يشمل النشاط الخارجي لحزب الله عشرات الآلاف من المنتسبين إلى الحزب المتواجدين في مختلف دول العالم، ويستخدمون مختلف الوسائل المتاحة المشروعة منها وغير المشروعة، من أجل توفير الدعم المالي والعسكري الذي يمكن الحزب من الاستمرار في صموده، وسيطرته على الساحة السياسية اللبنانية.
ما الشبكات الخارجية لحزب الله؟
باتَ حزبُ الله منظمةً عالمية متعددة النشاطات، تشارك في مجموعة واسعة من الأعمال، بما في ذلك الأنشطة الاجتماعية والسياسية العلنية في لبنان، والأنشطة العسكرية في لبنان وسوريا وجميع أنحاء شرقنا البائس وبخاصة في العراق واليمن ودول الخليج، وفي الآونة الأخيرة عزز الحزب من نشاطه المالي في العديد من دول العالم لمواجهة الأزمة الاقتصادية التي عانت منها إيران نتيجة العقوبات الأمريكية، وانخراطه لسنوات في الحرب بسوريا، حيث وقفت إلى جانب نظام بشار الأسد الأمر الذي كلفها الكثير من الموارد المالية والعسكرية.
وقدّر مسؤول أميركي المساعدات الإيرانية لحزب الله بنحو 700 مليون دولار أميركي سنوياً، بحسب تقرير وكالة “بلومبيرغ”، وكان جزء آخر من تمويلات حزب الله يأتي من الحكومة العراقية بتكليف من إيران سواء من خلال تجارة النفط المهرب؛ أو من خلال ميزانية الحشد الشعبي؛ لكن مصادر لبنانية أكدت توقفَ هذه التمويلات بضغوط أميركية منذ عهد حكومة حيدر العبادي.
هذه العوامل كلها دفعت الحزب إلى تعزيز قدراته الخارجية وقوته الناعمة بشكل سري في قارات العالم المختلفة، وبذلت مجموعة حزب الله جهوداً كبيرة لإخفاء أنشطتها المالية في الخارج، ما يجعل من الصعوبة بمكان جمع معلومات كافية، كما اعترف تقرير للحكومة الأسترالية في عام 2003. وكما أوضح أحد عملاء حزب الله للعمليات التي كان يشرف عليها في الولايات المتحدة، فإن “القاعدة الذهبية” لوحدات حزب الله هي “كلما قلت معرفتك بالوحدة، كلما كان ذلك أفضل”. وفي الواقع، يشكل هذا التقسيم حجر الزاوية في التدريب الأمني العملياتي لحزب الله.
وبحسب “الواشنطن بوست”، فمن المرجح أن يكون الدعم الإيراني لـ «حزب الله» أقل من المبلغ السنوي المُعلن عنه سابقاً، وقد دفع هذا الانخفاض إلى قيام التنظيم بإغلاق مكاتب له، وخفض الرواتب، والتكيّف مع بيئةٍ أصبح فيها تنفيذ العمليات أقل تساهلاً.
وعندما يتم الكشف عن معلومات حول أنشطة حزب الله السرية وغير المشروعة، فإن ذلك يحدث عادة على شكل دفعات صغيرة ترتبط بإلقاء القبض على أحد عملائه في نشاط إرهابي أو عمل غير شرعي، ولذلك لا توجد قاعدة بيانات واحدة للمعلومات المجمعة، هذا الافتقار إلى الشفافية والمعلومات المتاحة أعاق بشدة ظهور نقاش عام حول مجمل أنشطة حزب الله، كما أن كثيراً من المعلومات المتوافرة أمام الاستخبارات الدولية يتم التحفظ عليها لأسباب أمنية.
مجموعة حزب الله لديها تاريخ طويل في تنفيذ العمليات الإرهابية في الخارج، بما في ذلك في ألمانيا وفرنسا وبلغاريا وتركيا وأذربيجان والأرجنتين وبنما وحتى المملكة العربية السعودية. كما تم القبض على عملاء حزب الله وهم يستعدون لهجمات في أذربيجان وبوليفيا وقبرص ومصر وبيرو وتايلاند. وتم اكتشاف مخابئ أسلحة لحزب الله في الخليج وأوروبا وآسيا وأفريقيا، وخلايا لحزب الله في البحرين والكويت والإمارات العربية المتحدة.
الانتشار الأقوى لشبكات حزب الله في أمريكا اللاتينية!
تعتبر أمريكيا اللاتينية من أهم المناطق بالنسبة لأنشطة حزب الله، حيث يشير الخبير في شؤون الإرهاب “إيمانويل أوتولينغي” زميل بارز في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، إلى أن “وجود حزب الله في المنطقة تم تسهيله من قبل المهاجرين اللبنانيين الذين يوفرون له شبكة من الدعم الثقافي والمالي”.
ويشير “أوتولينغي” أيضاً إلى أن المجموعة تتلقى الدعم من المجتمعات المهاجرة عالمياً لبناء شبكات غسيل الأموال واستثمار الموارد من خلال مبادرة الدعوة العالمية التي تحافظ على ولاء المهاجرين ودعمهم الملموس. وتشمل هذه الاستثمارات الأموال المخصصة للمساجد والمدارس والمراكز الثقافية والحركات الشبابية والجمعيات الخيرية، وترسل المنظمة رجال الدين والمعلمين والمدرسين لقيادة هذه المؤسسات، ما يضمن التلقين والولاء المستمر للمجتمعات.
ولقد سمح هذا النظام لمجتمعات معينة بأن تصبح متوافقة ثقافياً مع أهداف حزب الله، وهذه استراتيجية متعددة الأوجه تضمن تدفقاً مستمراً للموارد والدعم، مما يتيح للمجموعة العمل إفلات نسبي من العقاب في المنطقة. وكما يشير “أوتولينغي” فإن البنية التحتية الاجتماعية الداعمة لحزب الله قوية، ونفوذها يتوسع بشكل متزايد.
وبحسب موقع الجزيرة نت، فإن أحد أذرع حزب الله في البرازيل “سعد بركات” الذي افتتح متجراً خاصاً لبيع الإلكترونيات بالجملة قبل أن يُقبض عليه عام 2002 بتهم تتعلق بالتهرب الضريبي، حيث قضى حكما بالسجن لمدة ست سنوات ونصف، لكن الصدمة الحقيقية وقعت حين قامت وزارة الخزانة الأميركية بوضعه على قائمة العقوبات عام 2004 ووصفته بأنه “الذراع الأيمن لزعيم حزب الله حسن نصر الله في أميركا الجنوبية”، واتهمته بإدارة شبكة سرية لجمع الأموال لصالح حزب الله عبر تهريب المخدرات والسلع المقرصنة.
كان “بركات” مجرد حلقة أولى في شبكة حزب الله، ففي عام 2008 أُلقي القبض على “نمر زعيتر” بتهمة محاولة تهريب الكوكايين للولايات المتحدة، وفي وقت لاحق عام 2013 قُبض على شقيق “أسعد بركات”، “حمزة علي بركات”، بتهمة تأسيس شبكة احتيال وتهريب بصحبة مجموعة من المهربين اللبنانيين في منطقة الحدود الثلاثية بين البرازيل والبارغواي والأرجنتين، وفي منتصف العام 2018، اعتُقل شخص آخر من العائلة هو “محمود علي بركات” بتهمة تبييض الأموال لصالح الحزب.
وأثارت تلك الوقائع ومثيلاتها حالة من الجدل حول طبيعة العلاقة الناشئة بين حزب الله وشبكات الجريمة المنظمة في أميركا الجنوبية، وهي تتمحور حول كسب المال من كل شيء، بدايةً من البضائع المزيفة مثل الساعات ونظارات الشمس والإلكترونيات المقلدة وأقراص (dvd) المقرصنة، مروراً بتجارة السجائر وتهريب البشر، وانتهاء بعمليات غسيل الأموال وتجارة المخدرات.
النشاط الإرهابي لحزب الله في الولايات المتحدة وأوروبا!
أفادت وزارة الخزانة الأميركية في العام 2024 أن أعضاء حزب الله والمتعاطفين معه كانوا متورطين منذ فترة طويلة بمجموعة من المخططات الإجرامية واسعة النطاق، بما في ذلك شبكات غسيل الأموال والتهريب والاتجار المتطورة التي شملت النظام المالي الأميركي. ويجرم القانون الأميركي دعم حزب الله ويسمح بعدد من العقوبات الثانوية ضد غير الأميركيين الذين يقدمون له الدعم المادي أو يسهلون المعاملات المالية نيابة عنه.
ووجدت دراسة أجريت العام 2022 أن 19 فردًا اتُهموا في المحاكم الفيدرالية بتقديم الدعم المادي لحزب الله بين عامي 1997 و2020، مع اتهام عشرات الأفراد الآخرين المنتمين إلى حزب الله بارتكاب جرائم غير مرتبطة بالإرهاب.
وفي العام 2019، حُكم على أحد أعضاء حزب الله في نيويورك بتهمة استطلاع أهداف للهجوم. وألقت قبرص القبض على أحد عملاء حزب الله بتهمة تهريب متفجرات نترات الأمونيوم في العام 2015. كما فجر حزب الله حافلة في بلغاريا عام 2012، مما أسفر عن مقتل ستة وإصابة أكثر من 30 آخرين.
وفي باريس من العام 2018، وجهت اتهامات إلى خمسة عشر عضواً من حزب الله بتهمة غسل ملايين الدولارات من الكوكايين من أمريكا الجنوبية الذي تم بيعه في أوروبا من خلال السلع الفاخرة التي تم شراؤها في الاتحاد الأوروبي وإعادة بيعها في لبنان. ثم تم استخدام العائدات لشراء الأسلحة للحرب في سوريا.
كما أدرجت وزارة الخزانة الأمريكية عام 2014 شركةَ (Stars Group Holding) اللبنانية للإلكترونيات على القائمة السوداء لشرائها معدات عسكرية متطورة من شركات أوروبية لاستخدامها من قبل حزب الله في سوريا! وفقاً لمدير المركز الوطني لمكافحة الإرهاب في الولايات المتحدة “نيكولاس راسموسن”: “لقد عرفنا منذ البداية أن حزب الله يتطلع إلى تأسيس البنية التحتية في جميع أنحاء العالم، ومنح نفسه المزيد من الخيارات والفرص”.
واستغل حزب الله أن العديد من الدول الأوروبية رفضت الربط بين الجناحين العسكري والسياسي؛ بما يتعلق بإدراج الشق العسكري فقط على لوائح الإرهاب، وسخر زعيم حزب الله الراحل حسن نصر الله من قرار الاتحاد الأوروبي في عام 2013 بحظر الجناح العسكري لحزب الله؛ ولكن ليس جناحه السياسي المزعوم، مازحاً، “أقترح أن يكون وزرائنا في الحكومة القادمة من الجناح العسكري لحزب الله”.
نشاط غير قانوني لمنظمات مدنية أوروبية تابعة لحزب الله!
بالنسبة لأوروبا لا يوجد تقييم دقيق لعدد عملاء حزب الله أو مؤيديه، ففي ألمانيا يتحدث أحدث تقرير عن حوالي (1500) عميلاً مقابل (950) عميلاً في السنوات الماضية. وكشفت النتائج التي توصلت إليها (عملية كاساندرا) وهي جهد تقوده إدارة مكافحة المخدرات في الولايات المتحدة (DEA) لتقليص تمويل حزب الله من مصادر المخدرات غير المشروعة، كشفت عن بنية تحتية راسخة في العديد من الدول الأوروبية والتي قد تشمل مئات أو آلاف العملاء.
وبحسب تقارير أخرى فإنّ معظم عائدات حزب الله غير القانونية تأتي من تجارة المخدرات (الكوكايين في الغالب)، وتجارة التهريب، وغسيل الأموال. وفي السنوات العشر الماضية فقط، ارتبطت حلقتان إجراميتان رئيسيتان بشكل مباشر بمشروع حزب الله الأوروبي: الأولى كانت متورطة في قضية البنك اللبناني الكندي التي تم الكشف عنها في عام 2011. وقامت شبكة تهريب المخدرات بقيادة أيمن جمعة بتهريب الكوكايين من أمريكا الجنوبية عبر غرب إفريقيا وأوروبا إلى الشرق الأوسط. وقد قدرت قيمة الأموال المغسولة بنحو 200 مليون دولار شهريا.
ثم تم الكشف عن حلقة الجريمة الثانية في عام 2016 خلال (عملية الأرز)، حيث تم القبض على ستة عشر عضواً من حزب الله في فرنسا وبلجيكا وألمانيا وإيطاليا بتهمة غسل الأموال من خلال الاستحواذ الدولي وبيع السلع الفاخرة. وفي ذروة نشاط حلقة الجريمة استطاعت غسيل مليون يورو أسبوعياً، في المقام الأول من خلال ألمانيا.
وعلى الجانب الآخر يقوم حزب الله بأنشطة تجارية مشروعة نيابة عن الكيانات التجارية الربحية المملوكة لحزب الله أو الجمعيات الخيرية الخاضعة لسيطرته، ويشارك عملاء حزب الله في تجارة النفط والعقارات والتجارة الصغيرة.
وأعلن مركز استهداف تمويل الإرهاب (TFTC) خلال شهر أيار/مايو 2018 فقط عن عقوبات جديدة على حزب الله وبعض كبار أعضائه، وتم إدراج “علي يوسف شرارة” رئيس شركة الاتصالات اللبنانية Spectrum، التي تقدم خدمات الاتصالات في منطقة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا، على تلك القائمة بناءً على نشاطه في جمع وغسل الأموال لحزب الله.
وتشير تقارير أخرى إلى جمع التبرعات في (مركز المصطفى) في بريمن، حيث جمع حوالي (800) شخص أموالاً لمشروع أطفال الأيتام في لبنان الذي تم حظره في ألمانيا في عام 2014. وتفيد وزارة الداخلية الألمانية أن المنظمة جمعت أكثر من 4 ملايين دولار بين عامي 2007 و2013 وتم تحويل الأموال إلى جمعية الشهيد الخيرية في لبنان.
وداهمت الشرطة البلجيكية في العام 2003 مكاتب شركة (Soafrimex) وهي شركة لتصدير المواد الغذائية إلى أفريقيا يرأسها “قاسم تاج الدين” أحد كبار مسؤولي حزب الله. تم القبض على “تاج الدين” بتهمة الاحتيال الضريبي وغسل الأموال وتهريب الماس بقيمة عشرات الملايين من اليورو.
وفتشت الشرطة الفرنسية مقر ومنزل قيادات منظمة “مركز الزهراء” الشيعية المرتبطة بحزب الله؛ وأغلقت السلطات المركز الواقع في مدينة “غراند سينت” شمال فرنسا، باعتباره بمثابة دعم لوجستي للعمليات الإيرانية في فرنسا. وأوقفت عملية فرنسية أخرى “إيمان قبيسي” و”جوزيف أسمر” بتهمة التآمر لتبييض أموال من تهريب المخدرات وتهريب الأسلحة لصالح حزب الله. وفي قبرص، شارك حزب الله في عدة محاولات فاشلة لتنفيذ هجمات إرهابية خلال العام 2012 بالإضافة إلى ذلك، تم العثور في السنوات الأخيرة على العديد من المنازل والمستودعات الآمنة في جميع أنحاء أوروبا التي كانت تحتوي على كميات هائلة من المتفجرات والمواد الخام المتفجرة.
وفي بلغاريا، قُتل ستة أشخاص وأصيب 32 آخرون عندما فجر مهاجم انتحاري قنبلة داخل حافلة مليئة بالسياح الإسرائيليين في مطار “بورغاس” وتزامن التفجير مع الذكرى الثامنة عشرة للهجوم على مركز الجالية اليهودية (AMIA) في العاصمة الأرجنتينية وقتل فيه 85 شخصاً.
أما في إيطاليا، فألقت سلطات إنفاذ القانون الإيطالية بالتعاون مع سلطات من الولايات المتحدة وأمريكا الجنوبية وفرنسا وبلجيكا وألمانيا القبض على العديد من عملاء حزب الله كجزء من عملية (كاساندرا) بين عامي 2008 و2018 وهي فرقة عمل دولية للكشف عن تهريب المخدرات لحزب الله.
ويقوم حزب الله بتهريب الأسلحة بجمهورية التشيك، ففي عام 2014، ألقي القبض على أحد تجار الأسلحة التابعين لحزب الله ويدعى “علي الفايد”؛ ورداً على ذلك قام حزب الله باختطاف عدد من المواطنين التشيكيين الذين أطلق سراحهم مقابل الفايد؛ وينشط حزب الله أيضاً في الفضاء الإلكتروني ففي تشرين الأول/أكتوبر من العام 2018، تم إغلاق الخوادم التشيكية عندما استخدمها حزب الله لاختراق أجهزة الكمبيوتر والشبكات حول العالم لأغراض سرقة المعلومات والابتزاز.
نشاط شبكات حزب الله إقليمياً
في اليمن، قام حزب الله بتهريب أسلحة مفككة وتدريب مقاتلي الحوثيين على حرب العصابات واللوجستيات واستخدام الأسلحة المتقدمة، بما في ذلك تكنولوجيا الصواريخ. كما وجهت “قوة الرضوان” النخبة التابعة لحزب الله هجمات على السعوديين؛ وشاركت قيادة حزب الله، بما في ذلك الأمين العام حسن نصر الله، في حملات دعائية لدعم قضية الحوثيين ومواجهة الروايات السعودية.
في البحرين، كانت أنشطة حزب الله أكثر سرية، حيث ركزت على دعم جماعات المعارضة الشيعية وفقًا لمصادر بحرينية، وتعاون حزب الله مع إيران لتشكيل ميليشيا شيعية في البحرين تُعرف باسم “كتائب الأشتر” التي نفذت منذ إنشائها في عام 2013 أكثر من 20 هجوماً ضد قوات الأمن والشرطة البحرينية.
وفي العراق، توسع دور حزب الله بشكل كبير خلال الربيع العربي ففي العام 2014، أسس حزبُ الله حزبَ الله العراقي، وأنشأ مركز قيادة للإشراف على جميع العمليات في العراق والتخطيط لها؛ كما عجل حزب الله بتسليم الأسلحة وقدم تدريباً ودعما مكثفا للميليشيات الشيعية العراقية بما في ذلك “عصائب أهل الحق” و”كتائب حزب الله” و”منظمة بدر” وشارك عناصر حزب الله في العمليات القتالية إلى جانب الميليشيات العراقية ضد داعش.
وفي حين مكنت الفوضى في الخارج حزب الله من توسيع نفوذه الإقليمي، فإن الفوضى الداخلية في لبنان خدمت نفس الغرض، حيث يعيش أكثر من 80٪ من اللبنانيين في فقر بسبب الاضطرابات المالية في البلاد وانخفاض قيمة الليرة اللبنانية. وقد ساعدت هذه الظروف المزرية حزب الله، حيث قدمت جمعية القرض الحسن التي تعتبر العمود الفقري المالي للحزب قروضاً شخصية لبنانية مقابل الذهب والعملات الأجنبية، مما يجعل حزب الله أكبر حامل لاحتياطيات الذهب في البلاد. بالإضافة إلى ذلك كان حزب الله من خلال شبكته المالية العالمية، بما في ذلك مناجم الذهب في فنزويلا، يضخ العملات الأجنبية والذهب في لبنان. ونظراً لضعف قيمة العملة اللبنانية، فقد منح هذا حزب الله قوة شرائية هائلة، مما مكن الميليشيا من توسيع وجودها الاقتصادي من خلال الاستحواذ على العديد من مشاريع البناء والطاقة الشمسية.
ما مصير شبكات حزب الله في الخارج؟
إن إضعاف حزب الله وهزيمته على يد إسرائيل في لبنان، لا تعني انتهاء الحزب بشكل كامل، وخاصة فيما يخص نشاطه الخارجي، فإيران تحاول التأكيد أن مقتل نصر الله وما سبقه من أحداث، لن يؤثر على قدرة حزب الله أو موقفه في المنطقة، مشددة على استمرار قوة الحزب ونفوذه رغم هذا التحول في القيادة.
ولقد صرح القائد الأسبق لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني “أحمد وحيدي”: “لقد درب حزب الله العديد من القادة، وكل قائد يستشهد يأتي قائد آخر إلى الميدان”. وهذا ما يشير إلى محاولة إيران الاستفادة من حزب الله وشبكته الخارجية، التي ستمثل لإيران فرصة للتهرب من العقوبات الغربية من خلال غسيل الأموال، والتستر على الأعمال غير الشرعية التي تريد إيران عدم نسبها إليها، كما أن إيران قد تستغل حالة الولاء للنظام السياسي الإيراني، الذي زرعه الحزب على مدى سنوات في عقول العديد من أتباعه المجندين في مختلف أرجاء العالم، وبالتالي فليس من المعتقد أن تتخلى إيران عن الميزات التي يمكن أن تؤمنها شبكات حزب الله الخارجية.
قد يواجه حزب الله المزيد من التدقيق على أعماله الخارجية كإغلاق بعض المؤسسات التي يقوم بتشغيلها في العديد من الدول، وهذا ما سيدفعه بطبيعة الحال إلى انتهاج المزيد من السرية في أعماله، والتقليل من نشاطه العلني، مستفيداً من قوة الولاء لدى أتباعه في الخارج، الذين يشكلون في بعض الحالات عشائر عائلية ذات روابط قوية، تمكنه من الاستمرار بنشاطاته الخارجية بسرية تامة دون اختراقات، لكن هذا لا يستبعد ظهور اختراقات في التجمعات التي لا تغلب عليها الروابط العائلية، خاصة بعد الاختراقات الأمنية التي ظهرت خلال الفترة الأخيرة، إن كان داخل حزب الله في لبنان أو الحرس الثوري في إيران، وأدت إلى اغتيال رئيس المكتب السياسي السابق لحركة حماس “إسماعيل هنية” في طهران، وأيضاً تحديد مكان “حسن نصر الله” بدقة عند تنفيذ عملية اغتياله، وهذا يجعل استمرار تحركات الحزب أمراً محفوفاً بالمخاطر بشكل عام.
ومن الملاحظ، أن التضييق على نشاطات حزب الله في الخارج، قد بدأ بالفعل، ففي 15 آب/أغسطس 2024، قالت وزارة الخزانة الأميركية إن الولايات المتحدة فرضت مزيداً من العقوبات التي تستهدف شبكات تجارية تابعة لحركة الحوثي اليمنية وجماعة “حزب الله” اللبنانية، وذكرت الوزارة في بيان أن العقوبات استهدفت شركات وأفراداً وسفناً بتهمة بالتورط في شحن سلع إيرانية، بما في ذلك النفط والغاز المسال، إلى اليمن والإمارات نيابة عن شبكة تابعة لمسؤول مالي حوثي. وأضافت أن عائدات شبكة سعيد الجمل تساعد في تمويل الحوثيين لاستهداف مسارات الشحن في البحر الأحمر وبنية تحتية مدنية.
أما بما يخص دور حزب الله الإقليمي، فإن المرحلة المقبلة لحزب الله ستكون محفوفة بالصعوبات، ذلك أن طائفته مهجرة بمعظمها من الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية، وهناك دمار هائل لهذه المناطق، كما فقد الحزب أركانه الأساسيين في قيادات الصف الأول بعد نصر الله، مما يتطلب بعض الوقت لتعويضهم، وأنّ ترسانته العسكرية أصابها الضعف بعد الدمار الذي ألحقته الغارات الإسرائيلية.
بالمحصلة فإن الأحداث الأخيرة، ستؤثر على دور حزب الله في سوريا والعراق وغيرها بعد رحيل نصر الله الذي كان بمثابة خليفة “قاسم سليماني” في قيادة ما يسمى محور المقاومة الممتد من اليمن إلى العراق إلى سوريا إلى لبنان إلى حماس ومرجعيته إيران.
إذن هو دور يصعب أن يخلفه فيه أي أحد، كما أن إضعاف حزب الله عسكرياً وإرهاقه يقلص من حجمه الإقليمي بعدما وجهت إسرائيل له ضربات عسكرية قوية، وبحسب العديد من القراءات فإن فقدان أمينه العام سيحرم الحزب إلى حد بعيد على الأرجح من دوره الإقليمي المتعاظم على الأقل.
الخلاصة والاستنتاجات:
- لدى حزب الله شبكة مالية وتجارية وعسكرية لا يستهان بها في مختلف بلدان العالم، عمل حزب الله على بنائها لسنوات طويلة، وتتميز هذه النشاطات بالسرية والتنوع، كما أنها تعتمد على التبرعات التي يقدمها أبناء الجالية اللبنانية من الطائفة الشيعية، والذين يقودون العديد من الأعمال التجارية في أفريقيا واستراليا وأمريكا اللاتينية دون نسيان أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.
- تواجه نشاطات حزب الله في الخارج الكثير من التدقيق الأمني والمالي بسبب ارتباطها بالعمل غير المشروع مثل تجارة المخدرات والسلاح وتهريب البشر، ومع ذلك قدمت هذه الشبكة الدعم المالي للحزب بنجاح، لكن من المتوقع أن تواجه أنشطة الحزب المزيد من التدقيق بعد الأحداث الأخيرة، وخاصة الجانب المرتبط بالعمليات الإرهابية والمتفجرات، خوفاً من تهديد الأهداف الإسرائيلية والأمريكية في الخارج كرد فعل انتقامي، وهذا ما سيدفع الحزب بشكل عام إلى انتهاج أساليب أكثر سرية من أجل متابعة أعماله، ما يحتم زيادة الضغوط على هذه النشاطات.
- من المتوقع أن تحاول إيران الإبقاء على شبكة حزب الله الخارجية، وإدارتها من قبل الحرس الثوري الإيراني، بهدف الاستفادة من الميزات التي قد تقدمها مثل الحصول على الأموال والتهرب من العقوبات الغربية، وتهديد المصالح الغربية دون الظهور في الواجهة.
- هنالك أيام صعبة تنتظر دور حزب الله الإقليمي وخلاياه في سوريا والعراق واليمن ودول الخليج في ظل غياب حسن نصر الله كقائد ملهم للحزب، وقد تعمل إيران على أن تحل قيادات الحرس الثوري الإيراني مكان القيادات اللبنانية التقليدية، لكن المشكلة الرئيسية بالنسبة لإيران هي انخفاض الثقة بثقلها ومدى قدرتها أو رغبتها في حماية حلفائها الذين ترمي بهم إلى التهلكة، ومن المتوقع أن يستمر استهداف عناصر حزب الله في سوريا والعراق بالاستفادة من الاختراقات الأمنية الكبيرة ضمن صفوف الحزب والحرس الثوري الإيراني.
المصادر:
- صحيفة (إندبندنت) في 15 آب/ أغسطس 2024
- موقع (الحرة) في 28 أيلول/ سبتمبر 2024
- موقع (لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية) في 20 ك1/ديسمبر 2018
- موقع (latinoamerica 21) في 21 أيلول/سبتمبر 2024
- موقع (The American Jewish Committee) في 15 أيلول/ سبتمبر 2024
- موقع (stimson) في 15 حزيران/ يوليو 2024
- (راديو مونتكارلو) في 29 ك1/سبتمبر 2024
- (الجزيرة) في 27 ك1/سبتمبر 2024
جميع حقوق النشر محفوظة لصالح مركز أبحاث مينا.