التصنيفات
مقالات الرأي

الثقافة والتاريخ والبناء الاجتماعي … إبراهيم أبو عواد

كاتب من الأردن

 

1

معنى الظواهر الثقافية في الأنساق الاجتماعية مرتبط بالجوانب الذهنية للفِعل الفردي ، وتطوُّرِ الفِكر للجماعة الإنسانية . والظواهرُ الثقافية لا تُصبح منظومةً فكرية مُكتملة بنَفْسها وقائمة بذاتها ، إلا إذا تكرَّست فرديًّا وجماعيًّا ، وتجذَّرت في بُنية العَقْل الواعي القادر على صياغةِ المفاهيم المعرفية ، وتنظيمِ الأنشطة الإبداعية ، وتكوينِ التجارب الحياتية ، وإنشاءِ التصوُّرات المُستقبلية .

وهذه المُركَّبات الوجودية هي الضمانة الأكيدة لصناعة إطار مُجتمعي أساسي يشتمل على إدراك الأحداث التاريخية ظاهريًّا وباطنيًّا ، واشتقاقِ قانون تفسيري لها في ضَوء المبادئِ السَّببية ، والحقائقِ المنطقية ، ومناهجِ التحليل الوظيفي .

2

الظواهرُ الثقافية لَيست تأمُّلاتٍ لصُنع التاريخ وفَهْمِ مَغزاه الفِكري فَحَسْب ، بَل أيضًا تَكوينات عقلانية تُشيِّد معالمَ العلاقة بين السَّبب الثقافي والأثَر التاريخي ، بحيث يكون التاريخُ نتيجةً حتميةً للثقافة ، وتكون الثقافةُ قاعدةَ الانطلاق للتاريخ. وهذه التكامليةُ تعكس أهميةَ الحقائق المنطقية في الربط بين الثقافة والتاريخ، وتحليلهما ضِمن مجالات البناء الاجتماعي ، الذي يُحدِّد الطبيعةَ الذاتية للعناصر ، والوظيفةَ الوجودية لها . وهذا يُثبِت أن الثقافة والتاريخ كِيانان يَقُومان على ثلاث ركائز : السَّببية والمنطقية والوظيفية .

وهذه الركائز مُجتمعة تَمنح الشرعيةَ للبناء الاجتماعي المُتكوِّن من الثقافة والتاريخ ، وتُعطيه مشروعيةَ البقاء في عَالَم مُتغيِّر ، وهذا يعني امتداد البناء الاجتماعي في مشاعر الإنسان ، وتحوُّلاتِه المعنوية والمادية في الزمان والمكان ، وامتداد تفاصيل الحياة المُعاشة في إفرازات العقل الجَمْعي وطبيعةِ اللغة الرمزية .

3

السَّببيةُ هي التوازن الوِجداني بين الثقافة والتاريخ ، وتدلُّ على العلاقات الضرورية بين الأفكار والأفعال ، والإرادة والتطبيق ، والإدراك الحِسِّي والأنشطة الفكرية . وكُل ظاهرة في المجتمع لها سبب وتأثير ، وخاضعة للظروف الكُلِّية والشُّروط الواقعية . وعندما تَخضع الظروفُ والشروطُ للحُكم العقلاني المُجرَّد من الهوى الذاتي والمصلحة الشخصية ، تُولَد الخِبرة الحياتية القادرة على تكوينِ منظومة ( السَّبب / النتيجة ) في الماضي والحاضر والمُستقبل ، ومُلاحقةِ المسار الزمني المُشتمل على المشاعر الإنسانية والخصائص الاجتماعية والمضامين اللغوية .

وإذا أدركَ الإنسانُ حركةَ المفاهيم الرمزية داخل المُجتمع وداخل اللغة ، فإنَّه سيُدرك أنَّ الثقافة سابقة على التاريخ ، ووُجود الصانع هو أساس وُجود المَصنوع . ومِن المُستحيل صناعة تاريخ مُشرق بدُون ثقافة. والحدثُ التاريخي والظاهرة الثقافية مَحكومان بثنائية ( السَّبب / النتيجة ) ، وعندما يَندمج السببُ والنتيجةُ في الوجود التاريخي الثقافي ، يتم تحديد التسلسل المنطقي للظواهر في المجتمع ، والترتيب العقلاني للأولويَّات في الحياة ، وبالتالي يتَّضح أن كُل ظاهرة مَخْفِيَّة عِلَّة ( سبب ) لظاهرة مَكشوفة في الوجود المعنوي والحركة المادية، وأنَّ الجُذور تُحدِّد طبيعةَ الأغصان ، ولَيس العكس .

4

المنطقيةُ هي طريقة استنتاج المَغزى مِن الثقافة والتاريخ ، وتُشير إلى مركزية القوانين المعرفية التي تُسيطر على الوسائل والغايات ، وحركةِ الأفعال ورُدود الأفعال ، وتُفَسِّرها كما حدثت على أرض الواقع ( المجال الحيوي ) ، ولَيس كما حدثت في الأذهان ( الحياة المُتَخَيَّلَة ) ، وهذا التفسير ضروري للتمييز بين التاريخ الحقيقي والتاريخ الخيالي ، والتفريق بين الثقافة كحقيقة واقعية ، والثقافة كَتَصَوُّر مَجَازي ، مِمَّا يُؤَدِّي إلى بناء التجارب الإنسانية على منهج عِلْمي دقيق ، لا مَجَال فيه للاحتمال والصُّدفة وأنصاف الحُلول .

وكُلَّما اتَّضحت الحُدودُ الفاصلة بين الحقيقة والمَجَاز ، زالت الأوهامُ التي تَرْتدي قِناعَ الثقافة ، واختفت المُسلَّمات الافتراضية من رُوح التاريخ وجسده ، وهذا يَدفع باتجاه تَوليد ثقافة جديدة ومُتَجَدِّدة في التاريخ ، أي إنَّ الثقافة والتاريخ يَدخلان في صَيرورة الحياة بكل تفاصيلها البسيطة والمُعقَّدة. وبعِبارة أُخرى، إنَّ الثقافة والتاريخ يُولَدان مِن جَديد ، وتستمر ولادتهما تزامنيًّا وتعاقبيًّا ، ويَعيشان في كِيان الإنسان وكِيان المُجتمع معًا . وكُل حياة جديدة تتطلَّب إيجاد تفسير اجتماعي جديد للعناصر الجُزئية والتراكيب الكُلِّية .

5

الوظيفيةُ هي منهج تحديد الغاية من الثقافة والتاريخ ، وتعكس الارتباطَ الاجتماعي الواعي بين المسار والمصير، وتُحدِّد طبيعةَ الطريق الحياتي والهدف المعرفي ، وتَحْمي السُّلوكَ الإنساني مِن الغرق في متاهة التناقضات الاجتماعية والأضداد الشُّعورية ، وتَحفظ الاستقرارَ في تفاصيل الجِسْم الاجتماعي ، وتُحافظ على استمرار العلاقة بين الإنسان والمجتمع ، ضِمن إطار المنفعة المُتبادلة والمصلحة المُشتركة ، وليس الاستغلال القَهْري والإقصاء المُبَرْمَج .

وإذا نجح الإنسانُ في إيجاد علاقة مُتوازنة بين الثقافة والتاريخ على أساس التجاذب لا التنافر،والتكامل لا التَّضاد، فإنَّه سينجح في تَشييد البناء الاجتماعي على مبدأ التواصل بين الإرادة الحُرَّة والوَعْي المُتَحَرِّر مِن السلبيات . والجديرُ بالذِّكر أن الثقافة والتاريخ لا يَعيشان إلا ضِمن بناء اجتماعي مُتماسك ، وبدُونه ستصبح الثقافةُ كلامًا مُسْتَهْلَكًا بلا دَلالة ، ويَؤُول التاريخُ إلى تراكمات فوضوية بلا معنى .

التصنيفات
مقالات الرأي

المنظور العقلاني في الثقافة والمجتمع واللغة … إبراهيم أبو عواد

 

1

المنظورُ العقلاني في الحياة الاجتماعية لا يعني تجريدَ الإنسان من القيم الروحية،وقتلَ مشاعره وأحاسيسه، وتفريغَ ذاكرته من الذكريات ، وإحداثَ صراع بين الألفاظ والمعاني في لُغة التخاطب اليومية ، وإنما يعني تأسيس الكَينونة الإنسانية على قواعد المنهج العِلْمي ، مِن أجل إيجاد تفسير منطقي للسلوكيات الإنسانية والوقائع التاريخية ، والربط بينهما ضِمن إطار معرفي يحفظ التوازن بين الظواهر الثقافية والأنشطة الاجتماعية ، وهذا يدل على أنَّ المسار الإنساني في فلسفة التاريخ ليس مقصودًا لذاته ، وإنما هو طريق يُوصل إلى الهدف النهائي والغاية المصيرية.

والغايةُ مِن وُجود الإنسان في التاريخ هو تكوين الثقافة وبناء المجتمع . وإذا استوعبَ الإنسانُ طبيعةَ مَوقعه في الأحداث التاريخية ، باعتباره فاعلًا لها ، ومُنْفَعِلًا بها ، ومُتفاعِلًا معها ، فإنَّه سَيَفهم دَوْرَه المركزي في بُنية المجتمع تاريخيًّا وثقافيًّا، ويقوم بأدائه على أكمل وجه ، بلا عُقَد نَفْسِيَّة ، ولا شُعور بالظُّلم، ولا غرق في متاهة الغالب والمغلوب ، ولا إدمان لَعِب دَور الضَّحِيَّة ، مِمَّا يُؤَدِّي إلى المُصالحةِ بين الإنسان ونَفْسِه ( السلام الداخلي )، والمُصالحةِ بين الإنسان ومُجتمعه ( التوازن الخارجي ) . وعندما تتكرَّس الغَايَةُ الشريفة القائمة على الوسيلة النظيفة في المجتمع مَعْنًى ومَبنى ، فإنَّ الغَائِيَّة ستُصبح فلسفةً اجتماعية قائمة بذاتها ، أي إنَّ لكُل سُلوك إنساني في الإطار الاجتماعي هدفًا وغَايَةً ، وهذه الغَايَةُ هي سبب التقلُّبات الإنسانية والتغيُّرات الاجتماعية . وأركانُ فلسفة الغَائِيَّة هي الوَعْي والرمز والمعرفة والضَّرورة الحتمية .

2

الثقافةُ لا تُبنَى إلا على الفِكر المعرفي والرمز اللغوي. والمجتمعُ لا يُبنَى إلا على المَصلحة العَامَّة والإبداع الفردي . وهذه المُكوِّنات الوُجودية لا بُد مِن صَهْرها في منظومة عقلانية قائمة على المنطق والأخلاق ، من أجل التعبير عن جماليَّات الحياة الواعية ، وصناعةِ التجارب الإبداعية ، ونَقْلِها مِن الحَيِّز الفردي إلى الفضاء الجَمَاعي . وبما أن التاريخ شَرْط لفهم الثقافة ، والثقافة شَرْط لفهم الإنسان ، فلا بُد للإنسان أن ينطلق مِن ذاته الداخلية، ويبدأ من أحلامه الشخصية ، كَي يتمكَّن من تحليل التاريخ باعتباره جوهرًا اجتماعيًّا لا يَقْبَل الانقسامَ ، وتحليلِ الثقافة باعتباره بُنيةً نَفْسِيَّةً لا تَقْبَل التَّشَظِّي .

والقِيامُ بهذه المُهمة المُزْدَوَجَة يتطلَّب إيجاد نظام فلسفي للتعامل مع الطبيعة الرمزية اللغوية ذات الارتباط الوثيق بالتفاعل الاجتماعي بين الأنا والأنا ، والأنا والآخَر . وهذا يعني أن الإنسان يَخوض معركةَ إثبات ذاته وتكريس كِيانه وتحقيق وجوده ، في أعماقه السحيقة وفضاءاتِ المُجتمع الرَّحبة ، في آنٍ معًا . ومن أجل حفظ التوازن في هذه المعركة المعرفية على جَبْهَتَيْن ، ينبغي التعامل مع الطاقة الرمزية في اللغة باعتبارها أُمَّ المعارك المعرفية ، لأن الثقافة الإبداعية جُزء من طبيعة اللغة وخصائصها ، وتكوين السلوك الإنساني يكون مِن خلال الاندماج باللغة والبيئة . واللغةُ لا تتعامل مع العلاقات الاجتماعية كظاهرة ذهنية هُلامية ، وإنما تتعامل معها كتجربة معنوية ومادية ومُعَاشَة على أرض الواقع ، ذات تماس مُباشر مع معنى الوجود الإنساني الذي يُفَسِّر الأفكارَ والأفعالَ .

3

عناصرُ المسار الزمني المُهيمن على طبيعة التجارب الواقعية ، وماهيَّةِ الظواهر الثقافية ، هي : الشُّعور ، الفِكرة ، القرار ، الفِعل. وهذه التَّراتبية مَحكومة بطبيعة اللغة ، لأن اللغة قادرة على دَمْج الذات والشَّيء ، وخَلْطِ التاريخ بالجُغرافيا ، وتَوحيدِ الزمان والمكان . لذلك لا يُمكن تفسير العلاقات الاجتماعية بدُون اللغة . واللغةُ في إطار الفلسفة الاجتماعية لَيست الحُروفَ والكلمات فَحَسْب ، بَل أيضًا القيم الوجودية المحمولة على رمزية الحروف والكلمات ، وما لا تَقُوله الكلماتُ أشد خُطورةً مِمَّا تَقُوله ، وهذا يَستلزم تحليل التجارب الواقعية ومَغزاها الثقافي ، اعتمادًا على صَيرورة التَّحولات في منظومة الأفعال ورُدود الأفعال . وهذه المنظومة تستمد شرعيةَ وُجودها ومشروعيةَ نشاطها ، مِن الوَعْي الذي ينتقل من الطاقة الإنسانية في المجتمع إلى الطاقة الرمزية في اللغة .

 

 

 

 

 

 

 

كاتب من الاردن

التصنيفات
مقالات الرأي

السُّلطة المعرفية والعلاقات الاجتماعية … إبراهيم أبو عواد

1
المُجتمعُ الحقيقيُّ لا يُؤَسِّس سُلطةً معرفية من أجل تَغييب العقول ، والتلاعبِ بالمشاعر، واحتكارِ الوَعْي ، وإنَّما يُؤَسِّسها بهدف تحريرِ التفكير من التقليد الأعمى ، وصناعةِ طبيعة لغوية رمزية قادرة على حمل الأشواق الروحية والنزعات المادية . وكُل سُلطة معرفية فاعلة في ذاتها ، وفَعَّالة للعناصر المُحيطة بها ، لا بُد أن تتجذَّر في اللغة دَلالةً منطقية ، ثُمَّ تترسَّخ في السُّلوك تجربةً عقلانية ، ثُمَّ تتكرَّس في الواقع مُمَارَسَةً اجتماعية .

وهذه الأطوار الثلاثة تُعيد تعريفَ المجتمع اعتمادًا على التوازن بين الدَّور الوظيفي ( التطبيق العَمَلي ) والغاية المنشودة ( الحُلْم الجَمْعي ) . وتأصيلُ السُّلطة المعرفية في أعماق الواقع المُعاش ، يَكشف الثغراتِ في النظام الشُّعوري للإنسان ، ويُحدِّد الفجواتِ في علاقة المعرفة بالزمان والمكان . وهذا يُوضِّح أهميةَ السُّلطة المعرفية باعتبارها ظاهرةً ثقافيةً ونظامًا اجتماعيًّا قادرًا على كشف العُيوب بُغية تصحيحها .

وكُل فِكْر إنساني يَمتلك حركةً تصحيحية ذاتية نابعة مِن كِيانه ، وغَير مفروضة عليه من العناصر الخارجية ، يُمثِّل فِكْرًا إبداعيًّا مُتحرِّرًا من الأوهام والضغوطات والمُسلَّمات الافتراضية ، والمنظومةُ الفكرية الحُرَّة قادرة على تحرير العلاقاتِ الاجتماعية بين البشر ، والعلاقاتِ المادية بين عناصر البيئة ومُكوِّنات الطبيعة . وحريةُ الكِيان ( البُنية القائمة بذاتها والمَوجودة في مجالها الحيوي ) شَرْط لتحرير الكَينونة ( الوجود المُشتمل على الشعور والتفكير والعمل ) . ووَحْدَها الذات الحُرَّة قادرة على تحرير غَيْرها .
2
العلاقةُ بين السُّلطة المعرفية والعلاقات الاجتماعية تُحدِّد طبيعةَ الظواهر الثقافية ، وتُكوِّن الدَّلالاتِ اللغوية الخاصَّة بسياقات المجتمع ، وتبني أُسُسَ تأويل السلوك الإنساني ، مِمَّا يَدفع باتجاه تطويرِ الفكر المعرفي ، وربطِ البُنية العميقة في الفِعل الاجتماعي بالبُنية السطحية ، وهذا يَمنع الصِّدامَ بين الذات والموضوع ، ويُلغي احتماليةَ ظُهورَ التناقض والتعارض بين الشُّعور وامتداده في حَيِّز الزمان والمكان ، ويَحفظ جوهرَ المعنى الوجودي من التَّشَظِّي بسبب ضَغط الأطراف على المركز .

والإشكاليةُ الخطيرة التي تُواجِه مسارَ العلاقات بين الإنسان ومعاني الأشياء هي مُحاولة سيطرة الهامش على المَتْن ، وهذا يستلزم اختراع صِرَاع بين اللفظ اللغوي والمعنى الاجتماعي ، مِمَّا يُفْقِد اللغةَ طاقتها الرمزيةَ ، ويُحوِّل العلاقاتِ بين البشر إلى تراكمات فوضوية في مجتمع الشظايا . لذلك ، يجب إبعاد مفاهيم الصِّراع والصِّدام والفوضى عن الإنسان والمجتمع ، لأن هذه المفاهيم تمنعَ عمليةَ البناء الاجتماعي على قاعدة إنسانية صُلبة ، وكُل بناء لا يتأسَّس على قاعدة صُلبة ، سينهار عاجلًا أَمْ آجِلًا .
3
قُوَّةُ التفاعل الاجتماعي تنبع مِن الأفكار المُنضبطة بالوَعْي، التي تَصنع مِن البُنى الشعورية الإنسانية منظومةً أخلاقية عَصِيَّة على التَّمَزُّق والتَّشَظِّي . وصياغةُ مفاهيم أخلاقية مُتماسكة ضِمن الإطار الاجتماعي العقلاني ، تُمثِّل الضَّمانةَ الأكيدة لمنع تحوُّل السُّلطة المعرفية إلى ماهيَّة احتكارية ، تُجرِّد الإنسانَ مِن إنسانيته ، من أجل السيطرة عليه ، والتَّحَكُّم بمساره ، والهَيمنة على مصيره .

ولن يتقدَّم المجتمعُ الإنساني إلا إذا تحوَّلت المعرفة الاجتماعية إلى لُغة رمزية تقتل الوَحْشَ داخل الإنسان بُغية إحيائه ، ولا تَقتل الإنسانَ بُغية إحياء النَّزعة الاستهلاكية على أنقاضه .

 

 

 

 

 

 

 

 

كاتب من الأردن

 

التصنيفات
مقالات الرأي

سيادة الإنسان على الأشياء والعناصر … إبراهيم أبو عواد

1

المشاعرُ الإنسانية لا تنفصل عن الأُسُس الفكرية للعلاقات الاجتماعية ، لأن الإنسان والمجتمع كِيانان مُندمجان ومُتكاملان ، وهذا يعني أنهما يتمتَّعان بخصائص مُترابطة لا يُمكن الفَصْل بينها .

وهذا التفاعل بين الإنسان والمجتمع يُحدِّد طبيعةَ السلوك الفردي والجماعي ، ويُثْبِت استحالةَ التفريق بين المشاعر والأفكار ، لأن المشاعر أفكار وِجدانية ، والأفكار مشاعر عقلانية ، والوِجدان لا يُصبح ماهيَّةً واقعيةً وحقيقةً اجتماعية وظاهرةً ثقافية ، إلا بإخضاعه لقواعد التفسير العقلاني ومركزيةِ البُنى الرمزية في اللغة .

والعقلُ لا يُصبح نظامًا وجوديًّا قادرًا على مَنح الخَلاص لعناصر المجتمع ، إلا بإخضاعه للمضمون الإنساني والمُحتوى الشعوري . وإذا انفصلَ الشعور الإنساني عن العقل الواعي ، فإنَّ الإنسانَ سيُصبح آلةً ميكانيكيةً مُتوحِّشة وعَمياء .

وكُل مبدأ عقلاني لا يَقوم على قاعدة شعورية أخلاقية سَيَؤُول إلى تَوَحُّش واستغلال ، وهذا يُؤَدِّي إلى القضاء على المُنجزات الحضارية ، وتدميرِ جوهر المجتمع ، وتحطيم شرعية وُجوده ، وإلغاء تاريخه ، والتَّشكيك في حاضره ومُستقبله .

وكُل شُعور أخلاقي لا يَقُوم على مَنطق عقلاني ، سَيَؤُول إلى تصوُّر ذِهني هُلامي ومَفهوم وَهْمي ، وهذا يُؤَدِّي إلى العَجْز عن تغيير الواقع، وعدم القُدرة على تطبيق النظريات الاجتماعية في المجتمع ، والتَّشكيكِ في جَدوى العِلْم ، وعدم الاقتناع بأهميته في منظومة التغيُّر والتغيير ، لأنَّ العِلْم إذا ابتعدَ عن حياة الإنسان والمجتمع ، وصار حِبْرًا على ورق، ونظرياتٍ في سُطور الكُتب المُهْمَلَة، فإنَّ الناس سيفقدون الثقةَ به.

2

المشاعرُ والأفكار والعلاقات، هي الأركان الثلاثة التي تقوم عليها بُنية الفِعل الاجتماعي . وبما أنه لا يُوجد فِعل بدون فاعل ، فلا بُد أن يضطلع الإنسانُ بمسؤولية الربط المنطقي بين هذه المُكوِّنات ، وتوظيفها في المسار الفردي والمصير الجماعي ، مِن أجل نقل المعنى الذاتي إلى المعنى المَوضوعي ، أي : نقل جَوهر المجتمع وشخصيته وهُويته إلى العَالَم الخارجي المُدرَك بالمشاعر الإنسانية ، والخاضع للتجارب الإبداعية ، والمُرتبط بالإرادة الفاعلة ، والمُقترن بالوَعْي المعنوي والسلوكِ المادي .

وهذا يعني تحويل القِيَم الاجتماعية المُشتَّتة إلى نُظُم ثقافية مركزية ، تستطيع تجميع الزمان والمكان في بؤرة إنسانية ، من أجل تحقيق مصلحة الإنسان ومنفعة المجتمع.

ولا يَكفي أن يتحرَّك الإنسانُ في الزمان والمكان،لأن الحركة المُجرَّدة أداء ميكانيكي، بَل يجب عليه أن يَشعر بالزمان والمكان ، ويُكوِّن وَعْيًا منطفيًّا بهما . وإذا نجح الإنسانُ في تكوين منظومة زمكانية ( زمانية _ مكانية ) خاضعة للشُّعور والوَعْي معًا ، فإنَّه يستطيع صناعة قانون اجتماعي قادر على التحكُّم بعملية التفاعل بين الذات والشَّيء ، وبذلك يَحْمي الإنسانُ نَفْسَه مِن التَّحَوُّل إلى شيء استهلاكي مَحصور في ثنائية العَرْض والطَّلَب .

وينبغي على الإنسان أن يتذكَّر دائمًا أنَّه المُسيطر على الأشياء ، والقادر على إيجاد روابط وجودية منطقية بينها ، وتكوين ظواهر فكرية تجمع بين خصائصها ، ولَيس شيئًا مِن الأشياء ، أوْ هَامِشًا يَبحث عَن مَتْن .

3

سِيادةُ الإنسان على الأشياء والعناصر ، لا تعني أن الإنسان حاكم مُستبد ، أوْ أنَّه يَملِك سُلطةً مُطْلَقَة لفِعل ما يشاء ، وإنما تعني أنَّ الإنسان هو المُؤهَّل لوضع القوانين التي تحفظ الاتِّزانَ بين الأشياء ، وتُحافظ على التوازن بين العناصر ، مِن أجل دَرْء المفاسد وتحقيق المصالح . وهذا لا يتحقَّق إلا بإنشاء سُلطة معرفية لتجذير المعاني الشعورية في الشَّكل والمَضمون والوظيفة .

والشَّكلُ هو الصورة الاجتماعية الخارجية . والمَضمونُ هو المُحتوى الفكري والأخلاقي الذي يُكوِّن البُنيةَ العميقةَ ( الباطن المُتواري خَلْف الإطار الظاهري ) . والوظيفةُ هي الدَّوْر المُخصَّص للعُنصر في جِسم المُجتمع باعتباره كائنًا حيًّا ، مُتَفَاعِلًا مع اللغة والبيئة والطبيعة ، ومُنْفَعِلًا بها . وإذا صارت السُّلطة المعرفية الجامعة بين هذه المُكوِّنات واقعًا مَلموسًا ، فإنَّ الإنسانَ سَيَتَّجه إلى المجتمع لإنقاذه وتطويره ، والمجتمع سَيَتَّجه إلى الإنسان لإشعاره بأهميته المركزية وقيمته الوجودية .

 

 

 

 

 

كاتب من الأردن

التصنيفات
مقالات الرأي

نظام الأسد بين التدمير والتزوير .. جمال قارصلي

 

عندما أتابع ما يحصل في سوريا تحضيرا لما يسمى بالإنتخابات الرئاسية, تنتابني موجات من الحزن الشديد تجعل القلب يعتصر والدموع تسيل على الحال التي وصلت إليه سوريا شعبا ووطننا. هذه المسرحية التي يسميها النظام بالإنتخابات ستكون الثاني من نوعها بعد عقود طويلة من “الاستفتاءات” والتي سيشارك فيها مرشحان شكليان إلى جانب المرشح “الأسدي الأبدي” للتنافس على كرسي الرئاسة المحجوز مسبقا.

 

من الواضح بأن مسرحية الإنتخابات يتم وضع سيناريوهاتها وإخراجها من أشخاص لديهم القدر الكافي من الإستهتار والإستخفاف والإحتقار لعقول البشر، وهم يحاولون إلباس ثوب الشرعية لهذه الإنتخابات الصورية الشكل والمضمون. ولكي يُطفوا على الانتخابات شيئا من الشرعية, يختارون منافسين مفصلين على مقاس ما يريدون. هؤلاء المنافسون الشكليون يقع عليهم دور الكومبارس في المسرحية الإنتخابية, ويجب أن لا يكونوا جادين في المنافسة على كرسي الرئاسة وليس لديهم برنامج انتخابي طموح, وأن يكون لديهم الاستعداد الكامل بأن يصبحوا شهود زور وخائنين لأمانة الشعب التي يدّعون بأنهم يقومون بتأديتها, وإلا لن يحصلوا على موافقة كل أجهزة المخابرات السورية على ترشيحهم.

 

حسب تجربتي في الحملات الإنتخابية التي قمت بها في ألمانيا كنائب ألماني سابق ومؤسس حزب فاكت الألماني (FAKT), أحببت أن أقدم للقاريء بعض الأسباب التي تجعل الإنتخابات الرئاسية السورية في 26 أيار/مايو 2021 الجاري غير شرعية ولا يمكن اعطائها صفة الانتخابات:

 

1 – بشار أسد يحكم سوريا منذ عام 2000, حيث تم تعديل الدستور السوري على مقاساته خلال دقائق قليلة وتم تخفيض سن المرشحين للرئاسة من 40 عاما إلى 34 عاما وذلك وما يتناسب وسنه آنذاك.

في عهد والده وكذلك في الدورات الأولى لرئاسته كان لا يحق لأحد أن ينافسهم على كرسي الرئاسة أو يتجرأ أن يرشح نفسه على هذا المنصب، فلذا كانت المسرحية الانتخابية تسمى بالاستفتاء. في هذه الاستفتاءات كانت نسبة المصوتين ب(نعم) قد تتجاوز نسبة ال(100%) لولا العيب والخجل, بالرغم من المشاركة الإنتخابية التي لا تتجاوز ال(10%) من الذين يحق لهم الانتخاب. المشاركة الانتخابية كانت تتجاوز عدد الذين يحق لهم التصويت لأنه في سوريا حتى الأموات يدلون بأصواتهم ب(تعم) في كل الانتخابت المزورة.

 

2 – الدستور الحالي من عام 2012 ينص على أنه لا يحق لرئيس الجمهورية أن يكون رئيسا أكثر من دورتين ولكنه وبنفس الوقت (يَجُبّ) ما قبله, أي يبدأ عد الدورات الرئاسية منذ الانتخابات السابقة أي في عام (2014) وهذا ما يشير على أنه سيكون لسوريا دستورا جديدا على مقاييس بشار أو من هو من نسله في عام (2028) لكي يَجُبّ هذا الدستور ما قبله ويبدأ عد الدورات الرئاسية منذ دخول الدستور الجديد حيز التنفيذ.

 

3 – المناطق التي سيتم فيها الإنتخابات تعيش فيها أقل من (35%) من الشعب السوري, حيث أغلبيته نزحت إلى مناطق خارج سيطرة النظام أو تم تهجيرها إلى خارج سوريا, إضافة إلى فقدان البيئة الآمنة والحيادية والمراقبة دولية.

 

4 – الشيء الملفت للنظر بأنه لا يوجد برنامج إنتخابي لا لبشار أسد ولا للمشرحين الشكليين اللذان سمحت لهما سلطات بشار أن يقوما بدور شاهد زور في هذه العملية الانتخابية. هذان المرشحان لو كانا جادان في ترشيحهما ومنافستهما لبشار أسد لكان لديهما معلومات بمئات الآلاف وربما الملايين من الوثائق الرسمية والمعتمدة من المحاكم والمنظمات الولية, إضاقة إلى وثائق عشرات المجازر الكيماوية التي قام بها النظام والمعلومات المؤكدة عن الدمار والتطهير العرقي والتعذيب والتصفيات الجسدية وكذلك وثائق قانون قيصر التي تثبت إجرام وفساد بشار أسد ونظامه وعدم شرعيته.

 

5 – كل الدول الغربية ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن رفضت نتائج الإنتخابات الرئاسية السورية مسبقا لأن هذه الانتخابات لا تتم في ظروف آمنة ولا يستطيع المهجرين السوريين المشاركة بها, وهذا ما ينص عليه قرار مجلس الأمن 2254 من عام 2015, حتى أن الحكومة الألمانية منعت إجراء عملية الانتخاب في السفارة السورية في برلين قبل 24 ساعة من بدء عملية التصويت وكذلك تركيا والسعودية وقطر منعت إجراء مسرحية الانتخاب على أراضيها.

 

6 – من الواضح بأنه لا يوجد أي شيء من التساوي في حقوق المرشحان (المحظوظان), اللذان تم انتقائهما بشكل دقيق ومدروس, من الدعاية الإنتخابية والتمويل الكافي والمساحات المخصصة لهما في الإعلانات الإنتخابية وفي وسائل الإعلام الحكومية. هذه الإمكانيات كلها مسخرة فقط  من أجل الحملة الإنتخابية لبشار أسد. الإستفتاء الأخير الذي قام به حافظ أسد في عام 1999 كلّف المواطن السوري آنذاك أكثر من 18 مليار ليرة سورية, بالرغم من عدم وجود مرشح آخر ينافسه.

من يراقب الحملة الإنتخابية يلاحظ بأن المرشحين الشكليين يتحاشان المناظرات الإعلامية, لأنها ستكون كالمناظرة بين العبد وسيده وهذا شيء فيه الكثير من الإحراج وخاصة إن تم طرح عليهما سؤالا مثل: من هو مرشحك لرئاسة الجمهورية ؟ وهما يعلمان بأنه إن لم يخرج الجواب كطلقة نارية وكما هو مطلوب وملقن ومدروس: مرشحي هوسيادة الرئيس بشار الأسد, لن يذهب هذان المرشحان إلى بيتهما بعد ذلك بل إلى السجن أو ما يسميه السوريون إلى (بيت خالتهما) ولن يرى أي منهما النور بعد ذلك اليوم وسيكون مصيرهما مثل مصير مئات الآلاف القابعين في معتقلات النظام ومنهم من معتقل هناك وبدون سبب منذ عشرات السنين.

 

هذه هي ديموقراطية الديكتاتوريين اللذين لا يتقنون حتى إخراج مسرحياتها والذين ينطبق عليهم المثل القائل: شر البلية ما يضحك, لإن ما يحصل في سورية الآن تعجز عن وصفه كل مفردات اللغة العربية والتي هي أكبر لغة في العالم. أنا متأكد بأنه سيأتي اليوم الذي يجد فيه علماء اللغة كلمات ومفردات ومصطلحات جديدة نستطيع من خلالها أن نوصف ما نحن عليه الآن من حال, لأن كلمات مثل كارثة أومهزلة أو مأساة لا يمكنها أن تعطينا الوصف الدقيق لذلك. ما نعيشه الآن هي مأساة فوق مأساة ومهزلة فوق مهزلة ورغم كل ذلك فإنه هنالك من لا يخجل ويستخف بعقول المواطنين ويريد أن يضيف على مهازلنا مهزلة إنتخابية جديدة.

 

 

 

 

 

 

نائب ألماني سابق من أصل سوري

التصنيفات
مقالات الرأي

السوري لا يعرف فلسطين أبداً … ماهر راعي

أذكر حين كنت في الصف الرابع، في مرحلة الثمانينيات من القرن الماضي، كيف وقفنا نحن التلاميذ الصغار رتلاً طويلاً، في باحة المدرسة، يقضم البرد أصابعنا الطرية، ويحرق أنوفنا الحلوة الصغيرة. مع ذلك كنا فرحين جداً وظننّا أن المعلمة نادية هي من سوف يأخذ معوناتنا البسيطة من أقلام ودفاتر وقطع نقدية معدنية، إلى صغار الفلسطينيين، حتى أنني قلت لها يومها: “لو سمحتِ آنسة، سلّمي لي على أي ولد فلسطيني بتشوفيه، وخبّريه إنه نحنا منحبن كتير”. في زحمة الباحة وضجتها، لم تتبين المعلمة كلماتي تماماً. لكنها ابتسمت بلطف شديد. أذكر أن معظمنا لم يكن يملك ثمن قلم جديد، وعلى الرغم من ذلك قدّمنا أقلامنا التي نكتب بها.

لا تهمني هنا ألاعيب الأنظمة الديكتاتورية المتاجرة بالقضية الفلسطينية. ما يهمني هو أن أقول كيف دخلت فلسطين إلى أرواحنا. السوري لا يعرف فلسطين. هو بطبيعة الحال، ومنذ أن فتح عينيه، لا بد أن يرى فلسطين بألف شكلٍ وشكل، ويسمع صوتها من بين مقتنيات أي بيت كان هناك؛ كوفية فلسطينية معلّقة على الجدار، أو حول عنق الأخ الأكبر. وربما هناك لوحة لقبّة الصخرة والقدس على الجدران، أو على الكؤوس، أو على فناجين القهوة. أو هناك صورة لطفل العاشرة حنظلة، أو لناجي العلي، وربما كانت هناك على جدران معظم البيوت والمحلات التجارية، الصورة الشهيرة لرجل طاعن في السن يحمل على ظهره القدس بأكملها مربوطة بحبل يمثّل الشقاء والتعب. يحملها على ظهره المحني كأنه ينقذها من طوفان ما، أو من دمار وشيك. لاحقاً عرفنا أن اسم اللوحة “جمل المحامل”، أو “العتّال الفلسطيني” للفنان الفلسطيني سليمان منصور (أنا كنت أسمّيها نوح الفلسطيني)، وغيرها الكثير من الصور التي لا تخص السياسة وألاعيبها وتحالفاتها ومستنقعاتها.

في الكتب المدرسية لا بد من خريطة لفلسطين التي لا تغيب عن المناهج ودروس الجغرافية. هناك في منهج التاريخ عشرات الدروس التي تروي ما حدث منذ النكبة، وحتى ثورة الحجارة، وما بعدها من تفاصيل. تلميذ الصف الأول يغادر المدرسة إلى العطلة الصيفية، وفي رأسه أغانٍ عدة لا ينساها، أوّلها “ماما ماما يا أنغاما”، و”فلسطين داري”. كان هذا هو النشيد الثاني الذي يتعلمه التلميذ السوري في أولى مراحله التعليمية. ليس غريباً، فمن الطبيعي أن تكون الأم في المنزلة الأولى. لكن لاحظ من في المنزلة الثانية. لن ألحَّ على ذاكرتي، أو أبحث كأنني أكتب مقالاً عن دخول فلسطين إلى كريات دمنا، نحن السوريين. سأكتفي فقط بما تأتي به الذاكرة سريعاً، ويعبّر بشكل واضح عن الأمر. عادةً، يكتب المراهقون قصيدتهم الأولى عن العشق وعيون المحبوبة. أما قصيدتي الأولى، فكانت أبياتاً عدة عن أطفال ثورة الحجارة، لا زلت أحتفظ بها حتى الآن.

كانت فلسطين حاضرة في أغاني فيروز التي حفظناها أكثر من الواجبات المدرسية، حين تقول “عيوننا إليك ترحل كل يوم/ كل يوم”، أو تأخذنا معها في أغنية “القدس العتيقة”، كما لو أننا نلمس جدران المدينة: “مريت بالشوارع/ شوارع القدس العتيقة/ قدّام الدكاكين… لبقيت من فلسطين/ حكينا سوى الخبرية… وعطيوني مزهريّة/ قالولي هيدي هدية/ من الناس الناطرين”. وكنا جميعنا نعشق ريتا ونظنّها حبيبتنا، وكنا نهمس لحبيباتنا بكلمات الأغاني: “في البال أغنية”، و”جواز السفر”. وكنا نعرف “أحمد العربي”، كأنه ابن الجيران. وعلى الرغم من أن لكل مقام مقالاً، إلا أننا كنا نردد أغنية “منتصب القامة” في مقامات لا تخص الحدث السياسي أو الثوري. في طيّات فراشنا، وخلف الكتب في مكتباتنا، كنا نخفي أشرطة الكاسيت المحرّمة: الأول لسميح شقير، والثاني لفرقة العاشقين الفلسطينية، أما الثالث وهو جوهرة الكنز حينها، فلأمسية مظفّر النواب الشهيرة. سميح يقول بصوت دافئ وحزين “رجع الخي…”. فرقة العاشقين تخبرنا عن تاريخ الظلم والقهر الفلسطيني: “من سجن عكا طلعت جنازة… محمد جمجوم وفؤاد حجازي”. وأما مظفّر فقد كان يقول كلماته بمزيج من حرقةٍ وتحدٍّ وكشفٍ لمستور الأنظمة العربية. كنا نشعر بنشوة النصر على حكامنا إن جاء الطفل، وقال بكل عفوية: “الملك عارٍ”. كان من النادر أن تسمع في الشعر “القدس عروس عروبتكم/ فلماذا أدخلتم كل زناة الليل إلى حجرتها… أولاد القحبة ما أشرفكم”. كنا نطير فرحاً حين يردد: “لا أستثني منكم أحداً”.

“حنظلة” العظيم كان مرسوماً على الصفحات الأولى من دفاتر وكتب طلاب الجامعة، وعلى شالاتهم، وموشوماً على زنود البعض. خرجنا جميعنا بدموع تكرج على الخدود من صالة السينما، بعد عرض فيلم “ناجي العلي”. وأجزم أن رصاص المسدس الذي اغتال ناجي أصاب حناجر الجميع.

في المكتبة المنزلية كان ديوان توفيق زياد ذو الغلاف الأحمر الصادر عن دار العودة، يتصدر الواجهة. عموماً، كنا نظن أن محمود درويش وتوفيق زياد وغسان كنفاني ويوسف الخطيب وسميح القاسم وفدوى طوقان، قد يمرّون في أية لحظة من حيّنا، أو يزورون مدرستنا. كان غسان كنفاني يرافقنا على مدى أشهر في الصف السابع. وكنت دائماً أدمع حين أرى اللوحة المرسومة قرب كلمات القصة المقررة لنا. في اللوحة أم حزينة تمسك يد صغيرها، ويمشيان في الضباب والقفر، وتبدو الريح وقد شدّت فستانها وشعرها، بينما ينظر الطفل إلى الخلف كأنه نسي لعبته في مكان ما، لكن لا وقت للعودة الآن.

كنا نعرف نزار قباني في “كل ليمونة ستنجب طفلاً/ ومحال أن ينتهي الليمون”. كرهنا وتجاهلنا كلامه حين رد على أجراس فيروز: “عفواً فيروز ومعذرة/ أجراس العودة لن تقرع/ عفواً فيروز أقاطعك/ أجراس العودة لن تقرع/ خازوق دُقّ بأسفلنا/ من شرم الشيخ إلى سعسع”. ليس تماماً، ليس تماماً يا نزار حين يكون الكلام عن الشعوب الجميلة.

التصنيفات
مقالات الرأي

السكبة السورية… تاريخ من المحبة والنهفات .. بديع صنيج

تستدعي ذاكرتي مراراً ذاك المشهد ضمن منزلنا في حماة، عام 2009، عندما رافقني صديقي من دمشق بقصد الاطمئنان على صحة والدي. وصلنا عند الواحدة والنصف ظهراً، وكان ثمة العديد من الزوار الذين يُرفِّهون عن والدتي ووالدي، بعدما أصبحا أسيري البيت، ولم يمض من الوقت أكثر من ساعة حتى رن الجرس، فتحت الباب، وبعد تهنئتي بالوصول بالسلامة، والاطمئنان على أحوالي من قبل جارتنا أم رشاد، عُدتُ مع طبق فيه زبدية من حب الفاصولياء الشهي، وصحن للرز المُبَهَّر، وبعض من الفليفلة الخضراء، ومَمْلحة وقليل من الكمّون الطازج.

بعدها بأقل من نصف ساعة عاود الجرس رنينه، وإذ بجارتنا أم أحمد وبين يديها طبقٌ كسابقه تقريباً مع اختلاف الطبخة، فهو صحن من المجدَّرة، وبجانبه البصل المُقلّى، وزبدية كبيرة من السلطة، وأيضاً بعض الملح وكيس فيه رغيفان مُقطَّعان إلى مثلثات كما أفخم المطاعم.

كَظَمَ صديقي استغرابه، مُتابعاً أحاديث والدي الممتعة عن مغامراته أيام العزّ ونكاته المحببة، لكنّ فضوله لم يلق مجالاً للسكوت بعدما عَلِمَ أن والدتي ذهبت إلى المطبخ لتطمئن على استواء “اليبرق” أي ورق العنب الملفوف وحَمْضِه، فما كان منه إلا أن بادرها بالسؤال، بعد أن شعر أن ما يراه بأم عينيه هو من عالم آخر، فقال: “يا خالة، إن كانت جاراتك بكرمهن يُساعدنك على الاهتمام بعمي أبو بديع، ويضعنك أمام إمكانية أن ترتاحي من الطبخ والنفخ، فلماذا تُعذِّبين نفسك ساعات في لفّ ورق العنب وطبخه؟”، فما كان من والدتي إلا الابتسام في وجه استغرابه قائلةً: “يا ابني وهل من المعقول أن أردّ أطباق الجيران فارغة؟!”.

مشاهد راسخة

هذه الذكرى ليست من الماضي البعيد، كما أنها ليست خاصة بمحافظة أو منطقة دون سواها، وأيضاً هي ليست مقتصرة على شهر رمضان، مع أنها تتعزّز فيه، فمن عادات السوريين في المحبة والألفة عادة “السكبة”، أو ما يُسميها البعض “القرضة” من الإقراض، بمعناه الجميل وليس التجاري.

وضمن الأحياء القديمة، أو في المباني التي يعرف سكانها بعضهم البعض، تعتبر “السكبة” من الأمور التي توطد أواصر الألفة بين الجيران، ليبقى منظر الأطفال وهم يحملون الصحون الممتلئة بألذ الأطعمة وأشهاها، ثم يطرقون أبواب جيرانهم، مبادرين بالقول: “بتسلِّم عليكن الماما وبتقلكن ألف صحّة وهنا”، من أكثر المشاهد رسوخاً في ذاكرة السوريين، كما أنها وسيلة لكسر الجليد مع السكان الجدد، إذ ترسل النساء سكبة لهم، وشيئاً فشيئاً تتوطد العلاقة مع الجارة الجديدة، بحيث يمكن أن نُحوِّر المثل القائل بأن “الطريق إلى الرجل يمرّ عبر معدته”، ليصبح “الطريق إلى العشرة الطيبة يمرّ عبر السكبة”.

 

عادة السكبة تاريخياً

أما عن تاريخ عادة السكبة، فيروي الباحث السوري منير كيال في كتابه “دمشقيات مرابع الطفولة ومهوى الأفئدة”، أن أحد فقراء الشام كان يتلقى أطباق الطعام من جيرانه كل يوم، إلى أن زاره ذات يوم شخص من الريف وقت الغداء، وكان الزائر مُحْرَجاً من ذلك، لكنه عندما دعي إلى مائدة الطعام وشاهد أكثر من عشرة أطباق مختلفة من الطعام فوجئ كثيراً، وقبل البدء بالطعام طُرِقَ الباب، ولاحظ الزائر أن صاحب المنزل أتى بطبق طعام جديد مِن الطارق، ففهم ما حصل، وأصبح يروي ما شاهده لمن يلتقيهم، حتى شاعت القصة بين عموم العائلات السورية، وأصبحت من العادات والتقاليد بين جميع السوريين دون استثناء.

ويوضح كيال أن السكبة لا تفرّق بين غنيٍّ وفقير، إذ كان الفقير يسكبُ للغني، وكان الغنيُّ يفعل الشيء ذاته، وكانت سكبة كل طبق حجمهُ، وبذلك يحدث نوع من التوازن في الحارة، بمعنى أن السكبة كانت جزءاً من طريقة الأخذ والعطاء التي كانت سائدة، ولعلها امتداد مُحرَّف لطريقة المُبادلة والمقايضة القديمة، لكنها في جميع الأحوال كانت تكريساً للتداخل بين الأسر، التعاطف القائم بين الناس وتبادل المحبة.

ويلفت كيال في كتابه الأقدم “رمضان في الشام” إلى أن من فوائد عادة السكبة، أن الطعام كان يُطبخ لأكثر من يوم، ومن دون تنويعه لكون تلك العادة ستوفر العديد من الأكلات، بحيث كانت السكبة تؤخذ بعين الاعتبار ويعتمد عليها، وخاصة في شهر رمضان، فلا تكثر النساء من صنع أطباق طعام كثيرة خشية التبذير، ولكون الطعام سيأتي بمختلف أشكاله على وجبة الفطور قبل ضربة المدفع بدقائق، لذلك كانت السكبة من العادات الهادفة إلى التعاون والتراحم والمحبة بين الجيران، إضافة إلى عدم التبذير أو الإسراف.

سبب للفكاهة والتندر

وإلى جانب الجماليات الكثيرة لفكرة السكبة على الصعيد الإنساني، فإنها كانت سبباً للفكاهة والتندر والمفارقات التي ترسم البسمة على الوجوه.

ومن الحكايات المتداولة شفاهياً عن السكبة، أن امرأة نامت لما قبل المغرب بقليل، فلم يعد لديها وقت لتحضير طعام الإفطار، لذا سَلَقَتْ عَدَساً وصبّته في سبعة صحون كبيرة، وطلبت من ابنها أن يوصلهم تباعاً إلى بيوت الجيران، وما هي إلا دقائق حتى عادت صحونها بأطايب الأطعمة، من ملوخية، وحرّاق بإصبعه، وبعض أقراص الكبّة، وصحن فتُّوش، وآخر للقطائف المحشوّة بالقشطة والمزينة بالفستق الحلبي، وعندما علم زوجها بفعلتها سلّمها مصروف المنزل لتديره، بعدما كان يتمنع عن ذلك، واصفاً إياها بأنها أدهى من ميكيافيللي بحد ذاته.

مفارقة أخرى أن امرأة شمَّت من منزل جارتها رائحة “الملوخية” وهي من الأكلات الأحبّ إلى قلبها وقلب زوجها، فلجأت إلى صحنٍ كبير الحجم من مطبخها، وملأته بالمجدرة التي كانت طعام إفطارهم لذاك اليوم، وأرسلته مع ابنها، وأوصته بأن يكون لبقاً زيادة عن اللزوم، ويقول للجارة بأن “أمي تذكَّرتكم بهذه الأكلة المقدَّرة”، فما كان من تلك الجارة إلا ممازحة جارتها، بأن أعادت لها الصحن مليئاً بالأرز، وما أن وصل الابن ومعه ذاك الصحن، حتى تفاجأت أمه أيما تفاجؤ، واستغربت أيما استغراب، وبدأت تُبربِر بينها وبين نفسها، لاعنةً حظَّها وشهوتها للملوخية، لكن ما هي إلا دقيقتان حتى قُرِع بابها، وما أن فتحته حتى رأت ابن جارتها وبيده صحن طافح بالملوخية وعلى وجهه قطع السفائن ورائحة الكزبرة تشرح القلب، قائلاً: “بتسلِّم عليك الماما وبتقلك: ابنك استعجل ونسي ياخد الصحن الرئيسي معه”، فابتسمت وفرفح قلبها.

ومن النهفات المتواترة شفاهياً أيضاً أن مجموعة جارات تعتدّ كل منهن بأنها الأمهر في الطبخ وصاحبة النفس الأطيب، وتتعفّف كل منهن عن طبخات الأخرى. وعندما جاء رمضان أرسلت إحداهن سكبة إلى جارتها، فبادرتها الأخيرة بالمثل، ثم قامت الأولى بإرسال ما وصلها من جارتها إلى جارة أخرى، ليَرِدَها منها ما أرسلته إلى جارتها الأولى، وكأن الموضوع تدوير صحون لا أكثر.

 

وجبة الضيف

وبعيداً عن النوادر التي تُلطِّف مذاق الحياة، تبقى فكرة “السكبة” من أجمل العادات السورية، وأكثرها تعبيراً عن التراحم وعمق الوصال الإنساني المتجذرة في الإنسان السوري أينما حلّ، ورغم انحسارها في الأيام الأخيرة بسبب ضيق الحال الذي سببته الحرب، إلا أنها ما زالت حاضرة بكامل زخمها وألقها، إن لم يكن على أرض الواقع، ففي ذاكرة السوريين القريبة.

ولعل ما وسمته الحرب فيما يتعلق بالسكبة السورية، أنه بحكم النزوح الذي أُجْبِرَت عليه العائلات السورية بفعل الحرب، بات الجيران من محافظات مختلفة، فجارة من دير الزور، وأخرى من إدلب، وثالثة من حمص، ورابعة من حلب، وخامسة من الحسكة، إلى جانب الجارات من دمشق وريفها ودرعا وحماه والسويداء وغيرها، وهذا ما جعل للسكبة نكهة أكثر تنوعاً، وجعل الجارات يتعرفن على طبخات تشتهر بها المحافظات الأخرى، فبعد أن كانت السكبات محصورة بأكلات محددة ومعروفة من قبل الجيران القدامى فيما بينهم، باتت أكثر تنوعاً وأغنى بنكهاتها وأطباقها التي تميز كل محافظة عن أخرى.

ومما حصل مع الصديقة سلام أحمد، إحدى المتطوّعات في جمعية “ساعد الخيرية” بدمشق، وخصَّت به رصيف22، أنها أثناء سكب وجبات إفطار رمضان في أوعية خاصة مُعدَّة للتوزيع، وهو نشاط خيري اعتادت الجمعية إقامته كل رمضان أمام باب الجامع الأموي في المدينة القديمة، جاءها رجل ليأخذ بعض الوجبات، فقدمت له ثلاث بحسب عدد أفراد أسرته، واستغربت أنه بدأ يرغي ويزبد ويعاتب قائلاً: “أريد أربعة، اليوم عندي عزيمة، هل يُعقل أن تنقصني وجبة للضيف؟”.

التصنيفات
مقالات الرأي

وداعاً للحروب والجيوش التقليدية! .. د. فيصل القاسم

هل انتهت الحروب كما كنا نعرفها سابقاً؟ هل أصبحت الجيوش لحالات الضرورة القصوى؟ يبدو أن القوى الكبرى وحتى المتوسطة بدأت تسير على النهج الأمريكي الذي وضعه الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما عبر ما يسمى بـ «عقيدة أوباما» فقد ولى على ما يبدو عصر حروب الجيوش بعد أن تعلمت أمريكا الدرس أولاً في فيتنام، وثانياً في أفغانستان وثالثاً في العراق. ولعل الدرس الأهم الذي دفع الإدارة الأمريكية بقيادة أوباما هي الحرب الخاسرة التي خاضتها أمريكا في أفغانستان والعراق، حيث وصلت الخسائر البشرية إلى معدلات مهولة، ناهيك عن الخسائر المادية التي لم يسبق لها مثيل في الحروب التاريخية، فقد وصلت خسائر أمريكا إلى حدود الترليونات إن لم نقل أكثر، وهو مبلغ لم يذكر له التاريخ نظيراً مطلقاً.
وبعد مغامرات جورج بوش الأبن التي أوجعت أمريكا بشرياً ومادياً، بدأ التفكير جدياً بوضع استراتيجيات جديدة لتحقيق المصالح العسكرية الأمريكية في العالم، وأول ما تفتق عنه ذهن أوباما أن على أمريكا من الآن فصاعداً عدم الزج بقواتها وجنودها في أي معركة إلا بالحدود الدنيا جداً، والاعتماد بدلاً من ذلك على مبدأ القيادة من الخلف عبر استخدام قوات الآخرين، سواء كانت مرتزقة أو حلفاء. وقد ظهر ذلك جلياً في التدخل الأمريكي في سوريا، فعدد القوات الأمريكية التي ترابط على الأرض السورية منذ بدء الثورة ضئيل للغاية لا يتعدى الألف أو أكثر قليلاً، لأن الأمريكيين باتوا يعتمدون على السوريين سواء كانوا جيشاً حراً أو ميليشيات كردية للحفاظ على المصالح الأمريكية في سوريا.
لاحظوا الآن أن منطقة شرق الفرات الغنية بالنفط والحبوب والمياه التي تسيطر عليها أمريكا تخضع عملياً للنفوذ الكردي الذي بات اليد الأمريكية الضاربة في سوريا، وعندما يتعرض الأكراد للخطر تلجأ أمريكا إلى حمايتهم جواً عبر طائراتها العملاقة وصواريخها الموجودة على متن الحاملات الأمريكية. كم عدد الأمريكيين الذين سقطوا في الحرب السورية؟ قليل جداً مقارنة بعدد الذين سقطوا قبل ظهور عقيدة أوباما في أفغانستان والعراق، لماذا، لأن أمريكا باتت تعتمد على الحروب الوكالة، فهي تستخدم الآخرين كوقود لمعاركها، بينما تترك جنودها لحالات الضرورة القصوى فقط. وحتى قواعدها المنتشرة في عموم المنطقة فهي للردع أكثر منها للحروب التقليدية. وهي كما هو واضح لم تعد مستعدة للتضحية بجندي واحد في معاركها إلا للضرورة.

حتى روسيا المعروفة بأنها لا تعير اهتماماً يذكر للخسائر البشرية مقارنة مع الأمريكيين والأوروبيين بدأت تنحو المنحى الأمريكي نفسه، وقد لاحظنا في الفترة الأخيرة بروز شركة عسكرية روسية شهيرة معروف باسم «فاغنر» ومهمتها تجنيد المرتزقة لخوض المعارك الروسية هنا وهناك. وقد برز اسم «فاغنر» في سوريا حيث قاتلت جماعات المرتزقة الروسية إلى جانب الجيش السوري والميليشيات الإيرانية المرتزقة بدل توريط الجيش الروسي في الحرب. صحيح أن لدى روسيا قاعدة عسكرية ضخمة في سوريا في «حميميم» لكن أهدافها استراتيجية وردعية أكثر منها حربية.

ولا ننسى أن «فاغنر» الروسية حاربت أيضاً في ليبيا إلى جانب قوات حفتر، كذلك ذهب مقاتلوها إلى فنزويلا. وقد جندت روسيا مقاتلين سوريين تابعين للنظام في جماعات المرتزقة الروسية للقتال في سوريا وليبيا وفنزويلا وغيرهما. وهناك الآن في سوريا فيلق روسي معظم مقاتليه من السوريين، لكن بتوجيه وقيادة روسية. بعبارة أخرى، فإن روسيا تحقق مصالحها العسكرية والاستراتيجية في سوريا على أشلاء السوريين أنفسهم دون أن تضحي بجندي روسي واحد، تماماً كما تفعل أمريكا في سوريا وغيرها الآن.
ولم يعد الأمر محصوراً بالقوى الكبرى كأمريكا وروسيا، بل بدأت تمارسه القوى الإقليمية في المنطقة، فلا ننسى أن إيران لا تشارك في الحرب السورية عبر جنودها، بل عبر الميليشيات الشيعية غير الإيرانية التي جندتها من العراقيين والسوريين واللبنانيين والأفغان والباكستانيين. وتبقى مهمة الضباط الإيرانيين في الاستشارات والتخطيط بدل الانخراط بشكل مباشر في الحرب على الأرض. وحتى في اليمن تعتمد إيران على الميليشيات الحوثية في صراعها مع بقية القوى المنخرطة في الأزمة اليمنية، وكذلك في لبنان عبر حزب الله. بعبارة أخرى، فإن إيران تغزو المنطقة ليس بجنودها بل بالميليشيات الطائفية التي استطاعت أن تشكلها من سكان المنطقة ذاتها.
ولا يختلف الأمر بالنسبة لتركيا، فقد أصبح لها الآن جيش سوري يأتمر بأوامرها لحماية مصالحها في سوريا والمنطقة عموماً. ويبلغ تعداد ما يسمى بالجيش الوطني السوري آلاف الجنود وهم جميعاً تحت امرة تركيا. وقد لاحظنا أن بعض معارك الجيش الوطني كانت ضد الجماعات التي تهدد أمن تركيا
كالميليشيات الكردية في شمال سوريا. ولا ننسى أيضاً أن تركيا واجهت النظام والروس في إدلب والشمال عموماً بميليشيات سورية شكلتها لخوض المعارك من خلالها بدل استخدام جيشها الوطني إلا بنسبة محدودة. وهناك حديث الآن أن تركيا تستخدم الميليشيات السورية للحرب في اليمن بعد أن كانت قد استخدمتها أيضاً في ليبيا.
لاحظوا أن كل المتصارعين على الأرض السورية والعراقية واليمنية والليبية وغيرها لا يحاربون بجيوشهم، بل بأشلاء العرب أنفسهم. كلها حروب بالوكالة، حسبما وضعه أوباما في عقيدته الشهيرة. والسؤال الأخير: إلى متى يبقى العرب مجرد وقود حروب وعلى أرضهم؟ إلى متى يبقون في محل مفعول به بدل أن يكونوا في محل فاعل كبقية اللاعبين الدوليين والإقليميين على أراضيهم؟

كاتب واعلامي سوري
falkasim@gmail.com

التصنيفات
مقالات الرأي

إلى السوريين … ميشيل كيلو

كتب الكاتب السوري، ميشيل كيلو، هذه الكلمات، وهو على سرير الشفاء في باريس، وتتمنّى له “زمان مصدر” أن يتجاوز مرضه سالما معافى، ويستأنف حضوره السياسي والثقافي والإعلامي.

إلى الشعب السوري الذي أعتز به، وأنتمي إليه. إلى شابات سورية وشبابها، أمل المستقبل: هذه نصائح صادرة من قلبي، وعن تجربتي، وعن أملي بمستقبل أفضل لكل السوريين:

ـ لن يحرّركم أي هدف غير الحرية فتمسّكوا بها، في كل كبيرة وصغيرة، ولا تتخلّوا عنها أبدا، لأن فيها وحدها مصرع الاستبداد، فالحياة هي معنى للحرية، ولا معنى لحياةٍ بدون حرية. هذا أكثر شيء كان شعبنا وما زال يحتاج إليه، لاستعادة ذاته، وتأكيد هويته، وتحقيق معنى لكلمة المواطنة في وطننا..

ـ لا تنظروا إلى شعبكم ووطنكم من خلال أهوائكم وأيديولوجياتكم وهوياتكم، الآنية والضيقة والسطحية، بل انظروا إلى ذلك كله، من خلال شعبكم ووطنكم، عامل غنى وإثراء وتفاعل وتكامل وتعاضد، فالتقوا بمن يختلف معكم، بعيدا عن انحيازاتكم الهوياتية أو الأيدولوجية التي كانت تصوّره عدوا لكم، فيما عدونا جميعا هو الاستبداد الذي سلب حقوقنا وحرياتنا..

ـ لن تقهروا الاستبداد منفردين أو متفرقين .. لن تقهروه إذا لم تتّحدوا في إطار وطني، وعلى كلمة سواء، وأقصد على رؤيةٍ وطنيةٍ جامعةٍ .. رؤية غير هوياتية، وغير أيدولوجية، ففي وحدتكم خلاصكم، فتدبّروا ذلك، متغلّبين على كل الحساسيات والعصبيات والحسابات الشخصية والفئوية، مهما كان نوعها، أو تصنيفها..

ـ كي تصبحوا شعبا واحدا، يا بنات شعبنا وأبناءه، اعتمدوا معايير وطنية، وانبذوا العقليات الضدّية، والثأرية، في النظر إلى بعضكم وإلى أنفسكم، فالمجتمعات لا تصبح مجتمعات وفقا لذلك، وإنما هي تغدو مجتمعاتٍ حقا بواسطة عقد اجتماعي، واضح، ومحدّد، وشفاف يساوي بين كل المواطنين إزاء الدولة وأمام القانون، ويكفل حقوقهم وحرّياتهم وكراماتهم. هذا ما حاول النظام الحؤول دونه طوال العقود الماضية، وهذا ما يجب أن نسعى إليه، أي التحوّل إلى دولة مواطنين، والتحوّل إلى مجتمع، أي إلى شعب حقا، وبكل معنى الكلمة..

ـ لن تصبحوا شعبا واحدا ما دام نظام الأسد باقيا، وما دام يستطيع التلاعب بكم، بل إنكم ستبقون تدفعون أثمانا إقليمية ودولية كبيرة في سبيل حريتكم، فلا تتردّدوا في حثّ الخطى من أجل الخلاص منه نهائيا، ويأتي في مقدمة ذلك الوحدة، لعزل هذا النظام والتخلص منه نهائيا..

ـ التفّوا حول أصحاب المعرفة والفكر والمواقف النبيلة بينكم، فلديكم منهم كثر، استمعوا إليهم وخذوا بما يقترحونه، ولا تستخفّوا بمفكّر مجرّب، فهو جزء من زادكم، وثروتكم الرمزية، وجزء من تاريخكم.

ـ تستحق المرأة السورية الرائعة والشجاعة والصابرة كل التقدير والعرفان، فهي التي أعطت للثورة السورية طابعها الخاص والمتميز، منذ بداياتها، وقدّمت كل ما يمكنها، من تضحياتٍ وبطولاتٍ. لذا لا يمكن أن نبني سورية الجديدة بدون مكانة طبيعية للمرأة السورية، تضمن حقوقها ومكانتها السامية في المجتمع، هذا أقل تقدير لأمهاتنا وأخواتنا وزوجاتنا وبناتنا، فهم عنوان للحياة والكرامة.

ـ تحية لشباب سورية الشجعان الذين كسروا هيبة النظام بمظاهراتهم الجريئة التي واجهت هراوات الشبّيحة ورصاص أجهزة الأمن في مظاهراتهم السلمية، في امتداد مدن سورية وبلداتها وقراها، وكل المحبة للأطفال أبنائنا الذين حرموا من طفولتهم، ومن طمأنينتهم، فهذا ما حاولناه من أجل مستقبل أفضل لهم.

ـ كل التقدير والعرفان لكل فئات الشعب السوري الأخرى، المعلمين والأطباء والإعلاميين والمثقفين ورجال الدين والمهندسين والعمال والفلاحين، وكل الذين لعبوا دورا مشرّفا ورائدا في مقاومة النظام الأسدي، وفي الكفاح من أجل حرية شعبنا وكرامته.

ـ رجاءً، لا تنظروا إلى مصالحكم الخاصة بوصفها متعارضةً مع المصلحة العامة، فهي جزء، أو يجب أن تكون جزءاً، منها.. فما أهمية أن يحقّق المرء مصلحة خاصة ما، في وضع يكون فيه في سفينة غارقة أو مضطربة. السلامة العامة والازدهار العام والمساواة لكل السوريين خير ضمان لازدهارنا وتطوّرنا على الصعيد الشخصي.

ـ اعتمدوا أسساً صلبة وواضحة ومرنة للدولة، تستوعب الجميع،عربا وكردا وشركسا وتركمانا وأرمنا، وكل الإثنيات والمكوّنات، تسيرون عليها، ولا تكون محلّ خلاف بينكم، وإن تباينت قراءاتها بالنسبة لكم، لأن استقرارها يضمن استقرار الدولة الذي سيتوقف عليه نجاح الثورة، أسسا تقوم على الحرية والمواطنة المتساوية والديمقراطية، فهذا ما يكفل حقوق الجميع، والعدالة للجميع، لبناء سورية المستقبل.

ـ لا تنسوا يوما أن قضية فلسطين هي جزء من قضايانا الأساسية، ففلسطين قضية حرية وكرامة وعدالة، وقضية شعبنا، أيضا، كذلك، وتلك القيم السامية لا تتجزأ. كفاحنا مع شعب فلسطين جزءٌ من كفاحنا ضد الاستبداد، وبالعكس. ولتبق قضية استعادة الجولان في مقدّمة أجندتنا الوطنية.

ـ لم تتمكّن ثورتنا من تحقيق أهدافها، بسبب مشكلات داخلية، وارتهانات خارجية. وقد دفع شعبنا أثمانا باهظة طوال السنوات العشر الماضية. مع ذلك، فإن النظام، مع حليفيه الإيراني والروسي، لم ينتصر. فلنبق على تصميمنا، وعلى توقنا لاستعادة سوريتنا، بالخلاص من هذا النظام الذي صادر أكثر من نصف قرن من تاريخ بلدنا.

شعبنا يستحق السلام والحرية والعدالة. .. سورية الأفضل والأجمل بانتظاركم.

التصنيفات
مقالات الرأي

هند صبري وندوب الوطنية… الفنانون السوريون وتحدي التطبيع… وأسئلة متأخرة لأدونيس .. راشد عيسى

التعليقات، منذ تغريدة النجمة هند صبري بخصوص مشاركتها في «الرحلة الذهبية»، وهي موكب للمومياءات الملكية بين متحفين، لم تهدأ، سخرية وغضباً لتمثيل تونسية للمصريين في الحدث العظيم! ومع أن صبري ليست وحيدة في ذلك الحدث، ومع أنها تعمل منذ أكثر من عشرين عاماً في «أم الدنيا»، وفي أرشيفها أكثر من ثلاثين عملاً مصرياً، للسينما والتلفزيون والإذاعة، إلا أن الوطنية المصرية أبت أن تتصدّر تونسية هذا الموكب الفرعوني الملكي، وربما كان هذا العنوان بالذات ما حرّك لديهم هذا العَرَض بالغ العنفوان، إذ كيف يندس غريبٌ في الموكب الأصيل!
حادثة ليست فريدة، إنها عريقة وقديمة قِدَم ظهورِ وصفِ «أم الدنيا». لقد ولد وعاش المخرج السينمائي محمد خان في مصر لأم مصرية ولأب باكستاني، ورغم كل ما قدّم من أفلام هي من عيون السينما المصرية لم يحظ بالجنسية المصرية حتى قبل عامين من وفاته (2016)، ولطالما أحرجه أن يقدّم عند دخوله بلده مصر جواز سفر بريطانياً.

لا تريد مصر أن ترى كيف يتنقّل لاعبو كرة القدم بين الأندية ممثلين لبلدان غير بلدانهم، ولا أن ترى كيف بإمكان لاجئ، أو أي مهاجر لبلاد الغرب أن يحظى بجنسية ذلك البلد بعد سنوات فقط من العيش فيها مهما كان عادياً. بل ويستطيع أن ينتخب ويشارك بصنع القرارات المصيرية.
قصص العنصرية ورفض الآخر تملأ العالم اليوم، تبدو كأنما هي الأصل فيما قوانين محاربتها تمثيل بتمثيل. تستطيع هند صبري والمتعاطفون معها أن يعزّوا أنفسهم بما يجري في الولايات المتحدة على سبيل المثال. فهذا فيديو لمسؤول أمريكي من أصول آسيوية يضطر، لمواجهة العنف المتصاعد ضد الأمريكيين من أصول آسيوية، أن يخلع قميصه في ندوة عامة، وأمام الكاميرات، ليكشف عن ندوب بارزة قاسية في صدره، قال إنها جراء خدمته لعشرين عاماً في الجيش الأمريكي، فهل كان ذلك كافياً لإثبات وطنيته!
هل تحتاج هند صبري لإظهار ندوب مماثلة كي تثبت وطنيتها المصرية، هل سيكون ذلك كافياً أصلاً لو حدث؟ نحسب أنه حتى ذلك لن يجدي، فهنا، وهنا فقط، القانون هو القانون، والعصبية هي العصبية، والآخر سيظل غريباً إلى ولد الولد!

أدونيس

في حديثه لبرنامج «سهرات باريسية» في إذاعة «مونت كارلو الدولية» قال أدونيس إن «بنية النظام السوري طغيانية مثل كل الأنظمة العربية. تغيير السلطة لا يكفي، يجب تغيير بنية المجتمع ومؤسساته وثقافته، فالعرب جربوا هذا، منذ الانقلابات العسكرية، وكل انقلاب أسوأ من الآخر. أنا ضد حصر الثورة أو الصراع بتغيير الأشخاص. ما دام الدين مرجعاً فلا شيء سيتغير، وما دام الدين مرجعاً يستحيل التقدم. وإذا كانت المعارضة تتبنى الدين فهي نظام آخر. أنا ضد النظام، وضد هذه المعارضة التي ليست إلا قفا النظام».

أدونيس: «بنية النظام السوري طغيانية مثل كل الأنظمة العربية. تغيير السلطة لا يكفي، يجب تغيير بنية المجتمع ومؤسساته وثقافته».

بودّي لو يحمل صحافيٌ بعض الأسئلة إلى الشاعر المولع بالأسئلة، في أول مقابلة ممكنة: ما هي الطريقة التي يقترحها أدونيس لتغيير بنية النظام السوري ومؤسساته وثقافته؟ هل يجد أن البنية الطغيانية للنظام السوري مماثلة لما هي عليه بنية النظام التونسي، المصري، الجزائري.. لماذا نجح التغيير في تونس على الرغم من أن هذه كانت نبعاً يصدّر الجهاديين؟ أليست عبارة «بنية طغيانية مثل كل الأنظمة» فيها تخفيف للوحشية الاستثنائية لنظام الأسد عبر وضعه على نفس سطر الأنظمة الأخرى؟ ثم ما دخل الثورة السورية إن كان الدين مرجعية معارضتها (إن صحّ ذلك طبعاً)، فلعلك تعرف أن التظاهرات ولدت في الشارع لا في عقل الأحزاب أو المؤسسات المعارضة. إلا إذا كنت تقصد أن الثورة نفسها (تظاهرات الشارع) مرجعها الدين، وعندها سنطالبك بإجراء بحث يثبت طابعها الديني غير أهزوجة خروجها من الجامع. وهنا نقترح لبحثك الاعتماد على الكم الهائل من فيديوهات التظاهرات المتوفرة بين يديك ساعة تشاء. هل تعتقد أن مشاركةً ما في الثورة (لو حدثت) من قبلكم وقبل الحياديين والرماديين والأقلويين والمعترضين على «تديّنها وطائفيتها»، كانت لتنشلها وتصوّب مسارها؟
لن نصل إلى مطالبتك بتوضيح موقفك المؤيد من الثورة الإسلامية في إيران، ما دامت لديك هذه الحساسية الفائقة تجاه الدين، لأننا في العمق (وهذا تعبيرك المفضل) نعرف الجواب.

تحدي التطبيع

يطرح كاتب السيناريو التلفزيوني السوري فادي قوشقجي على صفحته في فيسبوك سؤالاً يستطلع آراء الفنانين السوريين: «ما موقفكم من احتمال عرض دعاية تجارية لشركة إسرائيلية (أو مشتركة عربية إسرائيلية) ضمن مسلسل سوري، أو نصف سوري؟ كيف تنظرون إلى هذا الأمر؟»، ويضيف «مقاطعة العمل، أم المحطة؟ إلى أي مدى يحمّلون المنتَج السوري أو المشترك وصناعه مسؤولية هذا الأمر؟ وهل يطلبون موقفاً أو تصرفاً محدداً إزاء هذه الحالة إذا وقعت؟ أعرف أنه مجرد احتمال، لكنه وارد جداً في ظل حميمية حالات التطبيع الأخيرة».
واضح أن الكاتب يطرح أسئلته تحديداً في ظل المناخ الجديد الذي يشيعه التطبيع الإماراتي الإسرائيلي، وهو ما يقصده بالـ «حميمية»، مع إقامة عدد من نجوم الفن السوري الموالين لنظام الأسد في دولة الإمارات، ومع تولّي هذا البلد لعرض أو إنتاج عدد من الأعمال الدرامية السورية أو المشتركة.
السؤال ليس سؤالاً تماماً بقدر ما هو جواب، فالكاتب، صاحب السؤال، يعرف ما سيكون عليه جواب أي فنان سوري، إن تجرّأ أساساً على الجواب. والسؤال متأخر بعض الشيء، فلم يبق لشهر المسلسلات سوى أسبوعين، وبالتالي فإن من ضرب ضرب، ومن هرب هرب.
ما لا يعرفه الكاتب أن طرح السؤال يحرج نظامه قبل أي أحد آخر، فهو صامت تماماً إلا من بيان خجول عن التطبيع الإماراتي – الإسرائيلي. كيف يعترض وهو يعلم أن الإمارات مدّت له يد المساعدة والإنقاذ على الدوام، وهي من يروّج اليوم للمطالبة برفع قبضة قانون قيصر.
لا شك إذاً في تواطؤ النظام، على الأقل، مع ذلك التطبيع الحميم، وإلا لكان شغله الإعلامي الشاغل محاربته. كان أكثر ما يخشى الفنان السوري حين يغادر بلاده لمهرجان سينمائي أو مسرحي أن يظهر معه إسرائيلي في صورة، ولو بالمصادفة، أو إجراء مقابلة صحافية مع إسرائيليين مموهين، إلى آخره من احتمالات، أما اليوم فلعلّهم يتصرفون في ظل صمت وضوء أخضر ساطع.
دعاية إسرائيلية في مسلسل تلفزيوني؟! الحميمية أعمق من ذلك بكثير.

كاتب فلسطيني سوري