“عودة طوعية” بالإجبار.. ! كيف تبدو مراكز ترحيل السوريين في تركيا؟
في مطلع أيار/ مايو 2024، أوقفت دورية شرطة تركية الشاب السوري باسل في إسطنبول، ليجد باسل نفسه بعد أقل من شهر في مصر، لكن الأمر لم يكن بهذه السهولة، إذ يقول إنه تعرض باسل للتعذيب والإهانات في مراكز الاحتجاز التركية المعدة لترحيل السوريين في تركيا. فكيف تبدو هذه المراكز؟
منذ عام 2017، ومع دفعة الباصات الخضراء التي حملت المهجرين السوريين من غوطة دمشق إلى الشمال السوري، وصل الشاب السوري باسل إلى إدلب شمال غرب سوريا.
لكن باسل، الشاب الثلاثيني، وهو رسام وعازف كمان، تابع طريقه إلى تركيا تهريبًا، لصعوبة الاستمرار في الحياة مع الفصائل الإسلامية في الشمال السوري بالنسبة له.
وصل الشاب السوري إلى إسطنبول وبدأ العمل بتصميم الغرافيك، ولكي يحصل على إقامة رسمية تقدم بطلب الحصول على إقامة إنسانية في تركيا، لكن طلبه رُفض وأعطته الحكومة بدلًا من ذلك ورقة إثبات هوية.
يقول باسل لـ”مهاجر نيوز”: “عندما وصلت إلى إسطنبول حاولت الحصول على إقامة إنسانية، وأنا أعلم أني أستحقها، بسبب وضعي، لكن طلبي رفض، وأعطوني ورقة من إدارة الهجرة، غير معترف بها في تركيا، حتى أن الشرطة إذا أوقفتك عادةً ما تقوم بتمزيق هذه الورقة، وتعتبرك مخالف مباشرةً”.
مؤخرًا بدأت الحكومة التركية تقلل منح الإقامات الإنسانية للسوريين، واستعاضت عنها بمنح “الحماية المؤقتة” هي ورقة أصدرت أواخر 2011 من الحكومة التركية، وتفيد بأن حاملها هو “مواطن سوري، وليس لاجئ، وسيتم إعادته إلى بلده في حال انتهت الحرب”.
وبحسب ما يقول باسل فإن الهدف هو فقط تعداد السوريين داخل تركيا عبر هذه الأوراق الصادرة عن إدارة الهجرة، لحصر عددهم. ويضيف لـ”مهاجر نيوز”: “أعتقد أن الحكومة التركية تريد فقط أن تبين عدد السوريين لتتمكن من الحصول على مساعدات من أوروبا، إذ تتسلم تركيا على كل 3 أو 4 ملايين شخص لديه حماية مؤقتة، ما يعادل مليون دولار من الاتحاد الأوروبي”.
؟
العيش مخالفًا في تركيا
؟
لم يحصل باسل حتى على حماية مؤقتة، ولا إقامة لجوء، لذلك بقي يعيش مخالفًا في تركيا لسنوات، نظرًا لكونه لم يتمكن من المغادرة إلى أي مكان آخر، لذلك في أحد أيام أيار/ مايو وبينما كان يستقل الباص عائدًا إلى منزله مع زوجته، أوقفه 6 عناصر شرطة أمام آلة قطع التذاكر، وطلبوا منه أوراقه.
كان باسل يحمل جواز سفر سوري مستصدر حديثًا من القنصلية السورية في إسطنبول، لكن رجال الشرطة أتهموه بالتزوير، وقالوا إن جواز سفره غير رسمي.
ويقول لـ”مهاجر نيوز”: “لم تكن تلك المرة الأولى التي يتم إيقافي، وعادةً ما أتمكن من الإفلات من الشرطة، فهذا اصبح تخصصنا نحن السوريين في تركيا، لكن هذه المرة كان الجدل حول تزوير وثائقي، لذلك بعد جدال طويل، لم يقتنع عناصر الشرطة وقاموا بتكبيل يدي واقتادوني إلى المخفر بتهمة التزوير لا مخالفة أوراق الإقامة، وقالوا لي إنهم لم يقتنعوا بأن شكلي سوري، لأن شعري طويل ولباسي عصري”.
؟
؟
ويتابع باسل: “بعد نصف ساعة من وصولي للمخفر، أتى مفوض عسكري رأى ملفي، وقال للعناصر بالمخفر، إذا كان سورياً فلنرحله إذًا، لم يوجهوا لي أي كلام، فقط بدؤوا يضربوني بالهراوات دون سبب، وأخذوا كل ممتلكاتي وهاتفي وكل شي وانا مقيد، ثم وضعوني بباص، انتظرت لمدة ساعة ونصف وتحرك الباص بعدها باتجاه مركز “أرناؤوط كوي”، المخصص لترحيل السوريين قرب إسطنبول، دون تهمة أو سؤال، أو أي شيء، فقط قالوا: أنت مخالف ليس لديك حماية مؤقتة، لذلك يجب ترحيلك”.
ويضيف باسل لـ”مهاجر نيوز”: “الأمر ليس بهذه البساطة، أنت مخالف سترحل، الموضوع يتعلق بحياة شخص سيعيدونه إلى المجهول، يمكن إعادة إرسالك لمناطق نزاع وتواجد جبهة نصرة حتى ينفذوا أيديولوجيتهم، التهجير ليس له أي مبرر، أنا مخالفتي إدارية، فليحاكموني إداريًا، وأقوم بعدها بتسوية وضعي، لكن في تركيا ليس هناك حقوق إنسان”.
؟
داخل أسوار “أرناؤوط كوي”
؟
حتى 20 تموز/ يوليو 2024، تم ترحيل 3540 سورياً يحملون بطاقة الحماية المؤقتة باتجاه شمال سوريا، وذلك بعد أن رحّلت تركيا أيضًا 840 لاجئاً في ذلك الشهر.
بينما احتجزت السلطات التركية بشكل قسري أكثر من 125 عائلة سورية، بينهم أطفال وسيدات، في مراكز الترحيل بولاية قيصري بتركيا، تمهيداً لترحيلهم إلى داخل الأراضي السورية، وجاء ذلك بعد أن رحّلت مؤخراً 120 سورياً عبر المعابر الحدودية باتجاه الشمال السوري، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وبحسب المرصد أيضًا رحلت تركيا عبر البوابات الحدودية أكثر من 100 سوري بشكل قسري يوميًا، غالبيتهم ممن يحملون البطاقة التركية (كيملك)، “بهدف توطينهم في المناطق التي تخضع لسيطرتها في مناطق درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام؛ لشرعنة وجودها في المناطق التي سيطرت عليها بفعل العمليات العسكرية”.
في تلك الليلة وصل باسل إلى مركز “أرناؤوط كوي”، القريب من إسطنبول والمخصص للترحيل، بقي هناك 48 ساعة، وكان هناك المئات، جميعهم لم يتمكنوا من النوم ولم يحصلوا على طعام، بحسب ما يروي باسل لـ”مهاجر نيوز”، ويوضح بالقول: “المركز عبارة عن ساحة قطرها 4 كلم، ومحاطة بكرافانات غير مهيئة للسكن البشري، أو حتى لسكن الحيوانات بداخلها أشياء غريبة، يضعون الناس فيها، وفي خارج هذه الساحة هناك مركز إداري، كل بضعة ساعات، يأخذون مجموعة من الناس المحتجزين بالمكان، إلى المركز الإداري، وهناك يقومون بتسجيل بيانات الناس مرة أخرى ويجبرون الناس على التوقيع على أوراق تقول إنهم يريدون العودة طوعًا إلى سوريا.. الناس غالبًا لا تعرف غالبًا على ماذا توقع!”.
؟
؟
لا يمكنك إجراء أي اتصال داخل المركز، الذي يعتبر الخطوة التي تسبق الانتقال لمركز الترحيل النهائي، وبحسب باسل، فإنه في هذا المركز يتم إعداد الملف للترحيل، وإرفاق الأسباب لذلك، كتوجيه تهم الإرهاب، أو تهديد الأمن القومي التركي.
“ممنوع الاتصال، لا هاتف، حتى إذا طلب شخص الذهاب للحمام يضربونه، قبل أن يسمعوا ماذا يريد، هناك أشخاص مرضى، هناك عائلات كانت آتية من منازلها بثياب النوم”، يقول باسل لـ”مهاجر نيوز” ويتابع: “كانت معي عائلة مؤلفة من أب وأم و3 أطفال بثياب النوم، 11 يوم على هذا الحالة.. لا يوجد حمامات نظيفة، الحمامات مجرد حفرة غير مهيئة، يصيبك المرض إذا استخدمتها، الناس تبقى هناك أحيانًا 20 او 25 يوماً دون استحمام”.
ويشير باسل إلى أنه التقى بأشخاص في المركز ليس لديهم أي مخالفات، وأوراقهم نظامية، مثل الأشخاص الذين أتوا إلى إسطنبول من مناطق الزلزال، إذ سمحت الحكومة للناس المتضررة بالانتقال استثنائيًا، نظرًا لأن القانون يمنع تغيير الولاية للسوريين دون إذن، لذلك انتقل بعض الأشخاص إلى إسطنبول، ووضعهم قانوني لكن تم الإمساك بهم بحجة المخالفة.
ويشرح أيضًا: “كل 3 أو 4 ساعات، يأتي شرطي ومعه لائحة أسماء، يتلوها لينقل الناس إلى أحد جهتين، إما مركز الترحيل النهائي، والغالبية تنقل إليه، أو لمركز آخر، للذين سيعاد النظر بوضعهم، حيث ينقلون إلى مركز تابع للأمم المتحدة”.
؟
“أنت لا تشبه السوريين”
؟
عند سوق الناس للتوقيع على أوراق العودة الطوعية، يتم ضربهم إذا رفضوا أو حاولوا الاستفسار، فعدم التوقيع “ليس خيارًا” كما يؤكد باسل، ويقول: “هناك جنود، إذا لم يوقع الشخص يضربونه حتى يقوم بذلك، لكني لم أوقع”.
ويشرح أسبابه: “قبل أخذي للتوقيع تمكنت من إجراء اتصال مع زوجتي، التي أخبرتني أنها وكلت محامية لي، وأن المحامية تؤكد لي ألا أوقع على أي شيء مهما تعرضت للضرب أو التعذيب، وأن المحامية تحاول استصدار فيزا لي للسفر إلى دبي”.
لكن في المركز أخبر الضابط باسل بان أمر ترحيله قد صدر، وسيُرسل إلى إدلب، لكن الضابط تعاطف معه قليلًا، خاصة عندما عرف أنه رسام وموسيقي، ولديه محامية.
ويعلق باسل: “حتى هذا التعاطف كان عنصريًا، تعاطف معي لأن شكلي مختلف ربما، قال لي أنا لا أشبه السوريين، وهذه عنصرية مبطنة”.
قرر الضابط إرسال باسل إلى المركز التابع للأمم المتحدة لا مركز الترحيل النهائي، ريثما تتمكن محاميته من إخراجه إلى دبي، كما أعاد له بعض ملابسه، لكن بقي الهاتف لديهم.
؟
“مراقب حتى الطائرة”
؟
“كان عددنا 46 شخصاً، لكني كنت الشخص الوحيد الذي عبرت لمركز الأمم المتحدة، الباقي ذهبوا لمركز الترحيل النهائي، ربما لأني عينت محامية وبالتالي، من الممكن أن ارفع دعوى ضدهم، وأن أشكل خطراً عليهم، أغلب الناس لا تعرف ذلك، او ليس لديها إمكانية لذلك، والغالبية تخاف، أنا أعذر الناس، فالإرهاب الذي يتعرضون له كأنه مثيله في أحد الافرع الأمنية في سوريا”، يقول باسل.
في داخل مركز الأمم المتحدة، يتم التعامل مع الشخص كأنه خارج الأراضي التركية، رغم أن هذا المركز لا يزال يقع داخل إسطنبول، بالمنطقة الأوروبية.
ويقول باسل لـ”مهاجر نيوز”: “هذا المركز يعتبر VIP بالنسبة للمركز السابق، الحرس من الأمم المتحدة ليسوا اتراك، وهناك أماكن إقامة في كرفانات مهيئة، هي نفسها التي أرسلت كمساعدات دولية وقت الزلزال، لذلك هي مهيئة نسبياً لعيش الناس فيها حمام ودوش وسرير”.
بقي باسل في هذا المركز لمدة 18 يوم، تواصل خلالها مع محاميته، التي أخبرته أن الفيزا جاهزة، لكن السلطات التركية ترفض الإفراج عنه، وتصر على ترحيله إلى سوريا، وبعد عدة محاولات ودفع العديد من المبالغ الطائلة، تم السماح له بالمغادرة، رافقه شرطيان أو عنصرا أمن، وعندما وصل للمطار، قام العنصرين بتغيير ملابسهما للباس المدني، واخبروه انه سيبقى تحت المراقبة، حتى صعود الطائرة.
ويشير باسل إلى أن الناس بهذا المركز جميعهم غير مخالفين، كلهم أوراقهم نظامية، كان هو الشخص المخالف الوحيد، لكن الباقي كانت لديهم أوراق نظامية، إقامة سياحية او أذن عمل، أو “كملك هاتاي”، “كان هناك مواطن سوري احتجز وقد أتى من اندونيسيا بداعي سياحة لزيارة والدته، لا يعرف شيء، هو مجرد سائح.”
؟
؟
“أوروبا هي المسؤول”
؟
في 17 تموز/ يوليو طالبت منظمات مجتمع مدني سورية الاتحاد الأوروبي بإيقاف تمويل ودعم انتهاكات حقوق اللاجئين السوريين في تركيا، وأعربت المنظمات عن مخاوفها البالغة بخصوص الارتفاع الحاد في المشاعر المعادية للاجئين السوريين في تركيا وما يصاحبها من أعمال عنف ضدهم.
وأضاف بيان المنظمات: “جُلُّ ما فعله الاتحاد الأوروبي- الذي دعم تركيا مالياً في إطار مساعيه الرامية إلى الاستعانة بأطراف خارجية لصد اللاجئين- هو غض الطرف عن التصرفات التي نفذتها الحكومة التركية والمدنيّون. وردّا على التصعيد الأخير والخطير في التصرفات المعادية للاجئين السوريين في تركيا، تدعو المنظماتُ الموقعة الاتحادَ الأوروبي إلى التحرك السريع لحماية حقوق اللاجئين السوريين عن طريق اعتماد التوصيات المبيَّنة أدناه”.
بينما وقع على البيان المنظمات التالية: “بيتنا، الخدمة الدولية من أجل حقوق الإنسان، منظمة العدالة من أجل الحياة، المركز السوري للعدالة والمساءلة، المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، أورنامو لحقوق الإنسان”.
ولفت البيان إلى أن “عملياتُ الإعادة القسرية هذه تنتهك مبدأَ عدم الإعادة القسرية الراسخ في المعاهدات الدولية التي وافقت عليها تركيا، ومن بينها اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة؛ العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية؛ والاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان. ولأن مبدأ عدم الإعادة القسرية يُعَدُّ قانونا دوليا عرفيا، فهو مُلزم حتى لتركيا رغم أنه مقيّد جغرافيا بإطار اتفاقية جنيف لعام 1951. وإضافة إلى انتهاك مبدأ عدم الإعادة القسرية، تهدد عمليات الترحيل هذه حقوقا أساسية أخرى مثل الحق في وحدة الأسرة، إذ ظهرت حالات أعادت فيها السلطاتُ التركية قسرا إلى سوريا فردا واحدا فقط من أفراد الأسرة، وغالبا ما كان أحد الوالدين”.
بعد دبي وصل باسل إلى مصر، حيث سافرت إلى هناك زوجته أيضًا محاولًا بدء حياةٍ جديدة في بلدٍ جديد، على أمل ألا يتم ترحيله أيضًا.
راما الجرمقاني-مهاجر نيوز