فوضى تحرير المعتقلين بسوريا : أخبار زائفة … ووثائق تضيع أو تُحرق للتدفئة!

 

منذ سقوط نظام الأسد قبل أسبوع، كانت قضية المعتقلين في السجون ومراكز التعذيب فوق الأرض وتحتها، هي القصة الإنسانية الأكثر تأثيراً، مع فيضان من الصور ومقاطع الفيديو وفوضى في التعامل مع ملف حساس خصوصاً في ما يتعلق بنشر المعلومات الكاذبة وإتلاف الأدلة، فيما نشط مدونون وصحافيون وأعضاء في المنظمات الإنسانية تسليط الضوء على هذا الملف، وفرز ما يصح من المعلومات عن ركام من الشائعات التي مازالت قيد التداول.

والسجال المستمر في مواقع التواصل، والأخذ والرد حول سجن صيدنايا العسكري تحديداً، له ما يبرره لدى السوريين الذين تجمع الآلاف منهم عشية هروب الأسد المخلوع حول “المسلخ البشري” في وقت تكاثرت فيه المعلومات المزيفة حول السجون السرية والطوابق تحت الأرض للسجن، رغم محاولة ناشطين حقوقيين ومن بينهم دياب سرية الناشط في “رابطة معتقلي صيدنايا” توضيح أن المعتقلين المتبقين في السجن، تحرروا كلهم منذ يوم الأحد الماضي، لكن الصدمة بأن ما تبقى من المعتقلين لا يتجاوز بضعة آلاف فقط كانت وراء عدم تصديق كثيرين ليتشبثوا بوهم إيجاد أحبائهم المغيبين قسراً منذ

سنوات.

وما أشيع عن سجون سرية أو طوابق أرضية لم تكتشف في سجن صيدنايا، يدخل ضمن استمرارية المأساة التي طاولت أهالي المعتقلين، مع عدم استبعاد وجود أيادٍ تحركها فلول النظام السابق ومحور الممانعة تلعب بمشاعر السوريين، من خلال ضخ الشائعات والمعلومات المزيفة والصور والفيديوهات غير الدقيقة التي تم بثها بدءاً من ليلة سقوط النظام وحتى الآن.

وهنا، لاحظت الصحافية هيفا ياسين أن “ساحة القتال الوحيدة المتبقية لأزلام النظام السابق هي الساحة الإلكترونية”، وأوضحت عبر صفحتها في “فايسبوك” أن نشر بعض الوثائق التي قد تحوي ثغرة ما ستكتشف لاحقاً يهدف إلى ضرب مصداقية كل الوثائق المماثلة، كما لاحظت وجود “مغالطات كبيرة في أسماء ومواقع السجون ضمن كثير من فيديوهات تحرير المعتقلين التي تنتشر من داخلها” مستندة إلى أن “التضليل والأخبار الزائفة سلاح قوي في حرب المعلومات، وسلاح قادر على قلب المعادلات وتمييع المسائل الملحّة، وقد نجح النظام السابق في استخدامه لسنوات”.

 

 

والحال أن الأسد قام على مدار الأعوام السابقة بقتل النسبة الأكبر من المعتقلين وهم آلاف مؤلفة تم إعدامهم ببرود ووحشية شديدين، وربما يكون قد قام بعمليات إعدام موسعة خلال الأيام أو الساعات التي سبقت هروبه، ما يجعل العدد الأخير للمعتقلين الذين وجدوا على قيد الحياة لا يتجاوز سوى آلاف قليلة، ويتجلى ذلك في اليومين الماضيين بالعثور على مقابر جماعية في محيط دمشق وريفها.

وسارع مدونون وصحافيون سوريون إلى نشر المقاطع والصور المؤكدة حول سجن صيدنايا، مثل الصحافية زينة ارحيم التي نشرت مقاطع فيديو عن القسم الأحمر من السجن عبر حسابها في منصة “إكس”، بينما حاول آخرون تسليط الضوء على ما يحتاجه المعتقلون حالياً من رعاية نفسية وصحية، وما يتوجب على المعنيين من سلطة ومنظمات وناشطين، القيام به من أجل الحفاظ على وثائق السجون وأدوات التعذيب ومشاهد الزنازين على وضعها الحالي، كشاهد على إجرام النظام الذي فاق كل التوصيفات.

 

وأشارت الناشطة ربى بلال عبر حسابها في “فايسبوك” إلى أهمية وضخامة قضية المعتقلين في سوريا، فيما لم يكن أداء إدارة العمليات العسكرية والمنظمات الحقوقية ملائماً لهذا الملف الملتصق بالسلم الأهلي وبناء البلد، داعية إلى إنشاء وزارة للمعتقلين وعائلاتهم. وتساءلت بلال عن غياب معظم الناشطين الحقوقيين ومراكز الدراسات عن المشهد ومنظمات المجتمع المدني التي تم تأسيسها منذ العام 2011، خصوصاً أن تلك المنظمات كانت تعمل على توثيق السجون والمعتقلين والمغيبين قسرياً وتدربت من أجل اللحظة التي يسقط فيها النظام للقيام بعمل ممنهج.

والمؤكد حتى الآن هو خروج جميع المعتقلين من كافة السجون، وهو ما تم الإعلان عنه منذ اليوم الأول لسقوط النظام، فمثلاً أصدرت “رابطة معتقلي سجن صيدنايا” التي يمكن اعتبارها المرجع الأول لخفايا السجن وتوثيق معتقليه ووسائل التعذيب المستخدمة فيه، بيانات عديدة حول تلك الحقيقة، لكنها جوبهت بآلاف الانتقادات والشائعات في مواقع التواصل، مع انتشار معلومات زائفة مضادة.

 

 

ويمكن تسجيل حالة من التباطؤ في توضيح كافة المعلومات حول المعتقلين وإفراغ السجون من إدارة العمليات وإن كانت هذه الحالة مبررة في الساعات الأولى، لكنها أدت إلى عشوائية سواء في إخراج المعتقلين أو توثيقهم أو حفظ السجلات والوثائق المكدسة في السجون والتي يبدو أن قسما كبيراً منها داسته الأقدام أو حتى تم حرقه في محيط السجن من قبل عائلات أرادت أن تتدفأ بانتظار خبر عن المعتقلين.

وربما تساهم جهود الناشطين والصحافيين حول السجون في سد بعض الثغرات التي تطاول الملف، فعلى سبيل المثال نشر الكاتب والصحافي حسام جزماتي ملفاً كاملاً لطاقم سجاني صيدنايا بالأسماء والصور، وهو حصيلة استقصاء عمل عليه قبل سنوات، مؤكداً أن “حق الاستخدام مفتوح لأغراض التوثيق وجمع الشهادات واستكمال معرفة الضباط والعناصر وتحديد مرتكبي الانتهاكات، لا لأغراض الانتقام”.

 

 

وأكد الخبير في سجون النظام ومؤلف كتاب “الغولاك السوري: سجون الأسد 1970- 2020” جابر بكر في حديث مع “المدن” أن “جميع المعتقلات تم فتحها وللأسف ليس هناك معتقلون أحياء سوى القلة القليلة التي خرجت”، مضيفاً: “ربما تكون هناك سجون سرية جغرافياً لكن فات أوان إيجادها في حال وجودها أساساً لأن وجود أي سجن سري يعني ترافقه بخدمات لوجستية وطعام وحراسة وهذه المرفقات تكشف مكان السجن، كما أن فكرة السجون السرية يتم تداولها بطريقة خاطئة علماً أنها تعني أننا لا نعرف ماذا يحدث داخل السجن من حجم معتقلين واسباب اعتقالهم ومن يدير هذه الأماكن”.

 

 

وفي ما يتعلق بعملية تحرير السجون لاحظ بكر أن ما جرى كان فوضى كبيرة تعني خسارة وثائق تم إتلافها أو سرقتها أو العبث فيها سواء بحسن أو سوء نية، واصفاً المشهد بالكارثة التي تؤثر في محاكمة المجرمين في المستقبل.

ودعا بكر المؤسسات الدولية أن تدخل إلى الأراضي السورية لدراسة هذه الوثائق، مع إصراره على “إصدار قرار من السلطة بمنع إخراج أي وثائق خارج البلاد ومطالبة المنظمات الدولية بإعادة الوثائق التي بحوزتها، مع حظر حصرية الاحتفاظ بالوثائق لأي كان”.

 

 

وأشار بكر إلى جانب آخر مغيب أو لا ينال اهتماماً كافياً، وهو الرعاية الصحية والنفسية للمعتقلين الذين تم تحريرهم سابقاً والآن، وهم آلاف من المعتقلين، فيما انتشرت نصائح من أطباء نفسيين للتعامل مع أولئك الأفراد الذين عانوا تسليط الكاميرات عليهم ولمسهم وإحاطتهم بجموع من الناس فور خروجهم من الزنزانات وسؤالهم حتى: “كيف تم تعذيبكم؟”.

وقال بكر أنه مع فريقه يحاول بناء أرشيف وطني يضم وثائق مهمة تتم أرشفتها ودراستها بأساليب أكاديمية، إلى جانب زيارات قام بها الفريق بهدف الاطلاع والمقارنة مع الوثائق المؤرشفة التي تخص ألمانيا الشرقية وبعض الدول الأخرى.

 

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى