خيبة السوريين من الائتلاف الوطني وهيئة التفاوض: جذور الأزمة وآفاقها … غطفان غنوم
مع استمرار الأزمة السورية وتفاقم معاناة الشعب، أصبحت خيبة الأمل من الائتلاف الوطني وهيئة التفاوض جزءًا من النقاش السياسي والاجتماعي حول فاعلية المعارضة. تبدو هذه الخيبة كمحصلة لفشل المؤسستين في تحقيق الأهداف الجوهرية التي تأسستا من أجلها، وعلى رأسها إسقاط النظام وتحقيق طموحات الشعب السوري في الحرية والكرامة.
تأخر تحقيق هذا الهدف المركزي أدى إلى تآكل شرعية المؤسستين في نظر السوريين، خاصة وأنهما لم تتمكنا من توحيد صفوف المعارضة أو تقديم أداء سياسي ودبلوماسي مقنع. الائتلاف الوطني، الذي كان يُفترض أن يكون صوت الثورة، بات بالنسبة لكثيرين يعبر عن مصالح نخبوية محدودة. الهيئة التفاوضية، من جهتها، خضعت لمسارات سياسية شابها الغموض والبطء، مما جعلها تبدو وكأنها تعمل ضمن هوامش تسمح للنظام السوري بالاستمرار في فرض هيمنته.
إن غياب رؤية استراتيجية واضحة لتحقيق التحول السياسي المطلوب كان من أبرز أسباب تراجع الثقة. فالائتلاف الوطني وهيئة التفاوض لم ينجحا في بناء جبهة موحدة تضم كافة الفاعلين السياسيين والعسكريين المعارضين. هذا الفشل في التنسيق انعكس مباشرة على الأداء السياسي والدبلوماسي، حيث ظهرت المعارضة في المحافل الدولية بمواقف متناقضة وغير متماسكة، وهو ما أدى إلى تقليل أهميتها كلاعب سياسي جاد.
من جهة أخرى، باتت تبعية المؤسستين للداعمين الخارجيين موضع انتقاد واسع. سيطرة المصالح الإقليمية والدولية على قرارات الائتلاف والهيئة جعلت العديد من السوريين يشعرون بأنهما فقدتا استقلاليتهما. هذا التوجه ظهر بوضوح في الانخراط في مسارات مثل “اللجنة الدستورية”، التي اعتبرها البعض انحرافًا عن أهداف الثورة. قبول هذه الآلية التي لا تضمن تغييرًا جذريًا في النظام السياسي بدا كتنازل سياسي مرفوض.
يضاف إلى ذلك الافتقار إلى الكفاءة في إدارة التفاوض. ورغم أن النظام استمر في استغلال الوقت لترسيخ سلطته، لم تتمكن هيئة التفاوض من الضغط لتحقيق تقدم ملموس. على سبيل المثال، لم يؤد أي من جولات المفاوضات في جنيف أو أستانا إلى وقف القصف أو تخفيف معاناة السوريين في المناطق المحاصرة. بل إن استمرار الجرائم بحق المدنيين كشف حدود تأثير المعارضة السياسية في تحريك المجتمع الدولي لصالح القضية السورية.
وعلى الصعيد الداخلي، لم تُظهر المؤسستان وعيًا كافيًا بحجم المعاناة التي يعيشها السوريون. اللاجئون والمهجرون والنازحون، وهم العمود الفقري للقضية، لم يجدوا من يمثل أصواتهم أو يدافع عنهم بفعالية. بدلاً من ذلك، أصبح الأداء متسمًا بالانعزال عن الواقع الميداني، مما رسخ الشعور بأن المؤسستين تعملان بمنطق البيروقراطية السياسية أكثر من تمثيل نبض الثورة.
الفساد وسوء الإدارة كانا أيضًا من الأسباب التي قوضت الثقة. تكررت الاتهامات حول إساءة استخدام الموارد المالية المخصصة لدعم العمل السياسي والإغاثي. هذه الاتهامات لم تقابل بشفافية أو محاسبة جدية، مما جعل السوريين ينظرون إلى المؤسسات المعارضة كمجرد نسخة أخرى من نظام يعانيون منه، وإن كان بوجوه جديدة.
علاوة على ذلك، عجز المؤسستين عن بناء خطاب إعلامي وسياسي قوي ساهم في ضعف تأثيرهما محليًا ودوليًا. القضية السورية التي كانت يومًا محور الاهتمام الدولي تراجعت إلى الهوامش، ولم تتمكن المعارضة من استعادة الزخم من خلال تقديم خطاب مقنع أو بناء تحالفات استراتيجية فعالة.