ركود صادم في أسواق دمشق .. ما علاقة انتخابات مجلس الشعب؟
تعيش أسواق العاصمة دمشق ركوداً غير مبرر منذ أكثر من أسبوعين، حيث انخفضت حركة البيع والشراء أكثر من 50% عن ما كانت عليه قبل أسابيع حيث كانت تنخفض تدريجياً عن المعتاد دون وضوح الأسباب بالنسبة إليهم، وذلك بالتزامن مع تكثيف غير مسبوق للحملات الانتخابية لمرشحي مجلس الشعب، وفق أصحاب محال تجارية.
وبينما تصدح الأغاني “الوطنية” من خيمة أحد المرشحين في إحدى حدائق مساكن برزة، تصدح أصوات أصحاب محال في المنطقة من قلة المبيعات التي تفاقمت خلال الأسبوعين الماضيين. ويقول بائع أجبان وألبان شهير هناك لموقع تلفزيون سوريا، إن الناس كانت تصطف يومياً بالعشرات أمام محله يومياً لشراء حاجياتها، لكنه منذ شهر بدأ يفقد زبائنه بالتدريج، وفي الأسبوعين الأخيرين فقد أكثر من نصف زبائنه لسبب مجهول، مشيراً إلى أن حركة البيع تراجعت ودفعته إلى تخفيض الكميات التي يشتريها من الموردين.
ويوضح قائلا “عندما يخفض بائع الأجبان والألبان وأمثاله من الكميات المستجرة يومياً لمحالهم، يخفّض بائعو الجملة كمياتهم، ثم يخفض المنتجون كمياتهم أيضاً، وهذا يؤدي إلى تفاقم الركود في الأسواق وارتفاع الأسعار لنقص الإنتاج”.
تراجع المبيعات بالنسبة للغذائيات لم يقتصر على الأجبان والألبان بل طال حتى الدجاج إذ وصل سعر كيلو الشرحات إلى 91 ألف ليرة لينخفض منذ يومين إلى 85 ألفا (يعزى ذلك لارتفاع درجات الحرارة لكنها ليست السبب الوحيد).
ويقول بائع دجاج في تلك المنطقة، لموقع تلفزيون سوريا “إن تشغيل المولدة يومياً بات منهكاً بظل تراجع المبيعات غير المعهود. الركود دفعني لإتلاف أكثر من 15 كغ من الدجاج في أحد الأيام، ولذلك قمت بخفض الكميات المعروضة بحيث أستطيع بيعها خلال اليوم”.
الركود طال أيضا الخضراوات والفواكه التي ارتفع سعرها بشكل ملحوظ في وقت تزيد فيه الكميات التي تتلف يومياً نتيجة لارتفاع درجات الحرارة، وهذه الكميات تتضاعف في حال الركود وتراجع البيع بحسب ما قاله بائعون بدمشق للموقع، مشيرين إلى أن الإقبال على شراء الفواكه الموسمية انخفض بنسبة تفوق 70% مع ارتفاع أسعار هذه الأصناف التي يتراوح سعرها بين 15 – 25 ألف ليرة.
حتى الأطباء والصيادلة الذين التقاهم الموقع اشتكوا من حالة ركود غير مسبوقة، ويضاف إليهم بائعو الملابس والمستلزمات المنزلية والكهربائية والمنظفات. لكن، رغم هذا الركود غير المعهود كانت هناك قطاعات منتعشة جداً وتعيش فترة ذهبية لم تشهدها من قبل بحسب من يعملون فيها، حتى إن أحد العاملين فيها وصف ما يحدث بأنه “رزق الهبل على المجانين”.
؟
الإعلانات والدعايات تنتعش
؟
وخلال الأسبوعين الماضيين، على الأقل، كانت ماكينات طباعة الصور لا تهدأ، الخطاطون، المصورون، مديرو صفحات “فيس بوك وإنستغرام”، كلهم يعملون لصالح مرشحي أعضاء مجلس الشعب، حتى إن الإذاعات السورية التي كانت تعاني تاريخياً من قلة الإعلانات، انتعشت بلقاءات وإعلانات لمرشحي المجلس سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
أحد العاملين بمجال التصميم والطباعة، أكد لموقع تلفزيون سوريا أن تجار وصناعيي دمشق أغدقوا المليارات على حملاتهم، مشيراً إلى أن حزب البعث لم يكن بعيداً عن الإنفاق الهائل الذي حدث هذا العام بشكل غير مبرر، وكأن الانتخابات هذه السنة ستكون بنتائج مختلفة. يشير هذا الشخص إلى أن ما يحدث وكأنه مراد له أن يحدث بهذه البهرجة لسبب ما، وربما يعود ذلك لسبب سياسي يظهر هذه الانتخابات مختلفة عن سابقاتها بشكل يوحي أن “المرحلة هذه مرحلة نوعية ومرحلة تغيير”.
يتقاطع حديث العامل بمجال التصميم والطباعة، مع حديث أحد المصورين بدمشق، الذي أكد أنه متعاقد مع أكثر من مرشح ويحصل منهم على عشرات ملايين الليرات لقاء عمله، مشيراً إلى أنه هناك إنفاق كبير جداً ويكاد يكون غير مدروس على حملات المرشحين من الصناعيين والتجار خاصةً وبعض الأسماء المعروفة في المجلس.
قد يبرر حديث العاملين بمجال الدعاية والتصوير حجم السيولة المسحوبة من السوق، وتوجيه كتلة نقدية ضخمة إلى الحملات الانتخابية وتوقف كثير من الإنتاج والتجارة لصالح الانتخابات فالإنفاق على الحملات ليس فقط من التجار والصناعيين بل من أغلب قطاعات المجتمع. “هذا أدى إلى نتائج كارثية في الأسواق رفعت الأسعار ومركزت السيولة وعرقلت الأعمال” بحسب الخبير الاقتصادي زاهر أبو فاضل.
؟
ما علاقة انتخابات مجلس الشعب بالركود؟
؟
يشير أبو فاضل إلى أن ما حدث مؤخراً دليل على أن الاقتصاد في سوريا هش جداً ولا يقوى على احتمال حدث اعتيادي كهذا حتى لو كان المطلوب هذا العام إظهار الانتخابات على أنها “عرس وطني غير مسبوق”، ليس من المفترض أن يتأثر سوق أي مدينة بمثل حدث كهذا، إلا أن سياسة حبس السيولة المتبعة من الحكومة في دمشق قللت المعروض منها ولذلك أي خلل بسيط في حركتها في السوق سوف تكون نتائجها كما لمس أصحاب المحال والمهن بدمشق,
يؤكد أبو فاضل أن المرشحين لم يقوموا فقط بتوجيه أموالهم للدعاية والإعلان والخيم الانتخابات والعراضات والحفلات اليومية، بل قاموا بتخصيص مبالغ ضخمة جداً لشراء الأصوات في يوم الانتخابات غير الأصوات التي اشتروها خلال الحملات، وهذه سيولة محبوسة حيث يتم شراء أصوات أحياء وقرى بالكامل بعض الأحيان.
وحددت اللجنة القضائية العليا للانتخابات الساعة السابعة من صباح اليوم الأحد موعد بدء الصمت الانتخابي، وتوقف الدعاية للمرشحين لانتخابات مجلس الشعب التابع للنظام الدور التشريعي الرابع، على أن تتم الانتخابات يوم الاثنين.
ويبلغ عدد مقاعد “مجلس الشعب” 250 مقعداً، يتنافس من أجل الوصول إليها 8953 مرشحاً، بينهم 1317 سيدة، انسحب منهم مؤخراً 7437 ليبقى 1516 شخصاً أغلبهم من أصحاب الثروات.