منذ أن كشفت الحكومة الألمانية، في تشرين الثاني 2023، عن خطتها المؤلفة من عشر نقاط لمواجهة الزيادة في أعداد اللاجئين من خلال تشديد إجراءات سياسة الهجرة، بما في ذلك تقييد المساعدات المالية المقدمة، أثارت خطوة اعتماد بطاقة الدفع لطالبي اللجوء بدل النقد، جدلاً كبيراً على الساحة السياسية، وخاصة فيما يتعلق بهدفها الأبرز المعلن عنه والمراد منه “منع التحويلات المالية إلى الخارج، والحد من تدفق اللاجئين”.

وبعد نقاشات طويلة، اتفق المستشار الألماني أولاف شولتس مع حكام الولايات الـ16 على تطبيق قرار بطاقات الدفع لطالبي اللجوء، لكن خلافات استمرت لأشهر بين أطراف الائتلاف الحاكم حول الحاجة إلى آلية واضحة وتفاصيل محددة، حتى تمكن بداية نيسان الجاري من تسوية تلك الخلافات.

ويقضي القانون الجديد على منح طالبي اللجوء بطاقة دفع إلكترونية صالحة فقط في ألمانيا، لتلقي الإعانات على شكل رصيد بدل النقد، وذلك بهدف “منعهم من تحويل الأموال إلى عائلاتهم وأصدقائهم في الخارج، أو إلى المهربين، وكذلك لتقليل حوافز الهجرة غير النظامية إلى ألمانيا”.

 

ووافق البرلمان الألماني (البوندستاغ)، يوم الجمعة 12 نيسان 2024، على قانون بطاقة الدفع لطالبي اللجوء الذي سيُطبق على مستوى البلاد، وصوّت لصالح هذا القرار الكتل البرلمانية للائتلاف الحاكم (الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر والحزب الديمقراطي الحر)، بالإضافة إلى حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني المتطرف، وحزب “سارة فاغنكنيشت”، في حين صوت كل من التحالف المسيحي وحزب اليسار، ونائبة واحدة عن حزب الخضر ضد القانون.

؟

كم قيمة المبالغ المالية التي تُدفع لطالبي اللجوء؟

؟

وبعد وصولهم إلى ألمانيا، يُنقل طالبو اللجوء إلى مراكز الاستقبال الأولية “الكامب”، حيث يحصلون هناك بموجب قانون المساعدات الاجتماعية، على سرير ووجبات طعام ويتلقون الرعاية الطبية، وبالإضافة إلى ذلك يحصلون على ما يسمى “مصروف الجيب” بقيمة 42 يورو أسبوعياً، ويختلف المبلغ بحسب الولاية، ولكنه لا يتجاوز الـ200 يورو شهرياً، يُدفع لهم نقداً، وهو مخصص للاحتياجات الشخصية.

وقبل أن يُمنح طالبو اللجوء إقامة، فإن الأشخاص الذين ما يزالون في مرحلة طلب اللجوء ولم يُبت بعد في طلبهم، أو من رُفضت طلباتهم، أو الحاصلين على تصريح التسامح الذي يُسمى “دولدونغ” أي وثيقة منع الترحيل، يُنقلون من الكامبات الكبيرة إلى سكن مشترك “هايم” أو شقة تابعة لمكاتب “الخدمات الاجتماعية” (السوسيال)، ويتكفل الأخير بدفع 460 يورو لغير المتزوجين الذين يسكنون في شقة سكنية، و413 يورو لمن يعيشون في سكن مشترك، وهو مبلغ أقل من إعانة المواطن التي يدفعها “جوب سنتر” للحاصلين على إقامة والذين لن يشملهم قانون “بطاقة الدفع” الجديد.

؟

ما هي بطاقة الدفع لطالبي اللجوء؟

؟

بموجب القانون الجديد، سيحصل طالبو اللجوء على بطاقة دفع على غرار بطاقة السحب الآلي، حيث ستحول السلطات الأموال إلى البنوك التي بدورها ستُعبئ الأموال بالبطاقات، ويمكن استخدامها في منافذ البيع بالتجزئة وفي ماكينات البيع، أما الوظائف الإضافية والقيود الإقليمية فهي مسألة تخص كل ولاية اتحادية على حدة.

واتفقت الولايات الاتحادية على أن تكون عبارة عن بطاقة ائتمانية مزودة بوظيفة الخصم، أي من دون رابط حساب، بحيث تحل محل المدفوعات النقدية، وسيجري توحيد المعالجة الفنية والتقنية في جميع الولايات الاتحادية.

 

ومن حيث المبدأ، ستكون البطاقة صالحة في جميع أنحاء البلاد، ولكن يمكن للولايات الاتحادية تقييدها على المستوى الإقليمي ولقطاعات معينة، وبالإضافة إلى ذلك لن يتمكن طالبو اللجوء من استخدامها في الخارج أو التحويل من بطاقة إلى أخرى، أو التحويل داخل ألمانيا وخارجها.

وتُعتبر هامبورغ أول ولاية ألمانية تصدر ما أطلقت عليها اسم “البطاقة الاجتماعية”، فمنذ 15 شباط الماضي، يحصل طالبو اللجوء الوافدون حديثاً في مراكز الاستقبال الأولية على رصيد شهري بقيمة 185 يورو عبر البطاقة المدفوعة مسبقاً، والتي يمكن استخدامها لشراء ودفع ثمن المواد اليومية، بالإضافة إلى السحب النقدي من أجهزة الصراف الآلي ولكن بحد أقصى 50 يورو شهرياً.

؟

هل يحول اللاجئون أموال المساعدات إلى بلدانهم أو للمهربين؟

؟

وترى الأحزاب السياسية بما فيهم حكومة ائتلاف “إشارة المرور” التي اتفقت على إصدار بطاقة الدفع لطالبي اللجوء، بأن هذه الخطوة ستحل مشكلة تحويل الأموال إلى الخارج. وعقب اتفاق البرلمان الألماني على القانون، اعتبرت وزيرة الداخلية الاتحادية نانسي فايسر (الحزب الاشتراكي الديمقراطي) أن “النقطة الحاسمة في هذا الإجراء هي أن التحويلات والمدفوعات النقدية إلى المهربين والمتاجرين بالبشر في الخارج لم تعد ممكنة”.

وقال رئيس حكومة ولاية هيسن بوريس راين (الاتحاد الديمقراطي المسيحي) في مؤتمر رؤساء الوزراء بداية نيسان الجاري إنه “من خلال إدخال بطاقة الدفع، فإننا نخفف العبء الإداري على السلطات المحلية، ونمنع إمكانية تحويل الأموال من دعم الدولة إلى بلدان اللاجئين، وبالتالي مكافحة الاتجار غير الإنساني بالبشر”.

من جهته، نفى الباحث في “المركز الألماني لأبحاث الاندماج والهجرة” نيكلاس هاردر، في تصريح لراديو شمال ألمانيا (NDR)، وجود أي دليل على أن أموال المساعدات الاجتماعية تُحول إلى الخارج. مضيفاً “يبدو لي أن التبرير يستند إلى حكايات مبالغ فيها، إذ لا توجد أرقام موثوقة تقول إن هذه ظاهرة منتشرة على نطاق واسع”.

 

ووصف هيربرت بروكر من معهد أبحاث التوظيف، حجة أن اللاجئين يحولون الأموال إلى بلدانهم الأصلية بـ “الجدل الوهمي”. وأوضح في مقابلة مع مجلة “فيرتشافت فوخه” أن “طالبي اللجوء في مراكز الاستقبال الأولية لا يتلقون سوى ما يسمى بمصروف الجيب التي تبلغ قيمته أقل 200 يورو شهرياً، كما أن حجة الدفع للمهربين بهذه الأموال خاطئة أيضاً، فاللاجئون يدفعون للمهربين مقدماً وليس بعد أن يصلوا”.

بدورها، أكدت كلارا بونجر، وهي سياسية متخصصة في شؤون اللجوء من حزب اليسار، أن “طالبي اللجوء يتلقون منذ فترة طويلة وسيظلون يتلقون أموالاً قليلة جداً لدرجة أنها أقل من الحد الأدنى لمستوى المعيشة”. وأوضحت أن “الحكومة الألمانية الحالية (ائتلاف إشارة المرور) تريد استخدام بطاقة الدفع لتملي على اللاجئ ما يشتريه وما لا يشتريه”. مضيفةً أنه “من المخيف أن نرى كيف يجري توجيه هذه الحكومة من قبل حزب البديل من أجل ألمانيا (اليميني المتطرف)”.

طالب اللجوء السوري محمود العلي والذي وصل إلى ألمانيا منذ خمسة أشهر ويعيش حالياً ضمن مخيم كبير للاجئين في منطقة زوست بولاية شمال الراين، يقول لـ موقع تلفزيون سوريا، إن “مبلغ الـ 42 يورو الذي يتلقاه أسبوعياً، لا يكاد يكفيه أربعة أيام، رغم أنه لا يُدخن السجائر”.

ويضيف أنه “يضطر لشراء حاجيات الأكل في معظم الأحيان من السوبر ماركت لأن طعام الكامب الذي يُقدم لهم لا يكون مناسباً له في معظم الأوقات، وإذا كان شهياً فإنه بالكاد يحصل على طبق، بالإضافة إلى أنه ملّ من أكل الجبنة والمربيات والزبدة في أوقات الفطور والغداء، لذلك يضطر إلى شراء الطعام من الخارج من مصروفه”.

وحول ما إذا كان يُرسل أموالاً إلى عائلته في سوريا، أجاب أنه “في كثير من الأحيان يضطر لاقتراض المال من أصدقائه لأن ما يُدفع له لا يكفيه، فكيف سيستطيع قطع مبلغاً من مصروفه الذي لا يتجاوز الـ 200 يورو شهرياً وإرساله إلى سوريا”.

؟

ماذا تأمل الأحزاب السياسية من بطاقة الدفع؟

؟

يتذرع بعض السياسيين في ألمانيا، بأن بطاقة الدفع للاجئين ستكون أداة للحد من الهجرة معتبرين أن المزايا المالية التي تقدمها ألمانيا للاجئين هي أحد عوامل جذب اللاجئين للقدوم إلى ألمانيا، في حين يرى خبراء هذه مجرد أمنيات يتمناها السياسيون، وأن إقرار مثل هذه البطاقة لن يلعب دوراً في قرار الهجرة.

ووفقاً لوجهة النظر التي يتبناها “الحزب الديمقراطي الحر” في ائتلاف “إشارة المرور” الحاكم، فإن “إدخال بطاقة الدفع للاجئين على الصعيد الوطني من شأنها تقليل حوافز الهجرة غير النظامية بشكل كبير والقضاء على أحد عوامل الجذب الرئيسية للهجرة”.

؟

 

؟

ويقول ستيفان توما، سكرتير المجموعة البرلمانية للحزب الديمقراطي الحر، وهو من أبرز المدافعين عن المشروع، إنّ “قانون بطاقة الدفع الجديد سينجح في الحد من الهجرة”. مضيفاً “عندما تُدفع مبالغ نقدية على نطاق واسع، فإن الانطباع الذي يتولد لدى المهاجرين أن ألمانيا أرض تفيض باللبن والعسل”. وفق ما نقلت صحيفة “دي فيلت” الألمانية.

ويشير النائب عن حزب “الاتحاد الديمقراطي المسيحي” المعارض ديتليف سيف إلى أن “البطاقة ليست حلاً سحرياً، ولكنها قد تساعد في تقليل عدد طالبي اللجوء الذين يسافرون إلى ألمانيا داخل أوروبا”. أما زميله في الحزب كاي ويتاكر فقد دان الخطة ووصفها بأنها “غير كافية”.

وبالنسبة لممثلي حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني المتطرف، فقد استغلوا فرصة الحديث عن بطاقة الدفع، لمهاجمة طالبي اللجوء وسياسة الهجرة وتوجيه الاتهامات. حيث اعتبر السياسي ألكسندر أولريتش، إنه “على الرغم من أن بطاقة الدفع لن تحل المشكلة الرئيسية للهجرة غير الشرعية، إلا أنها وسيلة للقيام بذلك بشكل أفضل”. في حين قال شتيفن يانيتش إن “أموالنا لمواطنينا وليس للعالم أجمع”. بحسب ما ذكرت صحيفة “دير شبيغل”.

أما السياسي المحلي من حزب “البديل” نوربرت كلاين فيختر فقد اعتبر أن بطاقة الدفع “خطوة جيدة”. وأضاف أن “إعانات طالبي اللجوء في ألمانيا أعلى 30 مرة من متوسط الراتب الأفغاني، ولهذا السبب يريد حزب البديل أن يبعث برسالة إلى بلدان المنشأ مفادها أن نظام الإعانات الألماني بعيد المنال عنكم، ولن تستفيدوا من قوة ألمانيا الاقتصادية لأنكم لستم لاجئين، بل سافرتم عبر العديد من البلدان الآمنة قبل وصولكم إلى هنا”.

؟

هل تُعتبر أموال المساعدات في ألمانيا عامل جذب للاجئين؟

؟

يؤكد توبياس هايدلاند، الخبير في الهجرة وتدفقات رأس المال في البلدان النامية في معهد كيل للاقتصاد العالمي، أنه “ليس من الصواب أن يترك الناس بلدهم الأصلي بسبب المزايا الاجتماعية العالية في ألمانيا، فالهجرة معقدة للغاية ولا يمكن تفسيرها بعوامل دفع وجذب بسيطة، أي الظروف السيئة في البلد الأم والظروف الجيدة في البلد المضيف، وغالباً ما يُنظر إلى المسألة من منظور إداري”. مضيفاً “لا أعتقد أنه من المحتمل أن يكون لتغيير فقرة أو قانون في ألمانيا تأثير كبير، لأن المعلومات لا تصل إلى المهاجرين”.

منظمة “برو آزول” الألمانية، الداعمة للهجرة وحقوق اللاجئين وصفت بطاقة الدفع بأنها “تمييزية تهدف إلى جعل حياة اللاجئين في ألمانيا صعبة”. وأوضحت أن التذرع بتقييد الهجرة هي “حجة خاطئة”. مضيفةً أن “من خلال خطط حكومة (إشارة المرور) فيما يتعلق بسياسة اللاجئين، انتصرت الشعبوية مرة أخرى على الحجج الواقعية”.

وذكرت المنظمة في بيان نشرته شباط الفائت بشأن بطاقة الدفع أنه “من الناحية العملية، سيتعرض اللاجئون للتهميش بشكل أكبر في العديد من الأماكن وسيجري تقييدهم حتى في أصغر القرارات اليومية، ومع ذلك، فإن بطاقة الدفع لن تردع طالبي اللجوء عن الفرار من الاضطهاد أو الحرب”.

وتعتقد السياسية الاجتماعية في “الحزب الاشتراكي الديمقراطي” رشا نصر أن “البطاقة لن تكون حلاً سحرياً، فالعامل الحاسم للهجرة هو أن الناس يذهبون إلى حيث تعيش دوائر الأصدقاء والعائلات، وبالتالي إذا اضطر الناس إلى الفرار عندما تتساقط عليهم القنابل في أوطانهم، فإنهم لا يهتمون بما إذا كانت الإعانات الاجتماعية تُقدم نقداً أو عبر البطاقة”.

 

ويقول الشاب عبد العزيز من محافظة درعا جنوبي سوريا، لـ موقع تلفزيون سوريا إنه “خرج من سوريا إلى لبنان بعد سيطرة قوات النظام على محافظة درعا عام 2018، وذلك خوفاً من الاعتقال كونه معارضاً لنظام الأسد وسبق أن اعتقلته الأجهزة الأمنية عام 2012”.

ويعيش طالب اللجوء الذي جاء إلى ألمانيا منذ ثمانية أشهر وما يزال ينتظر البت في طلب لجوئه،  ضمن سكن مشترك قرب مدينة كولن بولاية شمالي الراين. ويشرح الشاب السوري أن السبب الأساسي لهروبه إلى ألمانيا هو “المعاناة التي عاشها خلال السنوات الماضية في لبنان، من عنصرية وتمييز”.

وأضاف عبد العزيز أنه “خلال وجوده في لبنان كان يرغب بالعودة إلى درعا، ولكن بسبب الظروف التي تشهدها المحافظة من فلتان أمني وعمليات اغتيال وخطف وحملات اعتقال من قبل النظام، قرر الهروب إلى ألمانيا علّه يحظى بحياة آمنة”.

؟

“إجراء تمييزي هدفه شعبوي”

؟

ويرى السياسي الألماني من أصول سورية، والمرشح لانتخابات البرلمان الأوروبي عن حزب “فولت” (Volt) الألماني أسامة كزو أن “بطاقة الدفع ستزيد من معاناة طالبي اللجوء كمصدر جديد للفوضى، ومن المتوقع أن تخلق مشكلات جديدة في الحياة اليومية للاجئين، مثل دفع تكاليف الطعام أو التنقل”. مشيراً إلى أن “هناك عدم وضوح بشأن تفاصيل البطاقة، مثل الأماكن التي تقبلها أو المبالغ النقدية المسموح بسحبها من الصراف الآلي”.

وقال كزو في حديثه لموقع تلفزيون سوريا إن “الادعاءات بأن البطاقة ستحد من طلبات اللجوء ليست سوى حجج واهية لا أساس لها، فاللاجئون يهربون من الحروب والاضطهاد أو من ما يهدد حياتهم، وبالتالي لن تؤثر البطاقة أبداً على تقليل عدد طلبات اللجوء، ولن تكافح المهربين”.

 

ولفت إلى أن “الخبراء الاقتصاديين يؤكدون أن تحويلات الأموال من قبل طالبي اللجوء ضئيلة للغاية، ومعظمها يأتي من اللاجئين العاملين وليس من متلقي المساعدات”، مشيراً إلى أن “هناك مخاوف قانونية بشأن حماية بيانات اللاجئين الخاصة ومشاركتها”.

وأوضح السياسي الألماني أن حزب “فولت” يعتبر أن “قانون بطاقة الدفع هو مجرد خطاب شعبوي وإجراء تمييزي إقصائي بحق اللاجئين، هدفه استغلال قضية اللجوء من قبل الأحزاب لكسب ناخبي اليمين المتطرف، وليس من أجل مكافحة جرائم تهريب البشر أو الحد من تدفق اللاجئين”.

؟

؟

؟

؟

؟