حدود الاتحاد الأوروبي: “حرس حدود يضربون المهاجرين” وينفذون “عمليات صد عنيفة”

سواء في قبرص أو بولندا أو بلغاريا، الوصول إلى الاتحاد الأوروبي وطلب اللجوء فيه بات مهمة شبه مستحيلة، في ظل ازدياد عمليات “الصد” على الحدود، وهي عمليات الإرجاع غير القانونية على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، على الرغم من أن القانون الدولي والأوروبي يحظر ذلك.

بعد مرور ثلاثة أشهر على وصوله إلى المنطقة العازلة في قبرص، لا يزال جون* موجودا هناك (تم الاتصال به يوم الأربعاء 23 تشرين الأول/أكتوبر). وينتظر النيجيري البالغ من العمر 34 عاماً، بفارغ الصبر خروجه من مخيم “أغلانتزيا”، وسط المنطقة العازلة التي تسيطر عليها الأمم المتحدة في قبرص، والتي تفصل شمال الجزيرة (الجانب التركي) عن جنوبه (جمهورية فبرص).

حاله كحال العشرات من المهاجرين الآخرين المتحدرين من الكاميرون والسودان وسوريا وأفغانستان، طلب جون اللجوء لدى وصوله إلى جنوب الجزيرة في بداية تموز/يوليو الماضي، لكن الشرطة القبرصية صدته وأعادته مع رفاقه إلى مخيم الأمم المتحدة.

وعندما زار فريق مهاجرنيوز المخيم في نهاية شهر آب/أغسطس، روى المهاجرون ذات المشهد وتشاركوا نفس التفاصيل، قال إبراهيم، وهو سوداني، “عندما عثروا علينا (ضباط الشرطة)، أجبرونا على الجلوس على الأرض، واحتجزونا تحت تهديد السلاح. ثم أمرونا بالعودة إلى الشمال”، وبعد عدة ساعات من المشي، توقف الشاب ورفاقه المنهكون في المنطقة العازلة.

وبناء على رواياتهم، كان جون وإبراهيم وجميع المهاجرين في المخيم ضحايا لعمليات الصد والإرجاع من قبل السلطات القبرصية. وبحسب تعريف مقرر الأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان للمهاجرين، فإن عملية الصد هي “الإجراء الذي تتخذه الدول والذي يؤدي إلى إعادة المهاجرين بالقوة، بما في ذلك طالبي اللجوء، عن طريق إجراءات موجزة”. وذلك “دون الحصول على الحماية الدولية أو إجراءات اللجوء، أو دون إجراء تقييم فردي لاحتياجات الحماية الخاصة بهم”.

وتعتبر هذه الممارسات غير قانونية فيما يتعلق بـ”مبدأ عدم الإعادة القسرية” المنصوص عليه في المادة 33 من اتفاقية جنيف لقانون اللاجئين، والتي تنص على أنه “لا يجوز لأي من الدول الموقعة أن تطرد أو تعيد لاجئاً إلى حدود أقاليم، حريته ستكون مهددة فيها”. كما أعاد الاتحاد الأوروبي التأكيد على مبدأ عدم الإعادة القسرية في ميثاق الحقوق الأساسية.

من جانبها، تشير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى أنه “لا يُسمح بتطبيق أي استثناء على المادة 33 من اتفاقية عام 1951، أو لأي حكم آخر ينص على عدم الإعادة القسرية بموجب القانون الدولي”.

ما يقرب من 9000 عملية صد في ثمانية أشهر

لكن ومنذ ما يقرب من عقد من الزمان، تم طرد الآلاف من المهاجرين الذين يطلبون الحماية على الحدود البرية للاتحاد الأوروبي. وخلال السنوات التي تلت أزمة الهجرة في عام 2015، كانت هذه الممارسات تتركز على طريق البلقان أو في منطقة “إيفروس”، على الحدود بين اليونان وتركيا، وغالبا ما كانت عمليات الصد هذه مصحوبة بأشكال مختلفة من العنف والإذلال.

وفي الآونة الأخيرة، تكثفت عمليات الصد هذه عند نقاط دخول أخرى إلى الاتحاد الأوروبي، مثل بولندا. ففي الفترة بين كانون الأول/ديسمبر 2023 وتموز/يوليو 2024، تم تسجيل حوالي 9000 عملية إرجاع على الحدود البولندية، وفقا للأرقام التي جمعتها مجموعة “نحن نراقب” (We are monitoring) التي توثق أعمال العنف على الحدود البيلاروسية.

ويتم تنفيذ عمليات الصد هذه بشكل شبه يومي، بحيث يُمنع المهاجرون الذين يطلبون الحماية من تقديم طلباتهم، وهو ما استنكرته عدد من المنظمات غير الحكومية منذ زيادة حركة المهاجرين على هذا الطريق، في آب/أغسطس 2021.

ومن بين المهاجرين الذين تعرضوا لعمليات الصد على الحدود البولندية البيلاروسية، عز الدين، وهو لاجئ سوداني التقى به فريق مهاجرنيوز في العاصمة البولندية وارسو. حاول الشاب عبور الحدود تسع مرات خلال ثلاثة أشهر قضاها في الغابة، وفي كل مرة كان يتم توقيفه من قبل حرس الحدود البولنديين، إلى أن نجح في العبور.

وقال الشاب لمهاجر نيوز، “قام حرس الحدود بضرب (المهاجرين) وكسروا الهواتف ورشوا الغاز في أعيننا. لم أكن أتوقع أن أواجه ذلك، أردت فقط الهروب من الحرب، والعثور على بلد يحميني”.

“في كل مرة، كانت الشرطة تأخذ هواتفنا وممتلكاتنا وأموالنا”

وعلى بعد مئات الكيلومترات إلى الجنوب، في بلغاريا، يتم رصد عمليات صد المهاجرين على الحدود. طالبو اللجوء “يُجبرون على السباحة عائدين إلى تركيا”، ويُجردون من ملابسهم قسراً أو يتعرضون للعض من قبل كلاب حرس الحدود البلغاريين. في هذه المنطقة، يمارس حرس الحدود قدراً كبيراً من العنف، وقد نددت المنظمات غير الحكومية في مناسبات عديدة بهذه الإجراءات، والتي كانت وكالة حرس الحدود الأوروبية (فرونتكس) على علم بها، وفقا لتحقيق أجرته شبكة التقارير الاستقصائية في البلقان “Balkan Investigative Reporting Network (BIRN)”.

في حزيران/يونيو، التقى فريق مهاجرنيوز بمجموعة من أربعة شبان مغاربة في بلدة “سفيلينغراد” الصغيرة، القريبة جدا من الحدود مع تركيا. قال أمين*، 24 عاماً، إنه تعرض للصد والإرجاع خمس مرات. أما الآخرون، الذين تتراوح أعمارهم بين 22 و30 عاماً، فقد تعرضوا لذلك مرتين، وأحياناً ثلاثاً. وخلال عمليات الإرجاع هذه، “في كل مرة، كانت الشرطة تأخذ هواتفنا وممتلكاتنا وأموالنا. لقد أخذوا أيضا ملابسنا وأحذيتنا”، وفقا لوصف أمين.

وسجلت وزارة الداخلية البلغارية في تقريرها الأخير الصادر في نيسان/أبريل 2024، 10,041 حالة لمهاجرين “عادوا بمفردهم إلى داخل دولة مجاورة” عقب عمليات شرطة الحدود، في الفترة بين بداية كانون الثاني/يناير ونهاية نيسان/أبريل 2024. وتستخدم السلطات هذه الصيغة لتجنب ذكر “عمليات الصد”.

“منطقة محظورة”

وعلى الرغم من التقارير المتعددة والشهادات والتحقيقات التي تدين هذه الممارسات وتشير إلى عدم قانونيتها، فإن عمليات “الصد” لا تزال مستمرة. فما سبب ذلك؟

يكمن أحد الأسباب في عدم وجود رد فعل من المؤسسات الأوروبية، وفقا لماتيو تارديس، الباحث المتخصص في الهجرة والمدير المشارك لمنظمة “Synergie Migrations”، والذي قال “قبل بضع سنوات، أدانت المفوضية الأوروبية، الضامن للامتثال لمعاهدات الاتحاد الأوروبي بشأن اللجوء، هذه الممارسات. واليوم، نسمع انتقادات أقل بكثير منها، وقد فقدت الكثير من تأثيرها على أعضائها”.

وتتصرف الدول أيضا بشكل سري، مما يزيد من عدد المناطق المحظورة على المدنيين. يتابع تارديس “ولتتمكن الدول من تنفيذ عمليات الصد هذه، تعتمد الدول على استراتيجيات مختلفة. فقد أعلنت بولندا على سبيل المثال، مرتين أن المنطقة الحدودية منطقة محظورة، مما يجعل الوصول إليها محظورا على المنظمات غير الحكومية والصحفيين. وهو السياق الذي يجعل عمليات الصد أقل وضوحا، مما يؤدي إلى التقليل من شأن هذه الممارسة”.

كما أن موقف بروكسل من موضوع “عمليات الصد” أصبح أقل وضوحا، ففي ميثاق اللجوء والهجرة، الذي اعتمده البرلمان الأوروبي في نيسان/أبريل 2024، تم إنشاء “نظام استثنائي” يوفر حماية أقل لطالبي اللجوء في أوروبا، بحيث يتم تطبيقه في حالات “استغلال” تدفقات الهجرة من قبل دولة أو طرف ثالث. وهذا ما يحدث على الحدود البولندية البيلاروسية، حيث ترى بروكسل أن تدفقات الهجرة يتم تنظيمها عن عمد من قبل الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن هذا الاتفاق نفسه يشدد شروط الحصول على اللجوء على الحدود، بناء على إجراءات اللجوء “السريعة” وبالتالي الفاشلة، وفقا للمنظمات غير الحكومية. حيث ستشمل هذه الإجراءات المسرعة جميع القادمين من البلدان التي يقل معدل منح اللجوء لمواطنيها عن 20٪، مثل المغرب وتونس أو حتى بنغلاديش.

وخلال دراسة ملفهم، سيتم اعتبار هؤلاء الأشخاص أنهم لم يدخلوا الأراضي الأوروبية. “وبالتالي، سيتم الاحتفاظ بهم في خيال قانوني بعدم الدخول حتى لو كانوا في الممارسة العملية على أراضي الدول الأعضاء”، كما وصف تقرير منظمة “لا سيماد” المنشور في حزيران/يونيو. وهو الحكم الذي، بحسب الجمعية، يتنافى وبشكل مؤسسي مع مبدأ عدم الإعادة القسرية.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى