روت مراسلة شبكة “بي بي سي” للشرق الأوسط، لينا سنجاب، تفاصيل جولتها في دمشق، بعد العودة إليها للمرة الأولى منذ مغادرتها في عام 2013، إذ أشارت إلى “تناقضات صارخة” في البلاد التي تغرق بالفوضى والفقر والاستياء من “المحتلين”.

افتتحت المراسلة حديثها بعبارة “هذي بلادٌ لم تَعُد كبلادي”، إذ قالت: “عند دخولي سوريا، كان المشهد كما أتذكره، الجبل ذاته، أشجار البلوط ذاتها، والملصقات الكبيرة للرئيس (بشار الأسد)، التي تذكرنا دائماً بمن يتحكم بالأمور هنا، ومع ذلك، كان القليل من القادمين سوريين، فمعظمهم جاء للسياحة الدينية من لبنان والعراق، والبعض الآخر ربما جاء للتسوق في أسواق دمشق.. توجهتُ نحو المدينة، لتبدأ نقاط التفتيش”.

وعلى مدى العقد الماضي، اختفى كثير من الناس هنا (في دمشق)، وتضيف “سنجاب”: “يكفي أن يقف وراء ذلك تعبيرهم عن آراء تنتقد النظام، أو حتى الإعجاب بمنشور على وسائل التواصل الاجتماعي متعاطف مع المعارضة، لا شيء يبدو أنه قد تغير في سوريا تحت حكم بشار الأسد، إلا أنها بلدٌ غيرته الحرب”.

§

مدينة غارقة في الظلام

§

واصلت المراسلة وصف المشهد، بالقول: “وصلتُ إلى دمشق ليلاً، لأجد المدينة غارقة في الظلام، حتى الأحياء الفاخرة، باتت معتمة، وهذا هو الحال لسنوات، فهناك نقص في كل شيء تقريباً، يجبر السوريين على الوقوف في طوابير طويلة لتأمين احتياجاتهم الأساسية”.

 

وتابعت: “فأنت بحاجة إلى بطاقة ذكية تحمل بياناتك للحصول على الخبز المدعوم أو مخصصات الوقود أو الغاز، لتصلك رسالة نصية تخبرك بموعد انضمامك إلى الطابور، ويبدو أن الحكومة عازمة على تقديم سوريا في صورة دولة حديثة مع انهيار كل شيء”.

وأردفت أن “الدولة وضعت نظاماً لدفع الفواتير الحكومية عن طريق التحويل المصرفي، عبر تطبيق على الهاتف المحمول، لكن الكثير منهم لا يستطيعون الوصول إلى البنوك أو الهواتف المحمولة، ثم ظهر نظام آخر يسمح لك بالدفع إلكترونياً دون الحاجة إلى بنك، لكنك لا تزال في حاجة إلى هاتف محمول، وفي بعض الأحيان ينفد الوقود من المولدات التي تشغل أبراج الهاتف، وتنقطع الشبكة”.

ووفق وصف “سنجاب”، فقد “نشأ جيل كامل جديد من السوريين في أجواء الحرب، بين انفجارات وتفخيخ وأخبار متواصلة عن الموت والاختفاء، ومع ذلك فهم غير مبالين بتلك الحرب، لكنهم يعلمون جيداً أن هناك حدوداً لا يمكنهم تخطيها للعيش في أمان؛ لذا يصبون اهتمامهم على الثقافة والتراث والفن والموسيقا، فهي مجالات آمنة إلى حد ما من الأيدي الباطشة”.

§

استياء من “المحتلين”

§

وقالت المراسلة إن “وجود أعداد كبيرة من مواطني الدول المتحالفة مع النظام يثير غضب السوريين هنا، فإذا تجولت في المدينة القديمة، ستسترعي انتباهك أصوات الزوار من العراق ولبنان وإيران بل وحتى من اليمن، ومن بين هؤلاء مسلمون شيعة، أوفدتهم إيران لتعزيز نفوذها في سوريا، أو كما يراها أهل دمشق، لتوسيع نفوذ الشيعة في المنطقة”.

والحقيقة أن غالبية السوريين من المسلمين السنة، ومعظم اللاجئين “الفارين من الحرب”، البالغ عددهم خمسة ملايين، من السنة كذلك، في حين أن “النخبة الحاكمة من العلويين، وهم طائفة شيعية تمثل نحو 12 في المئة من السكان”.

 

حتى الموالون للنظام، الذين رأوا في الماضي أن الوجود الإيراني أمر استراتيجي، باتوا يطلقون عليه الآن “الاحتلال”، بحسب المراسلة، ولا يختلف الروس عن غيرهم من الغرباء في سوريا، فهم أيضاً غير مرحب بهم.

ولم يتزايد السخط إلا بعد أن هاجمت إسرائيل أفراد الجيش والأمن الإيرانيين المتمركزين في الأحياء السكنية في دمشق، حيث تنظر إسرائيل إلى وجود عدوها اللدود “إيران” في سوريا على أنه تهديد كبير.

وبعد هجوم على مبنى في المزة، المنطقة الثرية جنوب غربي المدينة، وصفت إحدى النساء المشهد قائلة “كان المبنى بأكمله يهتز”، وتساءلت: “لماذا عليَّ أن أعيش هذا مع أطفالي؟! لماذا يأتي هؤلاء ليعيشوا في مناطق سكنية؟”.

§

بلادٌ غارقة في الفقر

§

ولفتت “سنجاب”، إلى أن “البلاد أضحت هذه الأيام غارقة في الفقر، وتمكن اليأس من الكثير من المواطنين الذين يقولون: “لن ينجلي هذا الليل الطويل”.

وأصبح من المعتاد أن ترى عائلات تنام في الشوارع، وآخرين ينقّبون عن الطعام في حاويات القمامة، بينما يستمر نمط الحياة الراقية دونما تغيير في مناطق أخرى، تذكرنا بأفخم أحياء لندن أو باريس.

 

تناقضات صارخة تشهدها سوريا – بحسب سنجاب – ومع ذلك، فالعديد ممن “فرّقتهم الخلافات السياسية خلال الحرب، عادوا ليقتربوا من جديد، ولقد أبدعت الحكومة في إيجاد سبل لانتزاع الأموال من جيوب الناس، عبر الضرائب والغرامات والرسوم الجمركية وغيرها من التدابير والإجراءات”.

§

إغلاق المصانع

§

في غضون ذلك، اختار العديد من رجال الصناعة إغلاق مصانعهم أو تقليل أيام العمل، تجنباً للرسوم غير المتوقعة، فقد احتُجِز آخرون ولم يجدوا مَخرجاً سوى دفع أموال للنظام مقابل الحق في ممارسة الأعمال التجارية.

ومع ذلك، تستمر الحياة قدر المستطاع، فالناس يتواصل بعضهم مع بعض ويلتقون لاحتساء الشاي والقهوة أو تناول وجبة، وفي وقت متأخر من الليل، تمتلئ المطاعم، وتعج مقاهي الشوارع بالصغار والكبار، ويستمتع رواد بعض الأماكن بعزف الموسيقا العربية، وفق وصف المراسلة.