حسن نصر الله : زعامة تحت عنوان المقاومة، وصراع على السلطة

 

 

حسن نصر الله، أمين عام حزب الله اللبناني، يمثل أحد أبرز الشخصيات الجدلية في السياسة الإقليمية والدولية. منذ توليه القيادة في 1992، قاد حزب الله نحو مزيد من الهيمنة الداخلية والتوسع الخارجي، متخذًا من شعارات المقاومة والتحرير غطاءً لتحركات سياسية وعسكرية أثرت بشكل جذري على لبنان والمنطقة.

 

من قائد مقاومة إلى زعيم مهيمن

بدأ نصر الله مسيرته في حزب الله عبر المراحل الأولى لتأسيسه في الثمانينيات، متأثرًا بالثورة الإيرانية ومنهجها في تصدير الفكر السياسي الشيعي. بعد اغتيال سلفه عباس الموسوي في غارة إسرائيلية، صعد نصر الله إلى قيادة الحزب وركّز على تعزيز قوته التنظيمية والعسكرية.

في ظل قيادته، نجح الحزب في توسيع نفوذه الاجتماعي والاقتصادي داخل لبنان، مستفيدًا من الدعم المالي والعسكري الإيراني. عززت هذه المساعدات مكانة حزب الله كفاعل لا يمكن تجاوزه، لكنه في الوقت نفسه أثار جدلًا واسعًا بشأن دوره في تعطيل الدولة اللبنانية وتقويض السيادة الوطنية.


الصراع مع حركة أمل: نفوذ الشيعة في الميزان

شهدت العلاقة بين حزب الله وحركة أمل، الحليف التقليدي في الطائفة الشيعية، توترات دامية في الثمانينيات. بلغ الصراع ذروته خلال حرب الإخوة عام 1988، عندما اشتبكت القوتان عسكريًا في الجنوب اللبناني للسيطرة على المناطق والنفوذ بين الطائفة الشيعية.

رغم التوصل لاحقًا إلى تفاهم سياسي، إلا أن التوترات بين الطرفين لم تختفِ تمامًا. يظل نصر الله يواجه انتقادات داخلية بأنه يسعى للهيمنة على كل مفاصل القرار الشيعي، مستخدمًا خطاب المقاومة ضد إسرائيل كأداة سياسية لإبقاء حلفائه وخصومه تحت السيطرة.

 


سلاح المقاومة: أداة للهيمنة المحلية

يتخذ حزب الله من سلاحه مصدرًا رئيسيًا للقوة في الداخل اللبناني، مُبررًا وجوده بحجة “حماية لبنان من العدوان الإسرائيلي”. إلا أن هذا السلاح تجاوز دوره التقليدي في المقاومة، ليُستخدم في الصراعات السياسية الداخلية.

أبرز الأمثلة كان في أحداث 7 مايو 2008، عندما اجتاح الحزب بيروت الغربية ومناطق أخرى بالقوة العسكرية، موجهًا رسالة واضحة بأن الحزب مستعد للجوء للسلاح لحماية مصالحه. تسببت هذه الأحداث في مقتل العشرات وتعميق الانقسام الطائفي في البلاد.

على مر السنين، واصل حزب الله رفضه لنزع سلاحه رغم الدعوات المحلية والدولية المتكررة، ما جعل لبنان ساحة توتر دائم بين الأطراف التي تطالب بسيادة الدولة وتلك التي تدعم بقاء “دولة داخل الدولة”.


تورط الحزب في جرائم وأعمال إرهابية

أصبح حزب الله، بقيادة نصر الله، متهمًا في العديد من الأنشطة الإرهابية على المستويين المحلي والدولي:

  1. اغتيال رفيق الحريري (2005):
    أكدت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان تورط عناصر من حزب الله في التخطيط والتنفيذ لاغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري. شكلت هذه الحادثة ضربة للثقة المحلية والدولية بحزب الله كقوة سياسية.
  2. تفجيرات بوينس آيرس (1994):
    يُتهم الحزب بالضلوع في هجوم إرهابي استهدف مركزًا يهوديًا في الأرجنتين، أودى بحياة 85 شخصًا.
  3. شبكات تهريب المخدرات:
    يُعد الحزب لاعبًا أساسيًا في شبكات تهريب المخدرات على مستوى العالم، حيث يستخدم الأموال الناتجة عن هذه التجارة لتمويل عملياته العسكرية والسياسية.
  4. التورط في سوريا:
    منذ عام 2013، أرسل نصر الله مقاتلي الحزب لدعم نظام بشار الأسد، مما أدى إلى توسيع رقعة الحرب السورية. شارك الحزب في معارك دامية مثل حصار مدينة القصير، متهمًا بارتكاب جرائم تطهير طائفي وانتهاكات لحقوق الإنسان.

تعطيل الحياة السياسية اللبنانية

برز حزب الله كفاعل معطل للعملية السياسية اللبنانية. يُظهر ذلك جليًا في الفراغ الرئاسي الذي استمر لعامين (2014-2016) بسبب إصرار الحزب على انتخاب ميشال عون. كما عطل تشكيل الحكومات من خلال فرض شروطه على الأطراف الأخرى، مما زاد من تعقيد الأزمات السياسية والاقتصادية.

بالإضافة إلى ذلك، أسهم الحزب في عزل لبنان دوليًا، حيث ترى دول عدة أنه ذراع إيرانية تُستخدم لزعزعة استقرار المنطقة، ما أدى إلى فرض عقوبات اقتصادية على لبنان أضرّت باقتصاده الهش.


في ظل سيطرة حزب الله على أجزاء واسعة من الحياة السياسية والعسكرية، يُعاني لبنان من أزمات متفاقمة. من انهيار الاقتصاد إلى شلل مؤسسات الدولة، يُشير كثيرون إلى أن سياسات الحزب ودعمه للصراعات الإقليمية هي السبب الرئيسي وراء هذه التحديات.

 

في ظل تصاعد الأزمات التي تواجه حزب الله داخليًا وخارجيًا، يُثار الجدل حول مصير أمينه العام، حسن نصر الله، خصوصًا في حال مقتله في معركة أو نتيجة استهداف خارجي. نصر الله، الذي يُعتبر رمزًا رئيسيًا للحزب ودوره الإقليمي، يمثل محور القيادة السياسية والعسكرية للحزب.

 هلاك نصر الله 

  1. تفكك القيادة وتراجع النفوذ:
    بغياب شخصية كاريزمية مثل نصر الله، قد يواجه الحزب صعوبة في الحفاظ على وحدة القيادة، لا سيما مع وجود تيارات داخلية متباينة بين المتشددين والمعتدلين.
  2. فقدان الحاضنة الشعبية:
    الحزب يعتمد بشكل كبير على الحاضنة الشعبية الشيعية في لبنان، التي بدأت بالفعل بالتململ نتيجة الأوضاع الاقتصادية الكارثية والانخراط في الحروب الخارجية، خصوصًا في سوريا واليمن. مقتل نصر الله قد يُعجل بتراجع هذه الحاضنة وهروب الدعم الشعبي.
  3. تأثيرات دولية وإقليمية:
    نظراً لعلاقات نصر الله الوثيقة بإيران، فإن مقتله قد يؤدي إلى إعادة تشكيل العلاقة بين الحزب وطهران. بالإضافة إلى ذلك، قد تستغل إسرائيل والولايات المتحدة هذا الوضع لإضعاف الحزب عسكريًا وسياسيًا.

الأزمات الاقتصادية المتفاقمة في لبنان، والتي يتحمل الحزب جزءًا كبيرًا من المسؤولية عنها، أثرت بشكل مباشر على القاعدة الشعبية للحزب:

  • الهجرة الجماعية: آلاف الشباب اللبنانيين، بما في ذلك أبناء الطائفة الشيعية، يغادرون البلاد بحثًا عن فرص أفضل، مما يُضعف القاعدة البشرية للحزب.
  • الانتقادات الداخلية: بدأ جزء من الحاضنة الشعبية بالتعبير عن غضبه تجاه سياسات الحزب، خصوصًا بسبب تورطه في الحرب السورية وتأثير العقوبات الدولية.

 

المقاومة والانقسام

يمثل حسن نصر الله شخصية معقدة تجمع بين الكاريزما السياسية والزعامة المثيرة للجدل. تحت شعارات المقاومة، قاد حزب الله ليصبح قوة مهيمنة، لكنه في الوقت ذاته زجّ بلبنان في صراعات داخلية وخارجية كانت لها عواقب وخيمة على استقراره واقتصاده.

يتساءل كثيرون عن مستقبل لبنان في ظل استمرار الهيمنة المسلحة والتدخلات الإقليمية، وما إذا كان بإمكان البلاد أن تتحرر من إرث حزب الله الذي يرتبط في أذهان الكثيرين بالقوة والقمع بدلًا من التحرير والاستقلال.

 

 

 

مرهف مينو- مدير التحرير 

 

التقرير باللغة الفرنسية

Hassan Nasrallah : Un Leadership Sous le Signe de la Résistance, et une Lutte pour le Pouvoir

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى