تشهد أعداد العمال الأجانب في ألمانيا مؤخرا ارتفاعا ملحوظا. فما هي المهن التي تجذب المهاجرين في ألمانيا؟ وما التحديات التي تقف عائقاً أمامهم؟
أعداد الموظفين والعمال الأجانب في ألمانيا آخذة بالارتفاع بمرور الوقت، فبحسب آخر إحصائية أجرتها وكالة العمل الاتحادية في شهر سبتمبر/ أيلول 2024، تبيّن أنه في عام 2023 بلغت نسبة زيادة العمال الأجانب في ألمانيا 15.3 بالمئة، وهي زيادة بمقدار الضعف عما كانت عليه في عام 2010.
ففي عام 2023 بدأ نحو 5.3 مليون موظف أجنبي العمل في ألمانيا من أصل 34.7 مليون موظف. وفي الوقت نفسه، أظهرت دراسة جديدة نشرها المعهد الاقتصادي الألماني IW، بتاريخ 11 سبتمبر/ أيلول 2024، أنه بين عامي 2022 و2023، انخفض عدد الموظفين الألمان بشكل ملحوظ بسبب التقاعد وعوامل أخرى، في حين ساهم العمال الأجانب من دول ثالثة غير أوروبية بنمو معدلات التوظيف في ألمانيا بنسبة 62 بالمئة، مقابل نمو بنسبة 14 بالمئة من قبل العمال الألمان. ما يدلّ على أن العمال الأجانب يساهمون في سدّ فجوة نقص العمالة الماهرة التي تعاني منها ألمانيا، وفي خلقَ فرص عمل بالإضافة إلى دعم استمرار الاقتصاد الألماني.
قطاعات العمل الأكثر جاذبية للمهاجرين
يعمل المهاجرون في ألمانيا في قطاعات مختلفة، لكن هناك مهن تعتبر أكثر جاذبية بالنسبة لهم وخاصة في السنوات الأولى من وصولهم.
بحسب تقرير صادر عن وكالة العمل الاتحادية في عام 2022، بلغ عدد عمال النظافة الأجانب 37.4 بالمئة. وهذه النسبة ليست بعيدة جدا عن نسبة العاملين في أعمال البناء. كما يشغل الأجانب 34.3 بالمئة من العاملين في مجال تصنيع المواد الغذائية، و31.2 بالمئة منهم يعملون في مجال الهندسة المدنية، و28 بالمئة في مجال الضيافة والسياحة.
ومن المهن الأخرى التي يقبل عليها المهاجرون واللاجئون، العمل في مجال النقل وقيادة الشاحنات وخدمات التوصيل وتسليم الطرود البريدية ورعاية المسنين والزراعة.
توضّح وكالة العمل الاتحادية في تقريرها أن العمال الأجانب يتوجّهون في الغالب إلى الأعمال الحرفية التي تعتمد على مهنة يتقنها العامل أصلاً في بلده الأم أو على تدريب مهني يتمّه في ألمانيا، مما يساعد على سدّ الفجوة الحاصلة في المهن التي تعتمد على التدريب المهني، خصوصاً وأن الألمان غالباً ما يفضّلون العمل في المهن الأكاديمية.
تحديات عدة لإدماج اللاجئين في سوق العمل
تؤكد وكالة العمل الاتحادية عبر موقعها الإلكتروني على الإنترنت أن من أبرز التحدّيات التي تواجهها عند دمج المهاجرين واللاجئين في سوق العمل عدم حصولهم على تعليم رسمي، أو صعوبة إثبات مؤهلاتهم في بعض الأحيان وصعوبة الاعتراف بها أو معادلتها في ألمانيا، ما يدفع الكثير من الأشخاص إلى الدراسة مجدداً أو إتمام تدريب مهني يؤهلهم للدخول إلى سوق العمل.
وهو ما قام به عبد العزيز نعسو، سائق قطار ألماني من أصول كردية سورية من مدينة عفرين، وصانع محتوى على مواقع التواصل الاجتماعي، يعيش في ألمانيا منذ 8 سنوات. يقول في مقابلة لموقع مهاجر نيوز: “بعد وصولي إلى ألمانيا كنت أخطط للعمل بمجال الإلكترونيات، المهنة التي تعلمتها في سوريا، وبالرغم من الاعتراف بشهادتي الإعدادية، إلا أنه كان يتوجب علي اجتياز امتحان MSA للالتحاق بتدريب مهني في مجالي”.
التحق عبد العزيز بالمدارس الألمانية واجتاز الامتحان المطلوب، ولكن لم يكن ذلك كافياً للحصول على مقعد في التدريب المهني لهذا المجال، فيقول: “أرسلت أكثر من ثلاثين طلباً إلى شركات متخصصة في مجال الإلكترونيات لأحصل على تدريب، ولكن كان الإجابة دائماً بالرفض”.
فكرة دراسة تدريب مهني لقيادة القطار لم تكن تخطر على بال عبد العزيز إلا عندما استعان به أحد أقاربه لكتابة طلب تدريب مهني في مجال قيادة القطارات، فقرر عبد العزيز إرسال طلب للحصول على تدريب مهني في هذا المجال الذي كان لا يعرف عنه أي شيء على حدّ تعبيره.
وبالرغم من قبوله في التدريب المهني، إلا أن الطريق لم يكن سهلاً على الإطلاق، فاستطاع أن يُنهي دراسته خلال سنة ونصف فقط عوضاً عن ثلاث سنوات، توجّب عليه خلال ذلك إجراء امتحانات صعبة للغاية، يجب اجتيازها بثلاث محاولات وإلا يتم طرده من الأكاديمية. تخرّج عبد العزيز في نهاية عام 2022، وبدأ العمل على الفور.
حاجز اللغة في السنوات الأولى
يعدّ إتقان اللغة الألمانية من التحديات والصعوبات الأخرى التي يمكن أن يواجهها الأجانب واللاجئين عند محاولتهم الحصول على عمل بعد قدومهم، ولهذا يحاولون جاهدين التوجّه إلى مهن لا تحتاج إلى مهارات لغوية عالية أو إلى تدريب مهني، مثل أعمال البناء. وهو ما أكّده أحمد. أ في مقابلة مع موقع مهاجر نيوز، وهو شاب سوري مقيم في ألمانيا منذ أكثر من سنتين.
يقول أحمد: “فور قدومي إلى ألمانيا سعيت للحصول على عمل لأتمكن من لم شمل زوجتي وأطفالي من تركيا، ولم يكن أمامي سوى التوجّه لأعمال البناء بسبب عدم قدرتي على تحدّث اللغة الألمانية”.
وأكّدَ أحمد أن هذه المهنة لم تكن مجرّد محطة مؤقتة في حياته، بل يطمح لأكثر من ذلك، فأضاف: “الآن وبعد أن أصبحت أسرتي بجانبي، سأبدأ تعلّم اللغة الألمانية وأنوي إتمام تدريب مهني (أوسبيلدونغ) في مجال أعمال البناء”.