لم يكن أشد المتشائمين من خبراء الاقتصاد يتوقّع أن تخسر الليرة السورية أكثر من 90 بالمئة من قيمتها خلال آخر 5 أشهر فقط، حيث قفزت من 5500-5800 في الشهر الأول من العام الجاري إلى أكثر من 9200، اليوم الجمعة.

ورغم أن كارثة الاقتصاد السوري تراكمية وتعود إلى ما قبل الثورة، إلا أن الأحداث الأخيرة السياسية والطبيعية ساهمت بشكل كبير إلى انكشاف عوار هذا الاقتصاد في مختلف النواحي وليس على صعيد الليرة فقط، إلا أن الأخيرة تبقى الواجهة والمرآة التي تعطي المؤشر الأبرز لحجم الكارثة.

لقد بدا واضحاً منذ بداية العام الجاري أن حكومة ميليشيا أسد (زعيم عصابة المخدرات) قد أعلنت استسلامها في مواجهة انهيار الليرة السورية، وذلك عندما دخل المصرف المركزي إلى السوق كمضارب وليس كحافظ للسياسية النقدية وخاصة سوق الحوالات، وهذا التدخل أعطى إيحاء للمستثمرين أن أسعار الصرف سترتفع، وفق ما يرى الخبير الاقتصادي فراس شعبو، معتبرا أن ما يجري هو شبه تعويم للعملة وليس تعويما كاملا لأن المصرف المركزي لا يزال يتدخل عبر تحديد عدة لوائح لأسعار الصرف ؛ سعر للحوالات وسعر للمنظمات وسعر للاستيراد والتصدير..الخ، فهو لم يتخلى نهائيا عن التدخل.

وهنا يعزو الباحث خالد تركاوي هذه الخطوة التي سماها شعبو شبه تعويم وليس تعويماً كاملاً للعملة، إلى أن النظام وبشار الأسد (زعيم عصابة المخدرات) قد يئس من الاستمرار في التدخل لوقف انهيار العملة، وبدلاً من أن يدفع القطع الأجنبي لضبط سعر صرفها، بدأ يفكر بالعكس وهو أن يستفيد من هذه الأموال لإطعام ميليشياته، لأنه لم يعد قادراً على فعل الأمرين معاً، ولأن ميليشياته هي الأهم بالنسبة له وهي من أبقته على الكرسي حتى الآن.

التطبيع  وتسارع الانهيار

رغم أن الاعتقاد المنطقي أو السائد يقول إن إعادة زعيم عصابة المخدرات إلى الجامعة العربية وإعادة التطبيع معه من دول عربية مهمة وغنية، على رأسها المملكة العربية السعودية، فمن المفترض أن يؤدي إلى تحسين أسعار الصرف والاقتصاد “السوري”، غير أن الحال يختلف مع نظام مستبد ولا يفكر أصلاً باقتصاد البلاد بقدر ما يفكر في مصلحة نفسه وعصابته الضيقة.

يعزز تركاوي هذا الرأي بقوله؛ إن من مصلحة النظام زيادة تأزيم الوضع المتأزم في الساحة الاقتصادية خاصة بعد الزلزال وعمليات التطبيع، حتى يزيد التعاطف الإنساني ويزيد معه حجم الأموال المرسلة إليه على مبدأ أن الوضع سيئ، فلماذا لا نستفيد من إظهار ذلك؟!

ومن جهة نظر أخرى تبناها الدكتور فراس شعبو وهي أن هناك إشاعات بدأت تنتشر أن عملية التطبيع سيعقبها صفقة لاكتمال التسوية، قد يضطر الأسد معها للتضيحة ببعض المتحكمين بمفاصل البلاد خاصة صناع وتجار الكبتاغون حتى يبقى هو بالسلطة وهو ما أخافَ كثيراً أصحاب رؤوس الأموال (المرتبطين بأولئك المتحكمين) الذين بدؤوا بتهريب أموالهم إلى الخارج وتحويلها إلى الدولار، وهكذا تكون عملية التطبيع مع الأسد ساهمت بتسارع انهيار الليرة، وعلى المدى القريب يتوقع أن يتجاوز الانهيار حاجز عشرة آلاف.

وجهة نظر هذه، عززتها أخبار بدأ إعلاميون موالون يروّجونها عن اعتقالات بحق تجار كبار كانوا خطاً أحمر خلال السنوات الماضية.

 

 

 

أما على المدى البعيد فإن هناك من يعتقد بأن التطبيع لا بد أن يكون له فائدة تنعكس على اقتصاد البلاد المنهار بعد 12 سنة من انطلاق أحداث الربيع العربي في سوريا، لكن هذه الفائدة تصطدم مع قانون عقوبات قيصر الذي دخل حيّز التنفيد منذ عام 2020، ففي تصريح له  لخبير الاقتصاد الأردني حسام العايش نقله موقع سكاي نيوز عربية أمس قال: إن عودة سوريا إلى الجامعة العربية ربما لن يمتد تأثيرها إلى جميع القطاعات، خصوصاً القطاع الاقتصادي، وذلك بسبب الإجراءات الأميركية التي تضع بعض المحاذير الاقتصادية في التعامل مع سوريا، وأهمها قانون قيصر”.

ويعتقد العايش أن قانون قيصر أو الولايات المتحدة الأمريكية قد تتغاضى عن بعض الأمور الاقتصادية مثل التبادل التجاري مع سوريا، أو أن تكون سوريا محطة ترانزيت للتجارة، وأيضاً ربما يتم استكمال مشروع الربط الكهربائي بين مصر والأردن عبر سوريا، لكن غير ذلك من تعاملات اقتصادية ربما لن يتم التغاضي عنها، مثل التعاملات الكبيرة في قطاع الطاقة والنفط.

مشروع قانون محاربة التطبيع

ولكن بحسب المعلومات المتوفرة فإن مشروعين أمريكيين يتجهون إلى الضغط على إدارة بايدن للتشدد مع الدول المطبّعة من زعيم عصابة المخدرات بشار الأسد، ليس فقط من الناحية الاقتصادية، بل حتى من الناحية السياسية.

فبحسب ما ذكرت رويترز أمس؛ فإن مجموعة من أعضاء الكونغرس من الحزبين، تعتزم تقديم مشروع قانون يهدف إلى منع الحكومة الأمريكية من الاعتراف ببشار الأسد كرئيس لسوريا وتعزيز قدرة واشنطن على فرض عقوبات، في تحذير للدول الأخرى الساعية لتطبيع علاقاتها مع الأسد.

وسيتولى تقديم مشروع القانون الذي يحمل اسم “قانون محاربة التطبيع مع نظام ‫الأسد لعام 2023”  كل من رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب مايكل ماكول وعضو الكونغرس جو ويلسون والديمقراطيين ستيف كوهين وفيسنتي جونزاليس، من بين آخرين.

وفي حال تم إقرار المشروع وتحوله لقانون، فإنه سيفرض عقوبات اقتصادية صارمة على نظام عصابة المخدرات وسيقف سداً منيعاً أمام أي دولة ستطبّع معه حتى 5 سنوات قادمة.