الكُرد في سوريا بعد رحيل الطاغية: بين الآمال والتحديات … كجال درويش
بدايةً، لا يمكن إلا أن نبارك للشعب السوري زوال حقبة الظلم والاستبداد التي استمرت لأكثر من خمسة عقود. رحيل النظام المجرم الذي أحكم قبضته على سوريا يعني بداية جديدة مليئة بالآمال، ولكنها أيضًا محفوفة بالتحديات. وبينما يفرح الشعب السوري بسقوط الطاغية، يبدو أن الكُرد في سوريا ما زالوا يعيشون في حالة من القلق والترقب، غير قادرين على الاحتفال الكامل بهذه اللحظة التاريخية بسبب استمرار الفوضى السياسية والتشرذم الداخلي الذي يعاني منه الشارع الكردي.
يعاني الكُرد في سوريا من انقسام سياسي واضح بين الأحزاب والتوجهات المختلفة. هذه الأحزاب غالبًا ما تكون مرتبطة بمصالح خارجية أو مؤدلجة بشكل يعزلها عن القاعدة الشعبية. غياب الوحدة بين القوى الكردية يجعلها أقل قدرة على الدفاع عن حقوق الشعب الكردي في سوريا المستقبلية.
فالعديد من الأحزاب الكردية في سوريا ترتبط بأجندات إقليمية تتعلق بأجزاء أخرى من كردستان، مما يزيد من تعقيد الوضع. هذه الارتباطات تجعل القرار الكردي السوري مرهونًا بمصالح خارجية، وهو ما قد يضر بمصالح الكُرد داخل سوريا ويؤثر على مستقبلهم كجزء من النسيج الوطني السوري.
لا يمكننا أن نغفل التحديات السياسية التي يواجهها الكُرد بعد سقوط النظام. فرغم ما تعرض له الكُرد السوريون من تهميش واضطهاد في ظل الأنظمة السابقة، فإن اللحظة الراهنة تضعهم أمام فرصة لإعادة ترتيب صفوفهم والمطالبة بحقوقهم المشروعة ضمن إطار وطني جامع. ومع ذلك، فإن التحديات الداخلية والخارجية تجعل هذا الطريق محفوفًا بالصعوبات.
هناك خشية من تهميش الكُرد في عملية بناء سوريا الجديدة إذا لم يتمكنوا من تقديم رؤية واضحة ومشتركة لحقوقهم السياسية ضمن إطار النظام الديمقراطي الجديد.
تجاوز هذه العقبات يتطلب من الكُرد السوريين اتخاذ خطوات حاسمة تعتمد على الحكمة السياسية والعمل الجماعي. يجب على الأحزاب والقوى الكردية في سوريا وضع خلافاتها جانبًا والعمل على تشكيل جبهة موحدة تمثل تطلعات الشعب الكردي. هذه الوحدة ليست خيارًا بل ضرورة لضمان التفاوض بقوة في أي حوار وطني قادم.
فك الارتباط بالأجندات الإقليمية والاستقلالية السياسية هو المفتاح. يجب على الكُرد السوريين الابتعاد عن المصالح الإقليمية التي قد تجرهم إلى صراعات لا تخدم قضاياهم داخل سوريا. التركيز على المطالب المحلية والمشاركة في بناء سوريا المستقبل هو السبيل لتحقيق مكاسب طويلة الأمد.
الحل الأمثل لضمان حقوق الكُرد يتمثل في المطالبة بنظام فيدرالي ديمقراطي يحترم الخصوصيات القومية والثقافية لجميع مكونات الشعب السوري. هذا النظام يمكن أن يحقق التوازن بين الوحدة الوطنية والاعتراف بحقوق الكُرد كمكون أصيل من مكونات المجتمع السوري.
لذلك، على الكُرد العمل على بناء جسور الثقة مع بقية المكونات السورية من عرب وآشوريين وغيرهم. تحقيق المطالب القومية لا يتعارض مع بناء وطن جامع للجميع، بل يعتمد على الشراكة في بناء دولة ديمقراطية تُحترم فيها حقوق الجميع.
رحيل الطاغية يمثل لحظة أمل وتغيير لجميع السوريين، بمن فيهم الكُرد. ومع ذلك، فإن الكُرد السوريين أمام مسؤولية تاريخية لإثبات قدرتهم على تجاوز الخلافات الداخلية، والتركيز على مطالبهم المشروعة ضمن إطار سوريا موحدة وديمقراطية. الفيدرالية واللامركزية ليستا مجرد حلول للكُرد، بل هما نموذج لإدارة دولة تعترف بتنوعها وتستفيد منه في بناء مستقبل مشرق لكل أبنائها. على الكُرد أن يكونوا جزءًا من هذا البناء، ويوجهوا بوصلتهم نحو الشعب والوطن، بعيدًا عن الأجندات الخارجية التي لا تخدم مصلحتهم في النهاية.