تحديث :
في تطور غير متوقع، تحوّل “مسجد الزهراء” الواقع في بلدة البردقلي القريبة من مدينة الدانا شمالي إدلب إلى قضية رأي عام، حيث أثار بناؤه باللون الأسود، واسم المسجد نفسه، تبايناً في الآراء بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي وبعض الأطراف المحلية. ورغم أن المتبرعين لبنائه كانت نيتهم إقامة مشروع خيري يحمل اسم والدتهم “زهراء” تكريماً لها، إلا أن الجدل حول الطابع المعماري والدلالات المحتملة للاسم واللون طغى على الهدف الأساسي للمشروع.
المسجد وأصول التبرع
أقيم مسجد الزهراء بتبرعات من عائلة مهجّرة من معرة النعمان، إذ ساهمت السيدة زهراء بأربعة كيلوغرامات من الذهب لتجهيز المسجد، وأكمل أبناؤها بناءه كصدقة جارية. جاء اختيار اللون الأسود للمسجد تماشياً مع الرخام الأسود الفاخر المستخدم في البناء، الذي منح المسجد طابعاً مختلفاً وغير مألوف في المنطقة، حيث اعتادت المساجد هناك على أنماط معمارية بلونية وتقليدية معينة.
الجدل حول اللون والاسم
أثار اللون الأسود والاسم “الزهراء” ردود فعل متباينة؛ فبينما رأى بعض المنتقدين أن هذه الاختيارات تحمل رموزاً طائفية قد تكون مرفوضة في مجتمع ذي طابع سني، اعتبر آخرون أن اختيار اللون لا يعدو كونه لمسات جمالية لا تحمل أي دلالات طائفية. عبر المنتقدون عن مخاوفهم من أن بناء مسجد “بمظهر غير تقليدي” قد يُفهم بشكل خاطئ في المجتمع، داعين إلى الحفاظ على الطابع المعماري الإسلامي البسيط الذي يميز مساجد سوريا.
من جانب آخر، أكّد مدافعون عن المسجد أن لون الكعبة المشرفة أسود، وأشهر مساجد سوريا التي انطلقت منها الثورة السورية هي باللون الأسود، كمسجد العمري بدرعا أو مسجد الصحابي خالد بن الوليد بحمص وغيرها الكثير”. أيضاً، مشيرين إلى أن الخلاف حول اللون يعكس رغبة بعض الأطراف في إثارة الجدل بدون أسباب حقيقية. واعتبر هؤلاء أن اسم “الزهراء” محبوب ومقبول بين جميع المسلمين، كما أن بناء المسجد جاء بجهود عائلة مهجّرة لا علاقة لها بأي توجهات سياسية أو طائفية، بل سعت لتقديم مشروع خيري يخلد ذكرى والدتهم.
#إدلب
— أنس المعراوي anasmaarawi (@anasanas84) November 8, 2024
الجامع في بلدة البردغلي الذي يحمل اسم #الزهراء” شُيد بفضل من الله ومن ثم تبرعات من عائلة مهجرة من #معرة_النعمان تعيش خارج #سوريا الحاجة زهراء، تبرعت بما يقارب أربعة كيلوغرامات من #الذهب واستكمل #أبناؤها بناء الجامع بأموالهم الخاصة
اسم ” الزهراء” هو اسم يُكرم ويخلد ذكرى… https://t.co/Hw0FjeTtxL pic.twitter.com/enhWKxv3VM
وزارة الأوقاف وتعليقات المعنيين
تدخلت وزارة الأوقاف التابعة لحكومة الإنقاذ بإعلان نيتها إعادة النظر في اسم ولون المسجد، مما زاد من حدة الجدل. ورأى بعض المنتقدين أن خطوة الوزارة تعكس استجابة لضغوط وسائل التواصل الاجتماعي، ما يهدد استقلالية القرار المؤسساتي الديني، حيث قد يشجع الاستجابة لمطالب فئة معينة دون مبرر شرعي. واعتبروا أن على الوزارة التركيز على دعم المشاريع الخيرية ودعم المجتمع المحلي، بدلاً من الانصياع للضغوط الإعلامية التي وصفوها بغير المبررة.
في المقابل، أصدر عدد من الإعلاميين والنشطاء بياناً ينتقد موقف الوزارة، معتبرين أن التراجع عن قرار بناء المسجد بالشكل الأصلي يشكل استجابة لضغوط تفتقر للأسس الموضوعية. ودعا البيان إلى احترام جهود العائلة المتبرعة وعدم الانسياق خلف مطالب تغيّر طابع المسجد، مؤكدين أن الانتقادات الموجهة للمسجد تتجاهل الجوانب الروحية التي يمثلها المسجد وكونه مكاناً للعبادة أولاً وأخيراً.
بين العامة ورواد التواصل الاجتماعي
انقسمت آراء الأهالي ورواد مواقع التواصل الاجتماعي بين من يرى أن الانتقادات حول المسجد غير مبررة، معتبرين أنه من حق أي متبرع اختيار شكل ومساحة تصميم مشروعه الخيري، وبين من يعتقد أن الطابع المعماري الإسلامي للمنطقة يستوجب مراعاة أنماط محددة تتوافق مع خصوصية المنطقة. اعتبر بعض الناشطين أن توجيه الانتقادات يشير إلى توجهات سياسية، فيما رأى آخرون أن بناء المساجد يجب أن يبقى موضوعاً خالياً من التسييس، وأنه من الأفضل توجيه التركيز على تطوير ودعم مشاريع البنية التحتية والخدمات العامة في المناطق المتضررة.
تحديث
تغيير الاسم درءاً للفتنة
في خطوة لاحتواء الجدل، قرر القائمون على المسجد تغيير اسمه من “مسجد الزهراء” إلى “العزة لله”. وأوضح أحد الدعاة العاملين في المسجد، عبر فيديو نشر على وسائل التواصل الاجتماعي، أن القرار تم بالتنسيق مع المتبرعة الرئيسية التي مولت بناء المسجد، بهدف تجنب إثارة المزيد من الخلافات.
https://www.facebook.com/share/v/18Xej11QMQ/
بيان وزارة الأوقاف
علقت وزارة الأوقاف والدعوة والإرشاد في حكومة الإنقاذ على القضية ببيان رسمي. وأكد أحمد الحلاق، مدير العلاقات العامة في الوزارة، أن بناء المساجد في المنطقة يخضع لمعايير تضمن توافقها مع قيم المجتمع واحتياجاته. وأشار إلى أن الوزارة تشرف على أكثر من 2200 مسجد في المنطقة، تُبنى وفق خطة توسعية متكاملة.
وأكد البيان أن اختيار اسم المسجد ولونه لم يكن له أي دوافع طائفية، وأن الوزارة تنظر في الموضوع لتجنب أي سوء فهم. كما رحبت الوزارة بالنقد البنّاء، مؤكدة التزامها بتعزيز الوحدة المجتمعية والانسجام بما يتماشى مع القيم الإسلامية.
في المقابل، أثار بيان وزارة الأوقاف في حكومة الإنقاذ ردود فعل متباينة، خاصة بعد إعلانها نيتها مراجعة اسم المسجد ولونه. واعتبر البعض أن هذه الخطوة تعكس استجابة الوزارة لضغوط وانتقادات على وسائل التواصل الاجتماعي، بدلًا من اتخاذ قرارات تستند إلى معايير شرعية وأسس موضوعية.
وتباينت الآراء بين فريق يرى في هذه التحركات تعبيرًا عن حرية الرأي وحق الناس في الانتقاد، وآخرين يعتبرونها تدخلاً غير مبرر في مشروع خيري يخضع لاعتبارات إنسانية ودينية بحتة.
دعوات للتهدئة
شهدت القضية مشادات كلامية وتعليقات متبادلة على مواقع التواصل الاجتماعي بعد تغيير الاسم. أعرب البعض عن مخاوفهم من تأثير الرموز الدينية على الهوية السنية، في حين دعا آخرون إلى تهدئة الأوضاع وعدم تأجيج الخلافات الطائفية.
استجابة لتوصيات الشخصيات الشرعية
من جانبه، دعا الدكتور إبراهيم شاشو، أحد الشخصيات الشرعية البارزة، إلى ضرورة تغيير أي معالم قد تُفهم بشكل خاطئ أو تثير شكوكًا طائفية. وأشاد بتجاوب الوزارة مع هذه الدعوات، مؤكدًا أهمية الحفاظ على الانسجام المجتمعي ومنع أي لغط بين الأهالي.
/
/
مصدر