ترندات الفوضى … غطفان غنوم

منذ سقوط النظام، ظهرت ظواهر اجتماعية وإعلامية باتت تشغل الرأي العام بشكل يومي، حيث تتكرر أحداث تكتسب زخماً سريعاً عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتتحول إلى قضايا تشغل الجميع دون أن تكون هناك ضوابط أو معايير تنظم النقاش حولها. قد تكون هذه الحوادث بسيطة في ظاهرها، كأن يتصور شخص جالساً على كرسي الرئاسة في قصر الشعب، أو أن يُنزَل آخر بالقوة من منبر مسجد، أو أن ترتدي فتاة غطاءً على رأسها لتحظى بصورة بجانب قائد. لكن، رغم بساطتها، تتحول إلى مادة مثيرة للجدل وتثير الانقسام بين الناس، فينقسمون بين مناصر ومستنكِر، وتتوالى الاتهامات، ويلقى اللوم على هذا الطرف أو ذاك، وتُطرح حلول ارتجالية، بينما يحتدم النقاش ويتشدد البعض في آرائهم، ويصل الأمر أحياناً إلى التشكيك الكامل في جدوى الثورة، بل وحتى في المبادئ التي قامت عليها.

في محاولة لإرساء نوع من المنطق والتوازن، يحاول البعض تهدئة الغضب وتقليل حدة النقاش دون جدوى. لكن البساطة تحمل في طياتها مؤشرات ودلالات خطيرة، ولذلك، فإن مناقشة خلفية الأمور ومسبباتها تكتسب أهمية كبيرة.

هذه الظواهر تبدو وكأنها نتيجة طبيعية لغياب الأطر القانونية والدستورية الناظمة للمرحلة الانتقالية، حيث يؤدي غياب المؤسسات القادرة على إدارة الحياة العامة وضبطها إلى فراغ كبير يفتح المجال للفوضى والتصرفات العشوائية. فتبرز الحوادث اليومية وتصبح مادة للتعميم والتضخيم في مجتمع يفتقر إلى معايير واضحة للنقاش وتنظيم الخلافات، فلا سيادة قانون، ولا معايير توجيهية تضبط السلوك العام، ولا إعلام مهني قادر على تسليط الضوء على ما هو جوهري.

لعل هذه الحالة تعكس إلى حد كبير ما تمر به المجتمعات الخارجة من قبضة الاستبداد، لكنها في الوقت ذاته تكشف خللاً أعمق يحتاج إلى معالجة فعالة من خلال تأسيس نظام مؤقت يضع الأسس الأولية لإعادة بناء الدولة، وصياغة دستور يضمن تنظيم المرحلة الانتقالية، وتعزيز ثقافة الحوار البناء بين مختلف الأطياف، وتركيز النقاش العام على القضايا الحقيقية لا على التفاصيل العشوائية. كما أن دعم إعلام بديل محترف ومستقل يمكن أن يسهم في تحويل هذه النقاشات إلى أدوات بناءة، بدل أن تبقى سبباً للتشتت والانقسام.

إضافة إلى ذلك، فإن التصريحات المنفلتة من مسؤولي المرحلة الحالية ستجد طريقها إلى الانضباط تلقائياً بمجرد وضع أسس واضحة ودستور يحدد الأطر والمعايير التي تنظم العمل السياسي والإداري. إذ إن غياب القواعد المنظمة يفتح المجال أمام العشوائية، ويتيح لبعض المسؤولين الإدلاء بتصريحات غير محسوبة تزيد من حدة الانقسام والتوتر، سواء بسبب قلة الخبرة أو الاحتكام لمرجعية شخصية غير ملزمة للجميع.

حين تتوفر القوانين والمؤسسات الرقابية، تصبح التصريحات أكثر اتزاناً ومسؤولية، لأنها ستكون محكومة بمعايير واضحة ومساءلة جدية.

 

 

مخرج وكاتب سوري – مصدر

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى