ماهر الأسد… البعبع الذي أرعب السوريين

 

لا يمكن الحديث عن ماهر الأسد من دون حصر بعض المفردات والجمل التي تعبر عنه وعن أفعاله، ومنها قتل إجرام تعذيب بطش سرقة المال العام مخدرات كبتاغون قمع اعتقال مغامر متوحش دموي حياة فارهة تكبر استعلاء تحدي منافسة، الابتعاد من الأضواء والعقوبات الدولية، صديق لإيران ومحورها وقريب من روسيا، عنف مفرط وغموض وجهاز أمني خاص به واغتيالات.

وعلى هذا الأساس يمكننا رسم صورة واضحة عن ماهر الأسد، اليد التي قمعت الثورة السورية عام 2011 وبطشت بالمتظاهرين، واللافت أنه عند البحث عنه عبر الانترنت لا نجد إلا صوراً قليلة له، غالبيتها من جنازة تشييع والده عام 2000، وحتى تصريحاته تكاد تكون نادرة، وإذاً هو رجل قرر أن يعيش في الظل وأن يكون صوتاً بلا صدى.

بعد وفاة شقيقه باسل عام 1994 كان من المرجح أن يكون خليفة محتملاً لحافظ الأسد، لكن الأخير اختار بشار الذي كان يدرس طب العيون في لندن على رغم افتقاره إلى الخبرة العسكرية آنذاك، وترجح تقارير إعلامية بأن طباع ماهر الحادة أثرت في القرار لمصلحة بشار.

صراع

الصراع والخلافات ما بين رئيس النظام السوري السابق بشار الأسد وأخيه ماهر المسيطر على الحياة العسكرية والأمنية في البلاد، بدأت منذ تولي الأول السلطة، إذ كان يعتبر أنه أولى بالمنصب الرئاسي نظراً إلى خبرته العسكرية وقوته وحزمه في إدارة الأزمات، لكنهما اتفقا لاحقاً على أن تقسم الأمور بينهما ما بين السياسة والأمن، فبات ماهر ثاني أقوى رجل الدولة، ويقال في الغرف الضيقة إنه كان الرجل الأول وليس بشار.

الانفتاح السياسي الذي أبداه الرئيس السابق في بداية حكمه لم يدم طويلاً، إذ أقنعه ماهر بقمع هذا الانفتاح الذي شهده السوريون لأشهر قليلة، وهو ما بات يشار إليه لاحقاً بـ “ربيع دمشق” عام 2000، وحالياً لا أحد يعلم أين هو الرجل الذي قاد “الفرقة الرابعة”، وهي وحدة عسكرية تابعة للجيش السوري وتعتبر واحدة من أكثر القوات الموالية للنظام، فثمة من يقول إنه غادر إلى روسيا قبل أسبوع من انهيار النظام، وهناك من يقول إنه مصاب وانتقل إلى العراق، وبعض الأخبار تفيد بأنه دخل لبنان عبر معبر غير شرعي، فيما تشير بعض المصادر إلى أنه رفض المغادرة في اللحظات الأخيرة مفضلاً البقاء في سوريا داخل مكان سري.

رعونة

يجمع عدد كبير من التقارير الغربية على رعونة تعامل ماهر الأسد مع الشخصيات القيادية في بلده، فلم يكن يهاب أحداً ولم يحسب حساباً لأحد، ولطالما كان البعبع للجميع، ومن الروايات المتداولة أنه أطلق النار على نائب الرئيس فاروق الشرع، كما صفع المستشارة الرئاسية بثينة شعبان، ووفقاً للرواية فإن الشرع ندد بشدة بممارسات الأجهزة الأمنية في الصنمين القريبة من درعا خلال اجتماع مع رئيس الاستخبارات آصف شوكت وشقيق الرئيس قائد الحرس الجمهوري ماهر الأسد، ورداً على دعوة الشرع إلى محاسبة المسؤولين عن قتل أطفال في الصنمين، قال شوكت إنهم كانوا يحاولون الاستيلاء على الأسلحة من أحد المراكز الأمنية، فرد الشرع متسائلاً “من يصدق هذه الرواية”؟، ثم ارتفعت حدة التوتر وأقدم شوكت على صفع الشرع قائلاً له “اخرس يا درعاوي”، قبل أن يسحب ماهر الأسد مسدسه ويطلق النار على الشرع متوجهاً إلى صهره شوكت بالقول “هكذا يجري التعامل معه”.

وتفيد المعلومات بأن المستشارة الرئاسية بثينة شعبان باتت فعلياً “خارج الخدمة”، إذ جرى إقصاؤها من منصبها إثر خلاف حاد مع ماهر الأسد الذي صفعها على وجهها بعدما أبدى غضبه الشديد من مؤتمرها الصحافي في بداية الأزمة، والذي أعلنت خلاله عزم الرئيس إجراء إصلاحات، معتبراً أنها رفعت سقف التنازلات من قبل النظام مما أدى إلى تصاعد الحركات الاحتجاجية.

كما يُعرف عن ماهر الأسد أنه الرجل صاحب النهج الأكثر تشدداً في سوريا فهو أكثر قسوة من بشار، وقد يتضح ذلك في موقفه مع حركة “حماس” ورئيس مكتبها السياسي خالد مشعل بعد رفضه موقف النظام السوري، فقد أشار المنسق السياسي والإعلامي للجيش السوري الحر لؤي المقداد إلى أن مشعل غادر سوريا بعد قيام ماهر بتهديده بالقتل وقيامه باعتقال زوجته وابنته لأيام عدة بغية إجباره على التراجع عن موقفه ضد نظام الأسد.

وقد أعلنت واشنطن اسم ماهر الأسد ضمن قائمة الشخصيات السورية النافذة التى خضعت للعقوبات الاقتصادية نتيجة دوره في قمع أبناء درعا، وهي الخطوة نفسها التي اتخذها الاتحاد الأوروبي، واصفاً ماهر الأسد بالراعي الأساس للعنف في سوريا.

وفي مايو (أيار) 2011 وصلت مشاهد مصورة إلى وسائل الإعلام يظهر فيها ماهر مرتدياً سترة جلدية ويطلق الرصاص على المواطنين بصحبة عدد من رجال الشرطة في منطقة برزه في دمشق، وعلق رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان على هذه المشاهد قائلاً “من وجهة نظر انسانية أقول إن ماهر لا يتصرف بصورة إنسانية ويسعى إلى المذابح”، ومنذ ذلك الوقت لم يظهر ماهر إلا نادراً.

الدائرة الضيقة

يعتقد كثير من المحللين أن قوة ماهر الأسد تعكس الدائرة الضيقة التي كان يجلس على رأسها بشار الأسد نفسه، “وهي الدائرة التي تتكون من الارتباطات العشائرية والعائلية والصداقة، وماهر موجود في قلب تلك العصبة، إذ يعتقد معظم السوريين أنه ذلك الشخص المجهول الذي ظهر على شريط فيديو يطلق الرصاص على المتظاهرين”.

ووفقاً للدبلوماسي السوري السابق بسام بيطار الذي يعيش في المنفى بفرجينيا، فإن سيطرة ماهر على جهاز الأمن السوري تجعل منه “الشخص الأول في القيادة وليس الثاني”.

ويضيف أن بشار الأسد منذ صغره يتميز بين إخوانه بأنه الأضعف والأكثر تردداً، “وأعتقد أنه في بعض الأحيان يرمي إلى الاصلاح إلا أن أخاه لا يريد ذلك”. ويقول بيطار إن العلاقة بين الأسد وأخيه الأصغر تعكس العلاقة بين والدهم الراحل حافظ الأسد وأخيه الأصغر رفعت الذي يعتبر مهندس مذبحة حماة عام 1982 التي قتل فيها 10 آلاف شخص في الأقل.

ويوضح أنه “إذا عدنا إلى تلك الانتفاضة التي شبت بين عامي 1979 و 1982، فإن رفعت يعتبر الرجل القذر والقاتل في تلك الانتفاضة، والآن التاريخ يعيد نفسه، إذ أصبح ماهر هو الرجل القذر”.

ثقة ونفوذ

“يرى نفسه الشخص الموكل بحماية النظام، وهو شخص بشع للغاية”.

هكذا يتحدث السفير الأميركي السابق في سوريا تيد قطوف عن ماهر الأسد الذي لعب دوراً محورياً في الإدارة العسكرية للأزمة السورية منذ اندلاعها منتصف مارس (آذار) 2011، إذ يتولى رسمياً مهمة قيادة قوات النخبة في الجيش السوري، وتحديداً الفرقة الرابعة المدرعة وألوية الحرس الجمهوري، كما يدير مجموعات الشبيحة، وهي الميليشيات المسلحة المؤيدة لـ “النظام الأسدي”.

ويختلف كثيرون عند الحديث عن دور ماهر في الأزمة، إذ يصفه محللون بأنه “الشخصية الأكثر قسوة داخل النظام”، كما أنه كان دائماً على رأس العمليات القتالية الأكثر وحشية في سوريا، بخاصة مع قيام فرق الشبيحة التي يقودها بكثير من الجرائم الدموية، وقد تعامل مع الوضع في سوريا بمبدأ “إما بقاء النظام كله أو ذهابه كله”، وهو ما أدى إلى حال ارتياح عامة في صفوف حلفاء دمشق وعلى رأسهم إيران وروسيا، إذ تهدف خطته العسكرية في جانب منها إلى العمل على إعادة سيطرة القوات النظامية على المعابر الحدودية، ولا سيما مع تركيا التي أضحت في يد الجيش السوري الحر.

وتورد صحيفة “فايننشال تايمز” أنه “في السابق كان ماهر اسماً ضبابياً بالنسبة إلى السوريين فلا أحد يعلم عنه شيئاً، لكن مع بداية حكم بشار اكتسب سمعة لكونه أقوى رجل في سوريا”، مضيفة أن “شعبية ماهر تفوق شعبية شقيقه الرئيس”.

دوره في الجيش السوري

يحمل ماهر رتبة لواء، وكان قائد الحرس الجمهوري السوري والفرقة المدرعة الرابعة، وهما وحدتان من النخبة داخل الجيش السوري، وقد اكتسب سمعة واسعة باعتباره قائداً عسكرياً فعالاً وإن كان مثيراً للجدل، وهو معروف أيضاً بموقفه الثابت في شأن القضايا الأمنية، وكان شخصية رئيسة في الحفاظ على استقرار نظام الأسد خلال الصراع المستمر في سوريا، ويمتد نفوذه داخل الجيش إلى ما هو أبعد من منصبه، إذ يعتبر أحد الركائز الأساس للنظام، ويثق به شقيقه بشار في إدارة العمليات العسكرية المهمة بصورة جيدة للغاية.

ويعتبر أيضاً شخصاً منضبطاً ويُعرف بولائه المطلق لعائلته، فضلاً عن تفانيه في الحفاظ على قبضة النظام على السلطة، كما يتمتع بشخصية مختلفة عن شقيقه الذي تبنى إلى حد كبير دور القيادة العامة.

ويقول الباحث في جامعة أوكلاهوما، جوشوا لانديس، إن ماهر هو “أمين سر” أسرة الأسد والرجل المكلف بإبقاء العائلة في الحكم، وهو دور يبدو أن الشقيق الأصغر للرئيس السوري يستمتع بالقيام به، إذ ينقل أحد الذين قابلوه شخصياً بأنه ظهر خلال الاجتماع ببذلته السوداء ونظاراته الشمسية وشعره المصفف إلى الخلف، وكأنه أحد أعضاء المافيا، أما تيد قطوف فيقول إن ماهر “يعتبر نفسه مصدر القوة لآل الأسد”.

 

الرجل الغامض

يحيط ماهر نفسه بهالة من السرية توازي هالة الوحشية التي ترافقه، ويقول لانديس إن المعلومات المتوافرة عنه شحيحة للغاية، إذ يندر أن يظهر في أماكن عامة، ويحرص على مواصلة التنقل وتجنب التحدث عبر الهاتف، ولا تمتلك وسائل الإعلام له إلا مجموعة محدودة من الصور.

ويعتبر لانديس أن السبب الرئيس لهذا الغموض المحيط بماهر يكمن في رغبة بشار بالحفاظ عليه، باعتباره الشقيق الوحيد الذي لا يزال على قيد الحياة بعد وفاة شقيقه مجد عام 2009، وقبل ذلك شقيقه باسل عام 1994.

ومن الغموض المحيط بماهر الأسد تشكلت أسطورة حول تلك الشخصية، إذ يقول بعضهم إنه كان المعارض الأكبر لزواج شقيقته بشرى من آصف شوكت الذي تولى لاحقاً منصب نائب وزير الدفاع قبل اغتياله في تفجير اجتماع القيادات الأمنية، وتشير بعض المصادر إلى أن الأمر وصل به حد إطلاق النار على شوكت وإصابته في بطنه.

ويقول قطوف إن هذه القصة التي لا يمكن التأكد من صحتها هي “مؤشر على طبيعة شخصية الرجل”، أما لانديس فيعتبر أن ماهر “هو الشخص الذي ينظر بعضهم إليه على أنه الرجل القوي الواقف خلف العرش، والقادر على تنفيذ المهمات القذرة”، ويشير قطوف إلى جوانب أخرى في شخصية ماهر الأسد ويصفه بأنه شخص هادئ وغير مهتم بالقضايا السياسية الراهنة، وقد ظهر بهذا المظهر مرات عدة خلال اجتماعات مع شخصيات عربية.

الزوجة

احتكرت زوجته منال الجدعان جميع النشاطات المتعلقة برياضة الفروسية في سوريا بعد موت الأخ الأكبر للعائلة باسل الأسد، وهي الرئيسة الفخرية لاتحاد هذه الرياضة، كما أن ابنتيها شام وبشرى اعتادتا الحصول على المراتب الأولى في جميع سباقات الفروسية التي تقام في البلاد، ومن المعروف وجود خلافات بين ماهر الأسد وعائلة زوجته، ولا سيما شقيقتها مجد جدعان التي أُجبرت على مغادرة سوريا عام 2008 إثر هذه الخلافات.

 

 

ووفقا لوكالة “رويترز” فقد أجرت مجد الجدعان مقابلات عدة تحدثت فيها عن ماهر الأسد من منفاها في أميركا، ومن ضمن تصريحاتها أنه علم أطفاله “الأعمال والتصرفات الوحشية”، ووصفت صهرها بأنه “رياضي وانطوائي ويستمع أكثر مما يتحدث”، وقالت إنه “عنيد ولا يرحم، ويضرب مساعديه”، وعرف عن ماهر الأسد تورطه في مشاجرات عنيفة مع من حوله، كانت إحداها عام 1994 عندما اشتبك مع ابن عمه ريبال الأسد خارج مجمع الشيراتون في دمشق.

 

الأنشطة التجارية لماهر الأسد

 

تحيط باللواء ماهر الأسد منذ توليه الفرقة الرابعة بصورة غير رسمية شبكة علاقات اقتصادية من كبار رجال الأعمال الذين يمثلون واجهات للشركات التي تسيطر على اقتصاد الظل في سوريا، منذ تسلم بشار الأسد السلطة خلفاً لوالده عام 2000، وإضافة إلى نشاطاته العسكرية يعرف ماهر بنشاطاته التجارية كذلك، إذ يمتلك شركات عدة تشرف على مشاريع ضخمة في سوريا ولبنان، كما أنه شريك ابن خالته رامي مخلوف في كثير من المشاريع.

وبعد الثورة السورية أصبح لدى ماهر الأسد مصادر دخل مختلفة أبرزها عمليات ضبط المنافذ الحدودية وطرق الشحن وجمع الإتاوات من المدنيين والتجار على الحواجز العسكرية التي تقيمها الفرقة الرابعة في مناطق مختلفة، ووفقاً لمجلة “فورتشن” فقد استفاد ماهر الأسد من عملية غسل أموال بقيمة مليار دولار في بنك المدينة اللبناني الذي انهار عام 2003 مع بداية غزو العراق، وكان استخدم أيضاً لغسل أموال عدد من المسؤولين العراقيين وشركائهم.

كما جمع ماهر الأسد ثروة ضخمة من نهب آثار تدمر، وبعد الحرب دخل عوالم جديدة منها تجارة الخردة التي درت عليه نحو 10 ملايين دولار شهرياً خلال يناير (كانون الثاني) وفبراير (شباط) 2019، لمصلحة رجل الأعمال الدمشقي محمد حمشو الذي أوكله ماهر بإدارة هذه التجارة لمصلحته، وفق دراسة صدرت عن برنامج “مسارات الشرق الأوسط”، عام 2020 تحت عنوان “شبكة اقتصاد الفرقة الرابعة خلال الصراع السوري”.

 

 

كما تفاقمت ظاهرة فرض إتاوات على مرور البضائع والأفراد عبر المعابر الداخلية بين مناطق السيطرة المختلفة، والتي باتت من نصيب ماهر الأسد أيضاً بحلول عام 2018.

وإن كان ماهر الأسد قد قبل التخلي عن نفوذه في مرفأ طرطوس لمصلحة الروس الذين حصلوا على عقد لاستثماره عام 2019، إلا أنه بقي متمسكاً بمرفأ اللاذقية الذي كان مصدر أكبر شحنة مخدرات في التاريخ إلى إيطاليا بقيمة مليار يورو منتصف عام 2020.

الكبتاغون

من أبرز الموارد التي اعتمدها ماهر الأسد لتعويض الخسائر التي تكبدها نتيجة العقوبات، بحسب مؤسسة “كارنيغي”، تجارة الكبتاغون التي تنامت في سوريا بغطاء حكومي، وبسبب سرعة تناميها باتت تشكل تهديداً حقيقياً لكثير من دول المنطقة والجوار، بما في ذلك الأردن والعراق والسعودية والكويت وغيرها، كما جرى تصنيف بعض رموز الحكومة السورية باعتبارهم الفاعل الرئيس الذي سهل تهريب الكبتاغون إلى الموانئ الأوروبية.

وتناولت كثير من التقارير الدور الذي تقوم به “الفرقة الرابعة” بقيادة الأسد في التغاضي عن ترويج هذه المخدرات وتهريبها إلى دول أخرى، ووفقاً لكثير من المصادر فلا يمكن أن تعبر شحنات الكبتاغون الحدود السورية من دون أن تمر أولاً على عشرات الحواجز التي تسيطر عليها “الفرقة الرابعة”، وبسبب “دوره في إنتاج وتهريب الكبتاغون” فقد فرضت الولايات المتحدة عقوبات إضافية على ماهر الأسد في مارس 2023، واتهمته وزارة الخزانة الأميركية وفرقته الرابعة بتمويل “مخططات غير مشروعة لتوليد الإيرادات، تراوح بين تهريب السجائر والهواتف المحمولة، وتسهيل إنتاج وتهريب الكبتاغون”.

الكبتاغون كان الممول الرئيس للجهاز الأمني السوري وتوابعه (أ ف ب)

ولم يكن المسؤول عن إدارة إنتاج الكبتاغون في سوريا وتصديره سوى ماهر الأسد، المخلوع مع أخيه الرئيس، إلى درجة أن السوريين أطلقوا لقب “فرقة الكبتاغون” على “الفرقة الرابعة” التي كان ماهر الأسد يقودها في الجيش، كما وجد سرداب ضخم تحت منزل ماهر الأسد بعد اقتحامه، ويقال إن السراديب بنيت بشكل خاص من أجل لحظة الهرب وإخفاء الكبتاغون والشخصيات الكبيرة.

وسبق أن كشف فيديو بثته قناة تابعة للفصائل المسلحة عن مخبأ تحت الأرض أسفل منزل ماهر الأسد في دمشق، كان ناشطاً بإنتاج الكبتاغون “بدعم من إيران”، على رغم محاولات حثيثة قامت بها دول مجاورة ولأعوام طويلة لإحباط التهريب المستمر للمخدرات من سوريا.

وتمتد سيطرة ماهر الأسد أيضاً على مدينتي اللاذقية وطرطوس الساحليتين اللتين كانتا مع وفرة الموانئ الرسمية وغير الرسمية فيهما مرتعاً لتهريب البضائع غير المشروعة من وإلى سوريا، ويعتقد أن الشحنة الأخيرة التي صودرت بمرفأ ساليرنو جنوب نابولي وقيمتها في السوق مليار يورو خرجت من سوريا، كما صودرت كمية قياسية من الأمفيتامين بوزن 14 طناً وفي صورة 84 مليون حبة كبتاغون.

 

 

“هذه المنطقة تخضع بالكامل لحكم النظام، وكلها تحت حراسة قوات ماهر الأسد، ولا شيء يغادر المنطقة من دون موافقتهم، إنها مصدر دخل كبير بالنسبة إليهم ولتمويل الميليشيات الخاضعة لسيطرتهم”، هذا ما قاله أحد المصادر داخل سوريا لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية.

وأضاف، “يشاهد صغار الصيادين بانتظام قوارب سريعة تذهب من الموانئ غير القانونية على طول الخط الساحلي إلى السفن الكبيرة الراسية في عرض البحر، ويطلقون على أحد هذه القوارب اسم قوارب الزعيم، والجميع يعلم أن هذه القوارب هي من عمل ماهر وجميع مجموعات المهربين الذين يدعمون النظام”.

 

سيرة ذاتية

 

ولد ماهر الأسد في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) 1967، وهو ثالث أبناء حافظ الأسد، ويصادف عيد ميلاده الـ 57 يوم سقوط نظام عائلة الأسد في سوريا (8 ديسمبر 2024)، وهو متزوج من منال الجدعان وله ثلاثة أبناء يحتفظ بهم بعيداً من أعين الجمهور، مما يعكس الطبيعة الخاصة لعائلة الأسد بشكل عام، وقد درس الهندسة الميكانيكية في جامعة دمشق، وبعد تخرجه التحق بالكلية الحربية وتدرج في الرتب العسكرية بسرعة حيث تولى منصب قائد اللواء “42 – دبابات” في الفرقة الرابعة، ورُقي في يوليو (تموز) 2017 لرتبة لواء، وفي أبريل (نيسان) 2018 عُين قائداً للفرقة الرابعة في الجيش السوري.

لماهر الأسد تاريخ دموي سابق للثورة، إذ شارك مباشرة في قمع الانتفاضة الكردية عام 2004، وارتكب عناصر “الفرقة الرابعة” تجاوزات كبيرة بحق الأكراد في المنطقة الشمالية الشرقية، فضلاً عن مجزرة سجن صيدنايا عام 2008.

وخلال اندلاع الثورة السورية عام 2011 تولت “الفرقة الرابعة” الدور الرئيس في عمليات القمع التي ارتكبتها قوات النظام نتيجة لاعتبارات عدة، أهمها أنها وريثة “سرايا الدفاع” التي ارتكبت مجازر خلال ثمانينيات القرن الماضي ضد أبناء الشعب السوري وبخاصة في مدينة حماه 1982، كما أن غالبية عناصر “الفرقة الرابعة” من الطائفة العلوية التي ينحدر منها بشار وماهر الأسد.

ويعتبر اللواء ماهر الأسد المسؤول المباشر عن الجرائم التي ارتكبتها “الفرقة الرابعة” كافة منذ بداية الثورة، على رغم أنه لم يكن قائد الفرقة بشكل رسمي حتى أبريل 2018، لكنه كان قائدها الفعلي منذ كان برتبة عميد.

وتشكلت “الفرقة الرابعة” على يد رفعت الأسد، شقيق حافظ الأسد وعم بشار وماهر، بداية التسعينيات من القرن الماضي، وتتمتع هذه بمكانة خاصة في الجيش السوري نظراً إلى دورها المهم في حماية النظام، وبخاصة خلال الصراع الذي بدأ عام 2011، وعُرفت بتورطها في كثير من العمليات العسكرية الدموية ضد المعارضة السورية في مختلف مناطق البلاد، بما في ذلك الهجمات على المدن والقرى المتمردة والمناطق التي كانت تحت سيطرة الفصائل المسلحة.

ونتيجة لجرائمه المتعددة وسجله الدموي فقد ورد اسم ماهر الأسد في تقرير منظمة “هيومن رايتس ووتش” تحت عنوان “بأي طريقة: مسؤولية الأفراد والقيادة عن الجرائم ضد الإنسانية في سوريا”، والذي نقل عن أحد المقاتلين المنشقين من الجيش السوري كان خدم في “الفوج 555 مظليين” التابع للفرقة الرابعة، أن قائد الفوج العميد جمال يونس الذي يتبع مباشرة ماهر الأسد، أعطى أوامر شفهية بإطلاق النار على المتظاهرين أثناء انتشار القوات في المعضمية.

ونقل التقرير عن عسكري آخر يدعى عمران تأكيده أن الأوامر قادمة من ماهر الأسد، وأنه “مع بدء التظاهرة قال لنا العميد جمال يونس ألا نطلق النار، لكن بعد ذلك بدا وكأنه يتلقى أوامر إضافية من ماهر، وكانت معه ورقة ما عرضها على الضباط، ثم صوب الضباط بنادقهم نحونا وقالوا لنا أن نطلق النار مباشرة على المتظاهرين، وفي ما بعد قالوا إن الورقة كانت فيها أوامر من ماهر باستخدام كل الوسائل الممكنة”.

وتحدثت صحيفة “دي فيلت” الألمانية في تقرير لها بتاريخ الـ 15 من سبتمبر (أيلول) 2013 عن جرائم ماهر الأسد، ووصفته بالمتوحش وبأنه المجرم الذي يلعب دوراً في قمع الشعب السوري.

ونتيجة لتورطه في هذه الانتهاكات والجرائم المروعة ضد الشعب السوري فقد جرى إدراج اسمه في قوائم العقوبات البريطانية والأوربية والكندية والأميركية، ومن أبرز الجرائم التي ارتكبتها “الفرقة الرابعة” خلال المراحل الأولى من الثورة ما يلي:

 المجازر ضد المدنيين في مدينتي درعا ونوى خلال اندلاع الثورة في مارس 2011.

 المجازر التي ارتكبتها “الفرقة الرابعة” في ريف دمشق ومعضمية الشام وداريا والقابون وزملكا ودمر ودوما والعباسية وحرستا وأحياء جوبر وبرزة وتشرين.

 مجازر “الفرقة الرابعة” في مدينة حمص، وبخاصة في أحياء بابا عمرو والخالدية والبياضة.

 جرائم “الفرقة الرابعة” في حماه وريفها، وبخاصة خلال اقتحام مدينة حماه في أغسطس (آب) 2011، ولاحقاً ريف حماه الشمالي والجنوبي.

 المشاركة في المعارك التي أدت إلى تهجير أهالي معضمية الشام وداريا ووادي بردى والغوطة الشرقية ودرعا والقنيطرة، والتي نتج منها مقتل عشرات الآلاف وتشريد مئات الآلاف.

 حملات الاعتقال العشوائية التي قام بها عناصر “الفرقة الرابعة” في دمشق وريفها بحق عشرات الآلاف من أبناء الشعب السوري، إذ وثق مقتل المئات منهم تحت التعذيب في سجون الفرقة، ويعتبر مدير المكتب الأمني في “الفرقة الرابعة” العميد غسان بلال المسؤول المباشر عن تلك الانتهاكات.

؟

؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى