بالنسبة لبكرا لشو؟.. موت الخيال على الشاشة
من سلبيات عرض “بالنسبة لبكرا شو”، أنه أزاح جزءاً كبيراً من هذا الخيال وأعاده الى حجمه الحقيقي أي كمجرد عرض على خشبة. يضعنا هذا أمام تساؤل: هل في حال قرر الرحباني منذ البداية تصوير أعماله كانت ستأخذ كل هذا النجاح الذي حققته في الصوت فقط؟
يقدم الإقبال الشديد على الحجز المسبق للعروض المقبلة من المسرحية المصورة، جواباً على هذا التساؤل. فالجمهور في شغفه لرؤية أي شيء يقدم أمامه من اعمال الرحباني، لم يعد مهتماً بنوعية الصورة، طالما أنه يرى للمرة الأولى ما سمعه وتخيله لوقت طويل. يريد الجمهور البحث عن خياله ذلك وتحويله الى حقيقة، وهذا العامل الأساسي الذي استثمرته الشركة في إنتاجها والذي يبدو واضحاً من الأشرطة الدعائية التي نشرتها قبل العرض. وبعد تحقيق الجمهور اشباعه في رؤية ما تعوّد على سماعه كل تلك السنوات، ستقدم الشركة العمل الآخر “فيلم أميركي طويل” المصور بطريقة متقنة، والأكثر أهلية للتحول الى فيلم من سابقه، كما أنه، حتى كعمل مسرحي، أهم من “بالنسبة لبكرا شو” النمطية عامة في شخصياتها وموضوعها.
على أن أهمية عرض “بالنسبة لبكرا شو” تكمن في مكان آخر. فقد أتيحت للمرة الأولى رؤية ملامح من إخراج زياد الرحباني الواقعي والمميز الذي اتصفت به أعماله بين العامي 1974 و1983، وملامح من التمثيل المسرحي في تلك الحقبة، بعدما كانت مخفية كل ذلك الزمن. ويثير الإهتمام أداء الممثلين الإستثنائي، في ذلك العمل، خصوصاً أن أغلبهم لم يكن محترفاً. ويحسب هذا للرحباني بشكل أساسي، خصوصاً أننا لم نر أغلب أولئك الممثلين يقدمون أي نجاح خارج أعماله.
ومن عوامل نجاح الرحباني في تحويل أشخاص غير محترفين الى ممثلين على الخشبة، هو قدرته على وضع أولئك في مواقف شخصياتهم الأصلية. يجعل من خشبة المسرح مطعماً حقيقياً مع بار وزبائن ومرتادين لا يؤدون أي دور سوى اضفاء انطباع حقيقي على المكان. يرتاد الممثلون المكان كأنهم زبائن فعليون. يقومون باحتساء المشروب والتدخين والتحدث. تتابع الشخصيات أدوارها بشكل موازٍ وتتحدث بشكل دائم مع بعضها البعض، ولا يرتفع صوتها الا عندما يأتي دورها في الكلام. يضع الرحباني ممثليه غير المحترفين في مواقف شخصياتهم الواقعية وهم موجودون جميعا بشكل دائم على الخشبة، مع بعضهم البعض، لا يخرجون ويدخلون كل حين كما اعتدنا في أعمال مسرحية أخرى. يساهم هذا بإزالة توتر الممثل غير المحترف في أدائه، وهو طالما أنه لم يتعلم التمثيل بشكل احترافي، يكتفي بأداء دوره الحقيقي في الحياة من دون تكلّف الممثلين المحترفين في العادة.
كما أن عرض “بالنسبة لبكرا شو” كان سبيلاً الى حفظ وثيقة تؤرشف بداية تطور مسيرة الرحباني الفنية، نحو أعمال أكثر نضجاً في المستقبل، كما أنها كانت بداية لظهور مخرج مسرحي، لم يتم الإعتراف به في الأوساط الفنية لأسباب كثيرة. مخرج تخلى عن نظريات المسرح والتمثيل المسرحي بأغلبها، وقرر الركون الى البساطة في الأداء ما جعله في مكان قريب في فئات واسعة ومتعددة من الجمهور.
حسن الساحلي | المدن