من درعا إلى دمشق ثم إلى العالم.. كيف تعمل شبكات تهريب الآثار جنوبي سوريا؟

ازدهار “سوق الكنوز” في درعا وسط فوضى أمنية وصمت رسمي

عن تلفزيون سوريا

تشهد محافظة درعا في الجنوب السوري تصاعداً غير مسبوق في عمليات التنقيب العشوائي عن الكنوز واللقى الأثرية، خصوصاً في مناطق بصرى الشام وعلى طول الخط الحديدي الحجازي، وسط انهيار اقتصادي حاد جعل من هذا النشاط غير القانوني مصدر رزق جديداً لكثير من السكان.

رغم أن القانون السوري يجرّم التنقيب عن الآثار دون ترخيص، فإن تجارة أجهزة الكشف عن المعادن والذهب باتت علنية، إذ تُباع في متاجر متخصصة أو عبر الإنترنت بأسعار تتراوح بين 5000 و9000 دولار للجهاز الواحد، وفق ما وثّقه موقع تلفزيون سوريا في تحقيق ميداني.

ويؤكد أحد الباعة أن الطلب على هذه الأجهزة ارتفع “بشكل غير مسبوق” خلال العامين الأخيرين، مشيراً إلى أن الزبائن يأتون من درعا ودير الزور والسويداء بحثاً عن “الكنوز الرومانية” أو الذهب المدفون.

في المقابل، كشف تاجر سابق للآثار يُعرف باسم “أبو محمود” أن شبكات منظمة تدير عمليات شراء ونقل القطع المكتشفة إلى دمشق، حيث تُباع لتجار كبار يمتلكون قنوات تهريب إلى الخارج. وقال إن بعض هذه الشبكات كانت تتعاون مع عناصر أمنية تابعة للنظام السابق لتسهيل التهريب.

من جانبه، أوضح شخص يعمل في التنقيب يُدعى “أبو سمير” أن العمل في هذا المجال أصبح “خياراً اضطرارياً” بعد انهيار سبل المعيشة، مؤكداً أن أكثر ما يتم العثور عليه هو أوانٍ ذهبية وتحف معدنية وحجارة أثرية.

لكن خلف هذه “المغامرة” تختبئ كوارث متكررة، إذ تسجّل الجهات الأمنية في درعا عشرات الحوادث أسبوعياً تشمل انهيارات أرضية وجرائم قتل بسبب الخلاف على تقاسم الغنائم. وغالباً ما تُسجّل هذه القضايا ضد مجهولين بسبب تكتم الأهالي على تفاصيلها.

مصدر أمني في المحافظة أوضح أن “الفراغ الأمني الذي خلّفه سقوط النظام السابق” سمح لهذه الشبكات بالتحرك بحرية، ما أربك جهود الجهات المختصة في ملاحقتها.

ويحذّر خبراء آثار من أن استمرار هذه الظاهرة يهدد الهوية التاريخية لسوريا، معتبرين أن ما يجري “ليس مجرد تنقيب، بل محوٌ ممنهج للتاريخ السوري”.

الباحث الأثري حسام العبد الله قال في حديثه لتلفزيون سوريا إن “كل قطعة تُنتزع من موقعها وتُباع في السوق السوداء تُفقد سوريا جزءاً من ذاكرتها”. ودعا إلى تدخل دولي عاجل وفرض قيود صارمة على تجارة الآثار السورية في الأسواق العالمية.

ويخلص التحقيق إلى أن الجنوب السوري يتحول تدريجياً إلى ورشة مفتوحة لنهب التراث، في ظل صمت رسمي يفتح الباب أمام ضياع ما تبقى من الذاكرة الحضارية لسوريا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى