لماذا أحب السوريون أحمد الشرع؟ … انور القاسم

الفيلم الذي منعه حافظ الأسد يعود الى دمشق مرمما

لم يسجل لمسؤول سوري منذ 54 عاما أن يكون شفافا وصادقا ولطيفا ودبلوماسيا، كما ظهر قائد الإدارة الحالية في سوريا، أحمد الشرع، والذي أثار حديثه مع اليوتيوبر الأردني، جو حطاب تفاعلا جذابا ومثيرا.
الرجل تناول عودة دمشق لأهلها وعودة كل سوريا تدريجيا لأهلها.
وقال «يعني بحاول أُحسن الظن فبقول إنو في ناس صرلها سنوات عن تتثقف ضد الثورة وقبلها كمان في شي 35 سنة عم تتثقف ضد طائفة معينة، إن صح التعبير، إنه هدول إذا حكموا رح يدبحوا ورح يرموكم بالبحر.. الدعاية هي يلي كتير صرف عليها النظام انهارت خلال 11 يوما».
وفي سياق الحديث عن الثورة قال إنها انتهت بالتمرد، ورد الفعل، ومحاولات هدم نظام الأسد بأي طريقة، كل هذه الأمور انتهت، وأصبحت الوجهة اليوم نحو التأسيس والبناء، والمأسسة، وتفعيل أجهزة الدولة.
بمعنى أقرب وبلغة سهلة ومباشرة وواضحة تحدث الرجل عن الدولة التي يجب أن «نبني مؤسسات رقابية على الحكومة، كالبرلمان والقضاء، وهذه المؤسسات هي التي تدير مسائل التعامل مع الحكومة وأخطائها».
بينما كنا في الحالة الثورية لا نمتلك إلا ردود الأفعال على الحكومة، وخاصة على الـ«سوشيال ميديا» أو من خلال المظاهرات.
الرجل ابتعد عن الدعاية وعن التخوين وتصفية الحسابات والغدر، تناول مصطلح «التكويع» بشكل لطيف في سوريا، للإشارة إلى شخصيات كانت مؤيدة لنظام الأسد المخلوع وأصبحت بعد ذلك مؤيدة للثورة السورية بعد سقوط النظام.
هذا المقطع أثار تفاعلا واسعا على منصات التواصل الاجتماعي في ظل الجدل الكبير الدائر حوله بين السوريين.
أنصح من لم يشاهد هذا اللقاء بالاطلاع عليه للوقوف على شخصية الرجل الجدي، والذي يبدو أنه يساري في طروحاته أكثر منه راديكاليا، ومن المنطقي والإنصاف أن نحسن الظن فيه، حتى نرى العكس. فالثورة السورية انتهت وبدأنا مرحلة بناء الدولة.

السينما السورية والبطل الخُلبي المطلق

بعد 14 عاما يعود المخرج السوري الكبير أسامة محمد ليعرض عمله القديم الممنوع من العرض في دمشق الجديدة، وفي صالون دمشق السّينمائي ويطالب المشاهدين في إعلان كبير بمشاهدة فيلم «نجوم النّهار» (1988) في نسخته المرمّمة، حيث مدة العرض 105 دقائق.
يقال إن حافظ الأسد شاهد هذا الفيلم قبل عرضه العام، فابتسم، ولم يعرف أحد إن كان ذلك رضاً أم غضباً. فارتأى الرقيب منع الفيلم كي لا تقتله ابتسامة الوحش. سنشاهد هذه التحفة السينمائية دون ظل الأسد الثقيل، ودون رأسه الكبير أيضاً. دعونا ندع التعب جانباً وتعالوا نضحك طويلاً على آل الأسد! ملخّص الفيلم: خلال تخطيط حفل زفاف مضاعف في ضيعة في جبال السّاحل السّوري، التي كان من المفترض أن تربط طقوس كهذه أفراد الأسرة معًا في فرحة مشتركة، إلّا أنّ التّفكّك الحتمي للأسرة يكشف عن القمع الأبوي في العائلة من قبل الأخ الأكبر، والصلات الرهيبة بين العنف الأسري والاجتماعي والسياسي. «نجوم النّهار» هو باكورة أفلام المخرج أسامة محمّد، وقد تم منع الفيلم من العروض الجماهيرية من قبل حافظ الأسد، وتمّ عرضه في عدد من المهرجانات، مثل مهرجان كان السّينمائي في فقرة أسبوع المخرجين، وحصد الجائزة الذّهبية في مهرجان فالنسيا ومهرجان الرّباط وفي مهرجان قرطاج حصل على جائزة أفضل مونتاج.
ويروي العمل – الذي يعد أول فيلم سوري طويل ناطق بلهجة الطائفة العلوية التي ينتمي إليها آل الأسد – قصة عائلتين ريفيتين اتفقتا على ما يسمى «زواج المقايضة»، وتدور أحداث الفيلم في إحدى القرى العلوية، وهي البيئة التي ينتمي المخرج إليها.
ويقدم نقدا اجتماعيا وسياسيا للسلطة عبر تحليل طبيعة علاقة النظام في مجتمع الريف في الساحل السوري. تمّ ترميم هذا الفيلم بواسطة مشروع السينما العالمية لمؤسسة الفيلم ومختبر «سينيتكا دي بولونيا» في ليمّاجيني ريتروفاتا، بالتعاون مع المخرج أسامة محمد، وتمويل مقدم من مؤسسة عائلة هوبسون/لوكاس. تعمد هذا النظام منع إنتاج أفلام ومسلسلات وطنية يتعلق بمحاولة عائلة الأسد بناء تاريخ شخصي يصورهما كبطلين وحيدين في البلاد، ونجحا الى حد كبير في ذلك.
يتذكر السوريون جيدا أن «الأسد» الأب والابن همّشا تاريخ الآباء المؤسسين للدولة الوطنية السورية في مرحلة ما بعد الاحتلال الفرنسي لسوريا (1920- 1946)، وركزا على أن كل شيء في سوريا باعتباره مجدًا شخصيًا، لذا اتخذ تسجيل التاريخ الفني طابعًا قمعيا آخر.
كما سعى الرئيسان لعدم خلق بطولات شعبية في ذاكرة السوريين، إذ تلعب الأفلام والمسلسلات دورًا كبيرًا في هذا الشأن، ومن عادة مشاهدي الأفلام والمسلسلات أن تتحول الشخصيات الدرامية لديهم إلى أبطال شعبيين، لذا لو أراد الأسد والنظام السوري صناعة أعمال فنية عن بطولات السوريين في المعارك لكان بإمكانهم فعل ذلك، إلا أن الأسد أراد أن تكون البطولة شخصية وحصرية له.
وكلنا نذكر أن الفنانين المصريين احتفوا بانتصار الجيش المصري، عبر إنتاج أفلام ومسلسلات وأغان وطنية لا حصر لها، والتي تضمن الكثير منها مشاهد عسكرية صورها مخرجون مصريون من الميدان، وناقشت تفاصيل الحرب مع إسرائيل منذ الاستنزاف بعد عام 1967 وصولاً إلى تشرين الأول/أكتوبر وشن الهجوم، لكن هذا عكس تماما ما حصل في سوريا طوال هذه السنوات.
وقد خلت السينما السورية من أفلام روائية تحدثت مثلا عن حرب تشرين الأول/أكتوبر، ما عدا عدد قليل جدا، نذكر منها فيلم واحد هو فيلم «عواء الذئب»، الذي أخرجه شكيب غنام عن قصة حقيقية جرت في منطقة الزبداني في ريف دمشق.
ولطالما غابت الأعمال الوطنية السورية الحقيقية وكانت شحيحة، وغيابها يعتبر تقصيرا وإجحافا بحق هذا البلد.
تتعدد الأسباب التي غيبت الأعمال الفنية السورية عن تناول الحرب والمعارك، تتعلق بالظروف السياسية التي مرت بها سوريا، وكذلك وجهة نظر النظام السوري عن السوريين واستغلال الآلة الإعلامية في هذا الشأن، بالإضافة إلى عدم تحقيق القوات السورية حينها لنصر حقيقي على الأرض.
وغياب إنتاج أفلام ومسلسلات عن حرب تشرين الأول/أكتوبر خلال عهد حافظ الأسد يتعلق بمحاولة الأخير بناء تاريخ شخصي يصوره كبطل وحيد في البلاد.
ومن جهة أخرى، فإن الأسد سعى لعدم خلق بطولات شعبية في ذاكرة السوريين، إذ تلعب الأفلام والمسلسلات دورًا كبيرًا في هذا الشأن، ومن عادة مشاهدي الأفلام والمسلسلات أن تتحول الشخصيات الدرامية لديهم إلى أبطال شعبيين.
الآن فقط نرى في شباب سوريا الذين يعودون كيف أصبح غالبيتهم أبطالا شعبيين، تغطي شهرتهم على ما فعله نظام الأسد طوال 54 عاما، نعم إنها مرآة حقيقة أن الشمس لا يمكن تغطيتها بغربال!
نحن في حاجة الى إعادة كتابة التاريخ الفني والثقافي لسوريا وشعبها، تماما كما نعيد كتابة التاريخ السياسي والوطني لأعظم وأجمل البلاد.

كاتب من أسرة «القدس العربي»

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى