الكُرد السوريون بين المأزق الدبلوماسي وصراع المصالح الدولية … كجال درويش
يواجه الكُرد السوريون اليوم مأزقًا حقيقيًا لم يتشكّل بين ليلة وضحاها، بل هو نتيجة لتراكم أخطاء سياسية ودبلوماسية استمرت لعقود، جعلتهم عاجزين عن الاستفادة من تضحياتهم العظيمة في الساحة السياسية والدولية. فمن جهة، تمكن الكُرد من تحقيق مكاسب على الأرض، خاصةً في مواجهة التنظيمات الإرهابية، لكنهم فشلوا في تحويل هذه المكاسب إلى قوة دبلوماسية تضمن حقوقهم ومستقبلهم في سوريا.
المشكلة الأبرز التي تواجه الكُرد السوريين هي الانقسام الداخلي، سواء في السياسة أو القوى العسكرية. هذا الانقسام لا يضعف الموقف الكُردي أمام الأطراف السورية الأخرى فحسب، بل ينعكس سلبًا على صورتهم أمام المجتمع الدولي. الغرب، الذي يميل إلى التعامل مع الشعوب ككتلة واحدة، يجد صعوبة في فهم الانقسامات العميقة بين الفصائل الكُردية. بل إنه يرى في ذلك دليلًا على غياب النضج السياسي والدبلوماسي، مما يدفعه للتعامل مع الكُرد كأداة مؤقتة تخدم مصالحه، بدلاً من اعتبارهم شريكًا موثوقًا في رسم مستقبل سوريا.
غياب الدبلوماسية الفعالة هو أحد أهم عوامل الفشل الكُردي في تحقيق مكاسب سياسية تعادل تضحياتهم العسكرية. فقد اقتصرت الجهود الدبلوماسية على نطاق ضيق، ولم تُثمر عن حضور قوي في المحافل الدولية، حيث تُرسم خرائط المستقبل لسوريا والمنطقة. في المقابل، تواصل أطراف أخرى، بعضها معادٍ للهوية الكُردية، الضغط على القوى الغربية لتهميش القضية الكُردية أو تقديمها بشكل يخدم مصالحها.
هذا الغياب لم يكن سوى نتاج تراكم أخطاء ارتكبها مدّعو السياسة والثقافة، الذين فشلوا في بناء خطاب موحد أو رؤية مشتركة تمثل جميع الكُرد السوريين. هؤلاء، للأسف، قدموا صورة مُربكة للعالم عن شعبهم وأهدروا فرصة ذهبية لكسب الدعم الدولي.
لا شك أن الغرب، بمؤسساته السياسية والعسكرية، يتحرك بناءً على مصالحه العليا. وفي هذا السياق، استخدم القوى الكُردية في سوريا كشريك فعّال ضد الإرهاب، لكنه يبدو اليوم أقل اكتراثًا بمصيرهم، خاصةً مع تغيّر أولويات القوى الدولية والإقليمية. هذا التعامل البراغماتي يفرض على الكُرد إدراك أنهم لن يحصلوا على دعم دائم ما لم يوحدوا صفوفهم ويقدموا أنفسهم كقوة سياسية متماسكة.
حلول مقترحة
للتغلب على هذا المأزق، ينبغي على الكُرد السوريين تجاوز الانقسامات الداخلية والعمل على بناء مشروع قومي مشترك يُعبّر عن تطلعاتهم جميعًا. يجب أن يستند هذا المشروع إلى الأسس التالية:
- تغليب المصلحة العامة: يجب أن تتخلى القيادات عن المصالح الضيقة لصالح مصلحة الشعب الكُردي ككل. فالوحدة هي السلاح الأقوى أمام الأطراف الأخرى.
- تعزيز الكفاءة الدبلوماسية: العمل على تطوير دبلوماسيين محترفين قادرين على تمثيل القضية الكُردية في المحافل الدولية، بطريقة تعكس تطلعات الشعب ومظلوميته بدلاً من الاقتصار على ردود أفعال محدودة.
- تنويع التحالفات الدولية: السعي إلى تحالفات أوسع لا تقتصر على الغرب فقط، بل تمتد إلى دول أخرى قد تشكل دعمًا للقضية الكُردية، مع الحفاظ على استقلالية القرار السياسي.
- بناء شراكات وطنية: لا يمكن للكُرد تحقيق أهدافهم بمعزل عن السوريين الآخرين. لذا، يجب تعزيز العلاقات مع المكونات السورية الأخرى وإظهار الكُرد كشريك إيجابي في بناء مستقبل سوريا.
ما يعانيه الكُرد السوريون اليوم هو نتيجة لعقود من غياب رؤية استراتيجية واضحة وقيادة دبلوماسية حقيقية. لكن الفرصة لم تُفقد بعد. فالعالم، رغم براغماتيته، يحترم القوى الموحدة القادرة على الدفاع عن حقوقها بذكاء ودبلوماسية. ما لم يتدارك الكُرد هذه القضايا، فإنهم لن يحصلوا سوى على “حقوق ثقافية” محدودة، بينما تضيع حقوقهم السياسية والقومية. المستقبل يتطلب كفاحًا جديدًا يوحد الشعب الكُردي تحت راية واحدة ويعيد صياغة علاقاتهم مع العالم بمنطق القوة والحكمة معًا.