في فهم الموقف الإيراني من انتصار الثورة السورية … د. عوض السليمان

 

يستغرب بعض المتابعين هذه الجرأة التي يهدد بها الإيرانيون الحكومة السورية الجديدة. فهم لا يتورعون عن وصف الثوار بالإرهابيين ومثيري الفوضى. ويعلنون، صراحة، أنهم يخططون للانقضاض على الثورة وإعادة سورية إلى أحضانهم. فوزير الخارجية الإيراني، هدد الثوار بقوله “من يعتقدون بتحقيق انتصارات في سوريا، عليهم التمهل في الحكم، فالتطورات المستقبلية كثيرة”. وقد جاءت هذه التصريحات مؤكدةً لما قاله الخامنئي” الشاب السوري ليس لديه ما يخسره؛ جامعته غير آمنة، … منزله غير آمن، ….حياته غير آمنة، فماذا يفعل؟ يجب أن يقف بقوة وإرادة ضد أولئك، الذين خططوا لهذه الفوضى، وأولئك الذين نفذوها”.. وأضاف “ستظهر في سوريا مجموعة شريفة وقوية لهزيمة هؤلاء …وبطبيعة الحال، فإن شباب سوريا الشجعان سيخرجونكم من هنا بالتأكيد”.


العارفون بالعلاقات الإيرانية السورية في عهد بشار، لا يستغربون تلك التصريحات، بل لعلهم يرونها أقل من المتوقع بكثير. فقد استثمرت طهران 50 مليار دولار في سوريا لنصرة الأسد، وتمكين نفسها من مفاصل الحياة في البلاد. وقد بلغت خطوط الائتمان الإيرانية لسورية خمسة مليارت دولار، أضف إلى ذلك أنها دفعت مئات الملايين لعناصر مخابراتها لشراء الأراضي والعقارات في المدن السورية. هذا غير احتلالهم الصريح لكثير من البيوت التي هُجّر أصحابها. وبلغ الأمر أن تسرّب الإيرانيون إلى المناطق التاريخية وتملكوا بالقوة محال تجارية عديد، كما حدث في سوق الحميدية.
خلال عشر سنوات من عمر الثورة السورية، زرعت إيران 500 حسينية في المحافظات السورية. وتشير بعض التقارير إلى مئات المدارس الشيعية والحوزات، بالإضافة إلى احتلال أراض ذات مواقع استراتجية وبناء مقامات عليها.
لم تكتف طهران بكل ذلك فقد سيطرت على كثير من المساجد، خاصة في حلب وحمص، ودير الزور والرقة، وكانت ميليشياتها تطلق النار على المؤذن إذا تجاهل عبارة “أشهد أن علياً ولي الله”.
أرادت إيران، باختصار، أن تحتل سوريا عسكرياً عن طريق الأسد، وأن تحتلها فكرياً وثقافياً ومذهبياً، على مبدأ واحدة بواحدة، فقد قدموا للأسد مقومات الانتصار العسكري، مقابل أن يتنازل لهم عن تاريخ سورية وثقافتها ودينها أيضاً.
بالتأكيد فإن التغلغل الإيراني يجمع بين السياسي والعقدي والاقتصادي، فهو، يحقق مصالح إيران الاقتصادية، كما حدث في سيطرة طهران على محطات توليد الطاقة ومصانع السيارات والاسمنت وغيرها الكثير.
وهو أيضاً يبني تحالفاً شيعياً، تسيطر فيه إيران، حسب اعتقادها، على العراق وسورية ولبنان مستقبلاً، بحيث يقف هذه التحالف في وجه السعودية ومصر والأردن.
لا أعتقد أنه خطر في ذهن قادة إيران، بعد سيطرتها على البلاد، ومساهمتها في التقتيل والتهجير، وتملكها لعشرات الآلاف من البيوت والمحال التجارية، أن تخرج من سورية. بل فقد اطمأنت على وجودها في “محافظة” تتحكم فيها سياسياً واقتصادياً، وتعتبرها جزءاً من أراضيها.
كل هذه الاستثمارات وكل ذلك التخطيط، وكل الأموال والجنود التي دفعت بهم، خسرتهم مرة واحدة، وبشكل خاطف، من خلال انتصار الثورة السورية،.
تبدد الحلم الإيراني، والحلف الشيعي، وضاعت الأموال، ومن تشيع خوفاً أو إغراءً عاد إلى صوابه، ووجدت طهران نفسها خارج اللعبة تماماً، تجر أذيال الخيبة والهزيمة، فكيف لا يغضب قادتها وكيف لا يتآمرون على الثورة التي أطاحت بمشروعاتهم كما أطاحت بالأسد.

 

 

 

رئيس التحرير

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى