بسبب الحر .. الأجيال القادمة في خطر بسبب تراجع خصوبة الرجال

إحدى الطرق التي قد تقتل بها الحرارة هي زيادة الضغط في الجمجمة؛ ما يتسبَّب في قلة تدفق الدم إلى المخ. ويمكن أيضاً أن تدخل الأنسجة المتضررة إلى تيار الدم وتتسبَّب في فشل كلوي. وعند نقطة معينة، قد يتسبَّب ارتفاع الحرارة الداخلية ببساطة، في إحراق خلايا الجسم وتراجع خصوبة الرجال نتيجة موجات الحر، حسب صحيفة The Washington Post الأميركية.

لكن ذلك ليس كل شيء، فالحرارة تقتل الحيوانات المنوية، وعندما تتراجع وظيفة الحيوان المنوي يتراجع التكاثر. وإذا تراجع التكاثر، فأنت بصدد مشكلات مرتبطة باستمرارية السكان.

موجات الحر أو القاتل الصامت

وعكس الظواهر المناخية المتطرفة التي تكون مرئية وعنيفة للغاية بدرجة يصعب معها عدم ملاحظتها مثل الزوابع والأعاصير، تكون موجات الحر أشبه بـ»قاتل صامت»، على حد وصف هيئة الأرصاد الجوية الوطنية بأميركا الفترات الطويلة من الطقس الحار.

هذه ليست مزحة: الحر يقتل الآلاف

لكنَّها قاتلة بالتأكيد. فقد تجاوز عدد الوفيات الناجمة عن الحر في الولايات المتحدة عدد كل الوفيات الأخرى المرتبطة بالطقس خلال السنوات الثلاثين الماضية، منذ أن أصبحت مثل هذه البيانات متاحة. وحذَّرت لجنة المراجعة البيئية في البرلمان البريطاني من أنَّه يُتوقَّع وصول عدد الوفيات الناجمة عن الحرارة إلى 7 آلاف حالة سنوياً بحلول عام 2050، ما لم تُتَّخذ إجراءات سريعة.

هذا وأكَّد تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنيَّة بتغير المناخ، في أكتوبر/تشرين الأول 2018، حاجتنا لتلك الإجراءات.

والحر لا يقتل وحسب.

فكما وثَّق العلماء، يُقلِّص الحر حيوية الحيوان المنوي، ما يُقلِّص القدرة على التكاثر.

 

تقلل خصوبة الذكور وتقتل الحيوانات المنوية

فكتب مؤلفو إحدى الدراسات التي نُشِرَت يوم الثلاثاء 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، في مجلة Nature Communications العلمية المُحكَّمة: «تُقلِّل موجات الحر خصوبة الذكر وتنافسية الحيوانات المنوية، وموجات الحر المتتالية قد تؤدي إلى إصابة الذكور بالعقم».

والتأثير عابر للأجيال

لكنَّ الدراسة تشير إلى تأثير جديد يستمر فترات أطول، إذ اكتشف علماء البيئة وعلماء الأحياء التطورية بجامعة إيست أنجليا في مدينة نورويتش الإنكليزية، أنَّ الإجهاد الحراري يبدو مرتبطاً بمشكلات الخصوبة العابرة للأجيال.

هذا يعني أنَّ الكائنات الحية قد تحمل تأثيرات درجات الحرارة المرتفعة فترة طويلة بعد التعرُّض الأول لها، وذلك في صورة قِصَر أعمار الكائنات الحية، ومشكلات في التكاثر، وأنواع مختلفة من العيوب التي تنتقل إلى النسل.

وتقلل من قدرات الإنجاب

واكتشف العلماء أنَّ موجات الحر تُقوِّض إنتاج السائل المنوي وحيويته، وتتداخل أيضاً مع تحركاته داخل الإناث. واكتشفوا أيضاً أنَّ الحر الشديد «يُقلِّل من القدرة على الإنجاب والمدى العُمري للحيوانات المنوية للنسل إذا كانوا منحدرين من آباء أو حيوانات منوية تعرَّضت لموجات حر».

 

كيف قاموا بالتجربة على الحيوانات؟

استخدم الباحثون خنافس الطحين الحمراء لاختبار الحساسية تجاه درجات الحرارة لدى ذوات الدم البارد، وهي فصائل لا تُنظِّم درجة حرارة أجسادها ذاتياً، عكس ذوات الدم الحار مثل الإنسان. وأشارت الدراسة إلى أنَّ الثدييات ذوات الدم الحار هي المحور الأساسي للدراسة الحالية حول الاحترار وأثره في جودة الحيوان المنوي.
وشرعوا في سد هذه الفجوة، لكن مع إيجاد تطبيقات على البشر بالوقت نفسه. فمعظم الفصائل الأرضية هي من الحشرات، ومعظم أشكال الحياة على الأرض هي من ذوات الدم البارد، ما يجعل الاكتشافات مرتبطة على نحوٍ خاص، بمسألة علاقة التغيُّر المناخي بالتنوع البيولوجي. وكما أشار المؤلف الرئيسي ماثيو غيدج فيالمدونة التي نشرها مع الدراسة: «نعلم أنَّ أعداد الحشرات في تراجع كبير، لكنَّنا لا نفهم الكثير حول الآليات المعيَّنة التي تؤدي إلى قلة أعدادها».

موجات حر تجريبية

ولاختبار إحدى الآليات المحتملة، وهي التكاثر، عرَّض العلماء خنافس بالغة ناضجة لموجات حر تجريبية، استمرت 5 أيام، عند مستوى حرارة يصل إلى نحو 40 إلى 42 درجة مئوية، أو من 104 إلى 107.5 درجة فهرنهايت، وهذا يزيد على درجة حرارتهم المثالية بنحو 10 درجات. وكتب غيدج: «من الجدير بالذكر أنَّه جرى في السنوات الأخيرة تجاوز درجات الحرارة المثالية تلك بالبيئة الطبيعية الموجودة في نصف دول العالم». واقترن كل ذكر بأنثى 15 دقيقة، قبل أن يُنقَل إلى الشريكة التالية.

قلَّ الأداء التناسلي إلى النصف بعد موجة الحر الأولى. وبعد موجة ثانية، أصبح الذكور عقيمين تماماً تقريباً، الأمر الذي يتناقض مع نظريات التأقلم أو التَقَوِّي كردّ فعلٍ على الضغط البيئي.

في غضون ذلك، لم تتغير قدرات الإناث. مع ذلك، كانت الحيوانات المنوية المُلقَّحة داخل القنوات الأنثوية بالفعل عُرضة للحر المرتفع، وتسبَّبت في نقصٍ بخصوبة الأنثى بمقدار الثلث.

وقال غيدج لصحيفة Washington Post الأميركية، إنَّ الأمر الأكثر إثارة للدهشة كان التأثير الذي لاحظوه عبر الأجيال.

 

مشكلة لدى الأبناء بسبب تعرض الآباء للحرارة

فقال: «يشير هذا إلى إمكانية وجود مشكلة لدى الأبناء». وأضاف: «نعلم أنَّ الحر في البشر يمكن أن يدمر الحمض النووي بالحيوان المنوي، ونعلم أنَّ الرجال أصحاب الحيوانات المنوية ذات الحمض النووي المتضرر يعانون مشكلات في الخصوبة، لكن لا يمكنك أن تجري تجربة حقيقية وتزيد حرارة الذكور وتنتظر لترى ما إذا كان هذا سيضر بأداء النسل، لذا فهذه إحدى الطرق لمعرفة تأثير هذا الأمر».

وقال إنَّ النتائج تشير بالأساس إلى مشكلات في الخصوبة -كانت أوضح الآثار مرتبطة بالتنوع البيولوجي في الحشرات- ولكنَّ هناك دليلاً أيضاً على «وجود ضرر كامن طويل الأمد ينتج عن الحمض النووي المتضرر في الحيوانات المنوية».

وأضاف غيدج: «قد يكون هناك هذا النوع من الأضرار الذي يظهر كإحدى عواقب ظروف الحر، تقريباً بالطريقة نفسها التي يسبب بها الإشعاع الأضرار، التي بدورها قد تؤدي إلى مشكلات في النسل». وواصل: «أنت بصدد مشكلات محتملة مُتعلِّقة بقابلية السكان للاستمرار، وهذا يحتاج المزيد من الدراسة».

لكنَّ الدراسات أظهرت أنَّه حين يتعلق الأمر بالبشر، فلن تتأثر كل الجماعات السكانية بالقدر نفسه. فكبار السن أو محدودو الدخل أو غير القادرين على الحركة أو من يعانون مشكلات صحية سابقة أخرى أكثر عُرضة عن غيرهم.

وفي حين لا تُقدِّم نتائج التجربة استنتاجات عن استمرارية السكان، فإنَّها تُقدِّم نظرة إلى الكيفية التي تتفاعل بها سمة حساسة للغاية، وهي وظيفة الحيوان المنوي، مع موجات الحر، التي يقول العلماء إنَّها ستواصل كونها من بين الآثار الشديدة للتغيُّر العالمي للمناخ.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى