كيف لهذه الإعلامية المرموقة أن يطاوعها قلبها، في عزّ هذه المقتلة التاريخية، على الانشغال بتبييض صفحة طارق رمضان، المفكر الإسلامي الذي ما زال قيد المحاكمة في فرنسا بقضايا تحرش واغتصاب، بل وتحديداً كيف يطاوعها قلبها على استخدام المقتلة التاريخية، بعنوانها العريض قضية فلسطين، للدفاع عن المفكر الذي بات شهيراً أكثر بسبب محاكمته من نشاطه الدعوي.

ترى الإعلامية البارزة أن ما حدث للمفكر رمضان هو محض فبركات إعلامية، وأن الرجل “اغتيل معنوياً وأخلاقياً وسياسياً وأكاديمياً وإعلامياً، كي يخلو الجو لأشباه الرجال لتمثيل الإسلام مثل الإمام المسخرة شلغومي”، وأن اللوبي الإسرائيلي هو من تحرك بكل ثقله في وسائل الإعلام لدعم سيدة كي تفجّر قضية تحرّش جنسي ضده.
أما ما يفجّر غضبة الإعلامية المرموقة اليوم فهو تغريدة للمرأة التي تزعم تعرضها للتحرش، تعلن فيها ولاءها لإسرائيل وعداءها للإسلام والمسلمين. وهكذا قضت الإعلامية: صاحبة الدعوى توالي إسرائيل، إذن فإن المتهم بالاغتصاب على حق حتماً.

تذهب الإعلامية أبعد من ذلك، فتقول إن “محاكم الإعلام شيطنتْه واغتالته معنوياً من أجل هذه اللحظة التاريخية التي نعيشها اليوم، حيث لا صوت يعلو فوق صوت الباطل”. كأنها تريد أن تقول إن الرجل (رمضان) كان سيكون عاملاً مرجِّحاً في معركة اليوم، ولذلك تخلّصوا منه مبكراً، باغتياله المعنوي.

“الإعلام صناعةٌ خطيرة” حقاً، كما تقول الإعلامية نفسها. ولكن بسبب مثل هذه الذرائع بالذات، فهذا إعلامي آخر مشغول بتبييض صفحة فنان من بلده. وإذا كان طارق رمضان قيد المحاكمة، فإن المغني المغربي سعد لمجرد قد حُكم بالفعل، ومع ذلك يتجرأ الإعلامي، ومن دون مناسبة، إلا سطوع وطغيان اسم فلسطين وقضيتها إثر المجزرة الرهيبة (إبادة قوم عند قوم فوائدُ) للعودة إلى محاكمة لمجرد، والزعم أن “حملة إعلامية فرنسية” قامت ضد الفنان، وأنه يمكن الاستنتاج، على ما يقول، أن لمجرد أدّى ضريبة ترديده أغنية “فلسطين عربية” في حفل فني أحياه في رام الله سنة 2015، حيث ظهر بالكوفية الفلسطينية، وأن “اللوبي الصهيوني في “عاصمة الأنوار” كما في أقطار أخرى، لا يتساهل مع النجوم الذين يعارضون سياسته الإجرامية، ومن ثم يتصيّد زلاّتهم من أجل الإيقاع بهم وتحطيمهم”.

اللوبي الصهيوني يفعل فعله هذه الأيام أكثر من أي وقت مضى، لا أحد بإمكانه إنكار ذلك، والأمثلة تتكرر بشكل يومي تقريباً، من جامعة هارفرد، إلى نجوم وعاملين في هوليوود، إلى لاعبي ونجوم كرة القدم، هذا أكيد، لكن ذلك لا يعني أن نلصق كل محاكمة، وكل طرد، أو فشل باللوبي الصهيوني، بحجة أن في تاريخ كل منا لحظة دافع فيها عن فلسطين، وبالتالي عليه أن يدفع ثمنها حملات وتشويهاً ومحاكمات!

إن قلنا “يا أمة ضحكت من جهلها الأمم”، سنكون ظالمين باستخدام مقولة المتنبي على هذا النحو التعميميّ، بل سنكون ظالمين أيضاً للجهل نفسه، فالجهل نفسه ليس عيباً فادحاً أمام قلة الضمير وهذه المقدرة الفادحة على التلفيق والتزوير، ولذا، فإننا نحتاج مقولة أخرى تتعلق بقلة الضمير.

؟

اعرف عدوك

؟

من مهازل الحرب الإسرائيلية على غزة فيديو لبنيامين نتنياهو ظهر فيه رافعاً كتاب “كفاحي”، كتاب هتلر الشهير، الذي يجمع بين سيرته الذاتية، وتوثيقاً لتفاصيل صعود النازية، معتبراً أن العثور على الكتاب في بيوت غزة أو مكتباتها دليل إضافي يسمح له بالمضي بالتخلص من “حماس” (اقرأ: الإبادة الجماعية).

نسأل خبراء القراءة في محركات البحث ماذا بإمكان كتاب أدولف هتلر أن يقدم للقارئ فيأتي الجواب، بأنه يمكن أن “يوفر نظرة ثاقبة حول كيفية صعود النازية في ألمانيا، ما يساعد على فهم الظروف التاريخية والاجتماعية التي أدت إلى الحرب العالمية الثانية”. وفي “فهم أيديولوجية النازية، فالكتاب يعرض مباشرة للأفكار وللمعتقدات التي كانت أساس النظام النازي، وهو مفيد لمن يرغب في فهم هذه الأيديولوجية ونقدها”. ثم “دراسة الدعاية والتلاعب السياسي، حيث بإمكان “كفاحي” أن يكون دراسة حالة حول كيفية استخدام الدعاية والخطاب للتلاعب بالرأي العام وتعزيز أجندة سياسية”. ومن ثم للمهتمين بالتحليل النفسي سيعطي الكتاب “نظرة داخلية على شخصية هتلر وطريقة تفكيره”.

كذلك سنكتشف أن الكتاب مترجم للعبرية، ولو أن النسخة العبرية عانت مرارات عديدة منذ صدورها، من الإبعاد والتجاهل والحذف حتى على سبيل البحث الأكاديمي، لن تجد سوى فصول منه في بعض الجامعات. ما يعني أن نتنياهو ليس وحده في نظريته.

أراد مترجمه الإسرائيلي للعبرية أن يفهم، وجيله الشاب، كيف استطاع رجل غير متعلم مثل هتلر أن يغلب أمة كاملة، ولكن إسرائيل أغلقت المكتبات ودور النشر في وجهه.

هذا شأنهم على أي حال، ولكن يبدو أن مكتباتنا أوسع، ولا شك أن جنود نتنياهو وجدوا، إلى جانب كتاب هتلر، كتباً أخرى، من بينها كتاب رئيس الإبادة الجماعية بنيامين نتنياهو نفسه: “مكان تحت الشمس”، فمعلوم أن “اعرف عدوك” هي زاوية ثابتة في صحفنا ومكتباتنا.

هذه الأيام بالذات نقرأ هتلر، من أجل فهم أفضل لبنيامين نتنياهو.

؟

؟

؟

كاتب من أسرة تحرير “القدس العربي”

؟

؟

؟