مضايقات من الشرطة الفرنسية، وتدمير أماكن العيش يوميا، وتقييد الوصول إلى المساعدات الإنسانية.. مواضيع وردت في تقرير نشرته منظمة “هيومن رايتس ووتش” أمس الخميس 7 تشرين الأول/أكتوبر. التقرير سلط الضوء على السياسة الحكومية المتبعة في التعامل مع المهاجرين المقيمين في شمال فرنسا، لاسيما منطقة كاليه.

المعاملة المهينة للأطفال والبالغين المهاجرين في شمال فرنسا، جملة وردت في عنوان تقرير هيومن رايتس ووتش، الذي نشرته أمس الخميس 7 تشرين الأول/ أكتوبر.

ووفق التقرير ومن قابلتهم المنظمة (جمعيات عدة، إضافة إلى نحو 60 مهاجرا، بينهم 40 قاصرا غير مصحوب بذويه)، يعيش في شمال فرنسا نحو 2000 مهاجر، بينهم 300 قاصر غير مصحوب بذويه، منذ منتصف عام 2021. كانوا ولا يزالون يبيتون في مخيمات عشوائية مؤقتة ضمن كاليه ومحيطها.

يستند تقرير ”هيومن رايتس ووتش“ إلى معلومات من “مراقبي حقوق الإنسان Human Rights Observers”، وهي مجموعة تصدر حسابات شهرية مفصلة، لإلقاء الضوء على ممارسات أجهزة إنفاذ القانون (تفكيك مخيمات وإخلاء أماكن سكن وإجلاء مهاجرين وتدمير معدات). ويشير التقرير إلى أن السلطات نفذت ما لا يقل عن 950 أمر إخلاء في كاليه، في عام 2020. وصادرت أكثر من 5000 خيمة وقماش مشمع، إضافة إلى مئات أكياس النوم.

كما بيّنت “هيومن رايتس ووتش”، أن شركات التنظيف تمزق خيام المهاجرين بعد أن تأخذها الشرطة، على نحو منتطم بإشراف السلطات. وذكر تقرير المنظمة أن الشرطة تفكك خيام المهاجرين خلال 20 إلى 30 دقيقة. ولا يكون التفكيك بحضور الجميع، إذ يكون بعضهم غاب دقائق معدودات، بقصد تأمين حاجة ما. لكنه بذلك الغياب القصير يكون خسر مكان إقامته وخيمته وكل حاجاته. عرفان، مهاجر سوري (17 عاما) يقول ”كل يومين نفكك خيامنا، ثم نعيد نصبها بعد أن تكون الشرطة بحثت في كل مكان”.

ووفق المنظمة غير الحكومية، تخلي السطات أماكن إقامة المهاجرين المؤقتة، كل 48 ساعة في ممارسات بدأت منذ منتصف عام 2018. وقالت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالإيواء والسكن، ليلاني فرحة Leilani Farha، عام 2019 “إن إجراءات الشرطة خلقت حلقة مفرغة من الإخلاء القسري وزادت أعداد المشردين واماكن الإقامة قصيرة الأمد”.

لتفكيك مخيمات المهاجرين والإخلاء المستمر، أثر على صحة المهاجرين البدنية والعقلية. الناشطة المدافعة عن حقوق المهاجرين، كلير هيدون Claire Hédon، قالت إن المهاجرين في حالة تأهب دائم، هم يعانون من إجهاد جسدي وعقلي دائمين.

تقييد المساعدات والضغط على المتطوعين

ممارسات الشرطة تؤثر على الناشطين والمتطوعين في الجمعيات التي تساعد المهاجرين أيضا. تشير “هيومن رايتس ووتش” إلى أن “الشرطة ضايقت متطوعين من منظمة مراقبة حقوق الإنسان (HRO) وجمعية يوتوبيا 56 وغيرها من المنظمات غير الحكومية التي تراقب عمل الشرطة أثناء الإخلاء وتفكيك المخيمات”.

كما تعمد الشرطة إلى الحؤول دون وصول مساعدات إنسانية إلى المهاجرين، إذ تبادر إلى اختراع حجج أمام السيارات المحملة بالمساعدات مثل “ضغط الإطارات غير كافي، الزجاج الأمامي مكسور، أضواء السيارة قبل الانعطاف كانت شديدة، والوقوف غير القانوني“.

الاستجابة لمتطلبات الحياة الأساسية، باتت تحديا يوميا يعيشه المهاجرون، وفق التقرير. إذ أصبحت حياتهم تدور دائما حول خيارين، إما الذهاب لاستلام السلع الغذائية التي توزعها الجمعيات أو جمع أغراضهم والحفاظ عليها لاسيما الخيام. (كثيرا ما تصدف أن يكون وقت توزيع الطعام هي ساعة تفكيك المخيمات وتجريد المهاجرين من أغراضهم الشخصية وأمتعتهم وخيامهم).

تحاول الجمعيات تأمين الماء والطعام ومساعدة المهاجرين في شحن هواتفهم. لكنها تعاني بدورها. ففي عام 2020 حظرت السلطات المحلية الجمعيات من توزيع المواد الغذائية في أماكن عدة في كاليه. ومددت السلطات القرار مرات عدة (أكثر من عشر مرات) وتقول “هيومن رايتس ووتش”، إن القرار لا يزال ساري المفعول حتى 18 تشرين الثاني/أوكتوبر الجاري.

يصعب الأمر لاسميا بالنسبة إلى المهاجرات، إذ لا تحتوي المخيمات المؤقتة في كاليه على مراحيض منفصلة، والموجودة غير مضاءة وهذا يعرّض النساء والفتيات للخطر. إضافة إلى انعدام الماء في المراحيض، ما يزيد من معاناة النساء لاسيما في فترة الحيض.

سياسات فاشلة وخطرة

“هيومن رايتس ووتش” تخلص في تقريرها، إلى أن الممارسات الحكومية “المسيئة”، جزء من سياسة السلطات الفرنسية الرامية إلى قمع كل ما يمكنه جذب المهاجرين إلى شمال فرنسا.

وأكد وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان Gérald Darmanin، على الأمر، إذ أعلن في تموز/ يوليو الماضي، أن تعليماته تُجنب سكان كاليه تكرار ما عاشوه منذ سنوات. وصرامة قوات حفظ الأمن، التي تتماشى مع حضورهم الدائم وما يقومون به كل 24 أو 48 ساعة في المنطقة، هي من تحقق هذه الغاية.

مدير منظمة “هيومن رايتس ووتش” في فرنسا، بينيديكت جانيرو، يقول إن السياسة المتبعة فشل كبير وسبب للمعاناة والخطر. ووفق محافظة الشرطة سُجلت أكثر 15 ألف محاولة عبور لبحر المانش وصولا إلى المملكة المتحدة، منذ بداية العام حتى نهاية شهر آب/أغسطس الماضي، مقارنة بـ9500 محاولة في الفترة نفسها من العام الماضي.

ومن بين التوصيات التي قدمتها هيومن رايتس ووتش للسلطات الفرنسية، تعاون محافظات الشرطة على إيجاد حلول إقامة بديلة. ووجوب تكثيف العمل بما يخص القاصرين غير المصحوبين بذويهم، والتأكيد على إعلام القاصرين بحقوقهم.

“نحن نحتج على الظلم وندافع عن حقوقنا”

وافق كثير من المهاجرين منظمة هيومن رايتس ووتش، ودعت مجموعة منهم إلى مظاهرة في كاليه، اليوم 8 تشرين الأول/ أكتوبر. وكتبت المجموعة في رسالة، أمس الخميس 7 تشرين الأول/ أكتوبر ” صبرنا على المعاناة والمآسي التي نعيشها. نحن نفتقر إلى الصبر اليوم، لذا قررنا الاحتجاج”.

وفاة مهاجر شاب (ياسر) نهاية أيلول/ سبتمبر الماضي، زادت من غضب المهاجرين ونفاد صبرهم. وختمت المجموعة رسالتها بالقول ”نحتج على انعدام العدالة وسوء وسائل الإعلام، ونقف مطالبين بحقوقنا، حقوقنا الضائعة وحقوق الروح البريئة التي قُتلت الأسبوع الماضي“.