أكواخُ القرية ظمأى, السّحبُ الجوفاء تملأ الأفق الممتد..لسنينَ خَلتْ لم ير الناس حبّات المطر..كأن لعنة ما تلاحقهم أو ربّما شيئا آخر.
كنتُ جالسًا مطرقا رأسي إلى الأرض مفكّرًا..الجفاف..الجوع وأشياء أخرى, والدي الذي انحنى ظهره من توالي السنين عليه,فاجأني بصوته الرّخيم
ماذا جرى؟…بم تفكر؟
رفعتُ رأسي ,نظرتُ إليه بعينين خائفتين من مجهول
المطر…لم نره…ربما لم يعد راغبا في صداقتنا…إيه ياولدي…لقد تغيرت الأحوال,لقد تغير كل شيء.
أذكر أنّي حين كنتُ مثلكَ كان المطر ملازماً لنا,كان الخير يملأ كل شيء..لم يبق للقحط والخوف مكان بيننا..كنا سعداء رغم بساطة المعيشة..لقد كان الصفاء والرحمة..كانت “النيّـــة”. تنفّـسَ والدي بعمق,زفيرهُ الشّاحب غـيّر ملامح وجهه…والآن كما ترى ياولدي لم يبق شيء. نهض والدي بحزن, تقدّم منّي..ربَّتَ وربَّتَ بيّدهِ على كتفي..لكن لاتخف ياولدي..ربّما الفرج آت يوما ما.
انصرفَ والدي داخلا البيت..تذكّرتُ الأغنام..إنّه الموعد..سآخذهم وإيّايَ إلى المرعى,هناك في قمة الجبل,حيث بقايا الأشواك وبعض الخضرة الذابلة.النعاج تبدوكهياكل عظمية متحرّكة, حين وصولي إلى المرعى, انطلقتِ النعاج في رحلة بحث عن العشب,إنّها تتسابق علّها تضفر بوجبة تُنسيها ألم الجوع رغم ذبولة العشب..الوقت يمر..موعد الرجوع إلى البيت يقترب
النعاج تبدو فرحة رغم بساطة الوجبة..المهم أنها شبعت..بقي القليل من المسافة ونصل البيت.شيء بارد لامس وجهي..لم أبال..مرّة أخرى..يبدو أنّها حبة مطر..زادت قليلا..يا إلهي إنّها حبات المطر..المطر..المطر..كدت أطير فرحا,بقيت أردّد في أعماقي..مطر..مطر.
أدخلتُ النعاج إلى البيت.خرجتُ,وقع حبّات المطر يزداد شيئا فشيئا…لم أشعر كيف رفعتُ يديّ إلى السماء…يا أالله..مطر..حمدا لله.أحسستُ بيدِ أبي على كتفي,نظرتُ إليه..ابتسمَ…هيا أدخل يا ولدي سنبتل,إنّه الفرج يا ولدي..الخير..السعادة ..المطر.