يبدأ العام الدراسي الجديد في فرنسا اعتباراً من بداية هذا الأسبوع على وقع القرار المثير للجدل لوزير التربية الوطنية (التعليم) الفرنسي، غابريال أتال، بمناسبة الدخول المدرسي، بحظر ارتداء العباءة (العباية) في المدارس الفرنسية، ووضع قواعد واضحة على المستوى الوطني سيتعين على مديري المدارس اتباعها، موضحاً أنه اعتبارا من يوم غد الإثنين الرابع أيلول/سبتمبر الجاري، لن يتمكن أي من التلاميذ من دخول الحصص الدراسية مرتدياً العباءة، التي اعتبر أنها تعد «زياً إسلامياً ينتهك قوانين العلمانية الصارمة المطبقة في مجال التعليم في فرنسا» ليضاف بذلك هذا الزي الطويل الفضفاض إلى الحجاب الذي تم حظره في المدارس قبل نحو 19 عاما، الأمر الذي يَعد باستمرارية النقاشات المتواصلة حول الطابع الديني لرموز ملابس معينة عن تكرار نفسها، منذ اعتماد قانون ارتداء الرموز الدينية في المدارس الفرنسية عام 2004.

 

فأمام تسليط وسائل الإعلام الفرنسية الضوء على تزايد ما تصفها بالاعتداءات على العلمانية في المدارس خلال الفترة الأخيرة ولا سيما من خلال ارتداء العباءات، واستجابة لمطلب مديري المدارس الذين طالبوا بإصدار توجيهات واضحة حول هذا الموضوع المثير للجدل، قال وزير التربية الوطنية أو التعليم الفرنسي غابرييل أتال إن مدارس الجمهورية الفرنسية، في ظل تزايد، الهجمات على العلمانية بشكل كبير، خلال الأشهر الأخيرة، لا سيما عبر ارتداء الملابس الدينية مثل العباءات أو القمصان الطويلة التي ظهرت واستمرت في بعض الأحيان في بعض المؤسسات. وللإشارة، ورد في مذكرة صادرة عن أجهزة الدولة أن الانتهاكات التي تستهدف العلمانية في تزايد كبير منذ جريمة قتل المدرّس صامويل باتي في العام 2020 قرب مدرسته، وقد ازدادت بنسبة 120 في المئة بين العامين الدراسيين2021-2022 و2022-2023. وشدد الوزير على ضرورة «تشكيل جبهة موحدة» في مواجهة الهجمات التي تستهدف العلمانية، واعداً في هذا الصدد بتدريب ثلاثمئة ألف موظف سنويا في قضايا العلمانية حتى عام 2025 وتدريب جميع الموظفين الإداريين البالغ عددهم 14 ألفا بحلول نهاية العام 2023.

 

الوزير الفرنسي، عاد أيضا، يوم الخميس، للتشديد على أن التلميذات اللواتي يرتدن المدارس وهن يرتدين عباءات لن يتمكّن من دخول الصفوف، لكن «سيرحّب بهن» في المؤسسات التعليمية التي «ستشرح لهن معنى» هذا الحظر منذ بداية العام الدراسي، مشيراً أن القاعدة الجديدة ستشمل أيضا ارتداء القميص (عباءة رجالية) معتبراً أن «وراء العباءة والقميص، هناك فتيات وفتيان صغار وهناك عائلات سيتعين الحوار معهم كي يُشرح لهم معنى هذه القاعدة» وأوضح الوزير أنه سيرسل كتاب إلى رؤساء المؤسسات «مخصص للعائلات» المعنية، مشدداً على أن «العلمانية هي إحدى القيم الأساسية لمدارس الجمهورية الفرنسية».

 

تؤكد الحكومة أن قرارها يعد تطبيقاً صارماً لقانون عام 2004 المتعلق بالمؤسسات التعليمية الذي ينظم، تطبيقاً لمبدأ العلمانية، ارتداء العلامات أو الملابس التي تدل على الانتماء الديني في المدارس العامة والكليات والمدارس الثانوية.

 

ينص هذا على أنه في المدارس العامة والكليات والمدارس الثانوية، يُحظر ارتداء العلامات أو الملابس التي يظهر بها الطلاب ظاهريًا انتماءهم الديني. وقد صدر منشور أو تعميم في ايار/مايو 2004 لتحديد شروط تطبيقه، ينص على أن العلامات والأزياء المحظورة هي تلك التي يؤدي ارتداؤها إلى التعرف على الفور على انتماء الشخص الديني، مثل «الحجاب الإسلامي» مهما كان اسمه، أو الكبة أو الصليب في الحجم المفرط بشكل واضح. وفي ورقة موجهة إلى مديري المدارس، تم ذكر العباءات، بنفس الطريقة مثل التنانير الطويلة، باعتبارها لا تشكل «زيًا دينيًا بطبيعتها» ولكنها ثوب يمكن أن «يتخذ طابعًا دينيًا محتملاً» ليتم تقييمه فيما يتعلق بسلوك التلميذ.

 

وأكد غابرييل أتال أن رؤساء المؤسسات سيتسلمون قريباً «مجموعة نصوص» من أجل تبديد «الغموض» حول القواعد المعمول بها. وأوضح أن «نقطة في التعميم الذي صدر العام الماضي تحتاج إلى توضيح، وهي مسألة لبس العباءة والقميص، وبالتالي ستكون هناك مذكرة توضح هذه النقطة».

 

وأكد الوزير أنه من المخطط أيضًا تقديم «دعم إنساني» مع إمكانية إرسال فرق إلى المؤسسات الأكثر تضرراً «من بداية السنة الدراسية ولعدة أيام إذا لزم الأمر».

 

شكل من أشكال الموضة

 

قرار الحكومة الفرنسية، هذا كان موضع جدل كبير وتباين في الموقف حياله، وكذلك الحال بالنسبة لمعنى هذه الملابس التقليدية. فقد اعتبر المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية «CFCM» أن العباءة ليست بأي حال من الأحوال لباساً دينياً للمسلمين.

 

واعتبر نائب رئيس المجلس، عبر عبد الله زكري، في مداخلة مع قناة «بي ف أو تي في» الفرنسية تعقيباً على إعلان وزير التعليم غابريال أتال حظر العباءة في المدارس، أنه كان بإمكان الوزير أن يناقش ويطلب رأي الزعماء الدينيين، مشددا في الوقت نفسه على أن العباءة ليست لباساً دينياً، بل هي شكل من أشكال الموضة، ومستغرباً من تصدر موضوع العباءة لأولويات الحكومة فيما يتعلق بالمدارس، في الوقت الذي تشعر فيه فرق التدريس بالقلق من نقص الإمكانيات، ومن نقص المعلمين، ومن مشاكل عديدة في المدارس.

 

وكان المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية قد أكد، في بيان صحافي نُشر في شهر حزيران/يونيو الماضي، أنه «في التقاليد الإسلامية، فإن أي ملابس مهما كانت ليست علامة دينية إسلامية». من جانبها، اعتبرت النقابة الرئيسية في التعليم الثانوي (المدارس المتوسطة والثانوية) Snes-FSU أن «كل هذا التركيز على العباءة هو أمر غير متكافئ» حيث اعتبرت الأمينة العامة للنقابة، صوفي فينيتيتاي، أن «العباءة ليست المشكلة الرئيسية لبداية العام الدراسي الجديد، والتي تتمثل في الأعداد في الصفوف، ونقص المعلمين».

 

لكن غالبية المنظمات النقابية في مجال التعليم رحبت بقرار وزير التربية الوطنية غابرييل أتال، حيث اعتبر برونو بوبكيويتز، الأمين العام للنقابة الوطنية لموظفي إدارة التعليم الوطني أن «التعليمات لم تكن واضحة، الآن هي كذلك ونحن نرحب بذلك. والآن وقد وردت الرسالة، يجب أن تطبق في المؤسسات ويجب ألا يكون رؤساء المؤسسات وحدهم في مواجهة العباءات».

 

وفي مقابلة خصت بها إذاعة «فرانس إنفو» أوضحت آن لور زويلينغ، الباحثة في أنثروبولوجيا الأديان بالمركز الوطني للبحوث العلمية، أن العباءة ليست لباسًا مرتبطًا مباشرة بعبادة المسلمين، بل «بالثقافة» معتبرة أنه «لو كانت العباءة لباسًا دينيًا، لوجب على جميع النساء المسلمات ارتدائها» موضحة أنه لا يوجد نص يذكرها بشكل مباشر.

 

ويرى هواس سنيغير المحاضر في المعهد الأوروبي للدراسات السياسية في ليون والمتخصص في الشؤون الإسلامية، متحدثاً لوكالة «فرانس برس» أن أفضل طريقة لمعرفة ما إذا كان ارتداء العباءة دينيًا أم لا، «هو معرفة المعنى الذي يعطيه هذا الثوب من قبل أولئك الذين يرتدونه».

 

ردود الفعل السياسية

 

على الصعيد السياسي، كان قرار الحكومة حظر العباءة في المدارس موضع ترحيب عام من اليمين وانقسام في صفوف اليسار، فقد لاقى ترحيباً واسع النطاق داخل الأغلبية الحاكمة، وكذلك الحال من أحزاب اليمين التي كانت تطالب بهذا الإجراء.

 

وقال إريك سيوتي، رئيس حزب «الجمهوريون» اليميني المحافظ الديغولي، قال، مُشيداً بالخطوة: «لقد طالبنا مرارا وتكرارا بمنع العباءات في مدارسنا. أرحب بقرار وزير التربية الوطنية الذي يثبت أننا على حق».

 

وعلى نفس المنوال تحدث زميله فرانسوا غزافييه بيلامي، في البرلمان الأوربي عن حزب «الجمهوريون» قائلا: «أخيرًا، حان الوقت لوزير التربية الوطنية أن يتناول هذا الموضوع.. أنا سعيد جدًا بعد الكلمة الواضحة من وزير التربية الوطنية».

 

حزب «التجمع الوطني» اليميني المتطرف، من جهته، رحب بحظر الحكومة للعباءة في المدارس، لكنه اعتبر أن هناك الكثير من العمل يتعين على الحكومة القيام به في هذا الصدد، وفق ما ذكر عدد من أعضاء وقيادات الحزب.

 

بدوره، رحب إيريك زمور، زعيم حزب «الاسترداد» اليميني المتطرف، بحظر وزير التربية الوطنية غابريال أتال للعباءة داخل المدارس، معتبراً أن هذا الحظر «يعتبر خطوة أولى جيدة» بشرط تطبيقه. واعتبر إريك زمور أن المدرسة الجمهورية يَجب أن تكون أكثر حزما في مواجهة «أي استفزاز إسلامي».

 

وذهب زمور إلى أبعد من ذلك مقترحاً تعميم ارتداء الزي الرسمي الموحد في المدارس.

 

وهو مطلبٌ، كانت بريجت ماكرون، زوجة الرئيس الفرنسي، وهي مدرسة سابقة وتنشط في المجال، قد أكدت أنه تؤيده، وذلك في مقابلة مع صحيفة «لوباريزيان» الفرنسية، معتبرة أنه «يمحو الاختلافات».

 

وكان غابريال أتال نفسه، قد تحدث عقب تعيينه في منصب وزير التربية والتعليم، في شهر تموز/يوليو الماضي، لصالح تجربة الزي الموحد «للمؤسسات التي ترغب في ذلك». وتُطرح فكرة الزي الرسمي الموحد بانتظام على الطاولة ولكنها تبقى هي الأخرى موضع انقسام.

 

فوفقاً لاستطلاع نشرته شبكة «سي نيوز» الفرنسية في شهر كانون الثاني/يناير الماضي، قال 59 في المئة من الفرنسيين المستطلعة آراؤهم إنهم يؤيدون العودة إلى الزي المدرسي الموحد.

أما على صعيد اليسار، فقد كان حظر العباءة في المدارس محل انقسام، حيث لاقى أيضا ترحيب بعض المنتخبين المنتمين إلى تحالف NUPS لأحزاب اليسار، على غرار النائب البرلماني عن الحزب الاشتراكي جيروم غويدج أو السكرتير الوطني للحزب الشيوعي فابيان روسيل.

 

ووافق مسؤولون منتخبون آخرون من الحزب الاشتراكي والحزب الشيوعي الفرنسي على هذا الحظر على وجه الخصوص باسم مبدأ العلمانية.

 

في المقابل، رأى حزب « الخضر» (أنصار البيئة) في قرار الوزير غابرييل أتال هو بهدف «إثارة جدل عميق لصرف الانتباه عن سياسة الرئيس إيمانويل ماكرون في تفكيك المدارس العامة» كما تؤكد زعيمة الكتلة البرلمانية للحزب في الجمعية الوطنية، سيريل شاتلان، منددة بـ «منطق الإقصاء والوصم».

 

بدوره، اعتبر حزب «فرنسا الأبية» القرار «معاديا للإسلام». زعيم الحزب جان ليك ميلانشون، قال إنه «المحزن أن نرى بداية العام الدراسي مستقطبة سياسيا من خلال حرب دينية سخيفة مصطنعة تماما على الزي النسائي» داعيا إلى «السلام المدني» و«العلمانية الحقيقية التي توحد بدلا من ذلك».

 

ميلانشون، كان قد شدد في شهر حزيران/يونيو الماضي، أن العباءة «لا علاقة لها بالدين». وسخرت رئيسة الكتلة البرلمانية للحزب في الجمعية الوطنية من قرار حظر العباءة متحدثة عن «هوس» وزير التعليم غابرييل أتال بـ«المسلمين، لاسيما بالنساء المسلمات».

 

ودانت زميلتها في الحزب والجمعية الوطنية، كليمنتين أوتان، ما وصفتها بـ«شرطة الملابس» مُعتبرة أن هذا القرار «غير دستوري، ويتعارض مع المبادئ التأسيسية للعلمانية» و«شكل من أشكال الرفض المهووس للمسلمين». وعبر حزب «فرنسا الأبية» عن نيته الطعن في القرار أمام مجلس الدولة.

 

ويعني ذلك أن مجلس الدولة، سيكون الحكم المستقبلي للعباءة في المدرسة. في الوقت الراهن، لم تتم دعوة المجلس الدستوري قط للحكم على دستورية قانون عام 2004 ولا يمكن أن يدفعه إلى القيام بذلك إلا مسألة دستورية ذات أولوية.

 

والمؤكد وفق مختصين أن هذا الحظر الجديد المتعلق بالعباءة هذه المرة يحيي الجدل حول تطبيق قانون عام 2004 الذي يحظر ارتداء الحجاب والرموز أو الملابس التي تكشف ظاهريا الانتماء الديني لمرتديها في المدارس، فضلا عن الغموض المحيط بالملابس الدينية.

 

ناهيك عن أن مسألة تحديد الرموز الدينية في الدولة العلمانية هي مسألة إشكالية، لأن الدولة لا ينبغي لها من حيث المبدأ أن تقول ما هو ديني وما هو غير ديني.