الفيلم قد شهد عرضه العالمي الأول في مهرجان روتردام السينمائي الدولي، ومن ثم عُرض في مهرجانات دولية أخرى. كما أنه مرشح لجائزة أفضل فيلم شبابي في جوائز «شاشة آسيا والمحيط الهادئ» المقبلة.

 

في الدورة السابقة (44) من مهرجان القاهرة السينمائي، شاركت شركة «ميتافورا» بفيلم «عَلم»، من إخراج وسيناريو المخرج الفلسطيني فراس خوري، وإنتاج شركة «ميتافورا» للإنتاج بالتعاون مع «أم بي إم فيلمز» «وفلسطين فيلمز» و»بابريكا فيلم».

 

«عَلم» يحكي قصة تامر، ابن السابعة عشرة، الذي يكتشف أن ميساء ستشترك في عملية العلم، ويوافق على المشاركة فيها أيضًا. ينطلق هذا في رحلة تسلسل الأحداث، حيث يُطلب منهم استبدال علم فلسطين بعلم إسرائيل المعلق فوق مدرستهم، وذلك في الليلة التي تسبق زيارة مسؤول إسرائيلي مهم إلى مدرستهم خلال يوم النكبة الفلسطيني. إنه فيلم يستكشف مفهوم الانتماء والتحدي في سياق الصراع الشديد.