حيــــــــــــاد مستحيل .. مرهف مينو

 

كثيرون يظنون أننا ( كصحفيين ) قادرين على قول الحقيقة كاملةً، وأننا نستطيع أن نكون حياديا مهما كانت الظروف.

غير أنّ هذه الصورة المثالية لا تعكس الواقع، لا على المستوى المهني ولا على المستوى الشخصي.

فالصحفي، شأنه شأن أي إنسان، محكوم بعوامل تتجاوز إرادته : إن غاب الرقيب حضرت المصالح، وإن تلاشت المصالح برز الخوف على من يعمل معه أو من يحيط به.

أخبر كل من يعمل معي، أو يسلك هذا الدرب الصعب، أن الواجب الأخلاقي والإنساني يجب أن يكون في المقدمة.

غير أن هذا الواجب نفسه يتقاطع أحياناً مع اعتبارات أخرى: مع ضغوط السلطة، ومع تهديدات الواقع، ومع الحسابات الصغيرة والكبيرة.

وفي كثير من اللحظات يجد الصحفي نفسه عاجزاً عن أن يحكم أخلاقه أو حتى عقله، لأن الواقع أقوى من النصائح والمبادئ.

تصبح أكثر تعقيداً حين نكون أمام الصحافة الإخبارية، لا مقالات الرأي.

ففي الرأي يمكن للكاتب أن يجد لنفسه مبررات، أو حتى أن يبتكر منطقه الخاص ليبرر زاويته. لكن في الأخبار والتقارير يكون الصراع أقسى: آليات التحرير، وضغط المؤسسات، ومصادر المعلومات، كلها قيود لا يملك الصحفي التحكم بها. وهنا يظهر السؤال المؤلم : هل ما ننشره هو الحقيقة كما هي، أم الحقيقة كما سُمح لنا أن نرويها؟

لا تصدقوا أننا نكتب كل ما نعرف. ولا تظنوا أننا نفبرك الأخبار.

ما بين الصمت والبوح مساحة رمادية يعيش فيها الصحفي كل يوم.
وما يظنه البعض فذلكة أو تهويلاً، ليس سوى انعكاس لصراع داخلي بين قول الحقيقة العارية وبين الخضوع لقوة الرأي العام، أو لمن يحاول توجيهه.

كنت فيما مضى أستغرب ترتيب بعض الدول المتقدمة في مؤشرات حرية الصحافة، وكنت أظن أن مكانتها السياسية والاقتصادية يجب أن تضعها في الصدارة.

لكنني خلال الثورة السورية وما تلاها، أدركت السر. الحرية الصحفية ليست شعاراً يُرفع، بل اختبار يومي يعكس قدرة الصحفي على مواجهة شبكة من الضغوطات المعقدة.

البعض يختزل هذه التجارب بكلمة واحدة : “خبرة”. أما أنا، فما زلت أراها أشبه بنوع من التطرف.

مهنة لا تُتعلَّم في أرقى الجامعات ولا تُكسبها السنين وحدها. لا أؤمن بمناهج تدريس الصحافة، ولا بالحياد المطلق، ولا حتى بأن الضمير وحده يكفي.

فالصحفي، ما دام يتنفس، سيظل محكوماً بانحيازاته، ببيئته، وبكل ما يحيط به من مؤثرات.

الحقيقة أن الحياد الكامل وهمٌ جميل. والاعتراف بعجزنا عن تحقيقه، ربما هو أول خطوة نحو شيء أكثر صدقاً وشفافية، لا لأنها حيادية، بل لأنها تعترف بأنها غير قادرة على أن تكون كذلك.

وهنا أعود لأؤكد أنني في هذه المادة كتبت لكم الحقيقة كما اعرفها، ولم أخترع المبررات أو حتى منطقاً خاصاً للتبرير وتوجيه رأي القارئ .

.

.

مدير التحرير – عن العربي القديم

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. كلامك غير مقنع.
    الحقيقة وراء هذا المقال… انا معدن اهلك وضميرك يطلبون منك ان تكتب بحيادية كما انشأت نفسك كصحفي وكما هي اخلاقك التي اعلمها جيدا
    لكن الغريزة الطائفية والتحريضية وحب الانتقام والمظلومية تجعلك شخص تحريضي ولك نصيب من الاحداث الجارية في سوريا…واقصد بالنصيب مسوولية….. لانك. تبرر وتتعامى على الخطآ
    وما تفضلت به ليس الا خطاب جبان…. يمكنك ان تكون اقوى وتدحض الظلم اينما وجد… ..حتى لو كان من الحاكم فلذة من فلذات قلبك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى