مهاجر سوري آخر في ليبيا يروي معاناته مع عصابات التهريب ومراكز الاحتجاز. هذا المهاجر روى لمهاجر نيوز كيف أن سوريا آخر، يعمل لدى أحد المهربين في الزاوية، أقنعه بالهجرة وبسهولة الوصول إلى أوروبا، لكن في الواقع كان يعد له مكيدة ليقع بين أيدي العصابة ويتعرض للسرقة دون أن يكون لديه أي مجال للمطالبة بحقه.

مهاجر سوري في ليبيا روى لمهاجر نيوز أجزاء من قصته مع الهجرة، من لحظة مغادرته قريته إلى أن وصل إلى البلد الذي سيحقق من خلاله حلم الوصول إلى أوروبا.

الشاب الذي سنتحفظ عن ذكر هويته لأسباب تتعلق بسلامته الشخصية في ليبيا، أورد أن أكثر من 200 شاب سوري آخر، من المنطقة نفسها التي يأتي منها في سوريا، متواجدون في ليبيا حاليا، ويخضعون لأبشع أنواع الابتزاز والتعذيب من قبل عصابات المهربين وميليشيات عدة، من أجل أن يدفعوا الأموال مقابل حريتهم.

المهاجر أورد في شهادته معلومات عن سوريين يعملون مع عصابات التهريب، مهمتهم استدراج الشبان من سوريا وإيهامهم بأنهم يمكنهم إيصالهم إلى أوروبا مقابل مبالغ مالية. كما ذكر أسماء هؤلاء المهربين ووظائفهم ضمن شبكة التهريب التي وقع هو شخصيا ضحيتها، وبات عالقا الآن في ليبيا بسببها.

“سوري تواصل معنا وأقنعنا بالسفر”

تواصلنا مع شخص سوري في ليبيا، جميعنا في القرية نعرفه، فهو ابن قرية أخرى مجاورة. قال لنا إن الهجرة مضمونة من ليبيا، وإنه جاهز لمرافقتنا خلال كافة الخطوات إلى أن نستقل القارب المضمون وصوله إلى أوروبا. الأوضاع العامة في سوريا والفقر دفعاني، كما الكثيرين غيري، لتصديق تلك الصورة الوردية، وما الذي كان سيقنعنا بالعكس، فالشخص معروف لدى معظم أهالي القرية، وهو سوري، ومن غير المعقول أن يغدر بأبناء بلده ومنطقته.

وصلنا إلى مطار بنغازي، شخص ليبي أخذنا من منطقة الوصول مباشرة إلى خارج المطار. ركبنا حافلة وتوجه بنا إلى المهرب. هناك التقينا بالمهرب وبشخصين سوريين يعملان معه. الحديث كان بسيطا، تأكيداتهم حول جدية عملهم ونسبة نجاح الرحلات التي يقومون بها أوحوا لنا بأننا في المكان الصحيح. دفع كل منا ألفي دولار أمريكي مقابل الرحلة.

مرت الأيام دون أي تغيير يذكر. كنا كلما ذهبنا لنراجع المهرب بشأن موعد السفر، كان أحد العاملين السوريين لديه يجيبنا بأن “الأمور تمام” وأنه علينا الانتظار.

في أحد الأيام، وبعد أن طال بنا الانتظار، توجهنا للقاء المهرب شخصيا. لم يحتمل أسئلتنا، ضرب أحد الشبان بآلة حادة على رأسه، تفاجأنا بأن السوريين اللذين يعملان مع المهرب رفعا الأسلحة بوجوهنا وأمرونا بالتوجه إلى خارج المكتب.

أخذونا إلى حوش مجاور، طبعا طوال الفترة القادمة كنا نتنقل بين الأحواش إلى أن يحين موعد سفرنا. كانوا يعاملونا بالكثير من قلة الاحترام، الشتائم والضرب كانا سيدا العلاقة بيننا، وكنت في كل مرة أشعر بالغصة كوني ألقى هذه المعاملة في الغربة على أيدي أبناء بلدي ومنطقتي.

كانوا يستغلون المهاجرين المحجوزين لديهم بأعمال البناء وغيرها. لم يسلم أحد منهم، ولا حتى كبار السن. رأيت أحدهم مرة يصفع امرأة كبيرة بالسن. تصرفاتهم الإجرامية بثت الخوف في نفوسنا جميعا. الهرب من هناك كان صعبا للغاية، فتلك الأحواش كانت بعيدة عن المدينة، وكان كل حوش يحرسه عدد من المسلحين التشاديين.

من القارب إلى السجن إلى المهرب من جديد

عندما حان موعد سفري، استقليت ونحو 275 سوري معظمهم من درعا والقنيطرة، ونحو 200 من جنسيات أخرى، قاربا ضخما يطلقون عليه اسم “الجرافة”. بعد خروجنا بساعات قليلة لحقت بنا دورية لخفر السواحل وأعادتنا إلى مدينة الزاوية. تم إيداعي والآخرين سجن الزاوية، وكان على كل منا دفع مبلغ 850 دولار أمريكي مقابل إطلاق سراحه. أنا وبضعة آخرين تمكنا من تدبر أمورنا ودفع المبلغ، لكن الآخرين مازالوا عالقين هناك في ظروف سيئة للغاية. منهم من يعاني من أمراض جلدية، وآخرون أصيبوا بداء القلب والضغط. بينهم عائلات وأطفال.

كما أن هناك شبان سوريين مازالوا رهائن لدى المهرب، لم يؤمن لهم رحلات بعد، ويستغلهم بأعمال السخرة لمصالحه الخاصة.

بعد خروجي من السجن توجهت للمهرب لأسأل عما علي فعله لاحقا، استقبلني بضربة بآلة حادة على عيني، أفقدتني جزءا من بصري.

أنا الآن في طرابلس، لا مال لدي ولا أعلم إلى أين أتوجه. أريد أن أخرج بالبحر إلى أوروبا ولكن كيف ومتى؟ لا أعلم. قد تكون هذه التجربة من أقسى ما مر علي في حياتي، لكن أسوأ ما فيها كان التعرض للضرب والإهانة والسرقة على أيدي أشخاص سوريين، كان من المفترض أن يكونوا سندا لأمثالي في الغربة، لكنهم كغيرهم من العصابات، أعماهم المال وغرّتهم القوة.