التكويع مصطلح جديد يضاف لقائمة السوريين
لا شك في أن صراع السوريين مع نظام الأسد، امتدّ لعقود، بدءا من نظام حافظ وانتهاء بنظام ابنه بشار الذي سقط في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر الفائت، ليفرّ بعدها إلى ديار حليفته الأبرز روسيا.
وقد أفرز الصراع السياسي، صفات مختلفة، تدل على ارتكابات رأس النظام، وأشهرها كوصفه بالطاغية والديكتاتور، وهما لازمتا وصف حافظ الأسد، من أول حكمه، حتى نهايته في عام 2000، سنة وفاته.
كذلك أنتج الصراع بين خليفة حافظ، ابنه الرئيس السابق بشار الذي ورث الحكم عنه بعد وفاته مباشرة، والمعارضة السورية، مصطلحات مختلفة. فبحسب المراقبين ومؤرخي الثورة السورية وأدبياتها، وتحليلات الصحافة والباحثين، فإن طبيعة قمع بشار لمعارضيه، وارتكابه مجاز الحرب المروعة بحقهم، كان بمؤازرة جماعية واسعة من أنصاره، والذين كانوا يمارسون أعنف أشكال التنكيل والقتل تعذيبا، بحق المعارضين، بحسب التقارير الحقوقية المحلية والدولية التي غطت جرائم الأسد، منذ اندلاع الثورة عليه عام 2011.
التشبيحُ شَقُّ أي شيء كان!
كما ولدت مصطلحات جديدة، تسببت الثورة السورية بترويجها، كان أشهرها، التشبيح، ثم وبعيد سقوط الأسد وفراره، جاء مصطلح التكويع.
وإذا كان الأول يعني أقسى الصور عن جرائم أنصار النظام وعناصر جيشه، بحق ثوار سوريا السلميين، فإن الثانية تعني تغيّر ولاء أنصار الأسد السابقين، بعد سقوطه، فلم يعد أمامهم، إلا إعلان “التبرؤ” منه والانفكاك عن تهمة الالتصاق بنظامه.
كذلك فإن فعل “التشبيح” الذي أطلقته الثورة السورية بقوة، دلالة على سلوك أنصار وعناصر النظام، ضد المعارضين السوريين، كان يعني من جملة ما يعنيه، ممارسة كل أشكال العنف، من قتل وخطف وسرقة واعتقال، فصار الذين يقومون بفعل التشبيح، شَبّيحة، فيقال: “شبّيحة الأسد”.
ويأتي الأصل الفصيح لهذا الفعل، التشبيح، من فعل المَدّ والتطويل، حتى يصل إلى معنى إحداث إصابة خطيرة في رأس الإنسان. فيقال في أمهات العربية، إن فعل شَبَحَ، يعني شَقَّ، ولهذا قالت العرب قديما: “شَبَحَ رأسَه” أي شقَّ رأسه. بل ثمة أمهات تقول: إن فعل التشبيح يعني شقّ أي شيء كان! ذلك أن الرجل إذا مُدَّ للجَلْد، فهو يُشْبَح! وشَبَحَه يَشبَحه، إذا أَعدَّه ليعاقبه بالجَلْد، حتى تصبح شَبَحَه، أي مَدَّه كالمصلوب!
شَبِّحوه.. عَذِّبوه!
أما معاني التشبيح في الأصل العربي الفصيح، فتطابق تماماً، واقع الحال في سوريا، منذ اندلاع الثورة السورية، وما عاناه السوريون على يد أنصار وأفراد نظام الأسد، فغالبية معنى التشبيح في العربية القديمة، هي في الصّلب والتعذيب وشقّ الرأس، حتى إن من يريد تعذيب شخص تحت الشمس، يقول: “شَبِّحوه!” كما ورد في أمهات العربية، وتعني ما تعنيه حرفيا وتطابق ما جرى في سوريا، إن في سجن صيدنايا الذي صار اسمه المسلخ البشري، أو سجون أخرى، أو في بقية مراكز جيش النظام التي كانت كلها أمكنة صلب وتعذيب للمعارضين الذين قضى أغلبهم مقتولين تحت التعذيب، التشبيح.
ومن الجدير بالذكر، أن التشبيح، كفعل، والشبّيحة، كفاعلين، وما ينطويان عليه، في أصل الفصحى من معنى العنف والأذى والقتل، حتى أصبح إطلاق السوريين لهذا المصطلح، دقيقا بما فيه الكفاية ليعمّم على مجرمي النظام السوري، قابله مصطلح آخر، اندلع في الساعات الأولى التي تلت سقوط الأسد وفراره خارج البلاد، هو التكويع، لكنه لا يتضمن معنى سفك الدماء والتعذيب والإرهاب، كالتشبيح، فأين تكمن فصاحة التكويع؟
التكويع.. من المَيل والاعوجاج!
وأطلق السوريون، مصطلح “التكويع” دلالة على قيام الشخص بتغيير خطه السياسي وانتمائه للنظام والتصاقه به، إلى الانقلاب عليه والزعم بأنه لم يكن من أنصاره. فعلى هذا يكون الفاعل قد قام بفعل التكويع، أي المَيل والانحراف من نقطة إلى أخرى.
والتكويع، في العربية الفصحى، مستمد أصلا من الكوع، ومَن يستند على كوعه، فقد كَوَّع. والكوع، لغة، هو طرف الزَّند، مما يلي الإبهام. ولهذا عندما يخرج هذا الطرف من مكانه، يحدث الكَوَع. فيما “التكويع” بحروفها التامة، موجودة، في معجم ألفاظ أهل النقب والبادية لمؤلفه صالح زيادنة، وفي العامية السورية كما ترد في التكويع بمعنى الميل وتغيير الاتجاه فيقول السوريون لسائق السيارة كي يغير الاتجاه: كوّع، وفي اللهجة العامية السودانية ورد فيها، التكويع، بمعنى المَيل، وكوَّعَ، مالَ! بحسب “قاموس اللهجة العامية في السودان” للدكتور عون الشريف قاسم.
فصاحة الفعل وعاميّته
يشار إلى أن في العامية اللبنانية، كوَّع، مالَ وعطفَ، وكوَّع سيارته، أمال مقودها، لتقطع الكوع، كما قال أستاذ اللغات السامية في الجامعة الأميركية ببيروت، الدكتور أنيس فريحة، في كتابه “معجم الألفاظ العامية في اللهجة اللبنانية” الصادر عام 1947م.
ويأتي الاستعمال السوري الحالي، عن “التكويع” أي تغيير الاتجاه والمَيل من ضفة إلى أخرى، من ذلك المكان في الأصل الفصيح، إذ يأتي الكوع بمعنى العوج، أي المَيل. فالمرأة الكوعاء هي التي في رسغها عَوَجٌ، وهو الكَوَع ويعني اعوجاج الكُوع. والكَوَع أن تعوجّ الكفّ من قبل الكُوع وهو طرف الزّند. فيقال ضرَبَه فكوَّعَه، أي صيَّره معوجّ الأكواع. وتكوَّعت يده، اعوجّت. ويقال تكوَّعت يداه، أصابها الكَوَع.
العربية