جاءت متأخرة .. محمد بتش”مسعود”
بحشرجة أنفاس متقطّعة كأزيز مرجل,كان يتقلــّب ذات اليمين وذات الشـّمال.ينبعث ضوء باهت حزين من القنديل,, بالكاد يغشى نوره الغرفة. تصبّب عرق كثير منه ورغم ذلك فهو يحسّ ببرودة كبيرة تملأ جسده النّحيل.
لم يعد بإمكانه الذهاب إلى الطبيب أو شراء دواء,لذا لف ّ رأسه بلبخة بصل ملأت رائحتها الغرفة.يرتجف جسده مرّات عدّة,كان يهذي أثناءها بكلام مبهم.
كيف له أن يؤمـّن ثمن الدّواء وهو عاطل عن العمل؟
قالت زوجته…عندنا دجاجة , نبيعها ونشتري لك دواءً,وأسندته إلى ركبتها وهي تلقمه بأصابع باردة.
كان ضوء القنديل يذبل شيئا فشيئا…لقد نفد زيته.وأطبق سواد العتمة على الغرفة.
جاءت الجارة العجوز في اليوم التالي سائلة عن حاله فهي لم تره خارجا منذ مدّة.
سحاب مركوم يملأ الأفق, خرجت العجوز حاملة الدّجاجة,ستبيعها وتشتري له دواءً.لقد وعدت بإحضاره هذا المساء.أفلت الشّمس وما يزال الرّجل مترقّبا علبة الدّواء.
حلّ اللّيل الهادئ,فجلّ ما يخافه الرّجل أرقٌ في ليلة شتاء طويلة, مرّت ساعة زمن, داعبته غفوة خفيفة.
أطلع النّهار يا امرأة؟
لم تسمعه زوجته, فيومه المتعب وسهره أرهقاها,أعاد سؤاله مرّة أخرى
نم يارجل….نم فالليل ما يزال في أوّله.
ربّما سينام هذه الليلة فهو يحسّ بذلك,تمنّى لو ينام طويلا.
عندما انفلق الصّبح كان الثـّلج قد غطّى الأرض بكثافة غير معهودة, لم يعد بالإمكان الخروج من المنزل إلا حين يزاح الثـّلج المتراكم بقوّة من أمام الباب, حطّت عصافير جوعى على شبـــّاك النّافذة ولأوّل مرّة.لقد أحسّ بتحسّن طفيف هذا الصّباح, بإ مكانه النهوض ببطء.
علينا إزاحة الثــّلج يا امرأة….يجب أن نطمئنّ على جارتنا العجوز, ربّما أصابها مكروه,في تلك الأثناء كان الثــــّلج قد بدأ بالتــّساقط من جديد
وعمّ الأفق بياض شديد.
لبخة البصل آتت أكلها…لقد تحسّن بشكل ملحوظ,بإمكانه أن يقوم ويتحرك,حمدَ الله كثيرا,سيزور جارته اليوم مهما كلّفه ذلك.
كانت الرّفش تنحت الثّلج,وأخيرا خرج وتحرّك بصعوبة على الثـّلج.
في ذلك اليوم بعت الدّجاجة واشتريت علبة الدّواء,طرقتُ بابكم لكن لم يفتح أحد لذا تركتها بجوار عتبة الباب.بدأ الثّلج بالذّوبان شيئا فشيئا مع إشراقة شمس اليوم التّالي,لم يذ ب كلّيا إلا بعد مرور أياّم عدّة.
أطلّت علبة الذّواء,كانت ترقد بجانب عتبة الباب وقد أتلفها الثّلج,بيد باردة حملها وهو يدندن…هذه أنتِ…جئتِ متأخّرة…جئتِ متأخّرة, وجرّت رائحة الخبز المحترق خطاه إلى الدّاخل.
الجزائر01 جانفي 2018