
فادي صقر يتنصّل من دماء “التضامن”: تبييض مفضوح أم اختبار للدولة؟
خرج فادي صقر، أحد الوجوه البارزة في جهاز القمع الدمشقي، ليدافع عن نفسه عقب الضجة التي أثارتها صحيفة “ذي غارديان” بعد كشفها تفاصيل مجزرة “حي التضامن”. وفي تصريحات نقلتها عنه “نيويورك تايمز”، سارع صقر إلى نفي أي تورط له، زاعماً أن تعيينه في موقعه جاء بعد وقوع المجزرة، وأنه لم يحظَ بأي عفو رسمي، بل “تم التعامل معه بشفافية”، بحسب وصفه. وأضاف متحدياً: “لو كانت الداخلية تملك دليلاً ضدي، لما كنت في منصبي اليوم”.
لكن صقر، الذي عرض استعداده للمثول أمام القضاء “إذا جرت المحاكمة بشكل سليم”، لم يوضح ما الذي يعنيه بـ”السليم” تحديداً. هل يشترط محكمة صورية على غرار تلك التي باركت جرائم النظام لعقد من الزمن؟ أم يقصد منظومة عدلية مصمّمة لإنتاج البراءة لا العدالة؟
وفي محاولة منه للعب على وتر “الوحدة الوطنية”، ذهب صقر أبعد من ذلك، قائلاً إن خلفيته العلوية وموقعه كقائد ميليشيا موالية، أكسباه مصداقية خاصة في إقناع أنصار النظام بعدم التخلي عن الحكومة السورية الجديدة.
محاولة فاشلة لإعادة تدوير القتَلة
تصريحات صقر ليست مجرد دفاع عن النفس، بل جزء من عملية تبييض مفضوحة لصفحة شخصية كانت شريكاً فاعلاً في ماكينة القتل الجماعي التي أدارتها أجهزة النظام لعقدٍ ونيف. الرجل الذي قاد ميليشيا “الدفاع الوطني” في أحياء دمشق وريفها، لم يكن مراقباً من بعيد، بل جزءاً من منظومة مارست القتل الطائفي الممنهج.
المجزرة التي وثّقتها الكاميرات في “حي التضامن” لم تكن حدثاً استثنائياً، بل واحدة من عشرات، إن لم نقل مئات، المجازر التي تم تنفيذها في الظل. الفرق الوحيد أن الكاميرا كانت حاضرة هناك، لتوثّق، بالصوت والصورة، لحظة الانهيار الأخلاقي الكامل للدولة الأمنية.
أن يُقدَّم فادي صقر كـ”مؤشر على التعايش” هو استهانة بدماء الضحايا، واستهزاء بمفهوم العدالة. السؤال الحقيقي ليس عن أهلية صقر السياسية، بل عن أهلية الدولة الناشئة: هل ستسمح بإعادة تدوير القتَلة؟ أم ستبدأ بامتحان صدقيتها من بوابة المحاسبة؟
إذا أرادت الدولة الجديدة أن تُقنع السوريين بأنها تسير فعلاً في اتجاه جديد، فعليها أن تبدأ من هنا: هل يُحاكَم المتورطون، أم يُمنحون مواقع جديدة ليعيدوا إنتاج خطاب القمع بلباس “الوحدة الوطنية”؟


