غضب في مصر بسبب تسجيلات لأطباء يعترفون بالتحرش بمريضاتهم

 

 

 

أثارت مقاطع صوتية تداولها نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، نُسبت لطبيبين، تتضمن محادثات حول تحرشهما بمريضاتهما في مصر خلال الفحص الطبي، أثارت استياء عارما في الشارع المصري وتحركا أمنيا.

وقد أعلنت السلطات المصرية القبض على طبيبين في محافظة الأقصر جنوبي مصر، نُسبت لهما تلك المقاطع المسجلة، وأكدت أنه جارِ اتخاذ الإجراءات القانونية بحقهما.

    وقالت وزارة الداخلية في بيان نشرته على حسابها على موقع X، إنه جارِ فحص المقاطع الصوتية المتداولة، للوقوف على ملابساتها، وما إذا كان هناك أي بلاغات تلقتها الأجهزة الأمنية في هذا الشأن.

     

     

    ماذا حدث على منصات التواصل الاجتماعي؟

     

    بدأت الواقعة عبر تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي، خلال الساعات الماضية مقطعا مصورا، قالت إحدى المبادرات النسوية إن شابا نشره على حسابه على موقع X، يظهر خلاله مع مجموعة من أصدقائه، يتلفظون بألفاظ خارجة عن الآداب العامة وخادشة للحياء بحق فتيات في الطريق العام.

    لكنَّ الأمرَ لم يقتصر على هذا الفيديو فقط، بل انتشرت أيضا مقاطعُ صوتية نسبتها مبادرة Speak up النسوية، للشخص ذاته -تبين أنه طبيب- الذي ظهر في الفيديو، تتضمن محادثات مع طبيب آخر حول طرق قيامهما بالتحرش بالسيدات المترددات عليهما بمحل عملهما خلال توقيع الكشف الطبي عليهن.

    وخلال أحد المقاطع الصوتية اتهم أحد الأطباء، السيدات أنهن من يرغبن في الأمر -التحرش بهن- ومدللا على ذلك، بسيدة سألت أحد الأطباء على غسول بشرته، حسبما جاء في التسجيل.

    لاقت تلك المقاطع استياء واستنكارا عارما على منصات التواصل الاجتماعي، وتداول المستخدمون تلك المقاطع، وصاحبتها مطالبات بتطبيق أقصى العقوبة على من نُسبت لهم.

    وتساءل كثيرون وخصوصا من النساء “كيف يمكن أن يؤتمن شخصٌ بمنزلة طبيب ويقوم بهذا الفعل”؟

    من جهتها تتبعت مبادرة “Speak Up” النسوية، نشر المقاطع المصورة والمسجلة، ونشرت بيانته على حسابها، للتحذير من سلوكياته بحق المرضى، كما تقدمت ببلاغ رسمي لنقابة الأطباء المصرية، تطالب فيه بالتحقيق في الواقعة، واصفة ما حدث بالكارثة.

    ولفتت المبادرة النسوية إلى أن الطبيب حذف المنشورات من حسابه الشخصي على منصة X، و”التى كان يتفاخر فيها بتصرفاته”، على خلفية ما واجهه من هجوم واستنكار، بعد تداول تدويناته على مجال واسع.

     

    ماذا فعلت نقابة الأطباء؟

     

    انتقل بعدها الجدل على شاشات التلفزيون في برامج “التوك شو” الليلية.

    وهو ما دفع نقابة الأطباء في مصر للإعلان عن فتح تحقيق يتعلق بالمقاطع المصورة والصوتية المتداولة.

    وقالت النقابة العامة لأطباء مصر في بيان نُشر على حسابها الرسمي في “فيسبوك”: إنها بدأت تحقيقا واسعا بشأن مقطع الفيديو الذي جرى تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي، لمجموعة من الشباب (يدعي عدد من بينهم أنهم أطباء) يتلفظون بألفاظ خارجة عن الآداب العامة وخادشة للحياء بحق فتيات في الطريق العام، ومحادثات نشرت تتضمن زعم بعضهم التحرش بمريضاتهم”.

     

    وأضاف البيان: “أنه حال ثبوت أنهم أطباء، سيتم استدعاؤهم فورا للتحقيق أمام لجنة آداب المهنة بالنقابة، واتخاذ كافة الإجراءات القانونية ضدهم. وشددت في بيانها على أنها تواجه أي مخالفات لأعضائها في حال ثبوتها بكل حسم، مؤكدة إحالة أي طبيب يخرج عن قواعد ولائحة آداب المهنة ، للجنة تحقيق وللهيئة التأديبية، لتحديد العقوبة المستحقة عليه، والتي قد تصل إلى الشطب من جدول نقابة الأطباء، ما يترتب عليه منعه من ممارسة مهنة الطب.

     

     

    ماذا حدث في الماضي؟

     

    وعلى مدار السنوات الماضية، تكررت حوادث التحرش التي كان أبطالها أطباء، ونشرت الصحف المحلية عن قضايا جنائية ضد أطباء اعتدوا جنسيا على مرضاهم من النساء.

    وتقول نقابة الأطباء المصرية إن تلك الجرائم، تعد حوادث فردية، تستوجب العقاب الجنائي.

    وفي يونيو/ حزيران 2021، غلّظ البرلمان المصري عقوبة التحرش الجنسي وحولها من جنحة إلى جناية، ليعاقبها بمدة حبس لا تقل عن سنتين بعد أن كانت سنة واحدة، ورفع الحد الأدنى للغرامة إلى 100 ألف جنيه (نحو 2000 دولار) من 10 آلاف جنيه سابقا.

    ولكنها إجراءات لا تكفي في نظر نيفين عبيد الباحثة في قضايا التنمية والنوع الاجتماعي والمدير التنفيذى لمؤسسة “المرأة الجديدة”، في اتصال مع بي بي سي عربي.

    وتستشهد نيفين بدعم مؤسسة المرأة الجديدة في اتهامها طبيب عظام شهيرا بالتحرش الجنسي بها أثناء جلسة علاجية في مقر عيادته بمحافظة الجيزة، وسط مصر. وتستطرد “بعض الأطباء نفسهم ثاروا علينا، والنقابة قالت هذه جريمة جنائية يعاقب عليها القانون، ولن نتدخل، وفي النهاية القضية حُفظت”.

    مؤسسة “المرأة الجديدة” هي منظمة نسوية دفاعية تدعم حقوق النساء في مصر، بدأت نشاطها في مصر عام 1984. تقول نيفين منذ عام 2017، “كونا شبكة لصياغة قانون العنف الموحد، بجانب عملنا في تقديم الدعم النفسي للناجيات من حالات العنف والاغتصاب والتحرش، والمساندة القانونية”.

    وتتابع نيفين، “إن نحو 7 جمعيات تشاركوا في وضع صيغة مشروع القانون الموحد للعنف ضد المرأة، لكن من خلال العمل على التوعية بأهمية القانون انضم إلينا كثير من الجمعيات. واستطعنا تجميع موافقة 60 نائبا برلمانيا طبقا لشروط اللجنة التشريعية، وبالفعل دخل في جدول البرلمان مرتين، لكن للأسف لا يتم طرحه للمناقشة في اللجنة العامة ويُحفظ في الأدراج”.

    وينظم مشروع قانون العنف الموحد، الكثير من القضايا الشائكة، حيث يربط بين عدة قضايا كالاغتصاب الزوجي، ختان الفتيات، وتزويج القاصرات. ويتضمن مشروع القانون سبعة أبواب، تناقش طيفا واسعا من قضايا العنف التي تواجهها النساء، ويضم بابه الأول مجموعة من التعريفات، مثل تعريف جرائم الاستغلال الجنسي، والابتزاز والتنمر الإلكتروني، وجرائم العنف ضد المرأة والطفلة داخل الأسرة، والإشكاليات التي تواجه الناجيات للإبلاغ عن جرائم العنف الجنسي، وتضارب القوانين التي تسببت في إهدار حقوق الناجيات وإفشاء بياناتهن.

    وتتعجب نيفين، “القانون الموحد للعنف منصوص عليه في الاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة 2030، والاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، نحن لم نبتدع الفكرة، وأول مسودة قدمها المجلس القومي للمرأة، لكنها لم ترى النور في النهاية”.

    وترى نيفين أن غياب الاهتمام بتشريع قانون العنف الموحد، “وجه رسالة مفادها أنه لا تتم المحاسبة”، وتعتبر أن ذلك ربما يكون سببا وراء “تجرأ هؤلاء الشباب على نشر مقاطع تظهر تفاخرهم بالتحرش، ولذلك لا تتقدم جميع من تعرضن للتحرش ببلاغات”.

    وتقترح نيفين وضع مناهج خاصة في كليات الطب، “لها علاقة بالجرائم الطبية المهنية تدمج مع قضايا ممارسة العنف على أساس النوع الاجتماعي، حتى يكون هناك تصور لدى الطالب أن تلك الممارسات جرائم يعاقب عليها القانون”.

    ويعترض نقيب الأطباء أسامة عبد الحي، على اقتراحات نيفين، قائلا، “أداب المهنة موجودة منذ القدم، التى تؤكد أن على الطبيب أن يكون قدوة حسنة في المجتمع بالالتزام بالمبادئ والمثل العليا، أمينا على حقوق المواطنين في الحصول على الرعاية الصحية الواجبة، منزها عن الاستغلال بجميع صوره لمرضاه أو زملائه أو تلاميذه”.

    ويشرح عبد الحي في حديثه لبي بي سي، “آداب المهنة تلزم الطبيب أن يكون هناك ممرضة في غرفة الكشف، أو أحد أقارب المرضى، أو ممرض من الجنس الآخر في حالة الطبيبة”.

    واعتبر عبد الحي أن ما حدث هو ظواهر فردية موجودة في كل المهن.

    وتنتظر نقابة الأطباء الآن نتائج التحقيقات الأمنية، “لكى نتأكد أن أصحاب الفيديو يتبعون نقابة الأطباء المصرية أم نقابة الأسنان”.

    ويقول عبد الحي، “إن جريمة التحرش هي جريمة تتجاوز آداب المهنة، فهي جريمة عامة، يحصل فيها الطبيب إذا ثبتت الجريمة عليه أقصى العقوبة وهي الشطب من النقابة، لأننا سلطاتنا تأديبية، أما الغرامة والحبس هي من سلطة النيابة والقضاء”.

    أما عن الإجراءات المتبعة في تلك الوقائع، “يتم إيقاف عضوية المتهم حتى انتهاء التحقيقات، وفي حالة ثبوت الجريمة تُشطب العضوية بحيث لا يسمح للطبيب بممارسة المهنة مرة أخرى”.

    وينصح عبد الحي أى سيدة بالتوجه للنقابة لتقديم شكوى بجانب النيابة، “لأن النقابة مختصة بقضايا التجاوز المهني، إنما الخطأ الأخلاقي لابد من تدخل النيابة معه حتى يحصل المتهم على أقصى العقوبة للتأكد من عدم تكراره في المجتمع”.

     

     

     

     

    مقالات ذات صلة

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    زر الذهاب إلى الأعلى