من القصف الإسرائيلي إلى الروسي… حكايات السوريين العائدين من لبنان إلى إدلب؟

 

نشر فريق “منسقو استجابة سوريا” إحصائية مفادها أن عدد اللاجئين/ النازحين السوريين القادمين من لبنان إلى مناطق إدلب وريف حلب، يزيد عن 4300 عائد. وذلك بالتزامن مع حركة النزوح الداخلية من مناطق إدلب وحلب خوفاً من العمليات العسكرية هناك، ليزيد عدد النازحين على 7300 شخص منذ بداية هذا العام إلى 6 من الشهر الجاري.

محمود الإبراهيم هو أحد هؤلاء، فقد نزح من صور في لبنان وصولاً إلى محافظة إدلب حيث عائلته الكبيرة، لكنه تعرض إلى صدمة نتيجة لتعدد القصف الذي عايشه في لبنان ومن ثم في سوريا، وحالياً يتلقى علاجاً عند طبيب نفسي، نتيجة مجموع الصدمات التي عاشها وفقدان أمواله وممتلكاته في لبنان بحسب روايته.

يقول لرصيف22: “بتُّ اليوم أبحث عن مساعدة وتأمين منزل لي ولأولادي، ورغم أنني أعيش لدى والدي، إلا أنني لا زلت أحتاج إلى أساسيات الحياة، فقد خرجنا بملابسنا، كما أنني أحاول تسجيل أطفالي في المدرسة، فقد أقمت في صور منذ عام 2010، واليوم أنا متفاجئ من أعداد العائلات التي تنتظر دورها للعودة إلى سوريا”.

 

الموت في كل مكان

 

شهدت محافظة إدلب وريفها وأرياف حلب في شمال غربي سوريا في الأيام الماضية تصعيداً عسكرياً من قبل النظام السوري وحلفائه، وذلك من خلال القصف المباشر بالطائرات الحربية والقذائف المدفعية على الأحياء والبلدات ومحيط مخيمات النازحين، مما أسفر ذلك عن سقوط ضحايا من المدنيين وإصابات بينهم.

زاد عدد السوريين القادمين من لبنان إلى مناطق إدلب وريف حلب عن  4300 عائد. وذلك بالتزامن مع حركة النزوح الداخلية من مناطق إدلب وحلب خوفاً من العمليات العسكرية هناك، ليزيد عدد النازحين على 7300 شخص منذ بداية هذا العام

ليتزامن القصف على إدلب مع تدفق لعائلات سورية عائدة من لبنان هرباً من الأوضاع هناك أيضاً، لتواجه تلك العوائل الخوف من جديد بعدما فقدوا كل شيء في لبنان.

سلطان فايز الشيخ هو أحد العائدين من لبنان إلى إدلب، يقول لرصيف22: “وصلت إدلب وأقمت عند والدتي وأخي منذ عدة أيام، ومنذ يومين تعرضت إدلب للقصف ما اضطرّنا جميعاً للنزوح إلى المخيمات على الحدود السورية التركية وتحديداً مخيم كنصفرة الذي أقمت به ليلتين، واليوم أعود إلى منزل أخي ووالدتي في إدلب نتيجة للضيق في المخيم، ولعدم وجود مكان يؤوي عائلتي وأولادي، ولعدم امتلاكي أثاث منزل، وعدم قدرتي على شرائها، وحالياً أسعى إلى تسجيل أولادي في المدرسة بعد أن اضطروا لترك مدارسهم في بيروت، حيث كانت حياتنا تسير بشكل جيد”.

سلطان هاجر إلى لبنان في عام 2012، واتخذ في بيروت سكناً له ولعائلته، قبل أن يقرر العودة إلى سوريا متجهاً إلى مناطق إدلب بعد الاعتداءات الأخيرة على لبنان.

هاجر سلطان من سوريا إلى لبنان هرباً من القصف في العام 2012، ليعود إليها هرباً من القصف في لبنان في العام 2024، وليجد القصف السوري والروسي في إدلب حيث نزح.

يقول: “بعد دخول قوات النظام السوري قرى وبلدات جبل الزاوية في ريف إدلب في العام 2012، هاجرت إلى لبنان وكانت وجهتي بيروت وتعرضت في ذلك الحين إلى الاعتقال أمام أطفالي من قبل قوات النظام أثناء محاولتي السفر، ما أخاف أطفالي، وحين خرجت بعد شهرين، أكملت طريقي إلى بيروت التي عشت بها 11 عاماً”.

 

“فقدت ولداً ولن أفقد البقيّة”

 

“اضطررنا للنزوح مرة أخرى إلى ريف إدلب الشمالي قرب الحدود، خوفاً على أولادي الثلاثة، بعد أن فقدت ولدي الرابع نتيجة قصف سابق عام 2019 لم تعد لي القدرة على فقدان أحد”.

بكلمات مليئة بالحزن بدأت أم علي (50 عاماً) حديثها، وهي سيدة سورية نازحة منذ ست سنوات من ريف معرة النعمان الشرقي التابع لمحافظة إدلب، إلى مخيمات النازحين قرب مدينة إدلب، وأم لأربعة أولاد فقدت أحدهم في قصف سابق على بلدته قبل النزوح.

فقد استهدف القصف محطة الكهرباء في مدينة دركوش بريف إدلب الغربي، وورشة عمال حجر في محيط مدينة إدلب، ومحيط مخيم التح بالقرب من محافظة إدلب، وبلدة النيرب وسرمين وتفتناز بريف ادلب، ومدينة الأتارب بريف حلب.

لعلّ تعريفنا شعوباً ناطقةً بالعربية لم يعد يستقيم من دون الانتباه إلى أننا صرنا شعوباً متفلّتةً من الجغرافيا. الحروب الدائرة في منطقتنا والنزاعات الأهلية والقمع، حوّلتنا إلى مشردين، بين لاجئين ونازحين، وأي تفكير في مستقبلنا لم يعد ممكناً من دون متابعة تفاصيل حياة الجميع، أينما كانوا، وهو ما نحرص عليه في رصيف22. اكتبوا قصصكم. أخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا.

فرحان (35 عاماً) عامل في محطة الكهرباء بمدينة “دركوش” يقول: “كنا أنا وزميلي نعمل في محطة كهرباء الكيلاني، وقبل الانتهاء من عملنا بلحظات استهدفتنا الطائرة الحربية، ما أدى الى إصابتي بشظايا، إحداها في كتفي، اضطرتني لإجراء عملية جراحية لاستخراجها”.

يتابع فرحان حديثه وهو خائف من وضعه الصحي المتدهور، يقول: “أنا أب لأربعة أولاد، ومسؤول عن والدي ووالدتي، وأخشى ألا استطيع متابعة عملي في شركة الكهرباء الذي يحتاج إلى جهد وتحمل، فأنا أعتمد على الراتب الذي أتقاضاه في معيشتي اليومية، ولا يوجد لدي مصدر دخل ثان”.

وبحسب “الدفاع المدني السوري – الخوذ البيض” فقد “بلغ عدد الهجمات التي استجابت لها فرق الدفاع المدني السوري خلال الأيام السابقة، أكثر من 34 هجوماً من قبل قوات النظام وروسيا وحلفائهم، منها 18 هجوماً بالطائرات الحربية الروسية، و13 بالقذائف المدفعية، و3 براجمات الصواريخ. وتسببت هذه الهجمات بمقتل 12 وإصابة 58 مدنياً بجروح بعضها بليغة”.

وأضافت الخوذ البيضا في تقرير لها: “منذ بداية العام الحالي وحتى نهاية شهر أيلول الماضي استجابت فرقنا لـ 698 هجوماً من قوات النظام وروسيا والميليشيات الموالية لهم أدت لمقتل 66 مدنياً بينهم 18 طفلاً و 8 نساء، وإلى إصابة 272 مدنياً بينهم 110 أطفال و34 امرأة.”

نزوح الشتاء أشد قسوة

 

بطبيعة الحال، أدّت العمليات العسكرية والقصف إلى تفاقم الأزمة الإنسانية، وحركات نزوح خفيفة نحو المناطق الأكثر أمناً في المخيمات على الحدود السورية التركية.

ترى أم علي أن النزوح أصعب مع بداية فصل الشتاء بسبب تدني مستويات المعيشة وانعدام الدخل والافتقار لمواد التدفئة وعدم القدرة على تأمينها. تقول: “اليوم أنا وعائلتي نزحنا تاركين خلفنا كل شيء لنعيش حياة نزوح جديدة تفتقر لكل شيء، نحن بحاجة إلى مساعدة إغاثية ورعاية صحية وتأمين مسكن يؤمن الدفء لعائلتي”.

بحسب الخوذ البيض بلغ عدد الهجمات التي استجابت لها فرق الدفاع المدني السوري خلال الأيام السابقة، أكثر من 34 هجوماً من قبل قوات النظام وروسيا وحلفائهم، وتسببت هذه الهجمات بمقتل 12 مدنياً وإصابة 58 منهم بجروح بعضها بليغة

أما عبد السلام اليوسف (55 عاما) وهو مدير مخيم التح، والواقع في محيط محافظة ادلب، فيقول لرصيف22: “في الآونة الأخيرة تعرضت المنطقة التي كنا نقطنها إلى قصف شديد من قبل الطائرات الحربية، مما أجبرنا على ترك خيامنا والتوجه إلى منطقة مورين غرب بلدة كفرجالس بريف إدلب الغربي”.

وأضاف اليوسف: “هذا الانتقال يعني عودتنا إلى نقطة الصفر، خاصة أننا في الوقت الحالي في مخيم يفتقد أدنى مقومات الحياة، فلا يوجد داخله طرقات ولا مياه للشرب، والوضع مأسوي جداً بالنسبة لنا، ونحن على أبواب فصل الشتاء”.

ويختم اليوسف الذي هو، بالإضافة إلى عمله كمدير مخيم، أب لعشرة أطفال: “موضوع آلية عدم استقرار أهالي المخيمات، يفرض هذا الواقع عدة صعوبات منها قلة الدعم وعدم قدرة المنظمات على الاستجابة الفورية، خاصة أن المنظمات لا تعمل إلا في أماكن آمنة”.

لا خدمات ولا استجابة

 

حذر فريق “منسقو استجابة سورية” من “استمرار التصعيد العسكري في المنطقة، الأمر الذي يؤدي لتوسع حالات النزوح وزيادة الكثافة السكانية في المنطقة بشكل عام والمخيمات تحديداً”.

وجاء في بيانهم الذي نشر في 15 تشرين الأول/ أكتوبر: “خلال 36 ساعة، هاجمت الطائرات الحربية الروسية المنطقة بأكثر من 35 غارة جويّة، تركّزت على مناطق حيوية ومحيط مخيمات ومحطات مياه وكهرباء وأحياء سكنية… فمنذ مطلع العام الحالي تجاوز عدد الاستهدافات من قبل قوات النظام السوري والمتحالفين معها، أكثر من 2877 استهدافاً متسببة بمقتل 48 مدنياً بينهم 6 نساء و12 طفلاً، وإصابة 236 آخرين، بينهم 39 امرأة و91 طفلاً”.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

بشار الفارس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى