في الأيام المشمسة الصاحية، تبدو القرى الحدودية السورية خاوية على عروشها، لكنها ليست كذلك في الحقيقة، فالعساكر الأردنيون ينعمون النظر شمالاً ويراقبون تلك الأرض القفر فلا يرون سوى مدن أشباح لا تسمع أي نأمة فيها سوى أصوات الكلاب الضالة، أو حركة مزارع يعمل بين الفينة والأخرى في الحقول التي لا ترويها مياه الأمطار إلا بالنزر اليسير، بعد أن احترقت كثيراً بلظى الحرب.

ولكن في الليالي التي يغطي فيها الضباب التلال، تظهر الحدود بمظهر مختلف مثير للريبة والخوف، إذ يخرج من بين الضباب العشرات من الرجال على متن شاحنات أو دراجات نارية ملطخة بالوحل أو راجلين، ليشكلوا أرتالاً مدججة بالسلاح تهرع نحو الحدود.

يحمل هؤلاء معهم بنادق وقنابل ورشاشات، ويتوارون داخل مركباتهم ويحملون في حقائبهم مئات من العبوات التي تحتوي على آلاف من الحبوب الصغيرة البيضاء، وهي حبوب مخدرة لمادة منشطة مصنعة تعرف باسم الكبتاغون، حيث تخرج تلك الحبوب طازجة من المعامل الموجودة في وسط سوريا والتي تنتج ما تساوي قيمته عشرة مليارات دولار من المخدرات كل عام.

في بلد اختفت فيه الصناعات التقليدية، أصبحت هذه الحبوب ركيزة مربحة بشكل خيالي لاقتصاد الزومبي الذي ساعد الطبقة المخملية السياسية والعسكرية في سوريا على التشبث بالسلطة بعد 13 عاماً من الحرب، وعقد من العقوبات الخانقة. وبعد تضخم تلك الصناعة لدرجة مهولة بموافقة ضمنية من الحكومة، بحسب ما أعلنه مسؤولون أميركيون وشرق أوسطيون، أصبحت هذه التجارة تهدد الدول المجاورة لسوريا، وتغرق المنطقة بمخدرات رخيصة.

وعن ذلك يقول اللواء عصام دويكات من القوات المسلحة الأردنية، قائد الفرقة المسؤولة عن الدفاع في القطاع الغربي للبلد الذي يمتد لمسافة 312 كيلومتراً تقريباً على الحدود مع سوريا:”في حال كانت الرؤية سيئة، فإنهم سيأتون، وهذا ما يفعلونه كل مرة، والمشكلة أن هؤلاء الناس أصبحوا مسلحين الآن وعلى استعداد للقتال”.

أرسل الأردن مرتين طائرات حربية إلى المجال الجوي السوري وذلك لتنفذ غارات تستهدف المهربين وبيوتهم الآمنة، وذلك بحسب ما ذكره مسؤولون في المخابرات في المنطقة، بيد أن الحكومة الأردنية لم تعترف بتلك العمليات بشكل علني.

ولكن، على الرغم من الجهود الاستثنائية التي بذلت لوقف توسع تلك التجارة، ماتزال المليارات من حبوب الكبتاغون القادمة من عشرات مراكز التصنيع تتدفق عبر الحدود السورية وعبر موانئ سوريا، لدرجة توسعت معها أضرار تلك التجارة نحو الخارج، لتصل إلى مستويات قياسية بالنسبة للإدمان في الدول الخليجية الثرية، فضلاً عن ظهور مخابر لتصنيع المخدرات في الجار العراق، وكذلك في مناطق قصية مثل ألمانيا، بحسب ما ذكره مسؤولون عراقيون وألمان.

جذبت الأرباح الطائلة للحبوب التي يكلف تصنيع الحبة منها أقل من دولار واحد، لكنها تدر ما يصل إلى 20 دولاراً في السوق، ثلة من المتواطئين الخطرين، ابتداء من شبكات الجريمة المنظمة، وصولاً إلى الميليشيات المدعومة إيرانياً في لبنان والعراق وسوريا، بحسب ما ذكره مسؤولون في المخابرات من الولايات المتحدة والشرق الأوسط. وخلال الأشهر القليلة الماضية، بدأ المهربون بنقل الأسلحة أيضاً مع المخدرات بحسب ما أورده مسؤولون، إذ تمخضت المداهمات الأردنية لقوافل التهريب عن العثور على صواريخ وألغام ومواد متفجرة كانت على ما يبدو ستصل إلى يد المتطرفين الإسلاميين في الأردن أو المقاتلين الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية.

وعلى مستوى أعمق يمكن القول بأن المخدرات أوجدت شريان حياة لحكومة بشار الأسد الذي اعتمد على الكبتاغون كوسيلة للبقاء في السلطة بحسب رأي مسؤولين أميركيين سابقين وحاليين. وفي الوقت الذي كثفت الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية الضغط من خلال العقوبات، وذلك بهدف محاسبة المسؤولين في النظام السوري على جرائم الحرب أو للضغط على الأسد حتى يتفاوض على إنهاء النزاع، عثرت الطبقة الحاكمة في سوريا على خلاصها من خلال حبة صغيرة بيضاء تدر أرباحاً مهولة، وتحميها بصورة جزئية من عقوبات السياسيين الأميركيين.

 

يعلق على ذلك جويل ريبورن، المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا خلال الفترة من 2018 إلى 2021، فيقول: “يمثل ذلك مصدر الإيرادات التي يعتمدون عليها في مواجهة ضغط العقوبات التي نفرضها عليهم وتلك التي فرضها الاتحاد الأوروبي عليهم، إذ لم يكن الأسد ليتحمل تلك العقوبات المشددة لولا الكبتاغون، بما أنه ليس لديه أي مصدر آخر للإيرادات بوسعه أن يغطي ما خسروه بسبب فرض العقوبات”.

 لم ترد البعثة السورية للأمم المتحدة عندما طلب منها التعليق على الموضوع، كما أنكرت حكومة الأسد مرات عديدة تورطها في تجارة المخدرات، وأعلنت خلال العام الماضي عن إلقاء القبض على عدد من صغار تجار المخدرات إلى جانب ضبط كميات ضئيلة من تلك الحبوب البيضاء. إلا أن وثائق صادرة عن وزارة الخزانة الأميركية أوردت أسماء أقارب الأسد وبينهم شقيقه ماهر قائد الفرقة الرابعة، بوصفهم من أهم المشاركين في تجارة الكبتاغون، ثم إن معظم تلك الحبوب تنتج في مناطق سيطرة النظام وتنتقل عبر الحدود والموانئ تحت إشراف الحكومة ومراقبتها.

في دراسة نشرت عام 2023 وحاولت قراءة ما بين السطور بالنسبة لعمليات ضبط كميات من المخدرات التي جرى الإعلان عنها منذ 2020، قدر الباحثون بأن الكبتاغون يدر نحو 2.4 مليار دولار بالسنة على نظام الأسد، ولذلك وفي وثيقة كتبها باحثون من مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية وهي منظمة غير ربحية تجري أبحاثاً عن الجريمة المنظمة والفساد في سوريا، ورد بأن إيرادت الكبتاغون: “أعلى بكثير من إيرادات أي مصدر مشروع أو غير مشروع”في سوريا.

يشير ازدهار صناعة الكبتاغون إلى التعقيدات المرتبطة بمحاولة تغيير القمع العنيف الذي تمارسه سلطة ما عبر تصعيد الضغط الاقتصادي على قيادتها وعلى النخب التي تدير المشاريع والأعمال في البلد. ويرى مسؤولون وخبراء أميركيون بأن العقوبات تبقى الأداة الأكثر فعالية وقوة، بعد الحرب طبعاً، وذلك لمعاقبة حكومة أي دولة متهمة بعدد من جرائم الحرب منذ أن بدأ الأسد قمعه الوحشي للانتفاضة المطالبة بالديمقراطية في عام 2011.

تشمل القائمة الطويلة للجرائم التعذيب الممنهج والإعدامات التي نفذت بحق مدنيين، والاستهداف المتعمد للمشافي ومراكز توزيع الأغذية، وقتل مئات النساء والأطفال بغاز السارين المحظور الذي يدمر الأعصاب، بحسب ما أورده مسؤولون أميركيون، وبحسب ما ذكر في التحقيقات التي فتحتها الأمم المتحدة، ووفقاً لما أعلنته منظمات حقوقية ومجموعات في المنفى.

تحدى الأسد الدعوات المطالبة بإسقاطه حتى يبقى رئيساً لكل هذا الخراب في بلد عاش مرحلة ازدهار إلى حد ما في السابق عندما كان تعداد سكانه 22 مليوناً. إلا أن ما لا يقل عن 12 مليوناً من الشعب السوري أضحوا اليوم لاجئين أو نازحين في الداخل، و90% من الشعب السوري بات يعيش في فقر، كما هبط إجمالي الناتج المحلي لسوريا من 252 مليار دولار قبل الحرب إلى 9 مليارات فقط في عام 2021، وذلك بحسب تقديرات البنك الدولي. ومايزال الاقتصاد السوري يواصل انكماشه، وكذلك متوسط عمر الشباب السوري.

بدأ إنتاج الكبتاغون على مستوى صناعي يظهر في عام 2019 وذلك عندما طالب مسؤولون أميركيون ونواب في الكونغرس بتحويل تركيز العقوبات على تجارة المخدرات ومموليها بشكل خاص، وفي نيسان الماضي، صدق الكونغرس على قانون يستهدف تجار المخدرات في سوريا، وذلك ضمن حزمة مساعدات خارجية أقرها كلا الحزبين وتبلغ قيمتها 95 مليار دولار وقع عليها الرئيس بايدن لتتحول إلى قانون. أتى بعد ذلك إعلان وزارة الخزانة الأميركية عن فرض عقوبات جديدة على متنفذين سوريين في مجال التجارة والأعمال والمشاريع بسبب صلاتهم المشبوهة بتجارة الكبتاغون.

ومع ذلك بقي إنتاج الكبتاغون يرتفع، ولم يهتز عرش الأسد بل صار أغنى مما كان، بحسب اعتراف مسؤولين أميركيين. وفي الوقت الذي حظيت العقوبات التي فرضت على حكومة الأسد بتأييد كبير بين قيادات المعارضة السورية ومنظمات المناصرة الحقوقية، نكتشف بأن التجربة التي عشناها خلال العقد الماضي تؤكد حقيقة محيرة، إذ في الوقت الذي بقيت فيه العقوبات أداة مهمة لمعاقبة الحكومات على سلوكها الإجرامي، اكتشف المستهدفون بالعقوبات في كل مرة طرقاً وأساليب جديدة للحد من تأثيرها عليهم، وقد ترتب على ذلك عواقب وخيمة يعاني منها المواطنون العاديون.

تعقيباً على ذلك يقول بين رودس، النائب السابق لمستشار الأمن القومي الأميركي في إدارة أوباما والذي عمل على السياسة المعنية بسوريا خلال الأعوام الأولى للحرب السورية: “إن الفكرة الأعمق هنا هي أن العقوبات تعزز قوة العنصر الفاعل السيئ مقارنة بما يحدث لبقية السكان، لأن أشد الناس تحملاً لذلك هم من يحملون السلاح ومن بيدهم السلطة”.

؟

مشروع تديره الدولة

؟

أتت أزمة الكبتاغون في سوريا بسرعة وبكل قسوة.

فقد بنت حفنة من مواطنين سوريين ولبنانيين من أصحاب “الواسطات” أسس إمبراطورية المخدرات الواسعة وسط الفوضى الناجمة عن تشظي البلد وتفككه.

قبل بداية النزاع في عام 2011، كان الكبتاغون عبارة عن منتج يصنع خصيصاً لعدد قليل من العصابات الإجرامية في لبنان وتركيا. ثم قام مصنعو الكبتاغون أنفسهم بتصنيع نسخة مقلدة من هذا المخدر كانت قد ظهرت للمرة الأولى في ستينيات القرن الماضي على يد شركة ألمانية للصناعات الدوائية، وصاروا يسوقون لهذا المنتج الذي أصبح الكبتاغون اسمه التجاري، أما النسخة الأصلية من الكبتاغون فتجمع بين الأمفيتامين ومخدر آخر يحفز الجملة العصبية، وكان الأطباء الألمان يستخدمون هذا النوع من المخدرات لمعالجة فرط النشاط والاكتئاب حتى ثمانينيات القرن الماضي، وذلك عندما نصح مشرعون أميركيون ومنظمة الصحة العالمية بمنع استخدام هذا العقار المخدر بسبب خطره الكبير على الصحة.

يخبرنا مسؤولون أميركيون وشرق أوسطيون بأن تصنيع هذا المخدر بدأ في عام 2018 تقريباً في لبنان وكان ذلك يتم ضمن كوخ صغير، لكن العمل توسع ليشمل عدداً من المدن الحدودية السورية الواقعة شمالي دمشق.

وبحسب وثائق العقوبات لدى وزارة الخزانة الأميركية، فإن شخصية مهمة تعرف باسم حسن دقو، وهو شخص يحمل الجنسيتين السورية واللبنانية وكان يعمل في تجارة السيارات خلال فترة من الفترات، صارت تشتري عقارات في كلا البلدين حتى تحولها إلى مراكز لإنتاج الكبتاغون وتخزينه. وقد نجح دقو -الذي أصبح اسمه “ملك الكبتاغون” في الإعلام اللبناني- في بناء إمبراطوريته عبر التحالف مع أصدقاء يتمتعون بنفوذ داخل أوساط الحكومة والأمن في كل من سوريا ولبنان.

ويخبرنا مسؤولون أميركيون وشرق أوسطيون بأن من بين المتعاونين مع دقو شخصيات متنفذة في حزب الله اللبناني وكبار القادة السياسيين والعسكريين السوريين، بينهم ماهر الأسد وعدد من أبناء عمومة الأسد ومتنفذين في مجال الأعمال والمشاريع مقربين من الرئيس السوري.

 

عبر الاستشهاد بتقييمات استخبارية أميركية، أكد مسؤولان في إدارة بايدن بأن الفرقة الرابعة التي يديرها ماهر الأسد تشارك بشكل فاعل في تجارة الكبتاغون منذ عام 2020 على أقل تقدير، كما أنها تتحكم بنقاط التوزيع والنقل التي تشمل ميناء اللاذقية على الساحل السوري. وقد زادت الهيمنة السورية على هذه العمليات عقب سجن دقو في لبنان بسبب اتجاره بالمخدرات في عام 2021.

أعلن مسؤولون في إدارة بايدن بأنهم لا يملكون أي دليل على توجيه وإدارة الأسد شخصياً لتجارة الكبتاغون، ولكن من خلال ذكر اسم شقيقه وأبناء عمومته بوصفهم من أكبر الشخصيات التي تسهل عمليات تهريب الكبتاغون، أوضح مسؤولون أميركيون رأيهم تجاه تصنيع الكبتاغون في سوريا، حيث أعلنوا بأنه أصبح مشروعاً تديره الدولة.

يخبرنا أحد المسؤولين في إدارة بايدن رفض الكشف عن اسمه لأنه تحدث عن تقييمات استخبارية بأن: “قوات الأمن السورية أصبحت اليوم توفر الحماية لتجار المخدرات”. فيما يعتقد مسؤولون في البيت الأبيض بأن الأسد صار يستعين الآن بالكبتاغون ليمارس نفوذه على الدول العربية، إذ يعرض عليها الحد من تدفق المخدرات وفقاً لمزاجه وذلك مقابل تطبيع حكومات تلك الدول للعلاقات معه، وهذا ما دفع أحد المسؤولين في الإدارة الأميركية للقول: “من الواضح أن بوسعه [أي الأسد] وقف تلك العمليات إن أراد ذلك”.

كما بات من الواضح بأن تصنيع المخدرات في سوريا قد وصل إلى درجات مهولة، وهذا ما دفع مسؤولين أميركيين للقول بأن سوريا أصبحت تنتج الآن معظم ما ينتجه العالم من مادة الكبتاغون. ويخبرنا مسؤولون في الإدارة الأميركية بأن مكونات هذا المخدر، مثل الأمفيتامين، يمكن شراؤها بشكل قانوني في دول عديدة، بينها إيران والهند، ثم يجري استيرادها عبر ميناء اللاذقية. وهكذا يجري مزج السلائف الكيماوية في المصانع ثم تطبع آلات على الحبوب الشعار التجاري المميز للكبتاغون وهو CC.

منذ بداية هذا العقد، ضبطت هيئات إنفاذ القانون شحنات كبيرة من المخدرات المصنعة في سوريا وذلك في موانئ إيطاليا، وفي السعودية والإمارات وماليزيا. وفي عام 2021، اكتشفت السلطات الماليزية وجود أكثر من 95 مليون قرص كبتاغون مخبأة داخل سفينة شحن، فكانت تلك أكبر كمية جرى ضبطها إذ تبلغ قيمتها السوقية 1.2 مليار دولار، وقد جرى إرسالها عبر ماليزيا لإخفاء وجهتها الحقيقية، ألا وهي المملكة العربية السعودية.

أظهرت أكبر العمليات لضبط شحنات الكبتاغون بأن المهربين يرسلون المخدرات لمسافات شاسعة بهدف إخفاء الشحنة. إذ إن الأقراص التي يبلغ عددها 84 مليون قرص والتي ضبطتها الجمارك في ميناء ساليرنو بإيطاليا في عام 2020 كانت مخبأة داخل بكرات ورقية من الحجم الصناعي، في حين عثرت الشرطة السعودية ملايين الحبوب البيضاء المخبأة داخل عبوات تحتوي على رمان ودقيق في حادثتين منفصلتين، وقعت أولاهما في آب 2022 والثانية في نيسان 2023. وفي أحدث محاولة لتهريب الكبتاغون، والتي اكتشفها محققون في دبي خلال شهر أيلول الماضي، أخفى تجار المخدرات 86 مليون حبة داخل ألواح وأبواب خشبية مسبقة الصنع مخصصة للتسليم لشركات البناء، وعند تعقب مسار جميع الحبوب، تبين بأن جميعها تقريباً خرج من سوريا.

 قد نجافي الدقة إن وصفنا سوريا بأنها دولة مخدرات، لأن الكبتاغون منشط وليس بمخدر، بيد أن سوريا أصبحت تعتمد على ما يدره هذا المخدر من دخل لدرجة قد تصعب على الأسد أمر إغلاق مصانع الكبتاغون إن قرر ذلك، وذلك بحسب رأي كارولين روز وهي الباحثة المشرفة على المشروع الخاص المعني بتجارة الكبتاغون لدى معهد نيولاينز، وهو منظمة غير ربحية مقرها واشنطن.

تتابع روز بالقول: “لقد تركوا الكبتاغون يصل إلى هذا المستوى حتى تستطيع هذه الصناعة أن تستمر بالاعتماد على نفسها، ولذلك لم يعد هنالك وجود للمصانع المتنقلة، بل صار بوسع مصانع دائمة إنتاج هذا المخدر على مستوى صناعي، وعلاوة على ذلك، هنالك جهاز أمني نشط يوفر الحرس والحماية والدعم بل إنه يسهل أيضاً عمليات نقل المخدرات وتحركاتها، أي لدينا هنا منظومة متكاملة”.

؟

معارك طاحنة

؟

إنها لكارثة بنظر الدول المجاورة لسوريا، لأن الكبتاغون تحول الآن إلى المخدر المفضل، إلى جانب تحوله إلى أزمة صحية عامة بين أوساط الشباب في مختلف بقاع الشرق الأوسط، فقد حققت هذه الظاهرة انتشاراً على نطاق واسع في السعودية والإمارات اللتين تحظران على شعوبهما المشروبات الكحولية، ثم إن الاعتياد على تعاطي الكبتاغون يسبب الإدمان ومجموعة كبيرة من المشكلات الصحية، تبدأ بالأرق والاكتئاب وتصل بالهلوسة والمشكلات القلبية بحسب ما ذكره أحد الباحثين في المجال الطبي.

كما يعتبر هذا المخدر أداة بيد الجماعات الإسلامية، وعلى رأسها مقاتلو تنظيم الدولة، لأنها تزود المتعاطين بجرعة من الطاقة والنشوة مع إحساس بالمنعة والقوة والانفصال العاطفي عن كل ما يحيط بهم داخل ساحة المعركة، ولهذا يسميه بعض المقاتلين بالكابتن شجاعة.

أجبرت موجة تهريب المخدرات الهائلة دولة الأردن على نشر مئات من عساكرها على الحدود الشمالية، وخلال العام الماضي، شنت القوات الأردنية معارك طاحنة على جماعات يصل عديدها إلى 100 تاجر مخدرات خلفت عدداً من القتلى والجرحى من كلا الطرفين.

في عصر يوم شتوي من هذا العام وبالقرب من منطقة كوم الرف، جابت ثلة من العساكر بعتادها العسكري الكامل الطرف الجنوبي من تلك الأرض القفر، بحثاً عن آثار لأي خرق في منظومة الحواجز المؤلفة من سدود وأسلاك شائكة. وفي أثناء مسيرهم، جلست مجموعة أخرى من العساكر لتحرسهم من أعلى داخل عربات مصفحة وأبراج مراقبة أقيمت عند كل 240 كيلومتراً تقريباً على طول الطريق المحيط بتلك الحدود. وخلال الشهور القليلة الماضية، يخبرنا بعض الضباط بأن المهربين بدؤوا باستخدام المسيرات لتنفيذ عمليات مراقبة أو لنقل شحنات صغيرة في بعض الأحيان إلى متعاونين معهم عبر الحدود.

إلا أن الشحنات الكبيرة تتم عبر البر، إذ بالقرب من كوم الرف، أسفرت عملية تبادل إطلاق النار في عام 2022 عن مقتل جندي أردني عندما فوجئت دوريته برتل كبير من المهربين، بينهم ما لا يقل عن 68 مسلحاً راجلاً بحسب التقرير الذي تحدث عن العملية بعد وقوعها، وذلك في أثناء محاولتهم العبور وسط الضباب الكثيف.

وبعد تلك المعركة القصيرة لتبادل إطلاق النار، عاد المهربون أدراجهم إلى سوريا، تاركين وراءهم أكياسا يزن كل منها 100 رطل، وكلها مملوءة بأقراص الكبتاغون إلى جانب قواطع الأسلاك والأسلحة بحسب ما ذكره مسؤولون في الأردن.

فاجأ العدد الكبير للقافلة واستعدادها للاشتباك مع دورية عسكرية الأردنيين ودفع قادة الجيش لديهم لتبني إجراءات أشد قسوة.

وعن ذلك يقول اللواء مصطفى الحياري في مقابلة أجريت معه من مقر القوات المسلحة الأردنية الذي يتربع فوق أعلى تلة محصنة أشد التحصين بالقرب من العاصمة عمان: “صار لزاماً علينا تغيير قواعد الاشتباك التي نتبعها مرات عديدة نظراً لتغير أساليبهم وطرقهم، لأن المهربين عادة لا يريدون أن يحاربوا، لكنهم مسلحون”.

 

منذ عام 2020، شهدت المنطقة الحدودية ما لا يقل عن عشر اشتباكات مسلحة، أسفرت عن قتلى وجرحى واعتقالات. وفي مواجهة حدثت في كانون الثاني الماضي، جرى اعتقال 15 تاجرا للمخدرات بحسب الصور التي نشرتها صحيفة واشنطن بوست. فيما ذكر مسؤولون أردنيون بأن الرجال اعترفوا في أثناء الاستجواب بأنهم خضعوا لتدريب عسكري احترافي يؤهلهم للعمل في مجال التجسس والتهريب، وفي أثناء تنفيذ عمليات الاعتقال، كان معظمهم تحت تأثير الكبتاغون كما ذكر المسؤولون.

وفي حادثة وقعت مؤخراً، تعقبت السلطات الأردنية عملية تهريب للمخدرات خلال الشهر الماضي بعد أن قطعت أكثر من 160 كيلومتراً على الطريق السريع المفتوح وذلك قبل أن تدهم قوات الشرطة معبراً حدودياً مع السعودية، وهناك تم العثور على ملايين من حبوب الكبتاغون مخبأة داخل معدات البناء المتوجهة إلى السعودية.

وبناء على ما ورد في الاستجواب وعلى غير ذلك من الأدلة، أعلن مسؤولون في الاستخبارات الأردنية بأنهم خلصوا إلى نتيجة مفادها بأن عصابات المهربين التي اكتشفت مؤخراً لديها علاقات تربطها مع ميليشيات سورية مدعومة إيرانياً، وبعض تلك الميليشيات هي نفسها التي أطلقت صواريخ على القوات الأميركية المتمركزة في شرقي سوريا. لكنهم لم يعثروا على أي دليل يثبت تورط طهران بشكل مباشر في عمليات الاتجار بالمخدرات، بيد أن المسؤولين الإيرانيين يمدون تلك الجماعات بالسلاح والمال والمعلومات الاستخبارية.

أخبرنا مسؤولون أميركيون وأردنيون بأن الميليشيات قد تكون مسؤولة عن زيادة تهريب الأسلحة المتطورة على يد تجار المخدرات. ففي حالات كثيرة، ترك المهربون وراءهم مخابئ أسلحة داخل الأراضي الأردنية، ولعل هدفهم من ذلك هو إرسال تلك الأسلحة لمقاتلين آخرين تدعمهم إيران في الضفة الغربية وقطاع غزة. ولذلك عرضت صحيفة واشنطن بوست صوراً لبعض تلك الأسلحة المخبأة، ومن بينها ألغام مضادة للأفراد من نوع كلايمور.

يعلق على ذلك تشارلز ليستر مدير برامج مكافحة الإرهاب لدى معهد الشرق الأوسط، وهو منظمة غير ربحية مقرها واشنطن فيقول: “إن الجماعات الوكيلة لإيران تتصرف كما يتصرف أمراء الحرب” أي إنها دوماً تتنافس مع بعضها من ناحية المقاتلين وجودة الأسلحة وكم الأموال التي تصلها. ويتابع بالقول: “إن المخدرات هي مجرد أسلوب سهل لجني الأموال وللتمتع بنفوذ وقوة أكبر من جيرانك”.

؟

في قلب العالم السفلي

؟

حصدت السياسة الأميركية التي تسعى لإبقاء العقوبات القاسية على نظام الأسد وأعوانه دعماً كبيراً من كلا الحزبين، وقد سنت أشد إجراءات حتى اليوم في عام 2020، أي بعد مرور تسع سنوات على بداية الحرب السورية، وفي العام نفسه الذي ضبطت فيه كميات هائلة من مخدر الكبتاغون لأول مرة. فقد صدق الكونغرس على قانون قيصر الذي حمل اسم المصور العسكري السوري المنشق، والذي أطلق على نفسه لقب قيصر، وذلك لكونه استعان بكاميرته لتوثيق جرائم التعذيب والقتل التي نفذها نظام الأسد بحق أكثر من 11 ألف سجين سوري. فاستهدفت العقوبات ما تبقى من أكبر القطاعات الصناعية في سوريا، ومن بينها قطاع إنتاج الطاقة والبناء، وكان الهدف المعلن لها هو إحباط الاتفاقيات التجارية الدولية التي من شأنها مساعدة الأسد على إصلاح البنية التحتية المتضررة في البلد.

وكوسيلة لفرض عقوبة يستحقها رئيس سوريا، اعتبر كثيرون العقوبات انتصاراً عليه، وحذر مؤيدو تلك الإجراءات من أن العالم لا يمكنه أن يطبع مع الأسد أو أن يسمح لنظامه بأن يتربح ويغتني من خلال عقود الإعمار التي تم الاتفاق عليها لإعادة بناء المدن التي دمرها الأسد وأفرغها من سكانها.

كان قانون قيصر مع غيره من العقوبات التي فرضت خلال هذا العام على تجار الكبتاغون ومصنعيه، بمثابة رسالة مهمة لنظام الأسد وأعوانه تفيد بأن الولايات المتحدة تقف مع الشعب السوري وذلك برأي معاذ مصطفى المدير التنفيذي لفرقة الطوارئ السورية وهي منظمة غير ربحية مقرها واشنطن تعمل على مناصرة ضحايا جرائم الحرب المرتكبة في سوريا.

يقول مصطفى عن هذا القانون: “هنالك استثناءات إنسانية محددة لضمان عدم تضرر أي مدني سوري، بصرف النظر عن رأيه السياسي، بتلك العقوبات، أي إن هذه العقوبات تركز على الأشخاص الذين يضرون بالمدنيين السوريين عبر استخدام الأسلحة الكيماوية والتعذيب والقصف العشوائي، وتعتبر المخدرات جزءاً من استراتيجية متعمدة ينتهجها هؤلاء الأشخاص لضمان تأمين مصدر دخل لهم، مع قدرتهم الكاملة على التحكم بهذا المصدر”.

ولكن حتى أشد مناصري هذا القانون يعترفون بعدم وجود أي انتصار كامل ونظيف من دون تكبد أي خسائر في سوريا.

إذ بوجود بدائل قليلة للعقوبات يمكن تطبيقها في هذا المضمار، لا بد أن تحمل هذه الإجراءات أضراراً جانبية غير مرغوبة، ومنها حتمية عثور الطبقات المخملية في المجتمع على طرق للنجاة بل حتى للتربح بحسب رأي بيتر أندرياس وهو أستاذ بالدراسات الدولية لدى جامعة براون، وباحث كتب دراسة عن الطريقة التي تزيد من خلالها العقوبات حجم التجارة غير المشروعة.

يعلق أندرياس على ذلك بقوله: “إن الأشخاص الذين تستهدفهم العقوبات مستعدون لإقامة كل أنواع التحالفات حتى يحالفهم النجاح لأن بقاءهم يعتمد على ذلك”، بيد أن العقوبات يمكن في النهاية أن “تدفع بكامل الاقتصاد نحو العالم السفلي للجريمة” برأي أندرياس، الذي يعقب على ذلك بقوله: “لكن ذلك يحدث بشكل غير مقصود، رغم كونه نتيجة غاية في الواقعية والديمومة”.

المصدر: The Washington Post

؟؟

؟

؟

؟