بين التنظيم والرقابة.. سوريا تُنشئ “مكتب سوشيال ميديا” لضبط الإعلانات الرقمية

في خطوة تعكس اتجاهاً إقليمياً متزايداً لتنظيم الفضاء الرقمي، أصدر وزير الإعلام في الحكومة السورية ، حمزة المصطفى، قراراً يقضي باستحداث “مكتب السوشيال ميديا” ضمن المؤسسة العربية للإعلان، ليكون مسؤولاً عن متابعة وترخيص المحتوى الإعلاني عبر منصات التواصل الاجتماعي.
مهام واضحة ونطاق غامض
وفقاً للقرار، سيتولى المكتب الجديد، الذي يتبع إدارياً للمدير العام للمؤسسة، المهام التالية:
  • متابعة المحتوى الإعلاني المنشور عبر منصات التواصل الاجتماعي.
  • منح الموافقات والتراخيص اللازمة للوسائل الجديدة التي تمارس النشاط الإعلاني.
  • رصد المخالفات وإحالتها إلى الجهات المختصة لاتخاذ الإجراءات اللازمة.
  • إعداد تقارير دورية عن نشاطه بالتنسيق مع إدارات الوزارة.
ورغم وضوح هذه المهام، يكتنف القرار غموض كبير حول نطاق تطبيقه. فلم يحدد بدقة ما إذا كانت صلاحياته ستشمل الإعلانات الممولة مباشرة عبر المنصات (مثل إعلانات فيسبوك وإنستغرام)، أم ستقتصر على الإعلانات الترويجية التي ينشرها “المؤثرون” عبر صفحاتهم مقابل مبالغ مالية.
كما لم يوضح القرار تعريف “المخالفات” التي تستوجب العقوبة، ولا طبيعة هذه العقوبات، مما يترك الباب مفتوحاً أمام تفسيرات واسعة قد تمتد من العمل دون ترخيص إلى نشر محتوى يخالف معايير الوزارة أو قوانين نافذة مثل قانون الجرائم المعلوماتية.
يأتي القرار ضمن صلاحيات المؤسسة العربية للإعلان التي تنظم سوق الإعلانات تاريخياً. ورغم أن تعليمات وزارة الإعلام السابقة تلزم أي جهة تمارس نشاطاً إعلانياً رقمياً بالحصول على ترخيص، إلا أنه لم تصدر حتى الآن لائحة تنفيذية واضحة تحدد معايير المحتوى الإعلاني الرقمي، أو شروط الإفصاح عن العلاقة التجارية، أو الوسوم الإلزامية للإعلانات. وهذا يجعل القرار الجديد بحاجة ماسة إلى لوائح مكملة تحدد بدقة نطاقه وصلاحياته.
أبعاد مالية وضريبية محتملة
يرى مراقبون أن القرار قد يحمل أبعاداً مالية، حيث يمكن أن يكون مدخلاً لضبط المبالغ التي تُدفع مقابل الإعلانات الرقمية، واعتبارها أعمالاً تجارية تخضع للتصريح الرسمي وربما للتحصيل الضريبي. ويكتسب هذا الاحتمال أهمية في ظل التوسع الكبير لسوق إعلانات “السوشيال ميديا” وغياب آليات واضحة لإدراجه ضمن النظام الضريبي.
تأتي هذه الخطوة السورية في سياق اتجاه إقليمي سائد. ففي الإمارات، يشترط المجلس الوطني للإعلام الحصول على ترخيص لنشر أي محتوى إعلاني. وفي السعودية، ألزمت هيئة الإعلام المرئي والمسموع المؤثرين بالحصول على رخصة “موثوق”. أما في مصر، فيخضع الإعلان الرقمي لرقابة المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام ضمن منظومة تراخيص وقواعد محددة.
ويبقى السؤال الأبرز في سوريا: هل الهدف هو تنظيم السوق وحماية المستهلك، أم أن القرار يمثل مدخلاً لتوسيع الرقابة على محتوى وسائل التواصل الاجتماعي تحت غطاء الإشراف الإعلاني؟ الإجابة ستتضح مع صدور اللوائح التنفيذية التي ستحدد التوازن بين متطلبات تنظيم السوق وضمان حرية التعبير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى