أثر المصطلحات في الثورة السورية: بين التوثيق والتحريف … غطفان عنوم

في أي سياق ثوري، يتطلب تحليل المصطلحات الناشئة وعياً عميقاً بتأثير تلك المصطلحات على الفهم الجماعي للحركة الثورية. الثورة السورية، بأبعادها المعقدة وآثارها العميقة، أفرزت مجموعة من المصطلحات التي وصفت الفئات المختلفة التي تفاعلت معها، سواء بالمشاركة، الصمت، أو التأييد للنظام البائد. أصبحت هذه المصطلحات أدوات أساسية لفهم تركيبة المجتمع السوري خلال تلك الفترة، لكنها أحياناً تتحول إلى وسائل مغلوطة تُستخدم لتشويه الحقائق أو إرباك المفاهيم.

تتجلى هنا أهمية الحذر في استخدامها وإعادة ضبط معانيها بما يخدم الحقيقة، دون الوقوع في فخ التحريض أو المغالطات.

فهم المصطلحات في ظل الثورة

  • الشبيحة
    الشبيحة هم الفئة التي جسدت القمع الصريح للنظام السوري البائد. كانوا أداة النظام لضمان بقائه عبر ممارسة العنف الجسدي والنفسي. أفعالهم تجاوزت الدعم العلني للنظام إلى التورط في أعمال وحشية. وكما قال الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو: “السلطة ليست فقط ما يُقال، بل هي ما يُمارس”. يمثل الشبيحة نموذجاً حيّاً لهذه السلطة القمعية. الكاتب والشاعر السوري الكبير ممدوح عدوان تناول وصفهم بشكل وافٍ في كتابه حيونة الإنسان.
  • الرماديون
    هم الذين اختاروا الحياد الظاهري، مفضلين الصمت على اتخاذ موقف علني. ومع أن الصمت قد يُفهم كاختيار شخصي، فإنه يثير تساؤلات. وكما قال الشاعر الألماني بيرتولت بريخت: “الحياد في زمن الظلم هو بحد ذاته اختيار للظالم”. ومع ذلك، لا يمكن مساواة الرماديين بالشبيحة، إذ لا ينطوي موقفهم على عنف، بل على خوف أو تردد.
  • المندسون والإرهابيون
    هذه المصطلحات صنعها النظام السوري كسلاح نفسي لتشويه صورة الثوار الأحرار. وصف الثوار بـ”الإرهابيين” أو “المندسين” كان استراتيجية تهدف إلى تقويض الحركة الثورية. كما قال جوزيف غوبلز، وزير الدعاية النازي: “اكذب حتى يُصدقك الناس”. هذه الأكاذيب أظهرت هشاشة النظام الذي اعتمد على خطاب دعائي بدلاً من مواجهة حقيقية للأزمات.
  • المكوعون
    هم الذين انتقلوا من تأييد النظام إلى الانضمام للثورة بعد سقوطه، مدعين أن مواقفهم السابقة كانت بدافع الخوف أو الجهل بطبيعة النظام. هذه الفئة موجودة في كل ثورة، إذ إن كثيراً من الناس يميلون للانحياز إلى الطرف الأقوى لضمان مصالحهم.
  • المقهورون
    هذه الفئة تحمل في صمتها الأمل والتأييد للثورة، لكنها لم تكن قادرة على التعبير بسبب ظروف قاهرة. كما وصفهم فرانز فانون بـ”معذبي الأرض”، يمثلون الضحية الصامتة التي عاشت الثورة بفرح لكل انتصار وبألم لكل هزيمة.

تحديات الخطاب في المجتمع ما بعد الثوري
الخطاب العام الذي يروج لتحريض فئة ضد أخرى يخدم إعادة إنتاج أساليب النظام القمعي. دور المثقفين والناشطين هنا هو استخدام منصاتهم لبناء جسور الحوار، كما قال الكاتب جيمس بالدوين: “أن تقول الحقيقة هو فعل ثوري بحد ذاته”.

المسؤولية الأخلاقية والفكرية تتطلب خطاباً نزيهاً يشجع النقد البناء والتقييم العادل، ويبتعد عن المغالطات والمصطلحات التحريضية. الكلمات التي تُقال اليوم تُحدد مسار الأجيال القادمة، لذا يجب أن تُختار بحكمة ومسؤولية.

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى