خطة لإلغاء الحماية المقدمة لهم.. كيف يرى سوريون مهددون مستقبلهم في ألمانيا؟

منذ سقوط النظام في سوريا يعيش سوريون في ألمانيا بجوٍ من القلق بعد التصريحات حول إمكانية إعادتهم إلى سوريا. بالنسبة للعديدين فإن الخطر لا يزال قائم هناك، ولم ينته بزوال النظام. كيف ينظر لاجئون سوريون إلى خطة وزيرة الداخلية الألمانية لمراجعة الحماية المقدمة لهم؟

“لم أستطع النوم منذ سقوط النظام في دمشق.. كل يوم تراودني أحلام بأنه تمت إعادتي إلى سوريا.. لا أعرف ما الذي أفعله في سوريا فأنا أقوم ببناء حياتي هنا منذ ثماني سنوات”.. هذا ما تشعر به نهى، الشابة السورية الثلاثينية، بعد طرح وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر عن خطتها للتعامل مع السوريين اللاجئين.

نهى التي تبحث عن عملٍ حاليًا، تخشى من أن تشملها خطة الوزيرة بحسب ما قالت لـ”مهاجر نيوز”.

ففي الخامس من كانون الثاني/ يناير 2025، أعلنت الوزيرة فيزر عن خطة من أربع نقاط للتعامل مع اللاجئين السوريين بعد شهر من سقوط نظام الأسد، تشمل إمكانية سحب الحماية إذا لم تعد ضرورية.

وقالت فيزر: “بموجب قانوننا، فإن المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين سوف يقوم بمراجعة وإلغاء منح الحماية إذا لم يعد الناس بحاجة إلى هذه الحماية في ألمانيا لأن الوضع في سوريا قد استقر”. وأضافت فايزر أن “هذا سينطبق بعد ذلك على أولئك الذين ليس لديهم الحق في البقاء لأسباب أخرى مثل العمل أو الدراسة والذين لا يعودون إلى سوريا طواعية”.

وأوضحت فيزر أن وزارتها تتعاون مع وزارة الخارجية لتقييم الوضع الأمني في سوريا بعد سقوط نظام الأسد، مشيرةً إلى أن “أولئك الذين اندمجوا بشكل جيد، وعملوا، وتعلموا اللغة الألمانية، ووجدوا وطنًا جديدًا هنا، يجب أن يُسمح لهم بالبقاء في ألمانيا”.

يعيش بعض السوريين حالة قلق خوفًا من ترحيلهم من ألمانيا الصورة: Picture Alliance
يعيش بعض السوريين حالة قلق خوفًا من ترحيلهم من ألمانيا
الصورة: Picture Alliance

كما نصت خطة وزيرة الداخلية على دعم الأشخاص الذين يرغبون في العودة، داعيةً إلى ترحيل المجرمين والمتطرفين الإسلاميين في أسرع وقتٍ ممكن.

وشددت فيزر بكلامها على الجدية بتطبيق الخطة قائلة: “لقد قمنا بتوسيع الخيارات القانونية لهذا الأمر بشكل كبير وسوف نستخدمها بمجرد أن يسمح الوضع في سوريا بذلك”.

“غير واقعية” و”غير كافية”

أثارت خطة وزيرة الداخلية الألمانية جدلاً واسع النطاق داخل ألمانيا إذ انتقد المتحدث باسم السياسة الداخلية في الكتلة البرلمانية للحزب الديمقراطي المسيحي، ألكسندر ثروم، خطط فيزر ووصفها بأنها “غير كافية”. وأضاف لصحيفة “راينيشه بوست” الألمانية: “بالنسبة لمعظم اللاجئين السوريين، فإن السبب الأصلي للهروب من نظام الأسد الرهيب قد اختفى الآن، ويجب على جميع السوريين الذين لا يعملون بشكل كاف” في ألمانيا العودة إلى البلاد”، داعيًا إلى وقف لم شمل العائلات من سوريا فوراً وترحيل المجرمين.

بينما أكد مدير البرلمان الألماني، ثورستن فراي من حزب الـ(CDU)، أن أجزاء من خطة فيزر “غير واقعية”. وعلى عكس إعلان وزيرة الداخلية، فإن المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين “لن يكون في وضع يسمح له بمراجعة مئات الآلاف من قرارات اللجوء”، ودعا فراي إلى تعديل القانون على المستوى الوطني والأوروبي، قائلًا: “يجب على الحكومة الفيدرالية أن تبدأ العمل على هذا الأمر في أقرب وقت ممكن من أجل منع انهيار المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين ومحاكمنا الإدارية إذا ساءت الأمور”.

فيما أعرب شريك الائتلاف الأخضر عن شكوكه بشأن خطط فيزر، إذ صرحت خبيرة الهجرة في الكتلة البرلمانية الخضراء، فيليز بولات، لصحيفة “راينيشه بوست”، بأن “المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين، كالمعتاد، سيدرس بعناية أي أسباب للهروب في كل حالة على حدة. وفي هذا الصدد، تفكر وزيرة الداخلية في اتخاذ إجراءات إضافية في هذا الصدد، وفي ضوء التقييم الحالي للوضع، لا يوجد حاليا أي سبب لمراجعة إلغاء طلبات اللجوء المقدمة للسوريين”.

بينما حذرت المتحدثة باسم السياسة الداخلية في حزب الخضر، لمياء قدور، من اتخاذ خطوات متسرعة فيما يتصل بسوريا. وقالت لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) “لا يزال الوضع السياسي غير مستقر، لكن القتال مستمر في عدة أجزاء من البلاد. نحن نعرف الحكام الجدد وسوف نحكم عليهم من خلال أفعالهم”.

وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك (يسار) ووزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر التي طرحت خطة من أربع نقاط إعادة السوريين
وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك (يسار) ووزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر التي طرحت خطة من أربع نقاط إعادة السوريين

إلى أين سنعود؟

بحسب الداخلية الألمانية يعيش في ألمانيا نحو 975 ألف سوري، وصل معظمهم منذ عام 2015 هربًا من الحرب، أكثر من 300 ألف منهم يتمتعون بوضع الحماية الفرعية، ولم يتم منحهم إقامات الحماية بسبب الاضطهاد الفردي، بل بسبب الحرب الأهلية في وطنهم.

لذلك وبعد فترة وجيزة من سقوط النظام في دمشق، قرر المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين عدم البت في طلبات اللجوء المقدمة من أشخاص من سوريا في الوقت الحالي بسبب التطورات الديناميكية في البلاد.

لكن هذا يجعل نهى تعيش في دوامة قلقٍ دائمة، إذ بحسب ما تخبر “مهاجر نيوز”، فقدت نهى عملها منذ فترة، وهي الآن تبحث عن عمل في مدينة شتوتغارت الألمانية حيث تقيم، لكنها تخشى أن تعتبر من “غير المندمجين”، كونها لا تدفع الضرائب حاليًا، ولا تعيل نفسها.

وتقول نهى لـ”مهاجر نيوز”: ليس لدي حياة في مكانٍ آخر، عائلتي تعيش في بلجيكا ولم يعد لي أحد في سوريا، عودتي لا معنى لها، لا أملك شيء أو أحد هناك، ألمانيا هي وطني حاليًا، حتى لولم أحصل على الجنسية بعد”.

تشابه حالة نهى حالة حسن، الطبيب السوري الشاب المقيم في برلين، لا يعمل حسن حاليًا، ولا يزال في طور البحث عن عمل، لكنه على عكس نهى لا يخشى الترحيل، ويقول لـ”مهاجر نيوز”: “لا أخاف من الترحيل، أنا طبيب وقمت بتعديل شهادتي هنا، لذلك فحصولي على عمل مسألة وقت، لكن بالمقابل أتمنى ألا يتم ترحيل أحد، أتفهم لماذا تؤخذ هذه القرارات حاليًا، بالتأكيد ألمانيا ليس لديها مصلحة بأن تستثمر بأشخاص لا يعملونولا يعيدون ما تم إنفاقه عبر الضرائب، لكن أتوقع تنفيذ هذه القرارات على نطاق ضيق”.

بحسب حسن فلإن الحديث عن ترحيل السوريين ليس أمرًا جديدًا، بل تكرر كثيرًا في السنوات الماضية حتى قبل سقوط النظام، لكن دائمًا هناك استثناءات، ويضيف بالقول: “بالسابق حتى لما كان يتم الحديث عن الترحيل كان دائمًا توضع شروط لتطبيقه، وتتم مراعاة ظروف صحية واجتماعية معينة، لذلك لا أعتقد أن الأمر سيكون على نطاق واسع”.

في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، قدمت الحكومة الألمانية 8 ملايين يورو كمساعدات طارئة للاجئين السوريين وطالبي اللجوء الذين تأثروا بالتغيرات التي أعقبت سقوط نظام الأسد، لكن بحسب أبو جهاد، القادم من ريف دمشق في سوريا، فإن هذه المساعدات ليست كافية، ويجب المساهمة في إعمار سوريا، ففي حالة أبو جهاد، الأب لثلاثة أطفال، فإنه يحلم بالعودة، لكنه لا يعرف إلى أين سيعود.

ويقول أبو جهاد لـ”مهاجر نيوز”، “أنا من داريا وهي مدينة أصبحت على الأرض تماماً، بيتي لم يعد موجود ولا حتى بيوت أقاربي، لو تم ترحيلي، إلى أين سأذهب؟”

يذهب اثنين من أطفاله إلى المدرسة، بينما لا يزال طفله الثالث رضيعًا، لكن أطفاله سيحرمون من التعليم في حال تمت إعادته لأن أغلب المدارس غير مؤهلة في سوريا.

ويقول أبو جهاد: “لا أعمل في ألمانيا لأسباب عديدة، وأتلقى مساعدات من الدولة، لكن إذا ما عدت لن يكون بإمكاني العمل فأساسًا كنت عامل في ورشة لتصنيع البلوك، اليوم الورشة تدمرت، وبالتالي أطفالي لن يتعلموا، لا أريد البقاء بألمانيا للأبد، لكن لا أريد أن يتم ترحيلي لأنام بالشارع مع أطفالي”.

نورا، التي تعيش في ألمانيا منذ 7 سنوات، تبكي كل ليلة منذ سقوط النظام، فنورا تنتظر أطفالها الذين لم ترهم منذ 7 سنوات، إذ وصلت المانيا بمفردها عبر البحر، بانتظار تامين حياةٍ كريمة لهم أولا، ثم القيام بلم الشمل، نورا تخشى ألا تتمكن من اللقاء بأولادها حاليًا، فاوراقهم غير معروفة المصير في السفارة الألمانية في بيروت.

تخبر نورا “مهاجر نيوز” أنها درست وتعلمت اللغة لتتمكن من إحضارهم إلى هنا، لكن الآن ولم يعد هناك سبب بنظر الحكومة، يعني أن أولادها سيبقون ببلاد لا تتوفر فيها اي مقومات للعيش، وما يعني بقاء العائلة مشردة.

يخشى بعض السوريين من الترحيل لأنهم لا يملكون مكانًا للعودة إليه
يخشى بعض السوريين من الترحيل لأنهم لا يملكون مكانًا للعودة إليه

“ورقة انتخابية”

في 23 شباط/ فبراير سيتوجه الناخبون الألمان إلى صناديق الاقتراع بعد انهيار ائتلاف “إشارة المرور” الحاكم في الشهر الماضي، لذلك أصبح السوريون بندًا يدرج على برامج الأحزاب الانتخابية، نظرًا لما تؤثر سياسات الهجرة على رأي الناخبين الألمان.

فمثلًا حزب المستشارة السابقة أنغيلا ميركل الديمقراطي المسيحي CDU، الأوفر حظًا لقيادة البلاد بعد الانتخابات المقبلة، استبدل ثقافة “الترحيب باللاجئين” التي روجت لها ميركل في ذروة ما يسمى “أزمة اللاجئين” في عامي 2015 و2016 بموقف أكثر صرامة من قبل زعيم الحزب الحالي والمرشح لمنصب المستشار فريدريش ميرتس.

الذي يعتزم دفع حزبه والحكومة ذاتها إلى اليمين، ويدعو إلى تغييرات كبرى في سياسة اللجوء في ألمانيا، كإلغاء الحماية الفرعية لطالبي اللجوء، وفرض المزيد من القيود على لم الشمل، وزيادة عمليات الترحيل من خلال التصديق على المزيد من الدول التي ينحدر منها اللاجئون والمهاجرون باعتبارها “آمنة”.

بينما ومع التوقع تكبده خسائر كبيرة، يدافع حزب المستشار أولاف شولتس الاشتراكي الديمقراطي إلى حد كبير عن الهجرة، ويسعى إلى الترويج لألمانيا باعتبارها “مجتمع هجرة حديث”، كما يسلط الضوء على حقيقة أن ألمانيا لا تزال في حاجة إلى عمال مهرة، وسط مجتمع متقدم في السن ومعدلات ولادة منخفضة باستمرار. يقول الحزب إنه يريد تعزيز قنوات الهجرة الخاضعة للرقابة والقانونية، مع التركيز بشكل خاص على سد الفجوات في سوق العمل.

فيما لا يزال من المتوقع أن يكون لحزب البديل من أجل ألمانيا تأثيرًا كبيرًا على سياسة الهجرة حتى كحزب معارض، إما عن طريق إحباط خطط الحكومة التي تتطلب تصويتًا برلمانيًا أو من خلال دعم السياسات المناهضة للهجرة.

لذلك يقول حسن لـ”مهاجر ينوز”: إن “الكلام عن الترحيل اليوم هو مجرد ورقة ضغط لكسب أصوات الألمان”، لكنه يأمل “أن لا تنفذ وعود الحكومة” هذه المرة فقط.

 

 

 

 

 

مهاجر نيوز

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى