ضحايا الكبتاغون بين إرث الاسد وأمل التعافي
لطالما كانت سوريا بؤرة رئيسية لإنتاج وتجارة الكبتاغون في الشرق الأوسط، حيث أصبح هذا المخدر أداة بيد نظام الأسد لإغراق المجتمع السوري والمنطقة بالمخدرات. بينما انشغلت التقارير بالحديث عن تجارة الكبتاغون وجرائم النظام، بقيت قصص الضحايا طي النسيان، خاصة الشباب الذين تحوّلوا إلى أسرى لهذه الآفة.
منذ عام 2011، بدأ النظام السوري بتحويل سوريا إلى مركز عالمي لتصنيع الكبتاغون، مستغلاً انهيار البنية الأمنية والاقتصادية لترويج هذا المخدر. لم تكن هذه السياسة فقط أداة تمويل للحرب، بل أيضاً وسيلة لتدمير الشباب السوري نفسيًا وجسديًا، وتحويلهم إلى أدوات طيّعة لخدمة الميليشيات والعصابات التابعة للنظام.
ضحايا في الظل
تشير استطلاعات ميدانية محدودة إلى حقائق مروعة؛ إذ أفاد 76% من المشاركين في الاستبيانات بأنهم يعرفون مدمنًا في محيطهم بدأ بتعاطي المخدرات منذ عام 2011. الغالبية الساحقة من المدمنين تتراوح أعمارهم بين 18 و32 عامًا، وهي الفئة التي تمثل عماد أي مجتمع.
الأمر الأكثر خطورة أن 84% من المدمنين لم يحصلوا على أي علاج، في ظل غياب تام للبرامج الصحية والاجتماعية لمعالجة هذه الفئة. ومع ذلك، لا يزال المدمنون يُنظر إليهم كمجرمين محتملين، بدلًا من كونهم ضحايا لسياسات نظام الأسد وحلفائه.
“خالد”.. نموذج لجيل ضائع
قصة خالد، الشاب الجامعي الذي أدمن الكبتاغون على يد رفاقه من اللجان الشعبية التابعة للنظام، تمثل مأساة شريحة واسعة من الشباب السوري. تحوّل خالد من طالب اقتصاد طموح إلى مدمن معزول، يبيع ممتلكات عائلته لتأمين جرعته اليومية. والدته، التي تواجه نظرات المجتمع وعبء العناية به، تلخص واقع آلاف العائلات السورية التي تعاني بصمت، دون أي دعم حقيقي من السلطات أو المجتمع المدني.
إلى جانب غياب البرامج العلاجية، تشكل الوصمة الاجتماعية حاجزًا كبيرًا أمام تعافي المدمنين. فالمجتمع السوري، الذي عانى من ويلات الحرب، ما زال يربط المدمنين بسلوكيات إجرامية بدلًا من النظر إليهم كضحايا. تشير الإحصائيات إلى أن 41% من ذوي المدمنين يعتبرون نظرة المجتمع عقبة إضافية في طريق العلاج.
للتعامل مع أزمة الكبتاغون، يجب تبني نهج شامل يشمل القضاء على شبكات التصنيع والترويج، بالإضافة إلى تقديم الدعم والعلاج للمدمنين. منظمات المجتمع المدني يمكن أن تلعب دورًا كبيرًا، خاصة في ظل البيروقراطية الحكومية وضعف الإمكانات.
إن تجفيف منابع المخدرات هو خطوة أولى، لكن لا يمكن تحقيق التعافي الكامل دون التركيز على علاج وإعادة دمج الضحايا في المجتمع. فالمدمنون ليسوا مجرمين، بل ضحايا لسياسات قمعية واستغلالية حولتهم إلى أدوات في يد نظام دمر مستقبلهم.
مع تزايد الوعي بأبعاد هذه المشكلة، يمكن لسوريا أن تستعيد جيلًا من شبابها إذا تم الاستثمار في برامج علاجية فعالة، وتغيير النظرة المجتمعية للمدمنين. القضاء على إرث الكبتاغون ليس فقط مهمة أمنية، بل معركة إنسانية واجتماعية لإعادة بناء سوريا التي مزقتها الحروب والمخدرات.
متابعة مصدر