قتل أقاربهم وزملاءهم.. لماذا يعود لاعبو سوريا لمنتخب يرفع صورة بشار الأسد؟.. هذه قصصهم
جلس فراس الخطيب، أحد أعظم لاعبي كرة القدم السوريين، ذات ظهيرةٍ منعشة الأجواء في شهر فبراير/شباط 2017، خارج مركزٍ تجاري بالخليج، وقد شلَّه الخوف من قرارٍ كان يخشى من تبعاته، قرار قد يؤدي إلى قتله.
كان الخطيب قد قاطع المنتخب الوطني السوري لخمس سنوات اعتراضاً على ممارسات الديكتاتور السوري بشار الأسد، الذي قصف بلدة الخطيب وجوَّعها.
والآن، يبدو كما لو أنَّ الخطيب قد غير رأيه فجأةً، إذ صار يفكر في الانضمام مجدداً إلى صفوف المنتخب السوري في محاولته الأخيرة للوصول إلى نهائيات كأس العالم لكرة القدم المُقرَّر عقدها في روسيا العام المقبل 2018. وأسباب الخطيب وراء اتخاذ هذا القرار معقدة، وهو لا يرغب في الحديث عنها، حسب تقرير مطول لشبكة ESPN الأميركية.
وقال الخطيب بإنكليزيةٍ متكلفة: “أنا خائف. نعم أنا خائف. ففي سوريا اليوم لو تكلمت فإنَّ شخصاً ما سوف يقتلك، بسبب كلامك، بسبب أفكارك. لا بسبب أفعالك.
يصف تقرير الشبكة الخطيب بأنه ملتحٍ وضئيل الحجم، ذو شعرٍ بني مُجعَّد، وعيون تشي بالطيبة. كسب الخطيب الملايين من احتراف الكرة في الكويت. وتعطي أجواء المركز التجاري الفخم لمحةً عن حياته المريحة ها هنا: يخوتٌ تهتز على صفحة المياه الزرقاء الرقيقة، ورجالٌ ونساء مُجلبَبون يدخنون التبغ المُنكَّه باستخدام الأراجيل.
لكنَّ الخطيب يبدو كما لو كان مُحطَّماً من ثقل المأزق الذي يواجهه، والذي ناقشه في مقابلات صحفية استغرقت يومين. وقال الخطيب عن ذلك الصراع: “كل يوم أفكر في هذا القرار ربما لساعةٍ أو ساعتين قبل النوم”.
“الكثير من القتلة”
سحب الخطيب هاتفه الخلوي ليرى معدي التقرير صفحته على فيسبوك، والتي تستقبل مئات الرسائل يومياً. حتى بعض أقرب أصدقائه مستعدون للانقلاب عليه. فقد قال أحد اللاعبين الذين تربَّوا معه، وهو اللاعب نهاد سعد الدين، إنَّ الخطيب لو عاد إلى سوريا فسوف “يُرمَى في سلة قاذورات التاريخ مع كل من دعم المجرم بشار الأسد”، ونذر سعد الدين ألا يتكلم مع الخطيب أبداً.
وسوف يتعيَّن على الخطيب في أي وقتٍ من الأيام الـ36 المتبقية حتى حلول موعد المباراة القادمة لسوريا أن يختار بين شرين يعصفان بالعالم حالياً.
لو عاد الخطيب إلى سوريا، فسوف يكون قائد المنتخب السوري، وأهم لاعب في مسعى البلاد للوصول إلى كأس العالم للمرة الأولى. وسوف يُمثِّل أيضاً حكومةً استخدمت كرة القدم سلاحاً للترويج لحكمها الدموي، جنباً إلى جنب مع غاز الأعصاب، والتعذيب، والاغتصاب، والتجويع، وقصف المدنيين، حسب شبكة ESPN.
أما لو واصل مقاطعته، فسوف يكون منحازاً إلى حركةٍ معقدة بدأت بمظاهراتٍ سلمية، ثم اتسعت لتشمل تنظيمي القاعدة وداعش (من أطياف واسعة للمعارضة).
وكانت داعش قد استخدمت كرة القدم كخلفيةٍ لبعضٍ من أكثر جرائمها بشاعةً، بما في ذلك تفجيرات استاد فرنسا عام 2015، وتفجير مباراة كرة قدم للشباب في العراق عام 2016، وهو تفجيرٌ أدى إلى مقتل 29 طفلاً.
وقال الخطيب: “هناك الكثير من القتلة في سوريا الآن، لا مجرد واحد أو اثنين. وأنا أكرههم جميعاً”.
يشعر الخطيب بالحيرة. ويقول عن تبعات قراره: “أياً كان ما سيحدث، فسوف يحبني 12 مليوناً، بينما سيريد الـ12 مليوناً الآخرين قتلي”.
حرب أهلية كروية
وبداخل الحرب الأهلية السورية، ثمة حرب أهلية أصغر: معركة مروعة، ودموية بعض الأحيان، على روح كرة القدم السورية، حسب التقرير.
وأدت المحاولة السورية، غير محتملة النجاح، للوصول إلى كأس العالم لتأليب اللاعبين والمدربين على بعضهم بعضاً، وهي انقساماتٌ تعكس الصراع الذي يُعِيد تشكيل معظم العالم حالياً.
فخلال سنوات الحرب الأهلية الست، قُتِلَ ما لا يقل عن 470 ألف سوري، وانخفض متوسط العمر في سوريا من 70 سنة إلى 55. وأصبح المنتخب الوطني السوري لكرة القدم، الذي يمثل بلداً أكثر من نصف مواطنيه نازحون في دولٍ أخرى، ساحة معركة بين أتباع وخصوم بشار الأسد.
وتدَّعي الحكومة السورية أنَّ كرة القدم هي الميدان الوحيد الذي يجتمع فيه السوريون من كل الأطراف بشكلٍ سلمي. فقد قال بشار محمد، المتحدث الرسمي باسم المنتخب الوطني السوري، إنَّ كرة القدم “حلم يجمع الناس. ترسم الكرة البسمة على الشفاه، وتساعد الناس على نسيان رائحة الدمار والموت”.
ولكن كما يُظهِر تحقيقٌ استغرق سبعة أشهر أجرته شبكتا “Outside the Line” و”ESPN”، فإنَّ نظام الأسد، المدعوم ضمنياً من الفيفا، قد أدخل كرة القدم ضمن حملة القمع المروعة للنظام.
فعندما تصاعدت الحرب الأهلية، بدأ الجيش في استخدام ملاعب دمشق، وحلب، وحمص، وحماة، ومدنٍ أخرى لتكون قواعد ومنشآت اعتقال، وذلك بحسب لاعبين سابقين، ومنظمات حقوق الإنسان، ومقاطع مصورة التقطها ناشطون. ويُظهِر اثنان من هذه المقاطع، على سبيل المثال، صواريخَ تُطلَق من ملعب العباسيين في دمشق، وهو الملعب الذي قال اللاعب السوري المنسق فراس العلي لشبكة ESPN الأميركية إنَّ لاعبي فريقه قد أُجبِروا على مشاركته مع الجيش السوري.
ووصف فادي دباس، نائب رئيس اتحاد الكرة السوري، هذه المزاعم بأنَّها كاذبة، وأخبر الشبكة أنَّ الملاعب “لم تُستَخدَم قط لأغراضٍ عسكرية”. وألقى باللائمة على وسائل الإعلام الغربية التي اتهمها بالانحياز.
قتل واختفاء والفيفا غير معني
وبحسب معلوماتٍ جمعها أنس عمو، وهو أحد الكتاب الرياضيين السابقين من حلب ويتتبع انتهاكات حقوق الإنسان بحق الرياضيين السوريين، فقد قتلت الحكومة، أو عذبت حتى الموت، ما لا يقل عن 38 لاعباً من لاعبي الدرجة الأولى والثانية في الدوري السوري للمحترفين، علاوةً على عشراتٍ غيرهم من الدرجات الأقل. واختفى ما لا يقل عن 13 لاعباً.
وعلى الرغم من أنَّ قوى المعارضة قد قتلت لاعبي كرة هي الأخرى على نطاقٍ أضيق، وهي حوادث ينسبها عمو إلى داعش، فإنَّ الشبكة السورية لحقوق الإنسان قالت إنَّ حكومة الأسد “تستخدم الرياضيين والأنشطة الرياضية في دعم… ممارساتها القمعية الوحشية”. إذ استُخدِمَت الملاعب الرياضية كقواعد عسكرية لشن الهجمات على المدنيين.
وبحسب لاعبين، فقد أُجبِرَت الفرق على تنظيم المسيرات دعماً للأسد، وذلك منذ بداية الحرب، وأحياناً ما كانوا يحملون أعلاماً ويرتدون قمصاناً عليها صورة الأسد. وقال عمو: “كان الأسد حريصاً على أن يُظهِر للشعب أنَّ الرياضيين والفنانين يدعمونه بقوة، لأنَّ أولئك كانوا أصحاب التأثير الأقوى في الشارع. وكانت تلك المسيرات إجبارية”.
وأجرت شبكة ESPN مقابلاتٍ مع لاعبين حاليين وسابقين، ومسؤولين حاليين وسابقين في اتحاد الكرة السوري، وأصدقاء وأقارب بعض الضحايا، إلى جانب إجراءها مراجعاتٍ لقضايا وفيديوهات متاحة للجمهور أكدت منظمات حقوق الإنسان صحتها. وأُجرِيَت هذه المقابلات بين شهري سبتمبر/أيلول 2016 ومارس/آذار 2017 في ماليزيا، وألمانيا، وتركيا، والسويد، والكويت، وكوريا الجنوبية.
ووصلت أنباء المزاعم بأنَّ سوريا تخرق قواعد الفيفا التي تقضي بمنع التدخل السياسي في شؤون كرة القدم إلى الفيفا عام 2015.
لماذا يصمت الفيفا؟
علق الفيزا على 20 حالة لأنشطةٍ رأتها المنظمة تدخلاً من قبل الحكومات. فعلى سبيل المثال، أوقفت الفيفا عام 2009 منتخب العراق بعد أن نما إلى علمها أنَّ الحكومة العراقية قد حلت الاتحاد وأرسلت عناصر أمن للسيطرة على مقراته. وأوقفت الفيفا نيجيريا عام 2014 بعد أن فصلت الحكومة قيادة اتحاد الكرة النيجيري بعد النهاية المخيبة للآمال لمشوار الفريق في نهائيات كأس العالم بالبرازيل.
ويعتقد عمو أن الفيفا بعدم تحركها ضد سوريا، تُعَدُّ “متواطئةً مع كل الجرائم التي ارتُكِبَت ضد لاعبي كرة القدم، والضرر الذي حاق بالملاعب والمنشآت الرياضية”.
وكان عمو قد أرسل رسالةً بالبريد الإلكتروني تشتمل على المعلومات التي جمعها إلى اللاعبٍ السابق في الدوري السوري أيمن كشيط. والذي بات، يعيش في السويد حيث مُنِحَ إقامةً.
وسافر كشيط إلى زيوريخ ليواجه الفيفا في شهر أغسطس/آب 2014. وتم رده من على بوابة مقر الفيفا، قرر أنّه بحاجةٍ إلى أن يجمع تقريراً كاملاً لو أراد أن يكون له تأثير. ومن ثم تلقى كشيط دورةً تدريبية تقدمها منظمة العفو الدولية في كيفية توثيق انتهاكات حقوق الإنسان. وكانت النتيجة “شكوى” من عشرين صفحة، مبنية على عمل عمو، وأُرسِلَت نيابةً عن “أكثر من ألفي رياضي… منشقين عن اتحاد الكرة السوري”.
استشهد كشيط في شكواه “بجرائم حرب ارتكبتها قوات الحكومة في سوريا ضد لاعبي كرة قدم، وملاعب كرة قدم، وصمت اتحاد الكرة السوري عن هذه الجرائم…”. واشتملت الشكوى على قائمةٍ بأسماء عشرة لاعبين يعتقد أنَّهم معتقلون لدى الحكومة، وتتضمن القائمة صوراً لتسعةٍ منهم. وتشمل القوائم الأخرى أحد عشر لاعباً تحت سن الـ18، وعشرين لاعباً آخرين فوق سن الـ18، زعم أنَّ قوات الحكومة قد قتلتهم. ويُظهِر قسمٌ آخر صوراً وفيديوهات لملاعب تشغلها قوات الجيش السوري.
سلم اللاعب السابق الوثيقة لموظفي مكتب الاستقبال، لكنَّه لم يتلق أي ردٍ أيضاً.
وعاد كشيط إلى مقر الفيفا في شهر أغسطس/آب 2015، هذه المرة مع مترجمٍ ساعده على تصوير لقاءه. وبعد أن تجادل مع موظف الاستقبال، تكلم أخيراً مع ألكساندر كوخ، مدير اتصالات المؤسسات بالفيفا.
وقال كوخ لكشيط إنَّه ينبغي له أن يرسل هذه الشكوى إلى الاتحاد السوري لكرة القدم، الذي يمكنه بعد ذلك تقديم الشكوى إلى الفيفا. وحاول كشيط إفهام كوخ أنَّ الشكوى ضد الاتحاد السوري لكرة القدم، المدعوم من قبل حكومة الأسد.
وقال كشيط لاحقاً لشبكة ESPN: “كيف يمكنك أن تطلب من اتحاد كرة القدم أن يرسل شكوى رسمية، بينما الشكوى مُقدَّمة في الأساس ضد هذا الاتحاد نفسه؟ من الجلي والواضح أنَّ الاتحاد السوري لكرة القدم جزءٌ من الحكومة. لا أحد سوف يصدق أي شيء خلاف ذلك”.
بعد ذلك بشهر تلقى كشيط رسالةً من نائب السكرتير العام للفيفا، ماركوس كاتنر، يُعيد فيها ما قيل سابقاً من أنَّ الأمر خارجٌ عن سيطرة الفيفا.
وكتب كاتنر، الذي انتهى به الحال بعدها بفترة مفصولاً من وظيفته بسبب سوء سلوكٍ مالي أثناء عمله مديراً مالياً للفيفا: “إنَّ الفيفا تدعم بشكلٍ كامل أية محاولةٍ تسعى لضمان قدرة كل الرياضيين على التمتُّع بممارسة رياضة كرة القدم في بيئةٍ خاليةٍ من العنف، ونحن نشكرك لمبادرتك”. وأضاف كاتنر أنَّ الملابسات الموصوفة في التقرير “أبعد بكثير” عن مجال الرياضة.
حطَّم هذا الرد كشيط، الذي قال وعيناه مغرورقتان بالدموع في مقابلةٍ مع الشبكة في هلسينغبورغ: “عارٌ على الفيفا. إنَّني لم أطلب منهم أن يتخذوا قرارهم حالاً. كنتُ أطلب منهم التحقيق. إذا لم يكن الأمر دقيقاً، فبإمكانهم حينها تجاهل المعلومات والرفض”.
وقال مارك أفيفا، المحامي في الشؤون الرياضية المقيم في لندن، والذي يكتب عن كيفية تطبيق الفيفا لقوانين الاستقلال الخاصة بها، إنَّ الدليل ضد سوريا يتجاوز بمراحل قضايا أخرى أدت إلى تدخل الفيفا، بما في ذلك حالة نيجيريا. وقال أفيفا: “في أي سياقٍ آخر، كانت الفيفا لتكون شغوفةً بالانخراط في الأمر”.
وقال أفيفا إنَّ الفيفا “قد تبنَّت بوضوح وجهة النظر القائلة بأنَّ من مصلحتها عدم التورط” في أزمةٍ سياسية تخص قوى عظمى، بما في ذلك الولايات المتحدة وروسيا، الدولة المضيفة لتصفيات كأس العالم العام المقبل. وقال أفيفا إنَّ اتخاذ إجراءٍ ضد سوريا سوف يتطلب المزيد من الشجاعة المؤسسية أكثر مما أظهرت الفيفا سابقاً.
ورفض فادي دباس، نائب رئيس الاتحاد السوري لكرة القدم ورئيس وفد الفريق الوطني، هذه الروايات، قائلاً إنَّها “غير صحيحة على الإطلاق”، وقال إنَّها مُختَلَقَة من قبل اللاعبين المنفيين المعارضين للأسد. وقال: “النظام يحمي الشعب السوري، ومشكلتهم أنَّهم خارج سوريا، وأنَّهم يمثلون أنفسهم فحسب”.
فرار اللاعبين
وقد أدى حضور سوريا في مشهد كأس العالم إلى نزاعٍ أخلاقي ليس للفيفا فحسب، بل للاعبين والمشجعين أيضاً. إذ فر مئات اللاعبين السوريين إلى الدول المجاورة وإلى أوروبا.
أحد أولئك اللاعبين، وهو المدافع فراس العلي، نفذ هروباً دراماتيكياً قبل الفجر من المنتخب الوطني خلال معسكر تدريبي للفريق، وفر من البلاد، وذلك بعد وقتٍ قليل من علمه بأنَّ ابن عمه البالغ من العمر 13 عاماً قد لقي مصرعه في هجومٍ للحكومة.
يعيش العلي الآن في خيمةٍ مع زوجته وأطفاله الثلاثة في مخيم قرقميش للاجئين جنوبي تركيا. وقال العلي في مقابلةٍ مع الشبكة إنَّ اللعب لصالح المنتخب الوطني “أمرٌ مشين. كان هذا الأمر شيئاً لم أستطع فعله. شعرتُ أنَّني بذلك سأخون أبناء بلدي الذين قتلهم الطغيان والقمع. أولئك اللاعبون يحملون علم الموت”.
وعادةً ما يلعب المنتخب السوري مبارياته الداخلية إما في دمشق أو حلب، لكنَّ الفيفا لن تسمح بذلك لأنَّه لا يمكنها ضمان أمن اللاعبين والمشجعين. وبعد قضاء الجولة الثانية من التصفيات الآسيوية في عمان، لم تعد سوريا قادرةً على إيجاد مُضيفٍ لها في الجولة الثالثة في الشرق الأوسط بأكمله. وعرضت مدينة ماكاو الصينية، قبل أيامٍ من أول المباريات، أن تستضيف الفريق، ثم تراجعت.
ولفت تقرير لـ”بي بي سي” في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي 2016 خاض المنتخب السوري مباراة الإياب من تصفيات كأس العالم 2018 في بكين، التي تصرف ملايين الدولارات من أجل رفع مستوى كرة القدم في الصين. واحتفل اللاعبون بالفوز وذهبوا للتسوق بالمكافأة التي صرفت لهم.
فاز المنتخب السوري في مارس/آذار 2017 على أوزبكستان، في مباراة كانت هي الأهم في تاريخ كرة القدم السورية، إذ كانت ستسمح له بلعب مباريات الفصل من أجل التأهل إلى نهائيات كأس العالم بروسيا العام المقبل.
ولكنه خسر مباراته التالية مع كوريا الجنوبية، مما قلل من آماله في التأهل التي تعتمد الآن على نتيجة مباراة الإياب التي سيخوضها ضد المنتخب الصيني.
وحصل اللاعبون بعد فوزهم في المباراة ضد المنتخب الأوزبكي على ألف دولار لكل منهم، وهو مرتب عام كامل للاعب كرة قدم في سوريا، وأكثر مما يحلم به أغلب السوريين في بلادهم، بعدما تراجعت قيمة عملتهم منذ بداية الحرب بنسبة 1000 في المئة، حسب بي بي سي.
ويرى تقرير شبكة ESPN الأميركية أنه بالنظر إلى التحديات التي تواجه سوريا، فإنَّ نجاحها في الوصول إلى هذه المرحلة كان أمراً صادماً. فبالإضافة إلى التحديات اللوجستية وهروب اللاعبين الأساسيين، الفريق مُفلِس إلى حدٍّ كبير. فقد أُجبرت الفيفا على تجميد أموال تطوير كرة القدم في سوريا بسبب العقوبات المفروضة على البلاد من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وقال قتيبة الرفاعي، السكرتير العام المتذمر للمنتخب، إنَّ الفريق يقوم بتدريباته في سيريمبان على رقعةٍ محلية بائسة لتجنُّب دفع أجرة الملعب المُقدَّرة بـ3500 دولار. ولا يحصل الرفاعي ذاته على راتب.
معجزة ينقصها تفصيلة صغيرة
أنهت سوريا الجولة الثانية بحلولها في المركز الثاني بعد اليابان. وهذا هو أقرب ما استطاعت سوريا الوصول إليه في تصفيات كأس العالم منذ 31 عاماً. وقد احتفت الفيفا بهذا الفريق المُمزَّق باعتباره منتخباً خارقاً، فنشرت قصصاً عن الصراع البطولي للفريق للوصول إلى كأس العالم في مواجهة كل الصعوبات. وجاء في إحدى المقالات المنشورة، في شهر فبراير/شباط الماضي: “إنَّ ما أنجزته سوريا… لا يمكن وصفه بأقل من المعجزة”.
أهملت هذه القصص تفصيلةً واحدة: يُمثِّل المنتخب السوري حكومةً مُتَّهمة بارتكاب جرائم حرب ضد شعبها، حسب تقرير الشبكة الأميركية.
وتبنَّت الفيفا، بشكلٍ أساسي، موقف نظام الأسد، الذي يقول إنَّ المنتخب السوري محايد سياسياً. وقال دباس، رجل الأعمال السوري الذي يشغل منصب رئيس الوفد، إنَّ الهدف الأساسي للمنتخب، إلى جانب التأهل لنهائيات كأس العالم، هو “جمع السوريين معاً” و”أن يثبت للعالم أنَّ سوريا بخير، وأنَّها لا تزال حية”. وقال إنَّ المنتخب السوري يُمثِّل “كل سوريا”.
لكنَّ دباس أوضح أنَّ سوريا مخلصة للأسد. إذ قال: “كل سوري داخل سوريا يمثل الرئيس بشار الأسد، وفخامة الرئيس الدكتور بشار الأسد يمثلنا. نحن فخورون برئيسنا. نحن فخورون بما حققه. ونريد أن نرسل له تحياتنا وشكرنا لما فعله من أجل سوريا، ونحن وراءه وتحت إمرته”.
وبحسب دباس، فإنَّ الأسد يشاهد كل مباراة، و”يتابع أدق تفاصيل الفريق”.
وثمة الكثير من الإشارات، في الحقيقة، حسب الشبكة الأميركية إلى أنَّ المنتخب السوري لا يمثل رؤيةً مُوحَّدة لسوريا، وإنَّما يمثل وجهاً لطيفاً لنظامٍ شرس.
فقد ظهر المدرب الأساسي مع أحد اللاعبين والمتحدث الرسمي للفريق في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2015، في سنغافورة في مؤتمرٍ صحفي قبل إحدى المباريات، وكانوا يرتدون قمصاناً تحمل صورة الأسد. واستخدم مدرب الفريق فجر إبراهيم منصة كأس العالم لإصدار تعليقاتٍ لاقت انتشاراً واسعاً بين اللاجئين السوريين، يزعم فيها أنَّ الأسد “أفضل رجل في العالم”.
هل أخذوا رهائن من عائلاتهم؟
ويقول التقرير إنه بالنظر إلى الضغوط داخل سوريا، حيث عُذِّبَ آلاف الناس وقتلوا لمعارضتهم الأسد، فمن الصعب تقييم صدق أولئك المرتبطين بالفريق ومعرفة ولاءاتهم.
وقال أنس عمو، والذي يعمل حالياً في وكالة رياضية في مرسين بتركيا، إنَّ بعض لاعبي المنتخب القومي لديهم أفرادٌ من أسرهم إما اعتُقِلُوا أو قتلهم النظام. وقال عمو، بعد أن طلب عدم ذكر أسماء أولئك اللاعبين حمايةً لهم ولذويهم: “أولئك اللاعبون مجبرون على أن يلعبوا، وإلا قُتِلَ أفرادُ عائلتهم”.
وقال عمو إنَّه يعرف اثنين من لاعبي المنتخب الوطني يلعبان خوفاً من أنَّ الحكومة، التي تتحكم في وثائق سفرهم، قد تحتفظ بجوازات سفرهم، وتجعل من المحال عليهم أن يلعبوا في الخارج. أمَّا بعض اللاعبين فموالون للأسد.
ويعتقد عمو أنَّ اللاعبين لو سُمِحَ لهم بالتحكم في جوازات سفرهم، فسوف يهرب عددٌ كبيرٌ منهم.
وفِي مباراتهم مع كوريا الجنوبية في ملعب توانكو عبد الرحمن في سيريمبان بماليزيا نجح السوريون في اقتناص التعادل السلبي الذي سوف يعطي الفريق أولى نقاطه.
ولما قاربت المباراة على نهايتها، نشر المشجعون السوريون الذين كان يبلغ عددهم مائةً، نشروا لافتةً ضخمة. كانت هذه اللافتة عبارة عن صورة كبيرة لبشار الأسد تمتد بطول عشرين صفاً. وتقافز الجمهور، ضاربين الأرض بأقدامهم وهم يغنون: “سوريا! سوريا!”. ولم تمض ثوانٍ قبل أن يسارع حراس الأمن الماليزيون إلى هذا القسم، مجبرين المشجعين على إبعاد هذه اللافتة.
وعندما انطلقت صافرة الحكم معلنةً نهاية المباراة بالتعادل السلبي، رقص المدرب السوري ابتهاجاً، واقتحم اللاعبون أرض الملعب.
وقال حسين، قائد الفريق، في أعقاب المباراة: “إنَّ نتيجة اليوم ليست إنجازاً، لكنَّها معجزة. لقد أثبت الفريق السوري اليوم أنَّه فريقٌ من الأبطال، لا مجرد لاعبين”.
لكن كان هناك واقعٌ بديل على الجانب الآخر من العالم.
منتخب سوريا الحر
ففي ظهيرةٍ ممطرة شديدة البرودة، من شهر فبراير/شباط 2017، التقت إحدى فرق السوريين الأحرار بنادي بوخولز، وهو نادٍ للهواة في برلين يلعب في درجةٍ أقل من الدوري الألماني.
وارتدى السوريون، واحداً وراء الآخر، قمصاناً خضراء من حقيبةٍ ورقية مُجعَّدة. وكان علم الثورة السورية، ذو النجوم الحمراء الثلاثة الموضوعة فوق أشرطةٍ أفقية خضراء وبيضاء وسوداء، مثبتاً على النافذة.
ما لا يقل عن فريقين من فرق “سوريا الحرة” هذه قد تنافسا في مبارياتٍ دعائية في تركيا وألمانيا. وهذه الفرق، التي تشمل لاعبين قدامى من الدوري السوري، هي بمثابة جزء من اللاجئين السوريين الذين زاد عددهم ليصل إلى قرابة الستة ملايين لاجئ، وهو ما يساوي تقريباً عدد سكان ولاية ماساتشوستس في أميركا.
وقال المدرب نهاد صلاح الدين إنَّ هذا الفريق الموجود في ألمانيا يمثل “الشعب المضطهد من النظام”، بما في ذلك “الشهداء الرياضيون الذين قدموا أرواحهم فداءً للوطن. وسوف يكون هذا الفريق، بإذن الله، الممثل الرسمي لسوريا الحرة”.
وصل لاعبو فريق بوخولز واحداً تلو الآخر، بلا مبالاةٍ أو قلق. وصدحت الموسيقى الإلكترونية من غرفة تغيير الملابس الخاصة بهم، ما جعل المبنى كله يبدو كما لو كان ينبض بالحياة. ومعظم أولئك اللاعبين الألمان شقر وأقوياء بدنياً، كما لو أنَّهم قد خرجوا لتوهم من منشورٍ سياحي ألماني.
أما السوريون فقد بدوا، حتى في ملابسهم الجديدة، شعثاً محطمين، مجموعة من الأفراد الذين تجمعوا نصرةً لقضية. وقال صلاح الدين: “في مقابل اللاعبين الموجودين هنا، هناك عددٌ كبير من اللاعبين إما جرحى أو معتقلون”.
صلاح الدين في الـ35 من العمر، لكنَّه يبدو أكبر بعشر سنوات، بشعره الداكن الرقيق وعيونه الحزينة. ولم يعد هذا المدرب، الذي لعب في وسط الملعب لصالح المنتخب السوري لفترةٍ طويلة، قادراً على اللعب. وقال صلاح الدين إنَّ قناصاً أصابه بطلقٍ ناري في الركبة خلال حصار الحكومة لمدينة حمص، ثم انهار عندما وقعت قذيفة هاون خلفه بينما كان يُخلِي النساء والأطفال من إحدى البنايات السكنية. وعندما وصل إلى النمسا، حيث يعيش حالياً، اكتشف الأطباء خمس فقرات مصابة بجسده.
أدلى صلاح الدين بخطبةٍ تشجيعية في غرفة الملابس، وقال: “يا شباب، إننا نحمل قضية، وأرجو أن يكون كل واحدٍ منا على قدر المهمة، وهي أن نظهر للناس وحشية هذا النظام، وما فعلوه بالرياضيين والمعتقلين، هذا واجبنا أن نتكلم عنهم… نحن بحاجة إلى أن يسمع الناس أصواتنا، وأن نقف معاً لفضح هذا النظام أمام العالم، وأنَّ هناك ثورة، وهناك رياضيون أحرار. عندما تقول إنَّك في فريق سوريا الحرة، فأنت تمثل الملايين”.
هزيمة
وعلى الرغم من رمزية الحدث، فقد انتهت المباراة بين فريقي سوريا الحرة وبوخولز بهزيمة سوريا الحرة 5-2، في جو باردٍ ومطرٍ مستمر، أمام عشراتٍ من الألمان الذين تفرقوا في الملعب في ظهيرة يوم أحد لمشاهدة أصدقائهم وأقاربهم يلعبون مباراةً استعراضية مثيرة للاهتمام.
وبالنظر إلى الظروف، فقد كانت تلك المباراة بطولية، ومن غير المريح مشاهدتها. سجل السوريون أولاً من كرةٍ عرضية جميلة. لكنَّ الألمان، المؤهلين جيداً، والمحظوظين بحيواتٍ عادية سمحت لهم بالتدريب المنتظم (خلافاً للسوريين الذين اجتمعوا للمرة الأولى قبل يومٍ من اللقاء) أمطروا المرمى السوري بالأهداف بحلول الشوط الثاني. وأصابت إحدى التصويبات مدافعاً سورياً في وجهه مباشرة، فارتمى بلا حراك على الأرض لدقائق عدة قبل أن يقوم ويمشي مترنحاً.
يقدم السوريون الأحرار أنفسهم على أنَّهم بديلٌ للفريق الوطني الذي يرعاه الأسد. لكنَّ هذه المباراة الاستعراضية ضد فريق بوخولز تظهر أنَّ الأمر ليس كذلك، بل هو أبعد ما يكون عن ذلك. هناك منتخبٌ سوري واحد، واللاعبون الجيدون بما يكفي للوصول إليه ينبغي لهم أن يقرروا بأنفسهم ما الذي يمثله هذا الفريق.
أرخبيلٌ من التعذيب
وكان أحد اللاعبين السوريين، ويُدعَى جابر الكردي، كان قد اعتقله النظام عام 2013 مدينة حماة، حيث كان يلعب مع فريقٍ يدعى الطليعة. وقال الكردي إنَّه كان يدعم المعارضة، لكنَّه لم يطلق رصاصةً واحدةً قط.
وقال كاشفاً راحة كفه الوردية: “هل تظن أنَّ هذه الأيدي قادرة على حمل سلاح؟ إنَّ يدي أصغر من يد فتاة!”. وقال الكردي إنَّه شارك في المظاهرات، ووفَّر الملابس والمأوى للمشردين. وقال: “أنا لا أحب الدماء ولا سفكها، لكنِّي عندما رأيتُ الناس يصلون إلى حماة، وينامون في الشارع في الحدائق والشوارع، لم يكن بمقدوري أن أقف ساكناً وأتفرج عليهم”.
وصفت منظمة هيومان رايتس ووتش شبكة الأسد الواسعة من السجون بأنَّها “أرخبيل من التعذيب”. وقال الكردي إنَّه اعتُقِلَ دون محاكمة لتسعة أشهر، متنقلاً بين مراكز الاعتقال في حماة وحمص ودمشق. وفي فرع “فلسطين” من قسم المخابرات العسكرية في دمشق، ضربه الحراس مراراً وتكراراً على باطن قدمه بخرطومٍ مطاطي، وصعقوه بأسلاكٍ كهربية موصلة بجمجمته.
وقال الكردي إنَّه قُيِّدَ لأسبوعٍ في قفصٍ ضيق من السيراميك، حيث لم يكن قادراً على الجلوس، وبالكاد كان يستطيع الحركة. وقال: “كان الجو بارداً، وكانوا يأتون ويلقون بالمياه عليّ، ثم يغادرون”. وقال إنَّه كان يُسمَح له بالخروج خمس دقائق كل يوم ليقضي حاجته، وإنَّه كان أحياناً ما يتناول كسراتٍ من الخبز المتعفن كانت تُلقَى إليه عبر الباب.
لهذا اللاعب ذي الخمسة وعشرين ربيعاً ملامح رقيقة، وذقنٌ خفيفة، وظلال سوداء تحت عينيه. وقال الكردي إنَّه عُرِضَ على محكمةٍ عسكرية في نهاية فترة احتجازه، وأمرت بالإفراج عنه. ولما كان الحارس يعطيه متعلقاته، وهي محفظةٌ فارغة، جذب يد الكردي وشق سبابته بسكين.
وقال الكردي، مشيراً إلى جرحٍ خفيف بسبابته، إنَّ الحارس قال له: “هذا (أي الجرح) حتى تتذكرنا”.
وأضاف إنَّه منذ وصوله إلى ألمانيا وهو يتلقى علاجاً من الكوابيس المتكررة التي يرى فيها أفراداً من الأمن السوري يطاردونه عبر شوارع دمرها القصف في حماة.
وقال وقد انهار خلال المقابلة: “قلبي يوجعني، أقسم بالله. أنا لستُ سعيداً هنا. لقد أخذتنا الحكومة الألمانية، وأعطتنا أمناً وأماناً. نحن نقدر ذلك، لكن نفسياً، نحن لسنا سعداء. إنَّ شعبنا يتعرض للذبح”.
هل اختفى أم مات؟
ويشير التقرير إلى اسم أحد اللاعبين ورد في كل المحادثات تقريباً التي أُجرِيَت مع فريق سوريا الحرة، لكنَّه لم يكن موجوداً هنا في برلين، وهذا الاسم هو جهاد القصاب. القصاب هو لاعب وسط ملعب معتزل في الأربعينيات من عمره، وكان نجماً في نادي الكرامة، الفريق الرسمي في حمص. وليس من الواضح السبب الذي من أجله اعتُقِلَ القصاب في الـ19 من شهر أغسطس/آب 2014. فلم تكن هناك محاكمةٌ قط.
وتعتقد أسرة القصاب وأصدقاؤه أنَّه اقتيد إلى سجن صيدنايا العسكري، القلب المظلم لأرخبيل تعذيب الأسد. وأخبر أحد المحتجزين السابقين منظمة العفو الدولية أنَّ الحراس هناك يفصلون السجناء الأضعف، ويجبرون السجناء الأكبر حجماً على اغتصابهم. وكان هناك ضربٌ مستمر بالخراطيم، وسيور الدبابات الممزقة، والكابلات ذات الخطاطيف المصممة لتمزيق اللحم. وبسجن صيدنايا غرفة إعدام تحت الأرض تتكون من منصتين وعشرات الأنشوطات، وذلك بحسب منظمة هيومان رايتس ووتش، التي أطلقت على السجن اسم “المذبح البشري”. وتُقدِّر المنظمة أنَّ ما يصل إلى 13 ألف سجين قد خضعوا لسياسة “إبادة” انتهجها النظام السوري خلال أربع سنوات في هذا السجن.
وأُعلِنَ في شهر سبتمبر/أيلول 2016، عن موت القصاب، بعد أكثر من عامين على اختفائه. وكانت مساجد حمص أول من نشر الخبر، ثم الشبكات الاجتماعية، والشبكة السورية لحقوق الإنسان، والوكالات الإخبارية في أنحاء العالم. ولم تكن هناك تفاصيل أخرى.
وقال محمد حميد، أحد اللاعبين السابقين في نادي الكرامة، والصديق المقرب من القصاب: “لو عاش القصاب في بلدٍ آخر، لكُرِّمَ وكوفئ لتاريخه الطويل من الإنجازات في الرياضة. أما في سوريا، تحت حكم الأسد، فقد اعتُقِلَ وعُذِّب”.
لم يُعثَر على جثة القصاب قط، وذلك بحسب أصدقائه، ولا يزال البعض يعتقد أنَّه ما زال حياً. وأقام رشاد شمة، أحد أصدقاء القصاب القدامى، سرادق عزاء صغير من أجل القصاب أمام محل الحلويات الذي يملكه في السعودية.
تصلح هذه القصة أن تكون مقياساً للحقيقة الملتوية في سوريا، إذ يختفي نجمٌ مثل القصاب ويُعلَن عن موته، ويُعقَد سرادق عزاء له، بينما شمة لا يزال يقول بيقين: “قد يكون ميتاً أو حياً. من يدري؟”.
وقال فادي دباس، نائب رئيس اتحاد الكرة السوري، للشبكة إنَّه لا يعرف شيئاً عن مصير القصاب، وإنَّه لم يسمع به أبداً، إذ قال: “لا أعرف اسمه على الإطلاق”. وعندما أُشيرَ إلى حقيقة أنَّ القصاب قد لعب في الدوري السوري لأكثر من عقدٍ قال: “لا أعرف أين ذهب بعد نادي الكرامة. لا أعرف ما حدث له. وليس لدي أي معلوماتٍ حول هذا الموضوع”.
لماذا انشق أحد أشهر نجوم المنتخب السوري؟
عندما أعلن فراس الخطيب، في شهر يوليو/تموز عام 2012، أنَّه لن يلعب لسوريا، كانت حمص، مسقط رأسه، مشتعلة. وكانت تُعرَف هذه المدينة والتي كانت يوماً ما ثالث أكبر مدن سوريا، بأنَّها “عاصمة الثورة”.
وعندما عمَّت المظاهرات السلمية ضد حكومة الأسد المستبدة أرجاء البلاد، خرج الآلاف من سكان حمص إلى الشوارع. استجاب الأسد لهذه المظاهرات، كما استجاب لغيرها، بقوةٍ غاشمة. وأشعلت استجابة الحكومة للمظاهرات التي عمَّت البلاد حرباً أهلية صارت الآن تضم خليطاً عجيباً من القوى العالمية، والإرهابيين الدوليين، وأمراء الحرب، والميليشيات، والمقاتلين من أجل الحرية.
شملت حملة الأرض المحروقة التي قام بها الأسد على حمص الاغتصاب والتجويع، حتى اضطر بعض السكان إلى أكل الحشائش من أجل النجاة، وذلك بحسب شهودٍ ونشطاء من المعارضة. ووردت تقارير عن مذابح شوهدت فيها قوات الأسد وهي تقتل المدنيين، وفقاً لما جاء في تقرير الشبكة الأميركية.
ويُعَدُّ الخطيب واحداً من أبرز سكان حمص، وأحد أشهر الرياضيين السوريين، إذ كان نجماً قومياً منذ كان مراهقاً. ترك الخطيب بلاده في أوائل الألفية الثانية ليلعب في بلجيكا، والصين، ولعب في الكويت لأكثر من عقدٍ من الزمان، حيث استطاع تحطيم الرقم القياسي لإحراز الأهداف في الدوري الكويتي.
واستخدم الخطيب الأموال التي اكتسبها من كرة القدم للمساعدة في بناء شارع في حمص، اسمه شارع الخطيب، حيث بنى ملعباً لكرة القدم، ومسجداً يحمل اسم العائلة أيضاً. وعلى الرغم من الملايين التي كسبها من لعبه الكرة خارج البلاد، إلا أنَّه دائماً ما كان يعود لتمثيل سوريا.
وكان إعلان الخطيب مقاطعته المنتخب السوري في مسيرةٍ بمدينة الكويت ضربةً للأسد. إذ قال حينها الخطيب، المكتسي بوشاحٍ بألوان علم الثورة، للحشد الصارخ: “أريد أن أقول هنا أمام الإعلام أنَّني لن ألعب أبداً لصالح المنتخب الوطني السوري ما دامت القنابل تسقط في كل مكانٍ في سوريا”.
ورفع شخصٌ ما الخطيب على كتفيه. وناداه الجمهور بأبي حمزة، على اسم أكبر أبنائه. وهتفوا قائلين: “الله يحميك يا أبو حمزة! الله يحميك!”.
لماذا فكر الخطيب بالعودة؟
يكشف التقرير أن الخطيب يجاهد لشرح كيف يفكر في تمثيل سوريا مرةً أخرى، بعد موقفه السابق والفظائع التي لا تزال الحكومة تفعلها بالمدنيين.
وقال الخطيب: “إنَّ ما حدث معقد للغاية. لا يمكنني الحديث أكثر من ذلك عن هذه الأمور. آسف، آسف، أنا آسف جداً. من الأفضل لي، ولبلدي، ولأسرتي، ولكل الناس ألا أتكلم عن هذا الأمر”. لكنه قدَّم بعض الإشارات.
إذ قال إنَّه لم يطأ شارع الخطيب منذ ست سنوات. ولم ير أباه، الذي لا يستطيع مغادرة البلاد بسبب مرضه، وأضاف: “هذا أصعب وقت في حياتي. لا أريد العودة لأنَّني ألعب لصالح منتخب وطني، أو لأنَّني أؤيد حكومة أو لا أؤيدها.
أريد العودة إلى سوريا مثل أي سوري. أريد أن أرى والديّ أخيراً، وإخوتي”. وقال الخطيب إنَّه لا يزال يحلم بالعودة إلى حمص ليكون رئيساً لنادي الكرامة، النادي المحلي للمدينة.
ولفت تقرير الشبكة الأميركية إلى أنه في الوقت الذي أعلن فيه الخطيب مقاطعته، كان الكثيرون يعتقدون أنَّ الأسد سوف يسقط، والآن رسَّخ الأسد حكمه.
وقال الخطيب: “لقد قلت إنَّني لن ألعب حتى يتوقف القتل والموت. والآن تسألني عما تغيَّر. إنَّ ما غيَّرته هو قرارٌ رياضيٌ، لا سياسي. نريد أن نكون سعداء. نريد شيئاً يجعلنا سعداء. كل شيء في سوريا الآن يجعلنا حزانى”.
ومنذ أن تعادل المنتخب السوري مع كوريا الجنوبية في ماليزيا، هزم الصين، وتعادل مع إيران، أول المجموعة. وأصبح أول ظهور لسوريا في كأس العالم قاب قوسين أو أدنى.
ويُسأل الخطيب أحياناً عن قدرته على التفكير في تمثيل حكومة تستمر في قصف المدنيين وتعذيب وقتل “الناس الذين تحبهم، وزملائك في الفريق”. ويرد مبتسماً بحزن: “سؤالٌ صعب جداً جداً جداً. لا يمكنني أن أتكلم حقاً. أريد أن أتكلم. لكن لا يمكنني”.
ولكن بالنسبة للاعبين آخرين، فإنَّ تمثيل الأسد خيانة لا يمكن التفكير فيها. وأحد أولئك اللاعبين هو فراس العلي. إذ قال فراس، المدافع السابق في المنتخب السوري: “رأيتُ سوريا عندما كانت جنة الله على الأرض”. لكنَ فراس لم يعد في سوريا، وسوريا لم تعد جنة، حسب وصف التقرير.
من ثلاثة منازل إلى المخيمات
ويشبه مخيم قرقميش للاجئين سجناً منخفض الأسوار. ويحاط هذا المخيم، الواقع على الحدود الجنوبية لتركيا مع سوريا، بأسوارٍ رمادية وأسلاكٍ شائكة، وتسيطر عليه الحكومة التركية. وشاغلو المخيم البالغ عددهم 6886 شخصاً (بما فيهم 1963 طفلاً) مسموحٌ لهم بالمغادرة، لو كان لهم مكانٌ يذهبون إليه، والوسيلة التي تحملهم إلى هناك.
كان العلي في الماضي يمتلك ثلاثة منازل. والآن، كل ممتلكاته مُكدَّسة في خيمةٍ بيضاء كبيرة، وهي واحدة من مئات الخيام المنصوبة بتناسقٍ على الأرض تحت وهج الشمس. وليست خيمة العلي أكبر ولا أصغر من خيم جيرانه، لكنَّ داخلها نظيفٌ ورسمي. وتغطي ستائر شريطية بيضاء الجدران القماشية للخيمة، وتغطي سجادة شرقية الأساس الخشبي. وتُشكِّل الوسائد المزخرفة بالزهور منطقة جلوس على شكل حرف “U”.
ويعيش العلي (31 عاماً) وزوجته وأولاده الثلاثة في هذا المخيم منذ ثلاث سنوات، ووُلِدَت أصغر بناته، عائشة، في المخيم.
لعلي شعر أسود فاحم يغطي جبهته، وقوام رياضي ممشوق. وبالنسبة للمتابعين الجيدين للكرة السورية، فإنَّ ورطته صعبة الفهم، فهو نجمٌ رياضي تُرِكَ ليعيش بين مشجعيه في خيمة. لعب علي في السابق لنادي الشرطة، أحد أكبر الأندية في دمشق، وكان دخله 125 ألف دولار في الموسم، وهو مبلغ يُعَدُّ ثروةً في سوريا.
وقال العلي: “من بين 23 مليون إنسان، كنتُ واحداً من بين أفضل عشرين لاعباً في البلاد. كنتُ مشهوراً ومعروفاً أينما ذهبت. وكان موقفي المادي ممتازاً. وكانت لدي أسرة جيدة وسمعة جيدة. لم أفكر قط، مجرد تفكير، في الخروج من بلادي”.
والآن أصبح العلي لاجئاً، وأصبحت احتياجات أسرته تغطيها سلطات إدارة الكوارث والطوارئ التركية.
لماذا ترك كل هذا النعيم؟
وقال العلي إنَّه يفضل أن يعيش في خيمة لاجئين على أن يلعب لصالح حكومة سوريا. وعندما هاجمت قوات الأسد عام 2011 مدينة حماة، مسقط رأس العلي، قُتِلَ ابن عمه طالب الجغرافيا البالغ من العمر 19 عاماً خلال مظاهرة.
وتحدث العلي عن مقتله قائلاً: “دخلت الرصاصة من عينه، وخرجت من جمجمته”. ولاحقاً، اخترق برميلٌ متفجر، سلاح بشار المفضل الذي يلقيه بالآلاف على رؤوس السوريين، سطح أحد المنازل، فأحرق ابنة أخته بينما كانت واقفةً في مطبخها.
وقال العلي إنه وصل بعد ذلك بدقائق قليلة. وأضاف: “عندما ترى إنساناً ممزقاً فهذا كابوس. كانت ابنة أختي تزن حوالي 200 رطل، كانت ثقيلة الجسم، لكننا لم نستطع إيجادها”. انضم العلي إلى المظاهرات، وكان يغطي وجهه لأنَّه كان معروفاً. وشعر أنه يعيش حياةً مزدوجة: يتحدى الأسد في الشوارع، بينما يمثله في الملعب.
وذهب العلي ذات صباح إلى ملعب العباسية في دمشق للتدرُّب، ليجد أنَّه قد تحول إلى قاعدةٍ عسكرية. وقال: “كان لدينا نصف الملعب، وكان للفرقة الرابعة من الجيش السوري النصف الآخر. رأيتُ هذا بأم عيني! كانت هناك مدافع في أماكن كان من المفترض أنَّها مُخصَّصة للرياضيين. وكانوا يذهبون لقمع المظاهرات من الملعب الذي كنتُ أتدرب فيه. كنتُ أسمع طلقات النار من داخل الملعب. وكانت المظاهرات لا تزال غير مسلحة. كان النظام هو الوحيد في ذلك الوقت الذي يحمل سلاحاً”.
كان كبير مدربي المنتخب السوري وقتها هو فجر إبراهيم، أحد مؤيدي الأسد الذي ارتدى لاحقاً قميصاً عليه صورة الأسد قبل مباراةٍ ضمن التصفيات المؤهلة لكأس العالم. وقال العلي إنَّ إبراهيم تحدَّث بصراحةٍ عن الحاجة لسحق المظاهرات. إذ قال إبراهيم للاعبين إنَّ الفوز بالمباريات سوف يُظهِر للعالم أنَّ الانتفاضة ليس لها أثرٌ كبير. وكان اللاعبون منقسمين. وقال العلي: “كنا ندمر أنفسنا”. وشعر بالإحباط المتزايد، وتناقص جهده في الملعب، لأنَّه كان “مشتتاً للغاية. كان الأصدقاء والأهل يموتون”.
أحياناً كان العلي يقيم في فندق بلو تاور، وهو فندق من فئة الأربع نجوم في شارع الحمرا بدمشق. وقال إنَّه في إحدى الليالي المؤرقة شاهد الرعب من نافذته في الطابق الثامن، بينما كانت الحكومة تقصف أحياء المدنيين في المدينة. وأضاف: “كان الأمر أشبه برؤيتي لفيلم أكشن على التلفاز. كنت مرعوباً”.
وفي ليلةٍ أخرى، بينما كان المنتخب القومي يتدرب لبطولةٍ مقامة في الهند، تلقى العلي مكالمةً بأنَّ ابن عمه البالغ من العمر 13 عاماً قد قُتِلَ خلال هجومٍ للحكومة على قرية خارج حماة. وبعد ذلك بثلاثين دقيقة انضم إلى المنتخب الوطني لتناول الغداء. وعندما سخر أحد زملائه من المتظاهرين، قال العلي إنَّه قذفه بملعقةٍ قبل أن يفرق باقي الزملاء بينهما. وعاد العلي إلى غرفته حينها واتصل بأسرته. وقال لأخته: “لقد اكتفيت”. وعندما سألته أخته: “ماذا تعني؟”، أجاب: “لا أريد أن ألعب لصالحهم، أبداً”.
رتب العلي ليقله اثنان من إخوته في الساعة الـ5:30 من الصباح التالي. ومن هناك، حثَّ الخطى باتجاه الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة، وقال إنَّ الجنود كانوا يلوحون له لشهرته عبر نقاط التفتيش، لكنَّهم لم يكونوا واعين بأنَّه كان يفر من النظام. وعبر الحدود إلى تركيا مع عائلته الصغيرة. وأصبح العلي حراً، لكن فجأة كانت أمامه تحديات جديدة. وقال: “كانت لدي أموالٌ في البنك، وبعد أن انشققت أخذها النظام. وكان لدي ثلاثة منازل، وقد دُمِّرَت… وكانت لدي قطعة أرض، وقد ذهبت… ذهبت كل أموالي”.
الآن تدور أيامه حول تعليم كرة القدم للأطفال، الذين يحتشدون حوله باعتباره من مشاهير المخيم. وفي آخر الصباح، يجتمع العلي وأكثر من ثلاثين طفلاً على لوح خرساني مغطى بالزجاج المكسور للتمدد، والجري، وفض المنازعات. وأحياناً ما تجد الكرة طريقها للعلي، الذي يتلاعب بها بمهارة.
وقال العلي: “إنَّه أمر صعب، لكنَّني لستُ نادماً على أي شيءٍ على الإطلاق. كيف يشعر من يلعب تحت هذا العلم ويحمل صورة الشخص الذي هو السبب الوحيد لقتل وموت وطرد أكثر من سبعة ملايين سوري؟”.
الخطيب يتخذ قراره
وفي ليلة باردة من ليالي شهر مارس/آذار 2017، مشى لاعبون من كوريا الجنوبية وسوريا واحداً وراء الآخر داخلين إلى ملعب كأس العالم بسيول، الذي بُنِيَ قبل استضافة كوريا الجنوبية لنهائيات كأس العالم عام 2002.
ويمتاز الملعب بالكثير من وسائل الراحة، التي من بينها سقفٌ متوهج يشبه طائرةً ورقية كورية.
في هذا اليوم كان ثمة تغيرٍ كبير: انتهت مقاطعة فراس الخطيب. إذ عاد قبل أسبوعٍ ليلعب ضد أوزبكستان، وصار مؤهلاً مرةً أخرى ليشارك في هذه المباراة المحورية ضد كوريا الجنوبية.
كما أعلن مدرب منتخب سوريا، أيمن الحكيم، عن قائمة تضم 25 لاعباً استعداداً لخوض المباراة المقبلة للمنتخب السوري في تصفيات كأس العالم 2018 أمام منتخب الصين، في ماليزيا، وهي تضم نجم الأهلي السعودي، عمر السومة، الذي تردد أنه كلن يريد الإنضمام لمنتخب السعودية وسط رفض سوري.
هل يلتزم بوعده ؟
ويرصد تقرير الشبكة الأميركية الذي رصد مسيرة عودة الخطيب تغيرا في سلوكه، إذ يقول التقرير “من الواضح أنَّ المهاجم صار يتبع الآن سيداً جديداً. ففي اليوم السابق للمباراة، بعد أن وافق الخطيب على إجراء لقاءٍ مع الشبكة، دفعه مسؤولون سوريون بسرعة إلى أحد المصاعد، واستغرق الأمر مفاوضاتٍ محتدمة بين الشبكة والمسؤولين السوريين في ردهة الفندق حتى يسمحوا أخيراً بإجراء اللقاء مع اللاعب.
وطلب المتحدث باسم الفريق بشار محمد عدم الكلام في السياسة، ولكنَّه لم يتلق أي ضماناتٍ على هذا الأمر.
وأعطى الخطيب انطباعاً بأنه قد تخلَّى عن السياسة فقال: “سوف نستبعد السياسة، ونتحدث عن الرياضة. كرة القدم فحسب. لقد عدتُ بسبب قرارٍ رياضي، لا قرارٍ سياسي”.
وقال إنَّ المنتخب الوطني “لكل الناس، لكل سوريا”، وليس للحكومة وحدها، وأنَّ الاستمرار في المقاطعة لم يعد خياراً. وقال: “لا يمكننا أن نبقى وننتظر لنرى كيف سنموت. لا. لا يمكننا البقاء في المنزل والنظر إلى التلفاز وانتظار ما سوف يحدث في هذه الحرب. لا. ينبغي لنا أن نفعل شيئاً لأسرنا، ولبلدنا، ولأصدقائنا، ولأنفسنا”.
لم يقتنع كل الناس بهذا الكلام. وتباينت ردود الفعل على الشبكات الاجتماعية. وقال الخطيب إنَّ 80 إلى 90 بالمائة من مشجعي الكرة يرحبون بعودته، لكنَّ الرسائل على صفحته على فيسبوك تكشف عن مخزونٍ ضخم من الغضب مما اعتبره البعض خيانة من الخطيب، بينما بعض الرسائل الأخرى كانت أكثر تسامحاً.
فقد قال أحد النشطاء الإعلاميين في حي الوعر المحاصر داخل حمص، ويُدعَى محمد الحمصي، إنَّه لا يزال يدعم المنتخب لأنَّه “بشكلٍ عام، فالرياضة هي الشيء الوحيد الذي يربطنا بالماضي. لن أقول إنَّ المنتخب السوري يمثل الطيف السوري بأكمله، لكنَّه يمثل الماضي الجميل. ينبغي للرياضة أن تُفصَل عن الصراع”.
وبدأ الخطيب، الذي لا يزال يحاول التأقلم مع الفريق الذي لم يقُدهُ منذ خمس سنوات، المباراة كلاعبٍ احتياطي. وأحرزت كوريا الجنوبية هدف التقدم في الدقيقة الرابعة. وحاول السوريون العودة فيما تبقَّى من المباراة.
ودخل الخطيب في أول الشوط الثاني، ولما قارب الوقت على النفاد، وصلت الكرة بشكلٍ شاعري إلى الخطيب منفرداً على يسار الشبكة. وصوَّب الكرة من على مسافة 10 أقدام تصويبةً بقدمه اليسرى إلى رأس حارس المرمى مباشرةً. ونجح الحارس، سون تاي كوون، في وضع يديه أمام رأسه في اللحظة الأخيرة، وصد الكرة بعيداً.
وفي الوقت الإضافي، وقد عاد الجمهور للصراخ، حظيَ الخطيب بفرصةٍ أخرى. وانفرد مرةً أخرى في المكان نفسه تقريباً، وصوب تصويبةً صاروخية، لكنَّها كانت أعلى هذه المرة. وارتطمت بالعارضة ارتطاماً قوياً إلى درجة سماع صوتها من نصف الملعب، لكنَّها ارتدت بعيداً.
ووضعت هذه الهزيمة بهدفٍ دون مقابل منتخب سوريا بعيداً عن المركز الثالث بأربع نقاط، ولم يتبق للمنتخب سوى ثلاث مباريات. لقد قاربت آمال كأس العالم على النهاية.
وبعد ذلك بأسبوع، وردت أخبارٌ أخرى من سوريا، وهي مرتبطة، بشكلٍ غير مباشر، بالوعد الذي قطعه الخطيب على نفسه منذ وقتٍ طويل بألَّا يلعب ما دام الأسد يقتل المدنيين.
هذه المرة قصفت الحكومة قرية خان شيخون التي تسيطر عليها المعارضة بغاز السارين، وهو أحد الأسلحة الكيماوية. وكانت الصور مروعة: مصابون بجمود العضلات يخرج الزبد من أفواههم، وقد تقلصت عيونهم فصارت أدق من رأس الإبرة، وأطفال نصف عراة يجلسون بلا حولٍ ولا قوة في البرك، يجاهدون لالتقاط أنفاسهم.
قتل النظام السوري في هذا القصف ما لا يقل عن 85 شخصاً.
هاف بوست