هذا الجيش يجب أن يهزم: لماذا انهار الجيش يا بشار؟ … نضال نعيسة
في آخر لقاء له، مع وزير الخارجية الإيراني عراقجي، استغرب الرئيس الهارب بشار الأسد أداء و”سلوك” ما كانوا يسمونه بـ”الجيش العربي السوري”، وكيف انهار هذا الجيش “الباسل” وظهر بذاك الضعف والهزال والتواضع والهوان، وفر تاركاً سلاحه، وبالتالي هزم أمام فصائل المعارضة المهاجمة، التي كانت حقيقة، وطبقاً لما تابعناه، تتقدم بـسهولة وانسيابية وكأنها في نزهة ومشوار ورحلة “سيران”، حيث كانت تتساقط المدن والبلدات بيدها، وأمامها دون أية مقاومة، فيما كان الجيش يهرب أمامهم مذعوراً خائفاً.
منذ حوالي الثلاث سنوات تقريباً، تبادلت مقالاً نارياً مع الصديق الإعلامي د. فيصل القاسم، كي يتم نشره على نطاق واسع، على منصات الصديق فيصل، بعدما وصلت أحوال هذا الجيش ومهازله وفضائح وفساد وتنمر وتغول ضباطه، خاصة الأمنيين، المقربين من الرئيس الفار (من الفرار وليس الفأر)، وانتهاكهم لكل المعايير والقيم المهنية والأخلاقية والإنسانية والوطنية، وكيف باتت سيدة “أجنبية” هي القائد العام الفعلي للجيش تتحكم به وتديره وتقوم بترقية وتسريح وتلميع وتقزيم من تشاء بدون حساب. المقال لم ينشر يومها للأسف لاعتبارات عدة، حيث كان المقال قاسياً ولاذعاً ومزلزلاً.
وحين يخرق القائد العام، ذات نفسه، أهم مبدأ أمني ووطني ومهني في قانون الجيش، وهو حظر زواج الضابط العامل من أجنبية، وتسريحه فوراً، فيما يقوم هو بالزواج من سيدة أجنبية ذات تاريخ مجهول وانتماء وولاء غير وطني، لا بل، وفوق ذلك كله، يسلّطها على رقاب ضباط وجنود هذا الجيش، فلا بد لهذا الجيش أن ينهار.
فمن المستغرب، حقاً، أن يستغرب، الرئيس الهارب، هذا الواقع والحال الذي وصل إليه “جيشه الباسل”، وهو الذي وصل لقيادة هذا الجيش بـ”الباراشوت” وهبط عليه بمظلة الوراثة الكارثية، فلم يكن أبداً جندياً في الجيش، ولم يخدم في قطعات عسكرية، ولم يؤدِّ الخدمة الإلزامية مثل بقية الضباط والشباب السوري، ويجهل ألفباء العسكريتاريا ومهنة الميدان والقتال والاستراتيجيا والاستخبارات والاستطلاع، وفن إدارة الحروب وتكتيكاتها، ناهيك عن أن اختصاصه المهني، أصلاً، هو طبيب أسنان، كما يقال ويزعم.
وحين تكون معايير الجيش في الترقية والتنصيب هي معايير كلها بعيدة عن الوطنية والمهنية والمثالية والقيم الشخصية، بل معايير مافيوزية وعائلية وطائفية و”عشائرية” (تعلمون المقصود بهذه الكلمة، وكيف كانت عشائر وعائلات أزلية مدللة ومقربة ومحبوبة تحتكر المناصب القيادية دون أية مؤهلات، وعشائر أخرى ملعونة ومذمومة وممنوعة من الارتقاء والترقية واستلام المناصب القيادية والهامة والرئيسية، لأنه لا ولاء عشائرياً لها)، فلا بد له أن ينهار.
وحين يتحول هذا الجيش لعصابة حقيقية تقودها عصابة وطغمة بعينها، تتوارث القيادة، دون خبرة وتراتبية مهنية قانونية، وتمنح الرتب لها، وتوزع عليها قطعات الجيش كهدايا، وتسيطر عليها وعلى مقدراتها، وتكون أداة لقمع وقتل وقهر الشعب، ومهمتها الوحيدة مطاردة شرفاء الوطن وأحراره ونخبه المميزة، ويصبح هراوة غليظة بيد طاغية غلام عابث لاهٍ جاهل، وحين تكون مهمة ضباط أمنه وجنرالاته الكبار هي تهميش وتغييب وملاحقة التكنوقراط والنخب المميزة وتهجيرها وتجويعها، ورفع الجهلة وشذاذ الآفاق والمرتزقة المنافقين أشباه الجهلة وغير المتعلمين، وتتحول مهمته من حماية حدود الوطن إلى حماية العروش والكروش ومافيات الفساد والنهب والقتل، فلا بد لهذا الجيش أن ينهار ولن يدافع عن قتلة ولصوص ومافيات نهب واستبداد.
وحين تكون هناك عملية سرقة ممنهجة لقوت المقاتل ومتطلباته البسيطة، والسطو على لقمة عيشه وتجويعه أمام ناظر القائد العام وبمعرفته، وحماية اللصوص والحرامية الذين يقومون بذلك وترقيتهم وإبقائهم في مناصبهم القيادية لعقود طويلة، ويساق المجند والشاب بالقهر والإذلال والتهديد والوعيد للخدمة، ويقضى على مستقبله، وتركه بالخدمة والاحتياط لسنوات طويلة، وينسى اختصاصه الجامعي، وتخصيص بضعة دولارات كراتب وتعويض له، وحين يمنح ساعة حائط، أو “سحارة” برتقال، وميدالية “تنك” عند استشهاده فداءً للعرش، أو إلزامه بدفع خوة بالعملة الصعبة (بدل خدمة العلم) تذهب لجيوب زوجة القائد العام وآلها وإخوتها وبقية السلالة الحاكمة، وتقدر بآلاف الدولارات لا تدخل الميزانية العامة، وتعادل ثروة حقيقية بالمعايير المالية والسوقية الدولارية السورية، فلا بد أن يكون سلوك هذا الجيش متواضعاً وهزيلاً، ولا بد لهذا الجيش أن يهزم وينهار.
وحين يطلق على شباب الوطن وحماة دياره لقب “جنود عائلة”، ويعجز عن شراء هاتف “موبايل” ليتواصل به مع أهله، حيث تبلغ كلفة الدقيقة و”الباقة” راتب ثلاثة جنود، ناهيكم عن الخوة على الجهاز البالغة، أيضاً، آلاف الدولارات تسرقها شركات زوجة القائد العام، وتصبح سوريا كلها، بقضها وقضيضها، ملكاً لعائلة ما فتئت تمارس القتل والنهب وتجويع وقهر الشعب على مدى سنوات، وتستعدي كل فئات وشرائح الشعب، وتتنمر عليهم وتستعديهم، فلا مصلحة، ولا منفعة، عندها لهؤلاء الجنود بالدفاع عن هذه العائلة اللقيطة المارقة الرخيصة والغريبة عن الشعب والوطن السوري.
وحين يجوع الجندي والضابط و”المقاتل”، وتكون وجبته الرئيسية اليومية هي حبة بطاطا ورغيف خبز يابس و”بايت”، يتسبب بفقر الدم و”الأنيميا” وانخفاض الخضاب “الهيموغلوبين” في دم ذاك المجند الفقير، فيما العائلة والجنرالات المدللة وعشيقاتهم وخليلاتهم وخدمهم وحشمهم يقيمون بأرقى المنتجعات (كان منتجع الروتانا الشهير باللاذقية و”الغولدن بيتش” ومنتجع “لاواديسا” الفاخر الذي يمتلكه الدكتور المهندس عبقري زمانه عمار بديع الأسد مقر القيادة والدوام والإقامة وقيادة الجيش لهؤلاء) ويرفلون بالنعمة والوجبات الدسمة، فلا بد لهذا الجيش أن ينهار.
وحين يكون “كاراج” الفريق القائد العام متخماً، ويعج بعشرات سيارات “اللامبورغيني”، و”الرولز رايس”، و”البورش”، و”المايباخ”، وموديلات سنتها، فيما تكون آليات الجيش من مخلفات الحرب العالمية الأولى “مهرهرة” قديمة ومتهالكة، ولا يجد الجندي حتى سيارة “زيل” عسكرية موديل الستينات، فيما تخصص سيارة جيب “واظ” لعميد مهندس أكاديمي ودكتوراه بالمعلوماتية، فلا بد لهذا “الجيش الباسل” أن يتداعى ويهزم وينهار.
وحين، وحين، وحين… وتعيش وتأكل غيرها يا أخ بشار…