التصنيفات
مقالات الرأي

لماذا ظلت جائزة الأوسكار عصية عن السينما العربية؟ .. فاطمة بدري

مازال الظفر بجائزة الأوسكار حلماً يراود صناع السينما العربية منذ أكثر من نصف قرن، تكرّرت خلاله محاولات الوقوف على منصّتها أملاً في الحصول عليها. ورغم وصول بعض المخرجين إلى التصفيات النهائية للمسابقة إلا أن الأفلام العربية لم تبلغ عتبة الفوز بها لعدة اعتبارات، حصرها بعض النقاد السينمائيين في ضعف أو بالأحرى غياب التوزيع السينمائي العربي في أمريكا، فضلاً عن النقائص التقنية والفنية والمالية التي تجعل هذه الأفلام غير قادرة على نيلها.

فيلم “الرجل الذي باع ظهره” الأقرب لنيل الجائزة

وغادرت ثمانية أفلام عربية رشحت لتمثيل دولها في المسابقة لهذه السنة منذ التصفيات الأولية، ليكون بذلك فيلم “الرجل الذي باع ظهره” للمخرجة التونسية، كوثر بن هنية، الفيلم العربي الوحيد الذي يشارك في القائمة القصيرة الأولية عن فئة أفضل فيلم أجنبي، وسط توقعات بأنه قد يكسر القطيعة بين السينما العربية وجائزة الأوسكار.

وانتزعت المخرجة التونسية، كوثر بن هنية، عبر فيلمها “الرجل الذي باع ظهره” مكانا بين 15 فيلماً اختارتها أكاديمية فنون وعلوم السينما الأمريكية، للمنافسة على جائزة الأوسكار لأفضل فيلم ناطق بلغة أجنبية. خطوة مهمة بالنسبة لمخرجة تسعى لتقديم أعمال غير مكرّرة ومنفتحة على قضايا عالمية، بدل الاكتفاء بقضايا بلدها تونس. ولهذا تطرّقت خلال هذا العمل لمسألة اللجوء، باعتبارها القضية الأهم خلال السنوات الأخيرة، وهو أيضاً خامس فيلم طويل في مسيرة بن هنية، كتابة وإخراجاً.

وتدور أحداث فيلم “الرجل الذي باع ظهره” حول قصة سام، الشاب السوري الفار، بسبب الحرب في بلاده، إلى لبنان دون إقامة رسمية. في الأثناء يحاول سام في الحصول على تأشيرة سفر لأوروبا للحاق بحبيبته، ولأجل هذا الهدف يحاول دخول حفلات افتتاح المعارض الفنية ببيروت، حيث يقابل الفنان الأمريكي المعاصر الشهير جيفري جودفروي، الذي يوفر له تأشيرة إلى بلجيكا ولكن مقابل أن يكون ظهره محملاً لعمل فني معاصر يطرح قضية الهجرة واللجوء. يسعد سام بالفكرة في البداية لعائدها المادي والتغييرات الجديدة في حياته، ولكنه تدريجياً يكتشف أنه فقد حريته وغيّب ذاته، وبات سجين ظهره المتنقل بين المتاحف.

واستوحت بن هنية فيلمها من أعمال الفنان البلجيكي المعاصر ويم ديلفوي، الذي رسم وشماً على ظهر رجل وعرض العمل للبيع. ويقوم السوري يحيى مهايني، الفرنسية ديا أليان، البلجيكي كوين دي باو والإيطالية مونيكا بيلوتشي بأدوار البطولة، إلى جانب الفنانة اللبنانية السورية دارينا الجندي، والتونسيين نجوى زهير وبلال سليم.

وحاز الفيلم على جائزة أفضل فيلم روائي عربي خلال عام 2020 في مهرجان الجونة في مصر، كما شارك في مهرجانات سينمائية دولية عديدة، من بينها مهرجان البندقية في إيطاليا. استطاع فيلم “الرجل الذي باع ظهره” أن يصل للتصفيات النهائية والقائمة النهائية للأفلام المشاركة في جوائز “غولدن غلوب”.

ويرجح بعض النقاد ألا يغادر الفيلم من الباب الصغير لهذه المسابقة، كما حدث دائماً مع الأفلام العربية، على غرار الناقد السينمائي السوري المقيم في الجزائر، محمد عبيدي، الذي يتوقع أن يبتسم الحظ لبن هنية، لأنها تطرقت لملف اللجوء بطريقة مختلفة.

ويقول عبيدي لرصيف22: “لقد تم طرح موضوع اللجوء في أعمال سابقة، بعضها رشح للأوسكار، لكن بن هنية تناولته من زاوية أخرى بفيلم ‘الرجل الذي باع ظهره، The man who sold his skin’ ليكون الفيلم العربي الوحيد الذي يشارك في فئة أفضل فيلم أجنبي. وربما سيحالفها الحظ هذه المرة لعدّة اعتبارات، أهمها تعالي الأصوات في الأوسكار ضد التهميش الطويل وغياب الأقليات والنساء والسينمات العربية، الإفريقية والأمريكية اللاتينية، عن جوائز الأوسكار، فضلاً عن التفاتة ورغبة مهرجانات السينما العالمية في حضور الألم السوري المسرود بصرياً عبر الأفلام”.

أما الناقد السينمائي التونسي، خميس الخياطي، فيرى أن العمل مهم ويستحق أن ينال الجائزة، لأنه من جهة يتطرّق لقضية غير متأصلة في تونس أو العالم العربي بل تؤرق كل العالم، وثانياً لعامل التوزيع في الولايات المتحدة.

ويقول الخياطي لرصيف22: “بن هنية خرجت من جلباب الواقع التونسي وتوجهت للعمل على ملفات ومواضيع تؤرق كل دول العالم على حد سواء، فاللجوء لم يعد يعني الدول الطاردة لأبنائها بسبب ظروف مختلفة كالحرب، بل أصبحت تقضّ مضاجع الدول المستقبلة التي لم تعد تريد لعب دور الحاضن لهؤلاء، وبناء عليه ظهرت أشكال الاستغلال التي نجحت المخرجة في تصويرها بطريقة ذكية تجمع بين متناقضين، الفن والهجرة. كما أن اختيار الممثلين والمزج بين عدة شركات إنتاج في عمل واحد، ووجود موزّع للفيلم بأمريكا، تجعل من الفيلم مؤهلاً للفوز بهذه الجائزة التي ظلت بعيدة عن الأفلام العربية”.

ويتنافس الفيلم التونسي في القائمة المختصرة مع أفلام من إيران، فرنسا، رومانيا، النرويج، تايوان، هونغ كونغ، روسيا وساحل العاج، تشيلي، المكسيك، جواتيمالا، التشيك والبوسنة.

أسباب مختلفة

وغادرت المنافسة ثمانية أفلام عربية رشحتها بلدانها للمنافسة على وهي المصري “لما بنتولد” للمخرج تامر عزت، علماً أن منتج الفيلم، معتز عبد الوهاب، يمكث في السجن حالياً، منذ مايو/أيار الماضي، بتهمة تتعلق بالانتماء إلى جماعات إرهابية، وإساءة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي. ومن السودان فيلم “ستموت في العشرين” للمخرج أمجد أبو العلا، والفيلم الجزائري “هليوبوليس” للمخرج جعفر قاسم، وعن الأردن فيلم “200 متر” للمخرج الفلسطيني أمين نايفة.

ومثل لبنان الفيلم اللبناني “مفاتيح مكسرة” للمخرج جيمي كيروز، ومن فلسطين تم ترشيح فيلم “غزة مونامور” إخراج الأخوين ناصر، وعن المغرب شارك في المنافسة فيلم “معجزة القديس المجهول” للمخرج علاء الدين الجم، ومن السعودية فيلم “سيدة البحر” للمخرجة شهد أمين.

وربما يجد المتابعون للشأن السينمائي هذا الحضور الكبير للسينما العربية، وإن في القائمة الأولية لمسابقة الأوسكار، أمراً هاماً باعتبارها خطوة تدل على رغبة صناع الأفلام في المنطقة وجديتهم في الظفر بهذه الجائزة العنيدة، والانخراط أكثر فأكثر بالسينما العالمية، عبر اقتحام كبريات مهرجاناتها ومزاحمة كبار مخرجيها على أهم الجوائز.

لكن رغم رجاحة هذا التفكير إلا أن زمناً يزيد عن الـ62 من المشاركات في مسابقة الأوسكار، والوصول حتى لقوائمها النهائية دون بلوغ عتبة الفوز، يثير بقوة السؤال: لماذا لم تنجح السينما العربية في الفوز بالأوسكار؟ ما هي النقائص أو ما الخلل المتواصل الذي يجعل بلوغ هذا الجائزة حلماً، رغم مرور أكثر من نصف قرن على بداية المشاركات الرسمية للسينما العربية بها؟

الناقد السوري محمد عبيد يرى أنه في السنوات الأخيرة تغير التعاطي العربي مع مهرجانات السينما العالمية، وأصبح هناك بحث حقيقي عن التتويج على خلاف ما كان في السنوات الماضية.

ويقول لرصيف22: “لم يكن العرب في الماضي يهتمون كثيراً بالمشاركة أو بترشيح أفلامهم لجائزة أحسن فيلم أجنبي ضمن جوائز مسابقة الأوسكار، قدر اهتمامهم بالتعاطي الصحفي والإعلامي مع الحدث. كما لم يكن السينمائيون العرب يفكرون في تقديم أفلام ضمن الشروط ‘الأوسكارية’ من حيث الموضوعات وطريقة التناول. ولكن مع مرور الوقت تغير الاهتمام، وبدأنا نلمس ترشيحات لأفلام لمخرجين عرب من لبنان، فلسطين، الجزائر، الأردن، موريتانيا وتونس.

فمثلاً بأوسكار 2019 وصل المخرج السوري طلال ديركي، بفيلمه ‘عن الآباء والأبناء’ إلى قائمة الترشيحات القصيرة لأفضل فيلم وثائقي طويل، كما ترشح ‘كفرناحوم’ الذي حصد جائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان ‘كان’ السينمائي العام الماضي، وهما يلامسان الأزمة السورية وانعكاساتها الإنسانية. وهذه السنة وصلت المخرجة التونسية للقائمة القصيرة عن فئة أفضل فيلم أجنبي، وسط توقعات بأن تنجح في الفوز.

وهذه خطوات مهمة بالنسبة للسينما العربية في مسارها بهذه المسابقة، ولكن تبقى هناك بعض العوامل الأخرى، المتعلقة أساساً بمعايير المسابقة المرتبطة بالمشاهد الأمريكي والصورة السينمائية الهوليودية التي لم تصلها بعد السينما العربية، ما قد يجعل حلم الفوز بالأوسكار يتأخر”.

ويذكر أن مصر كانت أول البلدان العربية التي انطلقت في ترشيح أفلامها لجائزة الأوسكار منذ سنة 1958، عندما اختارت فلم “باب الحديد” للمخرج يوسف شاهين، وبطولة فريد شوقي. وظل سجل السينما العربية في الأوسكار مصرياً حتى سنة 1970، عندما قدمت الجزائر فيلمها الأول “Z” للمخرج اليوناني الفرنسي كوستا غافراس، والذي تدور أحداثه حول عملية اغتيال سياسي يوناني ديمقراطي، وحضرت الجزائر في هذا العمل على مستوى التمويل فقط. ورغم أنه العمل الوحيد الفائز في الأوسكار بتمويل عربي، إلا أنه لا يعتبر عملاً جزائرياً. ومنذ ذلك الحين دأبت السينما العربية على تسجيل ترشيحات لأفلامها في الأوسكار ولكن دون أن تصل للتتويج.

الناقد السينمائي التونسي خميس الخياطي، يرى أن عامل غياب التوزيع السينمائي العربي في أمريكا هو أحد أبرز عوامل فشل الأفلام العربية في الفوز بالأوسكار، إلى جانب عدم توفّر ثقافة سينمائية مكتملة الملامح داخل كل الدول العربية، ووجود سينمات عربية غير منفتحة على بعضها البعض، حتى تلك التي تشترك في نفس الوسط الجغرافي، كمنطقة المغرب العربي مثلاً.

ويقول الخياطي لرصيف22: “لنتفق في البداية على أن جوائز الأوسكار هي نتاج رؤية المشاهد الأمريكي، لكن يجب الإقرار بأن السبب الرئيسي لتخلف السينما العربية عن الفوز بالأوسكار هو ارتهانها وتركيزها على التوزيع المحلي، وعدم انفتاحها بالشكل المطلوب على التوزيع العالمي. ذلك أن وقوف أي فيلم عربي على منصة التتويج في الأوسكار يحتاج لتوفير موزعين كبار، يقومون بالترويج وتوزيع الأفلام العربية في أمريكا وإدخالها لقاعات السينما هناك، وهذا غائب عن السينما العربية”.

ويضيف: “من جهة أخرى، لا يمكنني القول إن هناك شيء اسمه سينما عربية. هناك سينمات غير منفتحة على بعضها، وغير قادرة على الترويج فيما بينها، حتى ولو على شاشات التلفاز. مغاربياً مثلاً، لا نجد فيلماً عن إحدى هذه الدول يروّج أو يوزّع أو يبثّ تلفزيونياً لدى دولة مغاربية أخرى.

وبالتالي ليس بوسعنا الحديث عن الأوسكار والظفر بها، بينما نحن فاشلون حتى في تسويق أعمالنا فيما بيننا. هذا فضلاً عن غياب ثقافة سينمائية واضحة، تنظم القطاع وتطوره وتنشره. وهنا ربما أقف عند تفصيل هام: في تونس، تراجع عدد قاعات السينما فيها من قرابة 100 قاعة في مرحلة ما بعد الاستقلال، إلى حوالي 20 قاعة حالياً. وأخيراً، يجب ألا نتجاهل الفوارق التقنية والفنية وحتى المالية بين الأعمال التي تقدمها الدول العربية، والتي تقدمها دول أخرى، استطاعت افتكاك الجائزة لمرّات”.

وهناك عوامل أخرى جعلت بعض الدول تتخلف عن المشاركة في هذه المسابقات الكبرى وحرمتها من فرصة التجربة مبكراً، وهي العوامل السياسية التي حرمت بلداً مثل العراق من دخول المسابقة، إلا بعد الاحتلال الأميركي، وكذلك غابت سوريا التي كانت في عداء دائم مع أميركا، ولكن بات حضورها هاماً بعد 2011، حين تحرّر بعض مخرجيها من قيد السياسة، الذي تم بمغادرتهم بلدهم وإقامتهم في دول أخرى أغلبها أوروبية.

التصنيفات
ثقافة مقالات الرأي

أين ضاع أرشيف تاريخ سورية السينمائي المصور؟ .. سامي مروان مبيض

منذ أسبوع، بثّت قناة روسيا اليوم (الإنكليزية) برنامجاً وثائقياً عن سورية، قوامه أشرطة أفلام منسية، عُثر عليها في مدينة سانت بطرسبرغ، فيها مشاهد عامة للعاصمة السورية دمشق في مطلع الستينيات.

تظهر شوارع المدينة بوضوح، مع أهلها ومتاجرها، ومن ضمن المشاهد لقطة عابرة للجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين وهو يعبر شارع 29 أيار الدمشقي. ومن هذه اللقطة تُبنى قصة البرنامج، الذي يطرح سؤال إن كان كوهين هو المستهدف من كل هذه التسجيلات، أم أن ظهوره مجرد صدفة؟

هذا المشهد العابر يطرح سؤالاً مهماً: أين هو أرشيف سورية التاريخي المصوّر؟ نحن نعرف مثلاً أن جنازة زعيم حلب، إبراهيم هنانو، سُجّلت سينمائياً للحفظ سنة 1935، ولكن لا نعرف شيء عن مصيرها اليوم. ولعل مصيرها يشبه مصير الآف التسجيلات المرئية التي ضاعت في عتمة الانقلابات العسكرية المتكررة، سُرقت أو أُتلفت، إمّا عن جهل أو عن قصد.

فمن المعروف أيضاً أن زيارة الجنرال شارل ديغول إلى دمشق، وجولته على المدن السورية، سُجّلت سينمائياً أيضاً، لأنها محفوظة في مكتبة الرئيس ميتران بباريس، ولكن لا أثر لها في سورية بالمطلق. وكذلك تسجيل عيد الجلاء الأول في 17 نيسان 1946، فهو بكل بساطة… مفقود.

بعض هذه التسجيلات تم نقلها إلى التلفزيون السوري عند تأسيسه في زمن الوحدة سنة 1960، ومن المعروف أيضاً أن المصريين قطعوا عن سورية الأفلام الخام بعد وقوع الانفصال، فصار السوريون يسجّلون فوق ما لديهم من أشرطة قديمة. ولكيلا يتوقف بث التلفزيون السوري ولا تنقطع حملته ضد جمال عبد الناصر وأركان حكمه، مسحوا الكثير مما وقع بين أيديهم من أشرطة، وقد أدى هذا التصرف الأرعن إلى ضياع عدد كبير جداً من التسجيلات القديمة، ومنها مثلاً شريط أول بثّ للتلفزيون السوري، الذي كان بصوت وصورة الإعلامي سامي جانو.

وهذا يفسّر كيف أن التلفزيون السوري اليوم لا يملك إلا خمسة عشر عملاً، فقط لا غير، من إنتاج الأبيض والأسود، علماً أنه ظلّ يبث بهذه الطريقة حتى بدء البثّ الملوّن مطلع عام 1978. وبسبب الطيش والمواقف السياسية، تم في مطلع عهد الانفصال إتلاف جميع التسجيلات السينمائية المتعلقة بجمال عبد الناصر وفترة حكمه في سورية (1958-1961)، بما في ذلك زيارته الأولى إلى دمشق، التي أعلن خلالها، ومن على شرفة قصر الضيافة بشارع أبو رمانة، ولادة الجمهورية العربية المتحدة. سورية لا تملك ذلك التسجيل التاريخي، ولا حتى كلمة الرئيس السوري في حينه، شكري القوتلي، والسبب ببساطة، لأنها مُسحت عمداً.

وما نجا من تلك التسجيلات والأفلام القديمة، تم نقله إلى مستودع في بلدة السبينة بريف دمشق، حيث بقي لعقود في ظروف تخزين سيئة للغاية، لا وقاية له من الرطوبة، الأمطار وحرّ الشمس. وفي مطلع الحرب الحالية قبل عشر سنوات، دُمّر هذا المستودع خلال معارك الريف، ولا أحد يمكنه تحديد ما كان يحتوي من كنوز. لعل فيه كان تسجيل عيد الجلاء؟ أو ربما كنّا وجدنا فيه تسجيل جنازة إبراهيم هنانو؟

وفي أرشيف التلفزيون السوري اليوم يوجد بعض التسجيلات القليلة جداً عن مرحلة ما قبل عام 1960، استُخدمت منذ ثلاثة عقود في إنتاج البرنامج الوثائقي الشهير “مُذكّرات وطن”، بعضها يعود إلى العهد الفيصلي (1918-1920) وفيها بعض المواد من زمن الانتداب.

وهناك أرشيف آخر موزّع بين الإدارة السياسية ومؤسسة السينما، يتضمن المواد السينمائية الترويجية التي كانت تُعرض في صالات السينما قبل عرض الأفلام الرئيسية، عن أنشطة الرؤساء وزيارة بعض الضيوف العرب والأجانب، إضافة إلى مشاهد إعدام إيلي كوهين في ساحة المرجة سنة 1965. وبذلك، تكون سورية لا تملك إلّا القليل القليل من أرشيفها السينمائي التاريخي غير الفني.

ولكن ماذا عن الأرشيف الموجود في الخارج، الذي يظهر بين الحين والآخر على مواقع التواصل الاجتماعي؟ بعضه يحمل دمغة شركة “British Pathe” والآخر من الأرشيف الألماني، والآن في قناة روسيا اليوم.

كيف وصل هذا الأرشيف إلى لندن وبرلين وسانت بطرسبرغ؟ الفرنسيون طبعاً أخذوا معهم الكثير منه عشيّة انسحاب جيوشهم من سورية سنة 1946، ولم يعترض أحد من السوريين يومها، لأنهم أرادوا شيئاً واحداً فقط لا غير، وهو جلاء تلك القوات عن بلادهم.

لم يفكر أي من قادة سورية يومها في تفقد ما نقل من دمشق، بين أمتعة الجنود الفرنسيين، من مستندات وأوراق وسجّاد وتحف وأشرطة سينمائية. ولكن ماذا عن المواد الموجودة في الخارج، والتي صوّرت بعد العام 1946؟ كيف وصلت الى أوروبا وروسيا وأميركا؟ كيف وصل فيلم انتخاب شكري القوتلي إلى جامعة كاليفورنيا؟ كيف حصلت شركة British Pathe على استقبالات حسني الزعيم في القصر الجمهوري؟ كيف وصلت تسجيلات خطب الرئيس أديب الشيشكلي إلى ألمانيا وهي غير موجودة في دمشق؟

الجواب: على الأغلب، هو أنها هُرّبت خارج البلاد، أو بيعت إلى تلك الشركات العالمية، ولم يُسأل أحد عن ذلك الفعل، ولم يُحاسب أحد.

التصنيفات
ثقافة مقالات الرأي

لوموند: قضية التطبيع مع إسرائيل تقسّم العائلة الحاكمة في السعودية .. آدم جابر

تحت عنوان”قضية التطبيع مع إسرائيل تقسّم العائلة الحاكمة في السعودية”، قالت صحيفة لوموند الفرنسية في تقرير لها إنه في الوقت الذي يتودد فيه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لإسرائيل، فإن محيط والده الملك سلمان يتشبث بالقضية الفلسطينية.

وأشارت الصحيفة في هذا السياق إلى الهجوم الحاد الذي شنه رئيس جهاز الاستخبارات السعودي الأسبق الأمير تركي الفيصل ضد إسرائيل، خلال مشاركته في حوار المنامة عبر تقنية الاتصال المرئي، يوم السادس من الشهر الجاري، واصفاً إياها بـ “القوة الاستعمارية الغربية” التي تهدم المنازل كما تشاء وتقوم باغتيال من يريدون”. وأتى هجوم تركي الفيصل هذا على إسرائيل بعد بضعة أيام من كشف الصحافة الإسرائيلية عن لقاء سري في المملكة العربية السعودية رئيس الوزراء الإسرائيلي بين بنيامين نتنياهو ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بحضور وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو.

وأضافت لوموند أنه حتى إن كان رئيس جهاز الاستخبارات السعودي الأسبق (75 عاما)حريصاً على توضيح أنه تحدثّ بصفته الشخصية، إلا أن انتماءه لأحد أكثر الفروع احترامًا داخل آل سعود، كما أنه سجله المرموق في الخدمة أعطى كلماته وزناً كبيراً، مما يفسر رد وزير الخارجية الإسرائيلي غابي أشكنازي، الذي شارك هو الآخر في حوار المنامة، قائلاً إنه يشعر “بالأسف” لتصريحات المسؤول السعودي السابق.

وقبل ذلك – توضح لوموند – كان الأمير بندر بن سلطان (71 عاما) السفير السعودي السابق لدى واشنطن، الذي يعد هو الآخر ثقلا ًداخل الأسرة الحاكمة السعودية والسفير السابق في واشنطن، قد ألقى في الثاني من أكتوبر / تشرين الأول الماضي، خطابا كان له نكهة معاكسة تماما لخطاب الأمير تركي الفيصل. ففي مقابلة مع قناة العربية السعودية، وجه الأمير بندر انتقادات حادة للقيادة الفلسطينية، معتبراً أن مؤسسها ياسر عرفات أضاع فرص السلام بشكل منهجي.

هذا التناقض، اعتبرت فيما يتعلق بقضية التطبيع شديدة الحساسية، اعتبرته لوموند يؤكد على الانقسام الحاصل داخل الأسرة الحاكمة في السعودية. فقد ربطت تصريحات بندر، التي غطتها وسائل إعلام المملكة على نطاق واسع، بولي العهد الأمير محمد بن سلمان. فهذا الأمير الثلاثيني، منذ صعوده في عام 2015، وضع مسألة التهديد الإيراني أولوية بالنسبة له أكثر من القضية الفلسطينيةـ بحيث يضاعف التودد تجاه إسرائيل، مما يعطي الانطباع باستعداده للاعتراف بدولة إسرائيل.

وتنقل الصحيفة عن حسين إيبش، الباحث في معهد واشنطن قوله إن: ‘‘هناك فجوة بين الأجيال لكن هناك أيضًا معادلة معقدة للغاية. فتصريحات تركي الفيصل تذكرنا بأن السعودية ليست الإمارات ولا البحرين. فبالنظر إلى مسؤولياتها الإسلامية الشاملة، فإن للمملكة مخاوف فريدة. ’’ فحج بيت الله ، الذي يجذب ملايين الحجاج إلى المملكة ، هو ثاني أكبر مصدر دخل في البلاد بعد صادرات النفط. وقد يؤدي التطبيع السريع مع إسرائيل إلى الإضرار بصورة المملكة في العالم الإسلامي وتعريض هذه الثروة المالية الكبيرة للخطر.

واعتبرت لوموند أن كون الأميرين السبعينيين بندر وتركي، يعبران عن آرائهما بهذه الطريقة، يدل على أن القضية لم تُحسم بعد بشأن التطبيع مع إسرائيل. لكن التغطية الإعلامية الكبيرة التي أعطتها وسائل الإعلام في المملكة لتصريحات بندر مقارنة بتصريحات تركي تحمل إلى الاعتقاد بأن التوجه نحو التطبيع مع إسرائيل ستكون له الغلبة آجلا أم عاجلا.

التصنيفات
مقالات الرأي

فرنسا بين تحدي الأمن وتأمين التحدي .. بيير لوي ريمون

قد يبدو هذا العنوان غريبا، لكن لا بد من أن تزول مواطن الاستغراب، إن كانت كذلك، بعد التفسير. موضوعنا مشروع قانون الأمن الشامل، الذي تخطى التداول بشأنه حدود فرنسا، في سياقٍ ربطه الكثيرون بمعضلة السترات الصفراء، وانطلاق ضبابية، في حينها، اكتنفت ما نعته المتخصصون بـ«نهج ضبط النظام».
تعود الإشكالية إلى طرح نفسها في سياق مختلف، سياق الاعتراض على نص قانون ينظر إليه كأداة لمصادرة الحريات.. فلنحاول في هذا المقال الابتعاد عن المزايدة الكلامية، والتوقف بدقة عند المقاصد المتوخاة من هذا المشروع.
أولا، من الأساسي التذكير بأننا في الوقت الراهن نتحدث عن مشروع قانون، وليس عن قانون مرّ من أمام غرفتي الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ فنال التصويت ووقع تأريخه بلا رجعة. العكس تماما هو الذي يحدث، إذ تستعد الغرفة السفلى، مجلس الشيوخ، حسب كل الترجيحات، لإعادة كتابة المادة الـ24 لهذا القانون، وهي المثيرة للجدل.
ما هو المتداول إذن؟ الأمر أصلا يتعلق بتقاسم الصورة في عصر سيادة الصورة.
بالتأكيد، الصورة ذات حدين، حد واصل يسمح بمعاينة مواطن الخلل لإصلاح ما يستدعي الإصلاح، لكنّ للصورة أيضا حدا فاصلا يحولها إلى أرض مستباحة للتجاوزات، ولا يحسم جديا بين حد الوصل وحد الفصل سوى التوازن.

أجل.. وحده التوازن بين حق الصحافي والمواطن في تخزين صور لتجاوزات قد تحدث في مظاهرات، وحق الشرطي الذي يؤدي واجبه، ولا يرتكب تجاوزات في حماية نفسه من القدح والتشهير، وحده التوازن بين المشهدين يسمح باستتباب الأمن، وعودة التهدئة، حينها يتلاشى حقل الألغام لأن حينها منسوب المزايدات قد انخفض، وقيم الديمقراطية قد علا شأنها بلا نقاش. لكن، كيف نضع نهاية للمزايدة ونعيد الاعتبار لقيم الديمقراطية في الآن معا؟ مرة أخرى، بتحقيق التوازن بين الضامن الأخلاقي وضمان الحريات الأساسية. هنا نفهم العلاقة المفصلية بين ما سميته بتحدي الأمن، وأمن التحدي. فتحدي الأمن ينحرف عن الضابط الأخلاقي، لأنه يحرف المظاهرة عن رسالتها، بينما تحرف تجاوزات أفراد قوات الأمن إن حدثت، قدرة المتظاهرين الشرعية على تحدي توجهات الحكومة التي لا تناسبهم، أي تأمين هذا التحدي. هنا يبرز توازن جديد بين احتكار شرعية العنف من جهة، واحتكار شرعية التحدي من جهة أخرى. فاحتكار شرعية العنف، أو احتكار العنف الشرعي، كما سماه ماكس فيبر مسألة معروفة لن نعود إليها، إنها تعبر عن حق تدخل الدولة بواسطة قوات أمنها لمنع الفلتان الأمني من الحدوث.
أما ما سميته باحتكار شرعية التحدي، فهو جوهر المسألة، الذي يدستر حق المتظاهر في مجابهة الحكومة بآليات المواجهة الديمقراطية ولغتها. وحق التصوير آلية من هذه الآليات، ولفظ من ألفاظ هذه اللغة.
وقد اعترف رئيس الجمهورية بذلك، هو الذي ميز أيضا بين عنف بعض الشرطيين المنحرفين عن المسار الشرعي، وعمل الشرطة كمؤسسة ضامنة للأمن وبالتالي لحق التظاهر الآمن والمؤمن.
عادت أيام السبت في فرنسا أسيرة فكي كماشة الأمن وتأمين التحدي، ولا زوال ممكن للإبهام والالتباس، من دون تجديد التأكيد على أن أطراف العقد الاجتماعي جميعهم أحرار وسواسية.

باحث أكاديمي وإعلامي فرنسي

التصنيفات
مقالات الرأي

أمّي تقود السيارة بين لبنان وسوريا وتتحدى الذكورية .. بشرى مرعي

أمضيت حياتي أتنقل وأهلي بين سوريا ولبنان، في كل إجازة وكل صيف، نحزم أمتعتنا وننطلق إما بالباص فندفع 300 ليرة سورية -هذا عندما كانت سوريا أم الفقير- أو بسيارتنا.

 في بادىء الأمر كنا نأخذ معنا أحد الأقارب أو الأصدقاء بسبب خوف أبي من القيادة على الطرق السريعة، ولكن بعد فترة قصيرة سئمت والدتي هذا الوضع وقررت أن تقود هي بنا، حينها كنا جميعاً مندهشين من قرارها هذا، ومتحمسين بسببه. وحينها شعرت أيضاً بأن أمي هي بطلتي، وازداد هذا الشعور في قريتها في سوريا حيث لم تكن في ذلك الوقت فكرة قيادة المرأة للسيارة عادية، أو منتشرة.

كنت أشعر بالسعادة عندما ينظر إلينا طفل في الشارع باستغراب ودهشة، وضحكة مختبئة أكاد أن أراها في عينيه. كنت ولم أزل دقيقة الملاحظة بشكل غريب، كما هي أمي.

في تلك الزيارة كنا كلما نزور أحداً من الأقارب يسعد جداً لكون أمي هي التي قامت بقيادة السيارة من لبنان إلى ضيعتها في جنوب سوريا.

أتذكر أننا في إحدى زياراتنا في تلك الفترة ذهبت مع أمي إلى قرية مجاورة لنزور مقاماً. وكان أهل القرية هذه يتصفون بالتزمت، فهذا ما كنت أعرفه بسبب التقاطي بعض الأحاديث والقصص التي تسردها نساء الحارة في صبحيات المتة مع والدتي. مررنا بالقرب من  شابٍ بدا وكأنه في أوائل العشرين من عمره، رمقنا رمقةً عجيبة وقال في صوت استطعنا أن نسمعه: “مرأة وعم تسوق!”. فردت أمي وبصوت مليء بالثقة والسخرية: “بحياتو مش شايف هالشوفة”. في تلك اللحظة شعرت وكأن أمي هي قيادية في ثورة، عنصر من عناصر التغيير، أغمضت عيني وابتسمت ابتسامةً كبيرة من “جوا قلبي”.

بعد فترة قصيرة، في زيارتنا الثانية إلى سوريا بدت الأحوال متغيرة، فرأينا عدداً من النساء يقدن سياراتهن، وكانت زوجة خالي تتدرب لفحص القيادة، وبعد نجاحها أصبحت أول إمرأة في الضيعة تقود سيارة المزارعين من نوع سوزوكي، وكان هذا أيضاً عملاً دعا لاستغراب البعض.

قررنا الذهاب إلى سوريا في بدايات الحرب عام 2012، قمنا بتوضيب أغراضنا، وضعناها في الصندوق، ركبنا السيارة، وتوّلت أمي القيادة، وقبل وصولنا إلى الحدود اللبنانية (المصنع اللبناني)، توقفنا في استراحة  “سان رايز” في منطقة شتوره لتصريف النقود والدخول إلى الحمام، كان صاحب الاستراحة قد تعوّد علينا لكثرة سفرنا إلى سوريا وعودتنا منها، سأل أمي هل نحن متجهون نحو سوريا فأجبته بنعم، عندها قال لها “توقوا الحذر لقد حصل تفجير في دمشق”، كان أحد التفجيرات الأولى فيها، صعدت أمي إلى السيارة، استجمعت قواها وباشرت طريقها، ولم تتكلم عن الموضوع قط، حتى إنها حاولت تجاهل فكرة أنني كنت إلى جانبها عندما أخبرها صاحب الاستراحة بأمر التفجير.

كنت ولم أزل أمدّ رأسي من نافذة السيارة وأغوص في خيالي، أو أراقب من في داخل السيارات التي نمر بقربها، وأقرأ كل شخص فيهم. ولكن في تلك المرة، كنت أستطلع أمي وأقرأها، فهي لم تكن على ما يرام، تحاول الغناء مع أبي وأخي، ولكن في داخلها غصة وخوف شديد. بعد تجاوزنا الحدود السورية، وقبل وصولنا إلى الشام بوقت قصير، فتح أخي الراديو، وإذ بخبر حصول التفجير يذاع، عندها اضطرت أمي إلى القول لأبي وأخي ما قاله لنا صاحب الاستراحة.

مررنا بالشام، ولحسن حظنا ولتعاسة حظ من انفجروا وتأذوا، كان مكان التفجير بعيداً قليلاً عن طريق دمشق – السويداء.

لم ألم أمي ولو للحظة لاتخاذها قرار إكمال الطريق نحو سوريا وعدم العودة على الرغم من معرفتها بحصول التفجير، وكأنها علمت أنه لن يصيبنا مكروه، أو لأن انتماءها لبلدها دفعها لإكمال الطريق.

استمرت الحرب، واستمر سفرنا إلى سوريا، وتعرضنا لمواقف عدة، برهنت أمي في كل مرة أنها أقوى مما نتصور.

بعد بدء أزمة انقطاع البنزين في سوريا اضطررنا للحد من زياراتنا، وعند وجوب سفرنا نستقل إحدى السيارات التي تعمل على الخط الدولي لسوريا ولبنان، وكبر أخي ولم يعد يحب الذهاب إلى سوريا، حيث لا مكان للفكر المشترك معه هناك، وذلك لأن معظم من يقاربنا في العمر اختاروا اللجوء والفرار من الجيش عوضاً عن المقاتلة ضد عدو غير محدد ولقضية غير مفهومة، وعوضاً عن الموت.

إذ ذاك أصبحت أسافر أنا وأمي وحدنا، مع العلم أنه كان باستطاعتي في كل مرة أن أرفض الذهاب إلى سوريا لنفس الأسباب التي جعلت أخي يتوقف عن السفر معنا، ولكنني دائماً كنت أذهب لأنني أشعر بأن هناك شعوراً ينقصني، إحساساً غريباً أحبه، لا أشعر به سوى عند وصولي إلى سوريا، كان هناك ما يجذبني إليها وهي في خضم حربها، كنت أبحث عن أحداث إذ لا أحب الرتابة.

بعد فترة من عدم السفر بسيارتنا الخاصة، قررت أنا وأمي السفر بها، وفي يوم انطلاقنا وعند وصولنا إلى الحدود السورية تعرضنا “للبهدلة والشحار” كما كل الناس التي تمر بها. فظاظة من يعمل هناك زادت عليها ذكورية من يمضي أوراق السيارة، فيقوم باستغلال فكرة أن إمرأة تقودها فيتوقع أنه يستطيع أن يرتشي بالكم الذي يطلبه.

إضافةً إلى هذا تتمثل الذكورية عندهم بأشكال أخرى، منها أننا إمرأتان بمفردنا، فكيف لنا أن نقطع كل هذه المسافة وحدنا، فيكون جواب أمي بالمرصاد دائماً، أما الشكل الثاني فهو أن شباباً عدة يقفون طوال النهار إلى جانب الكوخ الاي تُمضى فيه دفاتر السيارات ومعاملاتها، فيأتون من منطلق أننا نساء ولا نفهم في معاملات السيارات “واللبكة” التي يصنعونها هم للحصول على نصيب من النقود.

تطور تفكير أهل القرى كثيراً منذ أكثر من عقد من الزمن حتى يومنا هذا، وتغير نمط العيش لديهم في العديد من الأمور. لكن استخفاف الذين يعملون في الحدود اللبنانية والسورية بامرأة تقود سيارتها وحدها وتسافر بها من بلد إلى آخر غير مبرر. إن هذه الأفعال من الأمن والعسكر غير مبررة ولكن غير مفاجئة، لأنهم تتلمذوا على أيدي أنظمة صيتها السيىء سابقها.

 تمر المرأة في بلداننا بعدة تحديات تريد أن تكسر بها الذكورية التي تشكل عائقاً في حياتها. ومن أصغر الأمثلة على ذلك، هو تحدي أمي لقيادة سيارة تنتقل بها بين بلدين لا تزال المرأة فيهما غير قادرة على ممارسة كامل حقوقها، والعيش براحة من دون أن يعرقل حياتها فكرٌ ذكوري ما برحت ترسباته ماثلة في عقول أشخاص يُعتبرون عنصراً معرقلاَ من عناصر كثيرة نضطر إلى أن نواجهها كنساء أولاً وكشعوب  كان نصيبها أن تولد في هذه البلاد ثانياً.

التصنيفات
مقالات الرأي

القصة الكاملة لإفلاس بشار البهرزي الأسد سابقاً .. د. فيصل القاسم

تصفر الرياح، اليوم، في أربع جهات البنك المركزي بسوريا، وتكاد تخلو ردهاته من أي دولار واحد، وتبدو الخزينة السورية مقفرة، خاوية على عروشها، بعدما كنستها عصابة خانقين «الكردية» الكاكائية المعروفة، تمويهاً وتزويراً، باسم (آل الأسد) وذلك على مدى خمسة عقود متتالية من حكم هذه العصابة والمافيا الموتورة الحاقدة ومن عمليات النهب المنظم والمدروس إذ تهريب الأموال بالتريليونات للخارج عن طريق عائلة آل مخلوف الواجهة المالية لعصابة خانقين، واستقرت بدبي وبنما وسويسرا، حيث تم تجميده والاستيلاء والحجز والسطو عليه بموجب العقوبات الدولية التي طالت مجرمي الحرب الكيماويين قتلة الشعب السوري الطيب الأعزل البريء الذي يئن تحت غوائل الفاقة والجوع والفقر والبؤس والحرمان والظلم والجور والقهر.
ويتندر سوريون، اليوم، همساً ولمزاً، بأن زعيم عصابة خانقين، بشار البهرزي (وهو الاسم الحقيقي للعصابة الكاكائية ومؤسسها قبل أن تستلحف برداءات العروبة وعباءات العلوية وتصبح بقدرة قادرة من عشيرة وقبيلة بني كليب العرب «الكلبية» حسب زعمهم للتغطية على أصولهم الوضيعة مجهولة الحسب والنسب وسنفرد لهذا تغطية خاصة في قادمات الليالي) بات لا يملك ثمن عشاء، لولا المخصصات الرسمية للقصر الجمهوري التي تحول بينه وبين المجاعة، حيث كان قد أكد في خطبته الشهيرة أمام مجلس الطنطات والإمعات، مؤخراً، بأنه يعاني من انخفاض بالضغط لأنه لم يتناول الطعام منذ يوم أمس، حسب زعمه، وكانت تلك رسالة استجداء وتسول مبطنة وواضحة لابن خالته اللص الشهير رامي الحرامي قبل أن ينفجر الخلاف بينهما إثر مطالباته العبثية المتكررة للشيخ الجليل العابد الزاهد رامي لتأمين «دولارات» لزوم مصاريف عصابة خانقين، الذي كان قد تغذى ببشار قبل أن يتعشى هذا الأخير به، وأعطاه «صواب ماكن» فهربها وعين بشار غافلة عنه ووقتما كان قلب «ابن البهرزي» يلهو ويعبث مع عشيقاته اللواتي تعج بهن ردهات القصر الجمهوري، وأودعها في دبي وروسيا وأوكرانيا وصارت بتصرف أبناء رامي وأشقائه الذين ورثوا أيضاً تريليونات المقبور محمد مخلوف التي كان قد راكمها، بدوره، بعد خمسة عقود من استباحة مطلقة للاقتصاد السوري.
ولا يوجد اليوم دولة بالعالم تثق بهذا النظام المجرم ورئيسه المراوغ الكذاب، ولن يدخل دولار واحد لسوريا بوجوده، وليس بقدرة روسيا أو إيران المفلستين أن تقدما له سوى زيارات رضائي وقاني وبيسكون وفوشكوف وتقديم عبارات المجاملة الطنانة الإنشائية الفارغة عن الدعم والخندق الواحد التي لا تسمن ولا تغني من جوع، وأما إعادة الإعمار فمؤجلة وغير واردة وبإجماع دولي ما لم تواكبها عملية سياسية جدية تنزع أنياب هذا الفك الذي يفترس السوريين، دون رحمة ولا رأفة كما تفترس الضواري ضحاياها بالبراري، هو والعصابات والسلالات الكردية والتركمانية وسواها. فتـّشوا عن أثرى وأغنى العائلات وعن أية سلالة متنفذة ومتمكنة داخل النظام فستكون أصولها، بالقطع، إما كردية أو تركمانية وإيرانية، ولا علاقة لها لا بالعرب ولا بالمسلمين أو بالعلويين، ولقد كان الفشل الذريع والمريع لمؤتمر إعادة اللاجئين صفعة حقيقة ومهينة لبشار ومعلمه بوتين من المجتمع الدولة ورسالة لا تخطئ عن موقف واحد موحد من هذا النظام المارق الفاجر المجرم الكيماوي القاتل الدموي الفاشي.
ولقد فهم المعتوه والأبله بشار هذه الرسالة وبات يتصرف على أساسها وأنه لم يعد لديه مورد رزق وباباً للتكسب والجباية والارتزاق سوى لقمة عيش وجيوب فقراء السوريين الذين يرزحون تحت نير احتلال عصابة خانقين الكاكائية. فبالرغم من أن سوريا شعباً ووطناً تعيش أسوأ لحظاتها، إلا أن الهم الأول والأخير للعصابة الحاكمة في دمشق بات ابتزاز وتشليح السوريين أرزاقهم وقوت يومهم وما تبقى لديهم من ليرات في ثنايا جيوبهم المثقوبة التي لم تترك فيها العصابة «يرن». وجاءت اعترافات رأس النظام المجرم قبل أيام بأن أكثر من أربعين مليار دولار للنظام تبخرت في البنوك اللبنانية لتؤكد حدة وفداحة الأزمة المالية التي تعصف بالعصابة الحاكمة. واعتبر الأسد أن الحال المزري الذي تمر به سوريا والسوريون الآن يعود بشكل جزئي إلى اختفاء تلك المليارات. وهذه المبالغ على ما يبدو أموال حكومية سورية، لأن ما يملكه آل الأسد في البنوك الأجنبية يقارب الترليون دولار.

وأي سوري بسيط بإمكانه أن يتأكد من هذا الرقم من خلال حسبة بسيطة لأموال النفط وغيره من الثروات السورية المسروقة التي لا تدخل الخزينة السورية منذ الحركة التخريبية التدميرية التي قام بها مؤسس عصابة خانقين الكاكائية حافظ (البهرزي) الأسد في العام 1970م. ومنذ ذلك التاريخ وآل البهرزي (الأسد) ينهبون الثروات الخرافية الطائلة بلا حساب ويضعون خراجها في حساباتهم الخاصة والتي جاوزت الترليون دولار بأبسط التوقعات.
وبعد سرقاتهم التاريخية لم يعد هناك، حقيقة، من مصدر دخل لتمويل جيوب الحكومة السورية ومافياتها إلا من خلال الجباية. وكما يقول ابن خلدون إن كثرة «الجباية تعني اقتراب النهاية». أي أن الشعب صار مصدر الدخل الوحيد لهذا النظام البائس الذي لم يكتف بتدمير سوريا وتهجير السواد الأعظم من شعبها، بل يريد أيضاً التنكيل بمن بقوا داخل سوريا ومعظمهم من مؤيديه. بعبارة أخرى، فإن لا شيء يهم الأسد في سوريا غير قتل شعبها عسكرياً ومادياً.
ومن المعلوم مثلاً أن جيش الأسد خسر السواد الأعظم من جنوده على مدى السنوات الماضية بعد أن خاض أكبر وأطول حرب في تاريخه ضد الشعب السوري حصراً، ناهيك عن أن مئات الألوف من الشباب السوريين تخلفوا عن الالتحاق بالجيش كي لا يشاركوا في ذبح أهلهم. وهذا يعني أن الجيش بحاجة لمئات الألوف من الجنود كي يرمم نفسه، لكن على العكس من ذلك أطلق بشار الأسد قبل أيام مرسوماً جمهورياً يسمح للشباب السوريين داخل سوريا بدفع بدل نقدي مقابل عدم الخدمة في الجيش. وهذا يعني أن آخر ما يهم العصابة الأسدية حماية سوريا، وكل ما يهم بشار تجميع آخر ما تبقى في أيدي السوريين من ليرات. والغريب العجيب أنه أصدر أوامر بتعديل أسعار صرف الدولار للسوريين الذين سيدفعون البدل النقدي، فبعد أن كان سعر الدولار حسب البنك المركزي 1250 ليرة رفعه النظام قبل أيام ليصبح 2250 ليرة للدولار، وهذا يعني أن أي سوري يريد أن يدفع البدل النقدي عليه تصريف الدولار من المركزي ب2250 ليرة. بعبارة أخرى، بدل أن يدفع ما قيمته عشرة ملايين ليرة سورية، صار عليه أن يدفع الآن عشرين مليون ليرة سوريا للنظام. واضح انها لعبة تشليح ونهب وسلب في وطن مدمر وعلى شعب على حافة الجوع والموت.
وللعلم فإن لعبة الدولار في سوريا لا تعتمد على أي معايير اقتصادية ومالية، بل هي لعبة بيد العصابة يرفعون الدولار وينزلونه حسب مصالحهم بهدف النهب والتشليح حصراً. وكل الارتفاعات التي حصلت للدولار في السنوات الماضية لم تكن وراءها أسباب اقتصادية لأن الاقتصاد السوري خارج العجلة الاقتصادية لارتفاعات الدولية ولا يتأثر بها، بل إن التلاعب بالليرة والدولار مؤامرة نظامية هدفها سرقة الشعب والوطن تحديداً.
ويقول الخبير المالي السوري أندرو شاهينك في هذا السياق: «لا يخفى على أحد ما يقوم به البنك المركزي السوري وبشكل مستمر من رفع لأسعار صرف الدولار عند اقتراب الانتهاء من جني المحاصيل الزراعية في سوريا، وذلك لاستلامها من المزارعين المساكين بأبخس الأثمان ومعاودة تصديرها بأضعاف ما استلمها منهم، ومن ثم يعيد سعر الصرف إلى الهبوط من جديد وبذلك يكون قد سلب من المزارعين السوريين ما يقارب 60في المئةمن قيمة محصولهم الحقيقية».
لاحظوا كيف أن الدول التي تحترم نفسها تضع سياسات دعم هائل لمزارعيها وتشتري منهم المحصول أحياناً بأكثر من ثمنه بكثير لتشجيع الفلاحين، بينما يعمل نظام الأسد بشكل مفضوح لسرقة المزارعين والفلاحين. ومن المعلوم أن الفلاح السوري أيام الإقطاع والبورجوازية كان يأخذ ربع المحصول ولذلك سمي بالمرابع أما في عهد البعث صاحب شعار «الأرض لمن يعمل بها ولكل حسب مجهوده» لم يترك الأغوات البعثيون الجدد أي شيء للفلاح، وتحول المزارع السوري من مرابع إلى مصافر».آفي مشكلي والخلود لرسالتكين».
شكر خاص للضباط العلويين الذين ساهموا في مادة هذا المقال.

كاتب واعلامي سوري
falkasim@gmail.com

التصنيفات
مقالات الرأي

القدرة الفلسطينية على إبداع المستحيل … واسيني الاعرج

ما حدث بعد ظهر يوم الإثنين 16-11-2020، كان شيئاً مذهلاً، جسد القدرة الفلسطينية الخلاقة على إبداع المستحيل، فقد استطاع المناضل أسامة الأشقر (ثماني تأبيدات) ورفيقة دربه المناضلة منار خلاوي، أن يصنعا حدث المقاومة، بعقد قرانهما، وإطلاق كتاب «للسجن مذاق آخر»، ويحتفلان بمرور ثماني عشرة سنة في سجون الاحتلال الباردة. أكثر من هذا كله، أن يخترقا بإرادتهما الفذة ظلّ الغيمة الداكنة التي تجثم على صدر العالم العربي، وحالة اليأس الذي طال القلوب والعقول التي صحبت التخلى العربي شبه الكلي والمجاني على القضية الفلسطينية.
فأرادا، في عزّ دوامة السجون، أن يصنعا المستحيل ويمنحا طريقاً للأمل والممكن لآلاف، بل لملايين الفلسطينيين. إذا كانت البندقية سبيلاً للتحرير عندما تنغلق السبل، يستطيع العقل الخلاق أن يبدع في أصعب الظروف وأقساها ما لم يكن أحد يتصوره، المقاومة والإصرار على الحياة حتى عندما تكون هذه الأخيرة مجرد حلم معلق على رأس حربة.
لم تمنع الثماني تأبيدات الظالمة الأسير أسامة الأشقر من تحقيق بعض حلمه وهو في زنزانات الاحتلال، ومرور ثماني عشرة سنة من الأسر، وكأنه قرر مع الساعات الأولى من اليوم الأول في الشهر الأول من السنة 19 أن يبدأ شيئاً آخر. أسامة الزوج الذي سيمنح الاستمرارية للحياة والحلم الذي لا توقفه الجدران الباردة. القران برفيقة الدرب منار، بالرغم من أنف برودة السجان وظلم المؤسسة الظالمة التي تعاقبه على حبه لأرضه ووطنه، وتزرع بذور اليأس في قلبه، لكن أسامة عرف من خلال حلم منار كيف ينبت الأمل في الرماد، وكيف يزرع الوردة في نزيف الجرح… كل ذلك دفاعاً عن شيء مقدس اسمه الحياة. الشهادة شيء كبير، لكن الإصرار على الحياة والمقاومة في عز الخوف لا يقل قداسة.
الحياة من خلالهما تستحق أن تعاش وأن تصبح رهاناً. منار الشابة الممتلئة حياة ونوراً وإقداماً، تعرف أن المسألة صعبة، لكنها تصر أبداً على الذهاب بعيداً وراء خياراتها التي تكاد تكون ضرباً من الجنون للذي يتأمل المشهد من الخارج، فمن وراء خيارها هذا إصرار على استمرار فلسطين المليئة بالحياة والنور والحب، وتأكيد على أننا بالإرادة يمكننا أن نذلل المستحيل. المستحيل ينسحب عندما يختار المقاوم الدرب الصحيح. الصعوبة تذبل عندما ترى عرش الزنزانات ينهار بقوة الحلم الذي لا يموت، ويفتح أبواب المستحيل. يكفي أن نرى عدد الضيوف على تطبيق «الزوم»، لندرك قوة وعنفوان رمزية العملية التي اشتركت فيها المقاومة الفلسطينية، وهيئة شؤون الأسرى والمحررين، ووزارة الثقافة، واتحاد الكتاب، والكثير من محبي فلسطين وأسامة ومنار، عربياً وعبر العالم، مما أعطى للحظة اتساعها، واخترقت صمت اللحظة زغرودة الأم العظيمة التي ظلت تذكر خصال الابن وإقدامه على حبه الأقصى لوطنه. بحة المأساة تسد حنجرتها من حين لآخر وهي ترى ابنها يتزوج وهو وراء القضبان الباردة، لكنها تعرف أيضاً، كما كل الأمهات الفلسطينيات، أن الحق يجب أن ينتصر، ولا انتصار بلا مقاومة وتضحيات. وراء آلامها كانت ترتسم الكلمات الخفية والعظيمة: لن تمتعوا القلب من أن يدق للحبيبة ولفلسطين. لن ترغم قسوة السجان منار وأسامة على الرضوخ والتخلي عن الذهاب بعيداً في عمق المستحيل. هذا المستحيل جسده الشق الثاني من الاحتفالية: كيف تقول الشمس التي في داخلك، وأنت تخط بالكلمات مأساة شعبك الذي سرقت منه أرضه ورمي نحو الملاجئ والمنافي القاسية، وكيف تحكي أسطورته العظيمة أيضاً.
ولم يكن إطلاق كتاب الأسير أسامة الأشقر «للسجن مذاق آخر» وملحقه «حروب الظل»، إلا الامتداد الحي للحياة والدفع بها نحو الأقصى والأبقى. أكاد أقول وأنا أقرأ الكتاب: للحياة مذاق أجمل، إذ لم يقل أسامة في جزء من سيرته إلا الخيط الرفيع الذي يربطه بالحياة التي تصبح رهاناً صعباً، وأحياناً قاسياً داخل دروب الظلمة الباردة التي لا يقهرها إلا فانوس الكتابة ونور الأمل «أحلق بخيالي، والقيد حول معصمي، أسمع زقزقة الطيور وأراها تحلق بعيداً ثم تعود إلى أعشاشها، وأرى صغار الحي يعدون خلفها ورؤوسهم تعلو وعيونهم ترنو إلى الأفق البعيد وبسمة الأمل على وجوههم، أدرك حينها الجدوى العظيمة لتضحيات الأسرى». (ص 71)
بالكتابة يتم تثبيت الوقت وتصحيح عقاربه التي كانت تسير على العكس من اشتراطات التاريخ. طبع اتحاد الكتاب الفلسطينيين الكتاب، للسماح للحركة الأدبية الأسيرة أن تعبر عن حلمها، وتنسج تاريخها المجيد الذي لا يستطيع أحد غيرها أن يرويه.

فقد تعددت مقاومتها من الإضرابات إلى الأمعاء الفارغة، إلى الانتفاضة إلى الكتابة. للأسير الحق في أن يرى النور من وراء القضبان، كما فعل ويفعل، على سبيل المثال لا الحصر، الأسير الفلسطيني الكاتب باسم خندقجي، الذي أذل زبانية سجون الاحتلال بخلق حياة موازية، سيدها الإبداع والتاريخ المنسي والمقاوم، عبر رواياته. «للسجن مذاق آخر»، لبنة حية تضاف إلى أدب الأسرى. ليس أدب السجون كما يسميه الكثيرون، لكنه أدب الحياة؛ لأنك وأنت تقرأه لن تجد إلا علامات الحياة ترتسم في كل لحظة كالبرق. السجن الذي يسرق الحرية يمنح الصلابة وحب الحياة والإصرار والإيمان المطلق بأن لا أحد يستطيع أن يسرق الشمس والسماء والنجوم والرياح، أو أن يسكت العواصف والبراكين التي لا سلطة لأحد عليها سوى سلطة قانونها. وبقدر ما يصف هذا الأدب اليوميات القاسية، فهو يمنح الحياة والإعجاب لمن يقرأه. بلغته اقتصادية، دقيقة وحية، استطاع أسامة أن يذل بطريقته سجانه ويصغّره.
بواسطة اللغة و28 حرفاً توصل أسامة الأشقر إلى أن يسترجع حريته المسروقة، ويحلق بعيداً، خارج القضبان، ليسرق قليلاً من نار الأولمب وشموخ جبل الكرمل، يدفئ بها قلبه وقلب كل من يقرأه.

بالكتابة أيضاً يستمر الإنسان خارج مدارات اليأس التي يزرعها السجان صبح مساء في كأس القهوة الباردة، ومفردات الإهانة. كان أسامة المقاوم يظن أنه سيقتل قبل أن يلقى القبض عليه، فأصبح يقاتل من أجل الاستمرار سرياً إلى أن كُشف مخبؤه بوشاية. في فسحة الحياة، اختار أسامة أن يقول الأمل، واختارت منار أن تكون دليله خارج الزنزانة، على الرغم من رفض الأهل في البداية لهذا الحب غير المعتاد: «اليوم أسامة وأنا نعمل على استكمال مشروع بدأه وحيداً في العام 2009 وهو مشروع بناء شبكة اتصال تربط بين الأسرى، وعدد كبير من الأدباء والمبدعين في فلسطين والعالم، وبذلك يمتدّ صوت الأسرى إلى العالم لإظهار عدالة قضية الأسرى وضرورة الاهتمام بها، وهو الآن يكتب مقالاته التي تخص الشأن الفلسطيني وقضايا إنسانية وعالمية، ونقوم بنشرها في العديد من الصحف العربية والعالمية (ص 118-119)». بهذا الجهد وهذا التفاني، قررت منار برفقة أسامة، أن تكون القضية والوسيلة لعودة عقارب الوقت الفلسطيني نحو مسارها الصحيح.

التصنيفات
تقارير ميدانية حر الكلام حقوق وحريات مقالات الرأي

في سوريا كنا نخاف الحيطان التي تسمع… وفي ألمانيا أريد أن أرتدي قبعة الإخفاء … ميس الحموي

ماذا لو نستطيع أن نرتدي قبعة الإخفاء؟ طُرح السؤال في تدريب كنت أقوم به وتفاوتت أجوبة الحاضرين. أخذني السؤال في شرود طويل، فكرت، ماذا لو صرت لا مرئية؟ أمشي بخفة في الشوارع، لا أحد يسألني من أين أنا، فتاة عادية بلا أية هوية أو انتماء سياسي أو غيرهما. لا يراني الباعة وليس هنالك من يهتم بأمري، أعبر هكذا بلا أسئلة. أختفي عن أنظار الآخرين فلا أسأل عن الإسلام ولا عن النسوية ولا أضطر للدفاع عن هويتي. أمر بلا صراعات ولا خلافات وأنعم بالهدوء، هدوء الانتماء.

أعتقد أني لم أشعر بذلك حتى في سوريا، لأطول وقت ممكن. عشت أيضاً غربة ولكن من نوع آخر، أقلية دينية إسماعيلية، لكن تنتمي إلى دائرة غير مؤمنة وتعيش في مكان آخر غير مكان المنبت المتجانس في قرية مكونة أساساً من أقليتين علوية ومسيحية لا تشبه المحيط في شيء، لا الانتماء الديني أو الثقافي بشكل أدق ولا السياسي. في المدرسة بكيت كثيراً عندما سُئلت الى أي دين أنتمي، قبل فرزنا لحصة الديانة، لأنني لم أعرف ما إذا كنت مسيحية أو مسلمة وخفت من الانقسام، خفت من الإجابة الخاطئة. طفلة مختلفة عن الآخرين، في محيط لا يفهم لغتها حقاً، أنقذني أخي التوأم وقال لي نحن مسلمون ووجد والدي الموضوع مضحكاً.

كعائلة ضابط لم ننتمِ إلى ضباط جيش الوطن بمعناه السوري ولا إلى التفكير الطائفي المحدود، وبشكل ما الأكثرية المسلمة السنية لم تفهمنا إلى حد اعتبارنا غير مسلمين ولم يساعد الرعب والخوف السوري في تبديد التساؤلات حولنا. ربما عندما انتقلنا الى سلمية بعد بدء الحرب وإحساسنا بعدم الأمان في قريتنا المقسومة طائفياً شعرت بسلام ما، سلام أن تحاط بفهم وتقبل لهويتك، أن تكون كالآخرين تماماً. لكنه وقت ليس بطويل تماماً، غير كاف لردم جراح الطفولة. هذا الجانب السياسي من حكاية عدم شعوري بالانتماء وللجانب الخاص أبعاد أخرى أكثر تعقيدًا.

في ألمانيا كلنا عرب مسلمون لاجئون، إن كنا مسيحيين أو إسماعيليين، علويين أو مراشدة، دروزاً أو لا دينيين، في الحقيقة ننتمي كلنا إلى عالم الإسلام الرحب ولكننا فهمنا هذا هنا بشكل أدق، وفي الوقت نفسه لا يعبر ذلك عنا تماماً، لأننا هنا جزء من معارك أخرى لم نعلم بوجودها من قبل، لأننا الآخر، ومواضيع ما نأكل وما نلبس وكيف نلقي التحية مواضيع نقاش محتدم.

ونترحم على أيام الاختلاف اللذيذ في عش الإسلام الهانئ في سوريا، ولو كان وهمياً.

أفكر أحياناً هل مشكلتي أني زائدة الحساسية؟

أعني أنني أتمنى لو أستطيع الهرب من سؤال، من أين أنت؟ أقول من سوريا وأراقب ردات الفعل في الوجوه، ما هي الأسئلة التي لم تُقل يا ترى؟ لم لا تلبسين الحجاب؟ امرأة متحررة من سوريا، كل الاحترام؟ أتشربين الكحول؟ أتأكلين لحم الخنزير؟ هل كنت تفعلين ذلك في سوريا؟ هل يمكننا أن نهرب من سؤال الهوية هذا؟ لا أريد ألا أجيب، كنوع من التحدي، ليس هناك أي مشكلة أنني من سوريا، لكن في الحقيقة هنالك مشكلة. أنا من سوريا وعليّ تبرير نفسي وتمثيل كل السوريين ثم تبرير كل ما يرى على أنه مختلف. ثم علي أن أسمع أنني مختلفة عن السوريين الآخرين، وكأنه إطراء من نوع ما!

وماذا عن المواعدة مثلاً، تطبيقات المواعدة بشكل خاص، ما الذي أستطيع كتابته هناك عني؟ فتاة سورية تعاني من اضطراب حاد وقديم في الهوية؟ ليبرالية بالمقياس السوري وبالمقياس الأوروبي تحت فئة غير معرّفة، وتفضل تجنب كل أسئلة الـ (نعم) والـ (لا) وما يتعلق بالاختلاف الثقافي والهوية (لأنو من العجور قلبي منجور).
صديق لي كتب “من سوريا وكل الأفكار المسبقة عني صحيحة” تخيلوا كيف يكون للانتماء بعد آخر في عالم المواعدة، من التعليقات العنصرية المثيرة للاشمئزاز إلى التشييء، كأنك لعبة سمراء مثيرة من عالم ألف ليلة وليلة.
ثم من أنا حقاً، وما الذي أريد شرحه؟ الفردانية شيء غير مناسب لأصحاب البشرة السمراء وترف لا نقدر عليه، ثم أنتمي لتلك الأقلية التي لم يسمع بها أحد هنا في ألمانيا كما لم يسمع بها الكثيرون أيضاً من السوريين ما عدا أصحاب نظريتي الإسماعيليين عبادة الفروج أو السلامنة خيرة مثقفي البلاد، ولست بصدد الملامة، فهذه نتيجة حتمية للخوف وللعيش في فقاعات بعضنا بجانب بعض وانعدام الحريات.

أشعر بالارتباك من جواب: نعم أنا مسلمة اسماعيلية لكنني غير مؤمنة وأنتمي إلى الإسلام بشكله الثقافي، في الوقت نفسه تقدم أمي الذبائح والنذور في العيد وتوزع على المحتاجين كمسلمة وتشعل الشموع لنا في كل محنة نمر بها كمسيحية، وتذهب في المناسبات لصلاة الإسماعيلية، تقدم النجوى عني وعن أخوتي وتقول إن شاء الله وتؤمن بالقدر والنصيب ويجلس أبي على الشرفة بينما تتساقط القذائف هنا وهناك ويقول قلبي مطمئن، لن يحدث إلا ما كتبه الله لي. ثم أسأل إذا ما كنت مسلمة؟ وأجمد كجهاز تلفون قديم.

هناك صناديق جاهزة ومن المتعب للمستمع أن نشرح له، ليس هناك من يهتم حقاً بنا، لكن بما نمثله.

صرت أشعر حقاً أنني الآخر أينما حللت. واعتقدت أن المسألة ستختفي مع الوقت، لكن في الحقيقة يزيد الشرخ والاختلاف فقط، وأصير أكثر زورية وأشك بالاندماج والتلاقح الثقافي. تشاركني صديقاتي الكثير من هذه المشاعر.

كنا يوماً نخاف الحيطان التي تسمع، نرغب أن نختفي عن عين الرقيب القاسية، أن ننعم بحرية ما، والآن نرغب أن نختفي من الأعين التي تريدنا ألا ننسى ولو للحظة أننا المختلف من دون شك، أن نختفي من عالم الهويات المرعب.

 

 

 

رصيف 22

التصنيفات
مقالات الرأي

سرقوا ياسمينك .. دمشق

 

دمشق الياسمين .. لطالما تغنى الشعراء بها و بالياسمين الذي اختصت به هي دون سواها من البلدان .

و لطالما كانت مقصد الزائرين من جميع أنحاء العالم ، للتمتع بسحرها الذي يسكن أزقتها الوادعة و الممتلئة بالطمأنينة و السكينة ، و بيوتها العريقة التي يفوح منها سحر الشرق و عبق  الحضارة الأموية .

بداية عصر الاحتلال

فمنذ تولي عائلة الأسد الحكم في سورية .. اندفعت فلول الأُسر التي جلبها معه الطاغية لتستوطن أحيائها العتيقة ، و تتسلق جبالها ، و تنصب أعمدة لبيوتها العشوائية  في قممها .. بغية حصارها من جميع اتجاهاتها  .. و من وقتها بدأت إيران كحليفة للأسد باستيطانها ، و بدأت بدس عائلاتها من الشيعة الذين أتوا إلى دمشق. و قد  امتدت جهودهم إلى محافظات سورية من أجل توطين عائلاتهم من الطائفة الشيعية .. و ذلك تمهيداً لوجودهم الدائم  فيها .

و بينما الناس غافلين عما كان يحدث .. كما هو معهود عن الشعب السوري حركته الدؤوبة من كسب لقمة عيشه التي لم تكن ممكنة دون قيامه بأكثر من عمل يمضي فيه ساعات يومه كلها  ليحصل على ما يمكن أن يسد حاجاته اليومية  فقد تم زرع الآلاف من جماعات الأسر الشيعية الإيرانية ضمن عائلات المجتمع السوري.

 

في البداية بدا الأمر شأناً دبلوماسياً .. العاملين في السفارة و أسرهم ، و الأشخاص المكلفون بالعمل الدبلوماسي و الذين  يفوق عددهم حقيقة  أعداد العاملين في السلك الدبلوماسي مع أسرهم طبعاً ، ثم الوفود القادمة  و أسرهم حتى أن أكثرهم بدأ يشتري عقارات في دمشق. أحياء كاملة تم تملكها من قبل الإيرانيين .. هذا هو حي العمارة بدمشق.. بحجة مقام السيدة رقية.. تم شراء المحلات و البيوت فيه  لخدمة المقام …و كذلك حي  السيدة زينب و المناطق المحيطة به . و التي امتلأت بالأعلام الخضر و رائحة البخور المقرف  المنبعثة منها .. تكاد تخنق المارة. فإذا حاولت المرور بها تجد النظرات تتبعك ، و تلاحق خطواتك و أفعالك ، حتى خروجك من المكان .

نظرات و همزات و تتبعات   .. طبعاً فأنت في وطن محتل .

سورية تحت مطرقة التشييع

لم يكن الراحل  حافظ الأسد يمانع وجود نشاط ديني  شيعي في سورية ، فهو  بحاجة إلى إيران كحليف يدعمه في  حكمه  ،و يلمع صورته أمام المجتمع الدولي  ، و يزيد نفوذه في المنطقة. لذا فقد أغمض عينه عن أعمال التشييع  التي تقوم بها إيران بمختلف أرجاء القطر .

أما بالنسبة لإيران .. فقد  كانت هي الأخرى بحاجة لإرضائه من أجل بقاء  وجودها في سورية بغية تحقيق  هدفها في نشر المذهب الشيعي، تمهيداً لتنفيذ مشروع الهلال الخصيب .

و بذلك التقت المصالح بين رغبة حافظ الأسد بتوطيد أركان حكمه، و بين رغبة إيران في توسيع نفوذها   مقابل دعمه.

و عند تسلم الرئيس بشار الحكم  ، و بدء تفشي الضعف في مفاصل  الدولة ..  فقد تزايد أعداد الوافدين من الإيرانيين  إلى سورية . طبعاً بشار كان بحاجة إليهم أكثر من حاجة والده إليهم و قد تم  استيلائهم فعلاً  على أعمال لها علاقة بالاقتصاد، و كذلك بالتجارة السورية و لذلك فقد دخلت إيران  الأسواق السورية  و لاسيما أسواق بيع و تجارة السيارات ، حتى أصبحت المصدر الأساسي لبيع السيارات و كذلك  الألبسة و المنتجات الحرفية حتى أخذت تزاحم أسواق دمشق في منتجاتها،  فأوجدت لنفسها أماكن في أسواق  دمشق الكبيرة و العريقة و التي كانت منذ الماضي مركز لتصنيع المنتجات و تصدير البضائع إلى مختلف أنحاء العالم كما هو معروف عن الحرف الدمشقية المرغوبة عالمياً. و كذلك  احتلت إيران أماكن في أسواق دمشق التجارية القديمة  كالعصرونية ، و سوق مدحت باشا ، و المناخلية و غيرها .

كما امتدت يدها إلى التوسع في أزقة دمشق .. حتى طالت  المقاهي ، و المطاعم  ، و المنتزهات ،  و مرافق الحياة السياحية ،و الثقافية ، و الطبية  ،بل و مختلف مناحي الحياة  العامة .

تشكيل ديموغرافي جديد

و مما وافق أهواء  الإيرانيين من نتائج الحرب التي بدأت منذ عام 2011 أنه تم إخلاء أحياء كاملة من سكانها السنة ، ليتم زرعها بسكان جدد بهدف تغيير ديموغرافية السكان فيها. و ما زال التضييق على السكان لبيع منازلهم و الهجرة إلى خارج البلاد. و كل ذلك  بهدف إخلائها من سكانها الأصليين ، و إحلال سكان آخرين  مكانهم .

لقد أمعن نظام الأسد في إطلاق يد حلفاؤه في السيطرة على البلاد ، و كذلك أطلق العنان لطائفته في النيل من كل ما تصل يدها إليه من أرواح و مقدرات غيرها. فالآلاف من الأسر العلوية تركت مناطقها و استوطنت دمشق. بل ونقلت قيودها في السجل المدني إلى قيود أحياء دمشق .

عهود من السيطرة و التوارث

هو احتلال داخلي عدا عن كونه احتلال خارجي أيضاً  بأيدي  إيرانية. حيث تكمن المصالح في  بيع البلاد ، و كل ذرة فيها. مما يمكن الوصول إليه من نهب و سلب و مصادرة لأموال الناس ، للتربع على عرش البلاد . ابتداءً من سلطة سرايا رفعت الأسد في السبعينات و الثمانينات .. و وصولاً إلى  الحرس الثوري الإيراني. و ابتداءً من  تجارة رامي مخاوف.. و انتهاءً بكل من تم إطلاق يده في نهب أموال الشعب السوري.

و ابتداءً من الرأس حافظ و ليس انتهاءً بالحفيد حافظ الذي يتم تحضيره لتولي الحكم  إلى عشرات من السنين القادمة ..

و إلى من سمت نفسها بسيدة الياسمين .

 

 مها.م

التصنيفات
مقالات الرأي

مال الأمة الإيرانية في جيب دكتاتور سوريا .. هدى مرشدي*

بالنظر إلى أبعاد الأضرار الاجتماعية، التي يظهر في ركن واحد منها فقط الفقر والبؤس المنتشر في الديكتاتورية الدينية الفاسدة وفي الظروف التي يجبر فيها الشعب المحروم من شدة الفقر والضيق الاقتصادي على بيع أعضائه أو أولاده تستمر الحكومة الدينية في سياساتها التدخلية في المنطقة وخاصة مع حلفائها المجرمين أي نظام بشار الأسد بإقرار عقود اقتصادية لعدة سنوات من أجل إعادة الإعمار.

غلام حسين شافعي رئيس غرفة التجارة في نظام الملالي في إيران أعلن خلال مرتمر مشترك بين سوريا وإيران يوم ٣٠ ديسمبر ٢٠١٨ : “القطاع الخاص الإيراني لديه الجاهزية الكاملة لتأمين البضائع الأساسية والأولية للشعب السوري. التشكيلات والمنظمات الاقتصادية ومن بينها الكهرباء والمواد الغذائية والدواء وغيرها لديهم عضوية في هذه المؤسسة”.

وهذا الكلام صدر من شافعي في وقت اعترفت فيه صحيفة ابتكار الحكومية في تاريخ ١٩ اكتوبر ٢٠١٨ أنه من بين عدد سكان إيران البالغ ٨٠ مليون نسمة هناك ” ٣٣ % أي حوالي ٦ مليون شخص يعيشون تحت خط الفقر المطلق و ٤٠% أي حوالي ٣٢ مليون شخص يعيشون تحت خط الفقر النسبي”.

معنى هذا الكلام هو اعتراف بوجود ٥٨ مليون فقير في إيران التي يحكمها نظام ولاية الفقيه الفاسد وعدد كبير منهم لايملكون قوت عيشهم اليومي.

وسابقا كانت وكالة الأنباء السورية الرسمية سانا قد أفادت بأن حسين عرنوس وزير الإسكان قد أفاد خلال اجتماع مع الهيئات الاقتصادية للنظام الإيراني في أغسطس ٢٠١٨ عن دخول حقيقي للقطاع الإيراني الخاص في عمليات إعادة الإعمار للمناطق المدمرة في سوريا. وخلال الاجتماع المذكور تم الاتفاق على تسلم القطاع الخاص الإيراني مشروع بناء ٣٠ ألف وحدة سكنية في مناطق دمشق وحلب وحمص.

الحرسي المجرم رحيم صفوي المساعد والمستشار الأعلى لقائد القوى الثلاث في النظام أوضح خلال اجتماع (بحث الأزمة السورية واخر التطورات الميدانية والسياسية) الذي عقد في مؤسسة عالم الإسلام للمشاريع المستقبلية أن عميات إعادة الإعمار في سوريا تحتاج لـ ٣٠٠ حتى ٤٠٠ مليار دولار وقال: ” الجمهورية الإسلامية يجب أن تستعيد التكاليف التي أنفقتها في سوريا والسوريين لديهم هذا الاستعداد بأن يعيدوا لنا هذه التكاليف من النفط والغاز ومعادن الفوسفات الموجودة في سوريا”.

ومنذ بدء الأزمة السورية كانت الحكومة الإرهابية متصدرة في المشهد كأكبر داعم لبشار الأسد وقد ثبتت دعائم دكتاتور سوريا من خلال الدعم المالي والعسكري الذي قدمته له. وذلك على الرغم من أن دعم النظام الإيراني للأسد كان له دلائل وأسباب استراتيجية عديدة أكثر من الحضور الاقتصادي في سوريا. وقد قامت قوات الحرس المجرمة بدعم نظام بشار الأسد خلال الحرب الداخلية التي امتدت لسبع سنوات من خلال إرسال الأسلحة والمليشيات له.

فقوات الحرس قامت بداية بإخفاء حضور قواتها في سوريا ولكن في الأعوام الماضية صرحت بشكل علني حول تواجدها العسكري في سوريا ووصفه بأنه معركة حياتية أو معركة ضد المتشددين من أتباع الخلافة الإسلامية داعش.

المرحلة الجديدة

الحكومة الأمريكية أعلنت في ١٩ ديسمبر ٢٠١٨ نيتها إخراج قواتها من سوريا.

ليندزي غراهام أحد أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين كتب على التويتر بعد لقائه دونالد ترامب:

وسيتم وضع خطة ترامب لخروج القوات الأمريكية من سوريا لضمان:

أولا: القضاء على داعش بشكل نهائي؛

ثانيا: لن يتم ملء الفراغ الحاصل من إيران؛

ثالثا: ستقوم الولايات المتحدة بحماية حلفائها الأكراد.

ومن جهة أخرى، مايك بومبيو وزير الخارجية الأمريكي قال خلال تصريح له حول خروج القوات الأمريكية من سوريا: ” نحن نرى أن النظام الإيراني أكبر داعم للإرهاب في العالم وفي هذه المنطقة”

الحل الأساسي:

لقد صرف النظام الديني ثروة باهظة من أجل مساعدة بشار الأسد للبقاء على الحكم خلال الأعوام الأخيرة كما أن فرض حرب غير متعادلة على شعب هذا البلد حيث أدت – وفقا لبيانات منظمة الأمم المتحدة عام ٢٠١١ – لمقتل أكثر من نصف مليون شخص وتشريد قرابة ٦ مليون شخص آخرين هي بالطبع أحد النتائج المدمرة لتدخلات الدكتاتور خامنئي في هذا البلد.

وفي هذا الصدد أعلن وزير الخارجية الأمريكي على التوتير: “في حين يعاني الشعب الإيراني من قساوة وضيق العيش تسعى الحكومة الإيرانية المجرمة منذ عام ٢٠١١ إلى دعم الأسد وحماية بقية شركائها في سوريا والعراق واليمن”.

كما ينبغي الإشارة إلى قوات القدس الإرهابية تحت قيادة الحرسي قاسم سليماني التي شكلت عددا كبيرا من الشبكات الإرهابية مثل فاطميون أو عماريون وأنفقت أيضا تكاليف باهظة من قبل نظام الملالي من أجل مساعدة بشار الأسد الدموي للبقاء على الحكم. وللحديث بشكل واقعي أكثر بناءا على البيانات والمعطيات الدولية فقد أنفقت إيران حتى الآن قرابة ١٦ مليار دولار من الثروات الوطنية للشعب الإيراني.

السيدة مريم رجوي الرئيسة المنتخبة من قبل المقاومة الإيرانية أعلنت خلال رسالة لها في ٣٠ يوليو ٢٠١٨:

اليوم التجار والسائقون وسائقو الشاحنات أصبحوا أصوات احتجاج الشعب الإيراني ضد الحكومة الدينية الساقطة.

إن المصائب التي حلت على سوق الصرف وعلى اقتصاد البلاد بشكل عام هي نتيجة مباشرة لجرائم وفساد هذا النظام، حتى اصبحت العملة الإيرانية أرخص عملة عالمية. و نتيجة حكم الملالي التي جرت كل شئ للدمار من أجل حماية سلطتها وقوتها. ونتيجة هدر ثروات وايرادات إيران من أجل صرفها على الحرب السورية وسياسات تصدير الرجعية والإرهاب لبقية الدول.

نتيجة ابتلاع القسم الأكبر من اقتصاد البلاد من قبل بيت ولاية الفقيه وقوات الحرس والمؤسسات اللاشعبية.

بحيث تم القضاء على مناخ العمل والتجارة بالنسبة للتجار الإيرانيين وتحول معظم سوق الاستهلاك الإيراني لينحصر بمراكز الشراء الكبيرة التي تمتلكها قوات الحرس وبقية عصابات النظام.

والملالي لايملكون حلا من أجل كبح جماح هذه الأوضاع المضطربة وقد فشلت جميع تدابير وخطط النظام حول ذلك فلا تغيير رئيس البنك المركزي ولا اعتقال التجار ولا طرح الأكاذيب المتكررة حول تحسن الاوضاع سيصل بالملالي لأي نتيجة.

فالاقتصاد لن ينجو من الدمار إلا بسقوط النظام.

فالسيدة مريم رجوي أعلنتها صراحة خلال رسالة أخرى لها حول حلول مواجهة النظام:

إن سياسات التماشي مع النظام هي امر مخيف وغير مقبول وهذا الأمر ذكرت به المقاومة الإيرانية عدة مرات بأن:

أولا: الحزم في مواجهة هذا النظام الديني؛

ثانيا: فضح ملفات النشاطات الإرهابية للنظام وعملائه بشكل علني؛

ثالثا: إغلاق سفارات النظام التي أصبحت مراكز معروفة للتجسس والإرهاب؛

رابعا: منع التعامل مع شركات قوات الحرس وهيئة تنفيذ أوامر خامنئي.

هو السبيل الوحيد لكبح جماح العنف ومنع تنفيذ المؤامرات الإرهابية لهذا النظام في المنطقة والعالم.

*كاتبة إيرانية