في اليوم العالمي لحرية الصحافة (3 مايو/أيار)، أصدرت منظمة مراسلون بلا حدود (مقرها باريس) تصنيفها السنوي لحرية الصحافة في دول العالم وفقاً لمؤشر حرية الصحافة العالمي.

 

وسلطت النسخة الـ21 من التصنيف الضوء على التطورات التي يشهدها قطاع الإعلام، و”ما يصاحبها من عدم استقرار سياسي واجتماعي وتكنولوجي”، وفق تقرير المنظمة.

 

وبحسب التصنيف الذي شمل 180 بلداً، فقد تبيّن أن الوضع جيد جداً في 8 دول، وجيد في 44 دولة، وإشكالي في 55 دولة، فيما أظهر التصنيف أن الوضع صعب في 42 دولة، وشديد الخطورة في 31 دولة.

 

منهجية العمل

 

تقوم منهجية التصنيف التي تعتمدها المؤسسة على وضع درجة لكل دولة تراوح بين 0 و100، فـ”تشير الدرجة العالية إلى مستوى عالٍ من حرية الصحافة في البلد المعني، والعكس صحيح”.

 

وتحتسب هذه الدرجة على أساس عنصرين، بحسب ما تشرحه “مراسلون بلا حدود”:

حصيلة كمية للانتهاكات المرتكبة ضد الفاعلين الإعلاميين أثناء ممارسة عملهم، وكذلك ضد وسائل الإعلام.
تحليل نوعي للوضع في كل بلد، حيث تُقاس درجة حرية الصحافة من خلال إجابات الخبراء المتخصصين في هذا المجال (صحافيين، باحثين، أكاديميين، مدافعين عن حقوق الإنسان…) بناءً على استبيان قدمته “مراسلون بلا حدود” بـ23 لغة.

ويتوقف سجل كل بلد على خمسة مؤشرات، تساعد على فهم مستوى حرية الصحافة في الدولة أو الإقليم: السياق السياسي، والإطار القانوني، والسياق الاقتصادي، والسياق الاجتماعي والثقافي، ثم السلامة والأمن.

 

التضليل نجم هذا العام

 

في نسخة هذا العام من تصنيف “مراسلون بلا حدود”، يبدو التركيز كبيراً على “خبايا آلة التضليل الإعلامي في النظام الرقمي العالمي وآثارها المهولة على حرية الصحافة، ففي 118 بلداً، أي ثلثي البلدان التي شملها الترتيب، أشار أغلب المشاركين في الاستبيان إلى ضلوع فاعلين سياسيين في حملات تضليلية واسعة النطاق أو في عمليات دعائية كبيرة في بلدانهم”.

 

كما سلّط التقرير الضوء على القفزة الكبيرة التي أحدثها هذا العام الذكاء الاصطناعي التوليدي وانعكاسه على قطاع الإعلام. كذلك انتقدت بشكل واضح مالك “تويتر” إيلون ماسك “الذي ذهب إلى أبعد مدى ممكن في نهجه التعسفي والرقابي الذي أثبت من خلاله أن منصات التواصل الاجتماعي ليست سوى رمال متحركة تحت القاعدة التي يقوم عليها أساس الصحافة”.

 

وعلّق الأمين العام لمنظمة مراسلون بلا حدود كريستوف ديلوار على تصنيف هذا العام قائلاً إنه “يعكس تقلبات شديدة في الأوضاع، حيث تخلله الكثير من الصعود والهبوط، كما شهد تغيرات غير مسبوقة، مثل ارتقاء البرازيل بما لا يقل عن 18 مركزاً وتقهقر السنغال بشكل مهول بلغ 31 مرتبة بالتمام والكمال. هذا الوضع الذي يسوده عدم الاستقرار هو نتاج لتفاقم النهج العدواني الذي تتَّبعه الأنظمة الحاكمة في العديد من البلدان ولتزايد العداء تجاه الصحافيين على منصات التواصل الاجتماعي وعلى أرض الواقع أيضاً. كما أن هذه التقلبات ناجمة عن تعزيز آلة التضليل الإعلامي التي تنتج المعلومات الكاذبة وتنشرها، بل وتتيح الأدوات اللازمة لصناعة المحتويات الزائفة”.

 

الدول العربية

 

أشارت “مراسلون بلا حدود” إلى أن الصحافة “لا تزال تئن تحت وطأة السيطرة الخانقة في الشرق الأوسط، سواء على أيدي الأنظمة الاستبدادية أو بفعل الرقابة التي تفرضها المليشيات على وسائل الإعلام، حيث يُعتبر وضع حرية الصحافة (خطيراً للغاية) في أكثر من نصف دول المنطقة”.

وتعطي المنظمة أمثلة:

إيران (المرتبة 177)، كثفت آلتها القمعية، واعتقلت أكثر من 70 صحافياً في الأشهر التي تلت وفاة الطالبة الشابة مهسا أميني.
لا تزال المملكة العربية السعودية (170) تراوح مكانها في ذيل الترتيب، وهي التي تتمادى في قمع الصحافيين وإصدار أحكام قاسية عليهم ومنعهم من مغادرة البلاد والتجسس عليهم، حتى عندما يكونون في الخارج.
وفي الخليج عموماً، يلجأ الحكّام أيضاً إلى التجسس والرقابة للسيطرة على الصحافة.
في الأردن (166) تواصل المحاكم فرض حظر على نشر بعض المعلومات.
تستمر الرقابة في مصر (166)، حيث تُغالي الديكتاتورية العسكرية في حبس الصحافيين عوض الوفاء بوعدها المتمثل في إجراء الإصلاحات التي طال انتظارها.
لا تزال سورية (175) من أخطر بلدان العالم على سلامة الصحافيين، الذين يجدون أنفسهم عالقين بين قصف جيش بشار الأسد الدموي ونيران المليشيات المختلفة وهول التدخلات العسكرية التركية، إذ لا تزال البلاد تحتل الصدارة في التصنيف العالمي للدول حيث يوجد أكبر عدد من الصحافيين الرهائن، ويليها كل من اليمن (168)، والعراق (167).
ورغم الارتقاء الذي سجلته فلسطين (156)، بصعودها 14 مركزاً، إلا أن مؤشر الأمن في هذا البلد لا يزال متدهوراً للغاية، بعد اغتيال صحافيَين آخرَين بالرصاص الإسرائيلي أمام إفلات تام من العقاب.

 

وسلّطت المنظمة الضوء على التقدم الذي أحرزته قطر (105)، إذ تقدمت 14 مرتبة في التصنيف العالمي، مرجعة ذلك بشكل أساسي إلى تخفيف قواعد كثيرة للعمل الصحافي، بالتزامن مع تنظيم كأس العالم لكرة القدم.

 

وفي المغرب العربي لم يختلف الوضع كثيراً، إذ “لا تزال ظروف عمل الصحافيين في تدهور مقلق في بلدان شمال أفريقيا التي باتت تعيش موجة من الانحراف السلطوي كما تبيَّن في كل من تونس (121)، تحت حُكم الرئيس قيس سعيد، والجزائر (136)، في عهد عبد المجيد تبون. وفي المغرب (144)، لا يزال الصحافيان عمر الراضي وسليمان الريسوني قيد الاحتجاز التعسفي، كما تظل المضايقات القضائية جاثمة على بقية الصحافيين الناقدين”.

في ما يلي ترتيب الدول العربية في التصنيف مع التقدّم أو التراجع الذي أحرزته كل دولة عربية:

الدولة التصنيف العالمي التصنيف العربي

 

 

الدولة التصنيف العالمي التصنيف العربي
جزر القمر 75 1
موريتانيا 86 2
قطر 105 3
لبنان 119 4
تونس 121 5
الجزائر 136 6
الصومال 141 7
المغرب 144 8
الإمارات العربية المتحدة 145 9
الأردن 146 10
السودان 148 11
ليبيا 149 12
الكويت 154 13
عمان 155 14
فلسطين 156 15
جيبوتي 162 16
مصر 166 17
العراق 167 18
اليمن 168 19
المملكة العربية السعودية 170 20
البحرين 171 21
سورية 175 22

 

التصنيف العالمي

 

بحسب تصنيف المنظمة حافظت “النرويج على موقعها في الصدارة للعام السابع على التوالي، وعلى غير العادة احتلت المركز الثاني دولة من خارج منطقة اسكندينافيا، وهي أيرلندا”.

 

وقد جاء تصنيف الدول العشر الأولى على الشكل التالي:

النرويج
أيرلندا
الدنمارك
السويد
فنلندا
هولندا
ليتوانيا
إستونيا
البرتغال
تيمور الشرقية

 

إلى ذلك، ندّد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، الثلاثاء، باستهداف الصحافيين، مشيراً إلى أنّ “حرية الصحافة تتعرّض للهجوم في أنحاء العالم كافة”. وقال غوتيريس في رسالة عبر الفيديو، بُثّت عشية الذكرى الثلاثين لليوم العالمي لحرية الصحافة: “كلّ حرياتنا تعتمد على حرية الصحافة… حرية الصحافة هي شريان الحياة لحقوق الإنسان”، وأضاف: “لكن حرية الصحافة تتعرّض للهجوم في أنحاء العالم كافة”، مشيراً إلى أنّه “يتمّ استهداف الصحافيين والعاملين في الإعلام مباشرة عبر الإنترنت وخارجه خلال قيامهم بعملهم الحيوي. ويتعرّضون للمضايقة والترهيب والاعتقال والسجن يومياً”.

 

وكانت منظمة مراسلون بلا حدود قد أفادت بأنّ 55 صحافياً وأربعة متعاونين مع وسائل إعلام قُتلوا أثناء قيامهم بعملهم عام 2022. ولفت الأمين العام للأمم المتحدة الانتباه إلى “تزايد تركيز صناعة الإعلام في أيدي قلّة وإفلاس العديد من وسائل الإعلام المستقلّة”، وقال إنّ “الحقيقة مهدّدة بالتضليل وخطاب الكراهية اللذين يسعيان إلى طمس الخطوط الفاصلة بين الحقيقة والخيال وبين العلم والمؤامرات”.

 

وتطرّقت الأمينة العامّة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) للمسألة نفسها. وقالت أودري أزولاي إنّ “هذه التحديات الجديدة التي يواجهها الصحافيون تأتي في الوقت الذي نحتاج فيه إليهم أكثر من أيّ وقت مضى، لأنّ تقدّم العصر الرقمي يغيّر المشهد المعلوماتي بأكمله”، وأكّدت أنّه “من غير المقبول” أن يتعرّض صحافيون “للمضايقة والهجوم، وأحياناً يُسجنون وذلك فقط لأنّهم يقومون بعملهم”.

 

ولفت مدير تحرير صحيفة نيويورك تايمز آرثر سالزبرغ الانتباه مباشرة إلى إيفان غيرشكوفيتش، الصحافي الأميركي في صحيفة وول ستريت جورنال المحتجز في روسيا بتهم التجسّس التي ينفيها. وقال سالزبرغ: “لا يزال مسجوناً في روسيا بتهم باطلة، ويجب إطلاق سراحه”.