أكثر من مليون لاجئ سوريا يتواجدون في لبنان، ينتظرون بصبر عودتهم إلى منازلهم، وعشرات الآلاف منهم يمكنهم الذهاب إلى بيوتهم، وبضعة آلاف منهم عادوا فعليًا، لكن ما زال الباقون عالقين في الدولة المستضيفة بسبب صراعات قوى سياسية داخل لبنان. الوضع الصعب للاجئين لا يهم كثيرًا الحكومة المؤقتة في لبنان، التي بعد شهرين ونصف من الانتخابات لم تنجح في تشكيل حكومة متفق عليها وثابتة، والمهم في هذه اللحظة هو من الذي سيستسلم أولاً.
مصير معظم اللاجئين متعلق بمسألة رئيسية: هل الحكومة اللبنانية ستجري مفاوضات مباشرة مع نظام الأسد حول عودة اللاجئين كما يريد حزب الله والرئيس ميشيل عود، أم أن عودتهم ستتم تحت مظلة الأمم المتحدة دون علاقة مباشرة بين لبنان ونظام الأسد، كما يطلب رئيس الحكومة سعد الحريري ومؤيدوه؟ الاحتمال الأول سيمنح الأسد اعترافًا لبنانيًا بشرعيته، وبذلك سيتم كسر المقاطعة التي فرضتها عليه الدول العربية عندما طردوا سوريا من جامعة الدول العربية. حسب مقاربة الحريري، يجب الانتظار حتى نهاية الأزمة في سوريا وتشكيل نظام متفق عليه قبل أن يمنح لبنان الأهلية السياسية لنظام الأسد.
تشدُّد الطرفين المتخاصمين يحوّل لبنان الذي كان طوال عشرات السنين تحت الرعاية السورية، إلى صاحب دور سياسي هام. وفي هذه المسألة ثمة تشارك لدول مثل السعودية، والولايات المتحدة التي تؤيد موقف الحريري مقابل قطر وإيران اللتين تدفعان باتجاه مفاوضات مباشرة مع الأسد. أعلنت سوريا استعدادها لإعادة استيعاب اللاجئين في كل لحظة. المناطق الواسعة التي نجح النظام في استعادتها تحت سيطرته تمكن من عودة جماعية للاجئين، لكن ما هو غير منطقي أن مصيرهم مرهون بتعقيدات الاعتبارات السياسية التي تتضمن الخلاف حول عدد الوزراء ودور كل واحدة من القوى السياسية في لبنان.
حزب الله ووزير الخارجية جبران باسيل، رئيس الحزب المسيحي الأكبر «التيار الوطني الحر» الذي أقامه الرئيس عون، قرروا عدم انتظار الحسم السياسي وأسرعوا إلى فتح مكاتب تسجيل للاجئين الذين يريدون العودة إلى سوريا. الرئيس عون يجري مفاوضات مباشرة مع سوريا بواسطة رئيس المخابرات اللبناني، وموظفون من وزارة الخارجية ذهبوا لفحص المدن والقرى التي يعيش فيها اللاجئون غير المسجلين، من أجل البدء في التحضير لعودتهم. كما يبدو، يجب أن لا يقف أي عائق فني أمام اللاجئين عدا المعابر الحدودية التي تسيطر عليها الحكومة اللبنانية والتي في يديها قرار السماح للاجئين بالخروج. إضافة إلى ذلك، فإن مصلحة كل الأطراف هي التخلص من اللاجئين الذين يتسببون بعبء مالي وإداري كبير على الحكومة اللبنانية. الأردن على سبيل المثال، الغارق في وضع مشابه، سبق له وأعلن أنه يريد من اللاجئين السوريين الموجودين على حدوده العودة إلى سوريا، بعد سيطرة الجيش السوري على المعابر الحدودية وعلى معظم المحافظات الجنوبية.

رهائن

اللاجئون ليسوا الوحيدين الذين تحولوا إلى رهائن للنضال السياسي، فثمة تجار ومزارعون لبنانيون يمكنهم البدء في تصدير بضائعهم إلى الدول العربية عبر سوريا والأردن، مكبلين بحبال السياسة. ومن أجل الضغط على حكومة لبنان قرر نظام الأسد السماح بعبور البضائع عن طريق الأردن فقط لتجار ومزارعين سوريين وليس للبنانيين. إذا أراد لبنان أن يلعب بلي يد الأسد، فللاسد قوة لا بأس بها، بأن يفرض على لبنان القرار «الصحيح».
بغض النظر عن موقفه في موضوع اللاجئين، يحاول حزب الله طرح نفسه كجهة محايدة في الخلاف على تشكيل الحكومة، فهو يسمح لنفسه الآن بأن يشاهد من جانب أن أساس الخلاف هذه المرة هو بين المسيحيين أنفسهم وداخل المعسكر السني. وهذا الخلاف يفشل في هذه الأثناء جهود سعد الحريري لتشكيل الحكومة. الحساب السياسي الذي ينبع من نتائج الانتخابات يعطي حزب الله في كل الأحوال ثلاثة وزراء على الأقل. سيكون منهم أيضًا وزير مسؤول عن إحدى وزارات الخدمات، ربما «الصحة»، التي ستمكنه من الحصول على ميزانيات كبيرة. والأهم من ذلك، جزء من أموال التبرعات التي تعهدت بها الدول المانحة سينتقل بشكل تلقائي من خلاله. هنا تكمن مشكلة؛ لأن الدول المانحة يمكن أن تجمد مساعداتها إذا مرت الأموال عن طريق وزراء حزب الله. ولكن يمكن للحكومة أن تتغلب على ذلك من خلال تسجيلات غير مباشرة.
الهدف الأكثر أهمية من ناحية حزب الله هو أن يحقق لنفسه تحالفًا يتكون من «ثلث أعضاء الحكومة زائد واحد». على فرض أن الحكومة ستعين (30) وزيرًا، فإن حزب الله يسعى إلى كتلة مؤيدة من (11) وزيرًا على الأقل. لكتلة كهذه اسم معروف في السياسة اللبنانية وهو «الكتلة المانعة». وحسب الدستور اللبناني فإن كل قرار أساسي، مثل المصادقة على الميزانية أو الإعلان عن حرب، يحتاج إلى مصادقة ثلثي أعضاء الحكومة، وبناء على ذلك تكفي معارضة (11) من أعضاء الحكومة (في حكومة من 30 وزيرًا) لإحباط كل قرار وتحييد كل قدرة الحكومة على الأداء.
حزب الله يمكنه الاعماد في هذه الأثناء على دعم التيار الوطني الحر المسيحي، الذي سيضم (7) وزراء، و(3) وزراء يعينهم الرئيس من خلال صلاحيته. وهكذا ومع وزراء حزب الله ستكون في يديه قوة كافية من أجل إملاء سياسة الحكومة، لكن حزب الله من شأنه أن يجد نفسه أمام تحالف ينضم فيه وزراء التيار الحر إلى وزراء الرئيس ويحتاجون فقط إلى شريك واحد من أجل التحول بأنفسهم إلى كتلة مانعة، التي من شأنها، في ظروف معينة، أن توقف تشريعًا أو سياسة يريد حزب الله تنفيذها.
هكذا، وعلى الرغم من التحالف بينه وبين التيار الحر، فإن حزب الله معني بتقليص قوته في الحكومة. من يتنافس على وزارات المسيحيين هم أعضاء حزب «القوات اللبنانية» برئاسة سمير جعجع الذي يطالب بعدد متساو من الوزراء لوزراء الكتلة الحرة. يستند جعجع في مطالبته إلى اتفاق تقسيم الحقائب الذي وقع بينه وبين قيادة التيار الحر قبل سنتين تقريبًا بهدف وقف الصراع السياسي الداخلي المسيحي. وحسب الاتفاق ليست حقائب الحكومة هي الوحيدة التي سيتم توزيعها بصورة متساوية بين الأحزاب المسيحية الكبيرة، بل إن الوظائف الكبيرة في الجهاز الحكومي، مثل الدبلوماسيين ومديري الشركات الحكومية، ستوزع أيضًا بصورة متساوية. ولكن عندما حان الوقت لتنفيذ الاتفاق يزعم قادة التيار الحر أنهم يستحقون أكثر. في هذا الخلاف يتخذ حزب الله موقف «اللامبالي ظاهريًا»: «يجب تطبيق ما أوجدته نتائج الانتخابات، ويجب إظهار مرونة وعدم انغلاق داخل حسابات تكتيكية وطائفية تمس التوازن الوطني المطلق»، هذا ما أوضح حسن نصر الله والمتحدثون بلسانه. فجأة، نصر الله يقف كمخلص للتوازن الوطني، لا توجد له مصالح طائفية أو تنظيمية، طاهر ونقي لم يتلطخ بالوحل السياسي.
نصر الله، بعد، لم ينته سياسيًا، وهو بعيد عن ذلك، فهو يدير مقابل ذلك محادثات ومشاورات مع خصومه السياسيين، ومنهم سعد الحريري الذي أجبره، من قبل، ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، على الاستقالة من منصبه كرئيس للحكومة على خلفية تعاونه مع حزب الله. ولكن السعودية فشلت في خطتها لحل الحكومة اللبنانية وإغراق الدولة في فوضى تجبرها على الجري نحو أحضان السعودية والتنازل عن تأثير إيران. الاحتجاج اللبناني والتدخل الدولي، ولا سيما التدخل الفرنسي، كل ذلك حرر الحريري من الإقامة الجبرية في السعودية وأعاده إلى منصبه. يعرف الحريري الآن أنه سيحتاج إلى تأييد نصر الله إذا كان يريد أن يستكمل تشكيل الحكومة قريبًا. السؤال: ما هو الثمن الذي يجب أن يدفعه لحزب الله مقابل ذلك؟ في الوقت نفسه، فإن الحديث لا يدور عن علاقة تبعية أحادية الاتجاه بين الحريري ونصر الله، فنصر الله يفضل الحريري على مرشحين آخرين؛ لأنه يعرف أهمية مكانة الحريري في الغرب وفي الشرق الأوسط، الأمر الذي يمنح لبنان شرعية ودعمًا دوليين.
ولكن إذا كان حزب الله يعرف جيدًا كيف يتعامل من أجل الحفاظ على قوته في الساحة اللبنانية، فإن الساحة السورية هي التي تلقي بحزب الله في وضع عدم اليقين. إذا كانت إيران في السنوات الأربع الأولى من الحرب هي الحليفة لسوريا، وحزب الله كان القوة المساعدة الحيوية من أجل مساعدة الأسد في حربه ضد المتمردين، فإن التدخل الروسي في الساحة السورية والذي بدأ نهاية العام 2015م، ابتلع كل أوراق إيران. السعي إلى تشكيل جبهة ضد إسرائيل في جنوب غرب هضبة الجولان تم احباطه من قبل إسرائيل بمساعدة روسيا. إن تمركزه في جبال القلمون في غرب سوريا وعلى الحدود اللبنانية يضعف إزاء إظهار القوة الروسية، ومطالبة زعماء سياسيين لإعادة قواته من سوريا ومن اليمن، إضافة إلى أن مطالبة العائلات الثكلى لمقاتلي المنظمة الذين قتلوا بالمئات في سوريا ستجبر حزب الله على البدء على سحب قواته.
نصر الله الذي يعرف وزن الضغط الذي تستخدمه روسيا على إيران لسحب قواتها من الحدود والانسحاب من كل سوريا، لا يمكنه أن يعرف أي سوريا ستكون بعد انتهاء الحرب. الأسد سيواصل حقًا حتى يظل رئيسًا، لكن هل ستعود سوريا وتكون هي المحطة الرئيسية لإرسال السلاح والذخيرة إلى لبنان؟ ألن يطبخ له بوتين والأسد ونتنياهو مفاجأة سياسية تقيد جدًا نشاطاته أو قنوات شرائه؟ هذه خيوط غير مرتبطة بالشرنقة السياسية التي تجبر المنظمة على التصرف بحذر زائد من أجل أن يضمن بقاءه. في ظروف كهذه، التي فيها يجب عليه المناورة بين خصوم سياسيين، يجب عليه أن يهتم بأن تكون تشكيلة الحكومة لصالحه والتأكد من أنه سيواصل أن يظل ذخرًا استراتيجيًا لإيران، وحرب ضد إسرائيل ليست بعملية تساعده على ذلك.

 

 

 

 

 

 

 

تسفي برئيل
هآرتس20/7/2018