أسئلة ملحة الجميع يبحث عن جواب واحد.. ماذا يجري خلف الكواليس في سوريا الآن؟
عبد الناصر القادري – ABDULNASIR ALKADRI
السؤال الأساس الذي يشغل بال جميع السوريين وحتى كل المنطقة والعالم، ماذا يحدث في سوريا الآن؟
إنه انهيار دراماتيكي لقوات النظام السوري في عدد من أكبر محافظات الشمال والوسط السوري، وهي إدلب وحلب وحماة وربما حمص في الساعات المقبلة.
يمكن تشبيه ما يحدث، من الناحية العسكرية، بالانهيار الكبير في أفغانستان بعد انسحاب الجيش الأميركي وسيطرة طالبان على كابل وهروب جيش وقوات النظام المتحالفة مع واشنطن، مع اختلاف جذري في الأسباب والنتائج والمعطيات والموقع الاستراتيجي. الفصائل المتحركة على الأرض في سوريا هي متنوعة، ولديها هدف أساسي وهو إسقاط النظام، وتعمل على ذلك منذ 13 عاماً تجمّد فيها القتال لخمس سنوات.
في المقابل، كانت قوات النظام السوري بالفعل مسنودة ومدعومة من روسيا وإيران وحزب الله والميليشيات التي استقدمها الحرس الثوري الإيراني، وهذا ما ضمن بقاء النظام ضمن حدود سيطرته في معظم المحافظات السورية، بما في ذلك دمشق. ولكن ذلك تغير منذ يوم 27 تشرين الثاني 2024.
سوريا اليوم تعيش حالة جديدة كلياً، قد تكون إسقاط النظام، وقد تبقى عند حدود حلب وأجزاء من حماة وحمص. وهذا كله مرتبط بطريقة تعاطي النظام وحلفائه والقوى الكبرى مع المعادلة الميدانية المتغيرة لحظياً في الشمال ووسط سوريا.
السوريون يعيدون كتابة مستقبل البلاد ويرسمون خريطتهم بأيديهم
ما جرى في الأيام القليلة الماضية هو إعادة كتابة تاريخ ومستقبل سوريا من جديد عبر عمليات عسكرية سريعة قادتها الفصائل العسكرية المعارضة في مناطق نفوذها، انطلاقاً من إدلب وريف حلب الشمالي ضمن مناطق اتفاق وقف التصعيد في أستانا في ريف حلب الغربي وريف إدلب الشرقي. لكن المفاجأة كانت من خلال الانهيار السريع لقوات النظام وهروب الآلاف منهم، مع انهيار كبير في صفوف الميليشيات الإيرانية وميليشيا حزب الله اللبناني وغيرها.
وجاء تحرير مدينة حلب، العاصمة الاقتصادية لسوريا وأكبر كتلة سكانية فيها، بمثابة إعادة إحياء لروح الثورة السورية في بداياتها، خصوصاً مع عدم وجود أي مواجهات عسكرية ضخمة والسيطرة عليها بشكل سريع، ما عدا مطار حلب الدولي الذي تأخر بسبب استقدام النظام لقوات سوريا الديمقراطية. إلا أن الفصائل العسكرية تمكنت من السيطرة عليه لاحقاً.
الإنجازات الميدانية حتى الآن
في حصيلة غير نهائية، ومع تحديث الخريطة بشكل آني، تمكنت فصائل المعارضة من:
- السيطرة على معظم مدينة حلب وأهم مبانيها الإدارية والعسكرية، بما في ذلك قلعتها التاريخية والمدينة القديمة ومبنى المحافظة.
- إطلاق سراح آلاف المعتقلين بينهم مئات النساء.
- استعادة السيطرة الكاملة على محافظة إدلب.
- السيطرة على معظم ريف حماة الشمالي ووصولها إلى مشارف مدينة حماة، ودخولها مطلع حي الأربعين.
- السيطرة على مطار كويريس العسكري بريف حلب.
- السيطرة على مطار أبو الظهور بريف إدلب.
- السيطرة على مناطق في ريف حلب الشرقي.
- السيطرة على مطار حلب الدولي.
- السيطرة على معامل وزارة الدفاع في حي السيفرة بريف حلب.
ورغم الحديث عن انقلاب عسكري داخل النظام، لا توجد أي معلومات دقيقة بخصوص ذلك، حيث تشير أنباء متضاربة وغير موثوقة إلى انقلاب نفذه اللواء حسام لوقا بدعم روسي. إلا أن معلومات تلفزيون سوريا المؤكدة تشير إلى أن بشار الأسد زار العاصمة الروسية موسكو ثم عاد إلى دمشق، مع وجود قلق حقيقي داخل دوائر النظام.
رغم الانهيار السريع الذي حصل في قوات النظام السوري، إلا أن التقدم توقف عند حدود مركز مدينة حماة، حيث بدأ النظام السوري بحشد قواته عند ريفها الجنوبي. أكّدت معلومات خاصة لتلفزيون سوريا أن النظام يستعد لشن هجوم مضاد على فصائل المعارضة.
من المرجح أن النظام السوري يركز الكثير من قواته المنسحبة من الشمال في ريف حمص الشمالي، وهو خط أساسي ونقطة تمركز قريبة من لبنان، وقريبة من الساحل، وبالطبع من دمشق وريفها. ومن الممكن أن يخوض النظام السوري قتالاً عنيفاً من هذه النقطة لمنع وصول الفصائل إلى الساحل أو دمشق أو المدن والقرى المحاذية للحدود اللبنانية، والتي يسيطر عليها حزب الله اللبناني.
هذا السؤال الثاني الأكثر إلحاحاً ويشغل بال الجميع في سوريا اليوم: أين غابت طائرات روسيا وميليشيات إيران ولماذا لا تساندان النظام كما فعلت عام 2015؟
ما حدث هنا يبدأ من عدة عوامل، أولها هو الاستعداد الكبير للفصائل قبل سنوات من إطلاق صافرة البداية لمعركة “كسر عظم” بعنوان “رد عدوان”، التي تحولت فيما بعد إلى رحلة تحرير لا يُعلم مدى مساحتها الجغرافية أو العسكرية أو السياسية أو الاجتماعية.
ولا يمكن إغفال وجود خلايا عسكرية نائمة في حلب، واستخدام أسلحة جديدة وتكتيكات عسكرية شديدة الفعالية مع خطاب واعٍ وأهداف محددة وواضحة؛ استعادة السيطرة وحماية السكان، في وقت شديد الحساسية والتعقيد.
على الجانب الآخر، كان عامل المفاجأة هو السبب الأبرز الذي ضرب معنويات جيش النظام السوري ووضعهم أمام حالة انهيار نفسي رافقها. كما أن غياب أي ظهور لرأس النظام بشار الأسد، مع إشاعات هروبه مع عائلته إلى روسيا، زاد من خشية قوات النظام وهروبهم مع شعور بالتضحية بهم، خصوصاً مع الصور التي بدأت الفصائل ببثها لقتلى وأسرى النظام.
الشي الوحيد الثابت بكل شي عم يصير : pic.twitter.com/Hf32iTteo7
— قَمَـر (@_amar_rashid) November 30, 2024
الوضع الروسي
الروس تراجعت قوتهم العسكرية في سوريا منذ عام 2022، وفق العديد من التقارير التي نشرها موقع “تلفزيون سوريا”، التي تؤكد أن روسيا سحبت معظم قواتها ومستشاريها الفاعلين وأبقت عدة طائرات سوخوي. وهي، بالمناسبة، استخدمتها منذ الأيام الأولى، ولكن بخشية من إسقاطها عبر مسيرات الشاهين الانتحارية أو المضادات الجوية التي استولت عليها الفصائل من نقاط النظام السوري. حتى أن النظام لم يستخدم أي مروحيات كالتي كان يلقي من خلالها البراميل المتفجرة على رؤوس المدنيين ويقتل السوريين بالجملة.
الوضع الإيراني
من ناحية الاستعانة بإيران، هنا الموضوع شديد الحساسية. فإيران موجودة ولكن ليس كما في السابق. الاستهداف الإسرائيلي المستمر للحرس الثوري الإيراني والمستشارين الإيرانيين خفض من الوجود العسكري الإيراني، خصوصاً بعد استهداف السفارة الإيرانية بدمشق، وما تلاه من استهداف شبه يومي لأي تمركز عسكري إيراني. كان أهمها التسريب الذي نشره “تلفزيون سوريا” عن اعتقال قيادات عسكرية إيرانية في بانياس بريف طرطوس غربي سوريا قبل أسابيع قليلة.
وأي قدوم للقوات الإيرانية سيضر بشار الأسد نفسه، وهو الذي وعد الدول العربية بالتخلي عن الوجود الإيراني في سوريا. فهو لا يريد بقاءهم مع الاستهداف الإسرائيلي اليومي، وإن استعان بهم فقد يعرض قواته الضعيفة أصلاً لاستهداف إسرائيلي موسع في مرحلة يتحسس بها رأسه شخصياً، مع التهديدات الإسرائيلية له بعد مد يد العون لحزب الله بأي شكل.
أين حزب الله؟
ومع الصمت المطبق الذي نفذه بشار الأسد ونظامه تجاه إسرائيل وما يجري في غزة ولبنان مع حزب الله، ما الذي سيدفع مقاتلي حزب الله لخوض أي معركة إلى جانب بشار الأسد؟ خصوصاً أن القيادات الكبرى بالصف الأول والثاني وحتى الثالث في الحزب تمت تصفيتهم. ولم يعد أمام المقاتل في حزب الله سوى أن يعود إلى لبنان لتأمين عائلته، مع وجود تقارير كثيرة تشير إلى تخفي قسم كبير منهم على الحدود اللبنانية السورية حتى الآن، وهو ما يثبته الاستهداف الإسرائيلي للمعابر الإسرائيلية اللبنانية فجر اتفاق وقف إطلاق النار.
توقيت العملية والموقف الدولي
هناك بالطبع من يشير إلى توقيت العملية. على الرغم من أن صحيفة “معاريف” الإسرائيلية أكدت في عنوان عريض أن “إضعاف نظام الأسد غير مفيد لإسرائيل”. وأضافت أن “طبيعة المعارضة السورية الإسلامية يُرجح كثيراً تعاونها مستقبلاً مع حماس”.
وفي سياق متصل، قالت القناة 12 العبرية إن “هناك تنسيقاً وطيداً بين الجيشين الإسرائيلي والأمريكي تحسباً من انهيار النظام في سوريا وتداعياته على المنطقة”.
ويأت هذا كله وسط مواقف دولية غامضة، حيث لا يبدو أن هناك تحركاً أمريكياً أو تركياً أو أوروبياً لوقف هذه العملية حتى الآن، وتركها في لتحقق أكبر قدر ممكن من المكاسب الميدانية والتي من الممكن أن تشمل مالا يمكن توقعه عسكرياً أو سياسياً.