
الجميلة والمعتوه … يوسف بزي
من الخلاصات الفلسفية المعروفة، أن الشر “مبتذل”. رغم قوته التدميرية والأذى الذي يصعب محوه، يبقى الشر السياسي وما يجلبه من عنف وفظائع، مبتذلاً وتافهاً. كان القذافي مهرّجاً سخيفاً ودموياً في آن واحد. وذاك، عمر البشير، الذي حكم السودان بعصاه، التي كان يرقص ويلوح بها ببلاهة تامة. وعلى شاكلتهما أو أسوأ كان صدام حسين بنرجسيته واستعراضيته ونظراته الترهيبية وشغفه بالقتل. فيما كان حافظ الأسد يجسد انعدام التعبير، وجهاً وجسداً ولغة: صنم بليد.
الديكتاتوريون العرب، كما الديكتاتور الذي أوغل غابرييل غارسيا ماركيز في وصفه برواية “خريف البطريرك”: خليط من القذارة والسلطة والشر والتفاهة.
الورثة من أمثال عدي وقصي، على شاكلة بشار وماهر. كان نزق عدي صدام حسين وانحطاطه الأخلاقي واستسهاله للقتل أو الأذى مصدر رعب يومي للعراقيين. وهناك في الخفاء كان شقيقه قصي يدير آلة القمع الوحشي. على نحو مشابه تقريباً كان الأشقاء باسل وبشار وماهر. وأيضاً نساء العائلتين، كانت لهن أدوارهن في قصور السلطة ومكائدها. كانت السادية سمة أولى في سلوك العائلتين الحاكمتين. واستطاعتا تعميم السلوك السادي هذا في تلافيف المجتمع والدولة.
في قلب جمهورية الخوف، ستظل ضحكة بشار الأسد إمتيازه الشخصي، وعلامته التي لن تُنسى، كما شارب هتلر مثلاً. لا شيء يعبر عن البلاهة مثلها. مخيفة لشدة التفاهة التي تصدر عن هذا الشدق المفتوح بلا ضبط. حماقة إضافية يأتي بها الصوت الصادر عنها. قهقهة تمنح الفم المفتوح تعبيراً عن غباء فاحش يتضاعف أكثر مع رقبته الممطوطة وقفا رأسه المسطح.
قد تبدو السخرية من هيئته وضحكته تنمراً، لولا أن الشخص المعني هو موضع بحث وتفكير عن مصدر شره ووضاعته، وسر ميوله لإذلال الآخرين ونزوعه الدائم إلى الكذب والمراوغة.
هذا الرجل المطاطي، عديم الجاذبية بعينيه الزائغتين أبداً، ورث من أبيه أيضاً الكلام المسطح والفاتر واللغة الخشبية، لكنه أضاف إليها ضحالة تفكير وأسلوباً حلزونياً في الشرح. كان محترفاً في بث الملل بقدر رداءة تمثيله.
لم أُصب بأي دهشة حين شاهدت شرائط فيديو جولاته بالسيارة مع الشريرة الشقراء لونا الشبل. فما نضح عنهما هو بالضبط ما كنت أخمنه فيهما وسائر أشباههما. التلذذ بالتفاهة واستمراء الحقارة. الجولة نفسها تبدو وكأن الهدف منها معاينة سادية لمسرح الجرائم التي ارتكبها، وتمتع مرضي بما يقترف.
في هذا “المشوار”، في الأرض الخراب وإزاء كل المشاهد والناس، وحيثما عبرا ونظرا، لم يبدر عنهما ولا للحظة أي شعور بالتعاطف أو التأسف أو الاستنكار. فقط احتقار العالم والاستهزاء المتواصل بالبشر وتتفيه السياسة. كان الشر بضحكاته الصفراء المتبادلة بين لونا وبشار، في ذروة ابتذاله، لا تستطيع السينما تقليده. فهذه الأخيرة ستضع جمالية ما في المشهد.
هذه البورنوغرافيا السياسية يمكن وصلها أيضاً بتلك الصور التي يظهر فيها بشار الأسد بالمايوه أو بملابسه الداخلية. فميزة تلك الصور بنظر الجمهور المتلصص أنها تجسد تماماً الغباء المجدول بالشر في شخص وجسد بشار. كان عريه تعبيراً سياسياً تاماً.
هذا الثنائي بين “الجميلة” و”المعتوه” قدما لنا المثال الأخلاقي الذي حكم وسيطر سنوات مديدة على سوريا ولبنان، وتصرف بحياة الملايين ومصيرها. وهو مثال لا يزال يحكم قبضته على السياسة في هذا المشرق التعس، وفي أنحاء عربية أخرى. ولهذا السبب نشعر أن التفاهة تسود السلطة، بكامل شرها المبتذل.



