انطلق علاء محمود عوض رفقة ابن شقيقه شادي في رحلة تمنى من خلالها أن تتوج بالوصول إلى أوروبا للخلاص من الحاجة والظروف المزرية في سوريا. بيد أن رياح البحر الأبيض المتوسط سارت بما لا تشتهي سفن علاء ليصبح ابن الشقيق هو الراوي لمأساتهما.

 

لم يشجعه أحد على خوض هذه المغامرة المميتة، التي أودت بحياة عشرات الآلاف من الشباب السوريين، وغيرهم من مختلف البلدان الشرق أوسطية والإفريقية التي تشهد أزمات وحروب. لكن إصرار علاء كان نابعاً من المعاناة التي يعيشها منذ سنوات رفقة عائلته في منطقة كناكر الواقعة في محافظة ريف دمشق، حسب ما تحكيه شقيقته حياة.

 

علاء البالغ من العمر 23 ربيعاً، قرر أن يتحدى أمواج المتوسط العاتية ودرجة حرارة مياهه الباردة، عوض أن يظل تحت رحمة أزمة بلاده التي استمرت أكثر من عقد من الزمن. فانطلق رفقة ابن أخيه شادي (16 عاماً) في إجراءات الحصول على تأشيرة ليبية، وهو ما تمكنوا منه بسرعة.

 

استغلال واحتيال!

 

يحكي شادي، الذي تمكن بأعجوبة من النجاة من حادث الغرق الذي أودى بحياة عمه: “قبل ثلاثة أشهر غادرنا سوريا معاً صوب مصر، ومنها توجهنا إلى ليبيا عبر رحلة جوية بعد حصولنا على تأشيرات”. في ليبيا استنجد الشابان بمهرب ليبي الجنسية، وعدهما بإيصالهما إلى أوروبا مباشرة.

 

محاولات العائلة لإيجاد علاء تتوزع بين البحث على أرض الواقع والاستعانة بوسائل التواصل الاجتماعي.
محاولات العائلة لإيجاد علاء تتوزع بين البحث على أرض الواقع والاستعانة بوسائل التواصل الاجتماعي.

 

 

لكن فور عقد الاتفاق وحصوله على المقابل المادي للرحلة مسبقاً، اعتقل المهرب علاء وشادي وكل المهاجرين وطالبي اللجوء الآخرين في مخزن خاص به، واستمر الحال لمدة شهرين، ذاقا خلالهما التعذيب والتجويع من قبل المهرب وعصابته، رفقة الكثير من العائلات والشباب والأطفال وأشخاص كبار في السن المنحدرين من مختلف البلدان، حسب ما يروي شادي.

 

“كان المقابل 4000 دولار للفرد الواحد، دفعها الجميع قبل الرحلة. كل الوثائق المهمة الخاصة بي وبعمي كانت معي، واحتفظت بها حتى خلال الرحلة. انطلقنا يوم الجمعة 11 آب / أغسطس من ساحل طرابلس عصراً، تحت تهديد سلاح المهرب وعصابته، أرغمونا على ركوب القارب المطاطي صغير الحجم جميعنا رغم عددنا الكبير. كنا أربعة سودانيين وأربعة مغاربة والباقي سوريين”، يقول شادي خلال حديثه لمهاجر نيوز.

 

ويضيف الشاب المتحدث سرد تفاصيل الرحلة المميتة قائلاً: “أخبرنا المهرب أننا سنعبر مباشرة نحو لامبيدوزا. بقينا وسط البحر ما يقارب ثلاث ساعات، كان القارب مكتظاً وغير منفوخ بشكل جيد، أعطانا آلات لنفخه عند الحاجة، وحاولنا ذلك منذ انطلاق الرحلة لكننا اكتشفنا أن القارب كان مثقوباً”.

 

وقد أكد شادي أن مساعد المهرب كان بدوره طالب لجوء ينحدر من السودان وهو من كان يتولى القيادة: “عندما فهمنا أن الوضع خطير فعلاً، طلبنا منه إرجاعنا، لكنه بدأ في مهاجمتنا وتهديدنا بالقتل بعد تواصله مع المهرب، الذي أمره بالاستمرار في الرحلة وإن غرق الجميع”.

 

رعب المتوسط القاتل!

 

على الساعة الثانية ليلاً، غرق المركب بمن فيه، ومن بين 48 شخصاً من 3 جنسيات، فقد 16 شخصاً منهم، بينهم أطفال ومعاقون وكبار في السن. يؤكد شادي الذي حالفه الحظ بالنجاة على عكس عمه.

 

لم يكن المهاجرون يرتدون سترات نجاة ولا يتوفرون على أي وسيلة لحماية أنفسهم من الموت غرقاً، وكل من نجا بأعجوبة، قد كافح منذ الساعة الثانية ليلاً، إلى غاية الساعة التاسعة صباحاً حتى وجدهم فريق سفينة صيد في عرض البحر، وأنقذوا كل من ما يزال على قيد الحياة، واتصلوا بخفر السواحل التونسي الذي قدم لاستلام المهاجرين، حسب شادي.

 

أما عن فقدان عمه علاء، فيحكي تفاصيل انفصاله عنه قائلاً: “عمي كان بعيداً عني بمسافة كبيرة، كنت قد تشبتث به وحاولت أن أبقيه بجانب المركب، كان يحاول السباحة قبل أن تبعده موجة عاتية، وللأسف إلى اليوم لم أسمع عنه أي خبر”.

 

ولكن شادي لم يدخر جهداً في البحث عن عمه المفقود وهو “مصمم” على مواصلة البحث: “حاولت التواصل مع أي جهة أو منظمة أو مؤسسة لها علاقة بالمهاجرين الغرقى في تونس وليبيا وخارجهما، لكني لم أسمع عنه أي معلومة إلى الآن. لدي أمل كبير أنه حي وسأعثر عليه”.

 

صورة لعلاء رفقة ابن أخيه شادي قبل الرحلة. الصورة: خاصة
صورة لعلاء رفقة ابن أخيه شادي قبل الرحلة. الصورة: خاصة

 

 

لم يعد أمام السوريين غير البحر!

 

بعد الوصول إلى البر التونسي، يحكي شادي أن كل المهاجرين تم استقبالهم وأخذ بصماتهم وإمضائهم على وثائق اللجوء، ثم وضعوا في مركز لجوء. كما أكد أن السلطات التونسية قد أوضحت لهم بأنه ليست هناك أي إمكانية لترحيلهم إلى سوريا لأن البلد تعيش حالة حرب. مما جعل الشاب البالغ من العمر 16 فقط، يقرر محاولة الوصول إلى أوروبا مرة أخرى.

 

يقول شادي: “سأحاول مرة ثانية مع مهرب آخر، لقد طلب مني نفس المبلغ، 4000 دولار. صحيح أن المهرب الأول قد أخذ منا المال ورمانا لنواجه الموت، لكن هذه المرة لن يستلم المهرب المال إلا عندما نصل”. وعندما سألناه إن كان مستعداً نفسياً لخوض التجربة رغم قساوة المحاولة الأولى ونجاته بأعجوبة، أجاب: “أنا خائف جداً، لكن لا مخرج أمامي غير طريق البحر، حالتنا يعلمها الله وحده. الأوضاع في سوريا صارت أصعب من أي وقت مضى، لم يعد أحد يستطيع الصمود هناك”.

 

صحيح أن شادي قد نجا، لكن منزل العائلة في كناكر يعيش حالة من الحزن والأسى على اختفاء العم. وتدهورت صحة والدته حزناً عميقاً على أصغر أبنائها، حسب شقيقته حياة: “مازلنا متشبثين بأمل إيجاده حياً”. وقد أكدت المتحدثة أن رحلة شادي وعلاء كانت “الأولى من نوعها داخل عائلتنا بهذه الطريقة، وهذا أكبر دليل على أن الأوضاع في سوريا صارت سيئة للغاية”.

 

وشهدت مناطق عدة في سوريا تململ واحتجاجات خاصة في محافظتي درعا والسويداء الجنوبيتين، لكن زخمها الكبير استمر في السويداء. وجاءت تلك التظاهرات للاحتجاج على تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية وتطور للمطالبة بـ”إسقاط النظام”، وفق ما أفاد ناشطون. وأعقبت الاحتجاجات قرار السلطات في منتصف الشهر الحالي رفع الدعم عن الوقود، في خضم أزمة اقتصادية تخنق السوريين بعد أكثر من 12 عاماً من نزاع مدمر.

 

وتمر سوريا بأزمة اقتصادية متفاقمة هوت بالعملة إلى مستوى قياسي بلغ 15500 ليرة مقابل الدولار في تراجع سريع للغاية لقيمتها. وفي بداية الصراع، كان يتداول الدولار عند 47 ليرة.

 

 

 

 

م.ب