منذ نحو 3 أسابيع وأهالي السويداء لا يغادرون ساحتهم في قلب المدنية، التي أطلقوا عليها مع أولى صيحات الحرية اسم “ساحة الكرامة”؛ مؤذنين بطريق اللاعودة في سبيل مطالب العدالة والديمقراطية، وإلى جانبهم تراقصت قلوب السوريين من إدلب شمالا إلى درعا جنوبا، متلهفين لأخبار أبناء الجبل الذين أحيوا الأمل بثورة صارعت قوى عظمى وغدر بها القريب قبل البعيد.

 

ثورة أم حكم ذاتي

 

ما ان بدأت احتجاجات السويداء المناهضة للأسد ونظامه، حتى اشتغلت ماكينة إعلام ما يسمى بـ”حلف الممانعة”، لتشويه صورة المظاهرات الحضارية والحراك السلمي (وفق كل الأعراف الثورية)، فتارة يتهم المتظاهرين بتنفيذ “أجندات صهيو-أمريكية”، وتارة بـ”السعي للاستقلال وإقامة حكم ذاتي”، وهي سياسة اتبعتها الآلة الإعلامية منذ عام 2011، غير مكترثة بمطالب الشعوب المحقة في التغير والديمقراطية والعيش بدولة عادلة يحكمها القانون لا الأجهزة البوليسية.

 

الناشط السياسي والإعلامي “سليمان الكفيري”، أكد في حديث مع “زمان الوصل”، أنه مع كل تحرك جماهيري تزداد أكاذيب أبواق النظام محاولة بكل الأساليب المتبعة شق الصف الواحد في اتجاهات مختلفة، معتمدة أسلوب التفرقة لأضعاف الحراك، إضافة إلى اللعب على موضوع الزمن، مشددا على أن ما يجري الحديث عنه حول “الاستقلال” و”الحكم الذاتي”، عار عن الصحة لعدم وجود حامل اجتماعي ولأن الوعي الوطني منذ أكثر من 100 عام، يقوم على الربط الوجداني لكل المنطقة الجنوبية بسوريا الام”.

 

وقال: “هذا الأمر ورثناه ورضعناه مع الحليب لنبقى على كامل التواصل الانساني والوطني مع فئات الشعب السوري جغرافيا واجتماعيا”، معتبرا أن الهدف من إطلاق هذه الدعاية هو “إضعاف للجميع”.

 

ومضى لأبعد من ذلك، موضحا أن فرضية “الحكم الذاتي” أو “الانفصال”، لا تتوفر لها مقومات للحياة مثل “البنية التحتية الاقتصادية، فالسويداء لا تمتلك ثروات وبترول ولا خطوط تواصل مع الدول المجاورة حتى معبر الأردن لا يشكل أي اتصال حيوي اقتصادي”، والأهم من كل لا يوجد “مقومات سياسية واجتماعية واقتصادية لإقامة الحكم الذاتي”.

 

“الدولة” عند الطلب

 

أساليب النظام لم تقف عند هذا حد التخوين، بل عاد للتلويح بورقة تنظيم “الدولة”، الذي سبق وأن سلطه على المحافظة عام 2017، بعد أن نقل عناصره على مرأى العالم، بحافلات “مكيفة” من جنوب العاصمة إلى شرقي السويداء، التي شقت عصا الطاعة ورفضت إرسال الشبان للتجنيد في جيش النظام، لأن مهمتهم ستكون هناك قتل السوريين في إدلب وحمص ودرعا والغوطة وغيرها من المدن السورية.

 

“الكفيري”، نوه عبر حديثه ، إلى أن “التجارب السابقة تضعنا في موضع الحذر الشديد تجاه ردود أفعال النظام وأساليبه، فهو استخدم في السابق تنظيم الدولة ويحاول التهديد بجبهة النصرة وإثارة الفتنة بين أهالي الجبل والسهل أصحاب النسيج الاجتماعي الواحد، أو أبناء الدروز والعشائر السنية، كل هذا باء بالفشل”، لكنه رجح أن يلجأ النظام إلى حيل جديدة عبر التلويح بتهديدات معلنة أحيانا ومبطنة عبر العمل على شق الصف الأهلي للسويداء”، لافتا “لا نعرف ماذا سيفعل النظام غدا، ولهذا نحن في حذر دائم ومستعدون لجميع الاحتمالات”.

 

وعاد للتأكيد: “لا نعتبر أنفسنا في مواجهة الجيش والأجهزة الأمنية.. للحراك مطالب تتعلق بالوضع الاقتصادي والمعاشي والضائقة الاجتماعية والأمنية، وهنا شعارات سياسية تهدف إلى التغيير الوطني الديمقراطي وتنفيذ قرارات الأمم المتحدة على رأسها القرار رقم 2254”.

 

وقال: “النظام له تجربة قمعية تاريخية عبر تنظيمات استبدادية حكومات عسكرية منذ توليه السلطة، مارس عبرها الضغط على السويداء للحصول على مواقف سياسية، لكنه الآن لا يعرف أن هذه الأساليب لم تنجح ولن تهز الجبل ولن تفصله عن الجسد الأم”.

 

وأضاف أن النظام إلى جانب كل ذلك، يلعب على ورقة “الأقليات”، كشف السوريون زيفها وتضليلها.. مشددا على أن “أهالي السويداء ليسوا أقليات لأنهم ضمن النسيج الاجتماعي السوري على اختلاف بيئاته وقومياته.. لذلك هو يفكر كثيرا قبل أن ينشر جيشه ودباباته في شوارع المحافظة ويعيد تجربة القصف بالبراميل والطائرات، هذا كله لن يكون في مصلحته الآن، بسبب الظروف الدولية والإقليمية وأثرها على كل تحرك”.

 

ثورة للجميع

 

علينا أن “لا نغفل دور القوى الفاعلة التي تدير الأزمة في سوريا وأن ندرك تماما أن القضية السورية ليست سورية بالمطلق، وإنما أصبحت دولية وصراع دولي على الأراضي السورية، نتيجة ضعف النظام الذي استدعى الكثير من الميليشيات لتدعمه على الأرض، لهذا علينا التكاتف والتحرك لحماية مصالحنا ومستقبل أولادنا”، يقول “الكفيري”، مؤكدا أن الانتفاضة في السويداء تعي هذا لذلك شملت معظم المناطق ومعظم الأهالي على اختلاف انتماءاتهم واتجاهاتهم.

 

ولفت إلى أن الحراك دخل اسبوعه الثالث “نحاول بكل جهد حماية هذا الحراك من السقوط في فخ السلطة والأجهزة الأمنية والتدخلات الدولية ليبقى شعارنا الأساسي المطالبة بالتغيير الديمقراطي والانتقال إلى الدولة العلمانية الحديثة الديمقراطية التي تستند إلى الدستور لا يميز بين مواطنيه على اختلاف انتماءاتهم الدينية والإثنية، والقومية، والفئوية، والسياسية”، معبرا عن أمله “الكبير بأن ينتشر هذا الحراك إلى كافة بقاع الجغرافية السورية ويكون قوة مؤثرة على شعوب العالم وأنظمتها وعلى الأمم المتحدة والجهات المعنية والفاعلة في تطور الاوضاع في سوريا”.

 

وختم “الكفيري” حديثه بالقول: “الحراك في الشارع أمر هام وكبير من أجل تغيير هذا النظام.. آن الأوان ليمتلك السوريون السيادة على قرارهم كما يمتلكون السيادة على الأرض ليكون الحل سوري – سوري، ولتكون ثروات السوريين ملك لهم وتكون علاقتنا مع الدول بناء على مصالح الشعب السوري لا بيع مستحقاته وثرواته.