أصوات حمصية: قصص مؤلمة عن الفلتان الأمني…و”الإدارة” تبدأ الاستجابة

أطلق سوريون حملة واسعة في مواقع التواصل الاجتماعي للإضاءة على حوادث الخطف والقتل في مدينة حمص خلال الأيام الماضية، والتي أثارت قلقاً واسعاً بين السكان الذين تحدثوا عن مخاوف ملموسة، مع وجود قصص تم توثيقها في المدينة.

وتحدث سوريون عبر صفحاتهم الشخصية عن حوادث جرت مع أفراد عائلاتهم، بينما سلطت صفحات محلية وصحافيون وناشطون إعلاميون، الضوء، على مجموعة من الجرائم، للحديث بشكل أوسع عن تدهور الوضع الأمني في المدينة وضواحيها، وتزامنت هذه الأحداث مع حملات تمشيط أطلقتها مديرية الأمن في حمص لمحاربة فلول النظام السابق.

وتم العثور على جثث شبان اختطفوا قبل أيام في مناطق متفرقة من حمص، من خلفيات طائفية متعددة، من بينهم الشاب عزيز ممدود أحمد (23 عاماً) وهو طالب في كلية الصيدلة، وعبد الله حسام الدين الناعم (24 عاماً) ومدرس اللغة الإنجليزية فراس جمال العاقل (23 عاماً)، وانتشرت نعوات لهم في مواقع التواصل وقصص شخصية سردها أفراد عائلاتهم ايضاً بشكل مؤثر، فيما ذكر ناشطون سوريون فقدان الاتصال بطبيب الأسنان، يعرب النجم، وشقيقه يزن النجم، من دون معرفة مصيرهما أيضاً.

تلك النماذج التي تم التأكد منها والتحقق من صحتها، تشترك في أن ضحاياها لم يكونوا جزءاً من النظام ولا من الجيش ولا يقومون بالخدمة العسكرية، بل كانوا مدنيين عاديين، وتشكل قصصهم في الواقع مجموعة من حوادث أخرى انتشر الحديث عنها ضمن الحملة التي تطالب السلطة الجديدة في سوريا بتفعيل مزيد من الحماية للسكان، فيما لا تُعرف هوية الجهات التي ترتكب هذه الجرائم، والتي قد تكون مرتبطة بالنظام السابق على سبيل المثال في محاولة لإشعال الفتنة ونشر الذعر، أو قد تكون مجرد عصابات إجرامية وجدت في الفوضى الحاصلة في سوريا فرصة للازدهار.

وفي ردها على المخاوف الأمنية، استجابت الحكومة المؤقتة وأعلنت نشر حواجز أمنية داخل حمص. وفيما رحب ناشطون بهذه الخطوة، رأوا أنها تبقى خطوة أولى، لأن كثيراً من حوادث الفلتان الأمني تحصل في عموم المحافظة، وهي الأكبر مساحة في البلاد، وليس ضمن المدينة فقط. وتستهدف الجرائم بالتحديد أفراداً خلال تنقلهم من وإلى مدينة حمص، خارج الأحياء السكنية في المدينة، من قِبل عصابات تهدف للحصول على فدية، وهو أمر كان شائعاً قبل سقوط النظام السوري على أيدي ميليشيات مرتبطة به.

ورغم التصريحات الرسمية القليلة عن الموضوع، والوعود بالمتابعة، فإن القضية بقيت محصورة في مواقع التواصل التي يسعى الأفراد فيها إلى تشكيل قضية رأي عام أوسع، مع الإشارة إلى أن وسائل الإعلام الرسمية ما زالت متوقفة عن العمل في معظمها، تحديداً القنوات التلفزيونية، فيما لم تقدم وسائل الإعلام شبه الرسمية التي عادت للعمل بعد سقوط النظام، أي جديد، سوى تغيير ولائها السياسي من النظام إلى المعارضة التي أسقطته، بشكل يظهر الخلل البنيوي في الإعلام السوري ككل. بينما يبدو الإعلام المستقل بعيداً عن تغطية هذه النوعية من القضايا المحلية، مركزاً على الشأن السياسي في العاصمة دمشق بوصفه “أكثر إلحاحاً”.

وفي ظل التعتيم الإعلامي حول قضايا الخطف وتضارب المعلومات بشأن الأسباب والدوافع، وغياب التصريحات الحكومية الواضحة، يصبح الجو مهيئاً لانتشار القصص الكاذبة والمضللة. إذ يمكن نشر معلومات عن قصص مزورة لحوادث قتل وخطف، ما يقوّض، لدى اكتشاف التضليل، مصداقية الكلام عن مشكلة أمنية حقيقية، وهو ما أشار إليه ناشطون وصحافيون مستقلون خلال الأيام القليلة الماضية أيضاً.

وقالت الصحافية السورية آلاء عامر، في حديث مع “المدن”: “هناك تعتيم إعلامي على ما يجري في حمص، ولا وسائل إعلام ترافق حملات المداهمات الأمنية التي تحدث”، في إشارة إلى مداهمات الإدارة السورية الجديدة في المحافظة. فيما تحدث ناشطون عن أن عمليات الخطف تتم عبر شخصيات تقدم نفسها أولاً على أنها ذات صفة أمنية، ما فرض على الحكومة المؤقتة إصدار تحذير بهذا الخصوص هذا الأسبوع.

وأصدرت الحكومة بياناً رسمياً يؤكد تخصيص بطاقات أمنية ومهام اعتقال رسمية للدوريات العاملة ضمن المناطق الخاضعة لسيطرتها، بهدف الحد من التجاوزات وحماية المدنيين. وأوضح البيان أنه يجب إظهار تلك البطاقات من قبل الدورية المكلفة بالاعتقال. وطلبت الحكومة من المواطنين الإبلاغ على الفور عن أي عملية اعتقال لا يتم فيها إشهار البطاقة الأمنية بالإضافة إلى مهمة التوقيف، وجمع المعلومات عن العصابة، مثل نوع السيارات وأرقامها، مع الامتناع عن تسليم النفس.

وتقول عامر: “نحن كصحافيين وصحافيات، بسبب غيابنا عن الميدان وعدم توافر معلومات مؤكدة، يصبح صعباً علينا نشر أي أخبار قد تكون غير دقيقة، ما يعرضنا لخطر الوقوع في فخ نشر معلومات غير موثوقة، ويقلص في الوقت نفسه قدرتنا على نشر الحقائق بسبب عدم تأكيدها”، وهو ما يقتضي التريث في تحريك قضية مهمة وإنسانية مثل قضية الجرائم الحالية في حمص. وتضيف عامر أن “غياب تصريحات رسمية أو تأكيد حول مصير المخطوفين يجعل وسائل التواصل الاجتماعي المصدر الوحيد لتداول هذه الأخبار، وهو أمر غير صحي”.

وتشير عامر إلى أطراف مشبوهة قد تكون مستفيدة من نشر هذه النوعية من الأخبار أو استغلالها لإحداث فتنة طائفية بين مختلف الأطراف.

من جانبه، قال الصحافي المستقل والناشط في الشأن العام رواد بلان لـ”المدن”: “نعيش اليوم في منطقة يسودها الانفلات الأمني وتعدد السيطرة، وهناك تقاذف للمسؤوليات بين الإدارة الجديدة والفصائل التابعة لها. لذلك، لا أمان حقيقيً يتيح للصحافيين الدخول إلى بعض المناطق. أي شخص يذهب إلى هناك يتحمل المسؤولية على عاتقه الشخصي. بعض الفصائل الموجودة تتسم بالتشدد والخطورة، ما يجعل التعامل معها محفوفاً بالمخاطر، لهذا لا يجرؤ الصحافيون، خصوصاً الأجانب، على دخول هذه المناطق”.

وأضاف بلان: “الأهالي يخشون الإدلاء بشهاداتهم بسبب الخوف من التعرض للأذى، ولا تواصل واضحاً بين الأهالي والجهات المعنية. ما حدث شكّل صدمة وخوفاً كبيرَين، خصوصاً بين الأقليات في بعض المناطق”.

ورأى بلان أن “البلد بحاجة ماسة إلى منظمات مثل الأمم المتحدة والصليب الأحمر، لتوثيق الانتهاكات وحماية المواطنين من المخاطر التي تهدد حياتهم يومياً”.

وأفادت مصادر من أهالي مدينة حمص لـ”المدن”، تحفظت عن ذكر هويتها بسبب مخاوف أمنية، أن بعض الجماعات المسلحة المجهولة يعمل تحت غطاء الثورة لارتكاب جرائم قتل وخطف. وأشار أحد المواطنين إلى أن بعض الفصائل “تمارس أعمالاً انتقامية ضد الأبرياء، ما يشوه صورة الثورة ويحدث الفتنة والتفرقة بين السوريين”. وأكد المصدر نفسه أن الجماعات المسلحة يجب أن تخضع للمحاسبة، مشدداً على ضرورة تدخل السلطات لنزع أسلحتها وحماية المدنيين.

في ضوء ذلك، نقلت وكالة “سانا” الرسمية عن مدير الأمن العام في حمص، دعوته الأهالي إلى مراجعة المراكز الأمنية في حال تعرضهم لأي تجاوزات خلال حملات التمشيط. وقال: “نهيب بأهلنا في أحياء مدينة حمص التي حصلت فيها عمليات التمشيط، بأنه في حال حصول أي تجاوزات من قبل عناصرنا أو تعدٍّ على ممتلكاتهم، مراجعة مراكزنا المعروفة بالمدينة لنتابع هذه القضايا ونعيد الحق لأهله”.

كما أكد المدير، الذي لم تذكر الوكالة اسمه، أنه تم توقيف عدد من المشتبه بهم خلال الحملة، وتحويل من ثبت بحقه جُرم، إلى القضاء، فيما أُطلق سراح آخرين. وأضاف أن قوات العمليات العسكرية ستنسحب من المناطق فور انتهاء الحملة، مع الإبقاء على حواجز أمنية لضمان الاستقرار.

 

 

المدن – مصطفى الدباس
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى